لم يعد هناك شك في أن الدول الغربية تواجه اليوم نوعاً جديداً من التهديدات الأمنية الخطيرة، ألا وهو ما يطلق عليه "الإرهاب الأبيض" الناشئ من داخل حدودها وميراثها الثقافي والحضاري الكبير. وتسجل هذه التهديدات أرقاماً مرتفعة جداً من الضحايا والعمليات الإرهابية. فقد أنفقت تلك الدول جهداً ووقتاً ومالاً لسنوات في مواجهة ما أطلق عليه "الإسلام الارهابي"! وخرجت لمحاربته خارج حدودها. وفي مرحلة لاحقة أكثر نضجاً، بدأت في مناقشة ضرورة مواجهة "الإرهاب الإسلامي" الناشئ من الداخل، وهو تطرف وعنف شباب أوروبي مسلم ولد وعاش وتعلم باعتباره مواطناً أوروبياً.
وقد تأخر الغرب كثيراً في مواجهة إرهاب الداخل، بل وأخطأ وما زال في توصيف حقيقة ذلك التطرف العنيف. لذلك اعتدنا قراءة وصف التطرف بالفوبيا. وهنا يثور سؤال مهم: هل هي حقاً فوبيا أم عنصرية؟
من المهم تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقة، إذ أن إطلاق مصطلح "إسلاموفوبيا" على مشاعر كراهية أو غضب أو تقييم دوني أو اعتقاد بأن المسلمين غير مناسبين للمجتمع الأوروبي أو للمناخ الديمقراطي والليبرالي، كل هذه الحزمة من الأفكار والمواقف والمشاعر والمعتقدات لا يصح وصفها بـ"الإسلاموفوبيا" وهي الكلمة التي تعني بالعربية "رهاب الإسلام". و"الرهاب" تعني الـ"الخوف"، ومن ثم فهو وصف غير دقيق لما سبق الإشارة إليه، لأن كلمة "الرهاب" أو "الفوبيا" توحي بأن هناك حالة نفسية مرضية من الخوف تصيب بعض الأفراد من شيء ما وفي هذه الحالة هو "الإسلام"، وهو الأمر الذي يتشابه مع حالات مثل "Acrophobia" رهاب الأماكن المرتفعة. أو "Nyctophobia" رهاب الظلام. وبالتالي فاستدعاء كلمة فوبيا يسمح بالتبرير والتسامح على أي حال. والأصح هو وصف هذا الموقف المتطرف تجاه المسلمين بوصفه الصحيح ألا وهو "العنصرية" والتي تعني الاعتقاد بوجود فروق بين الناس وفقاً لانتمائهم لجماعة أو عرق معين، ومن ثم تبرير التمييز في المعاملة تجاه هذه الجماعة.
من هنا، فإن الخطر الناشئ من داخل أوروبا والغرب والآخذ في النمو والتزايد يتمثل في فكر متطرف مبني على اعتقادات عنصرية يغذيها خطاب كراهية ضد الآخر، وهم في الواقع آخرون وليس آخر واحداً (يهود – مسلمين –سيخ -سود – الحركات النسوية – آسيويين ...إلخ) ذلك الخطاب أصبح شديد الوضوح وسريع الانتشار بسبب تطور آليات التواصل عبر الإنترنت. وهذا التطرف كثيراً ما يكون محصناً ضد المساءلة القانونية نظراً لكونه مستتراً خلف مسحة من السخرية ومستظلاً بأكذوبة حرية التعبير الأوروبية، التي تبيح خطاب كراهية وتمنع آخر. ذلك الفكر المتطرف الذى أصبح معتاداً على ارتكاب عنف شديد يصل إلى درجة القتل على الهوية من خلال عمليات قتل عشوائي أو اغتيالات لشخصيات مدنية غير مسلحة ومنهم أطفال، مما يجعله بوضوح كامل لا لبس فيه "إرهاباً"، وهو ما يطلق عليه "الإرهاب الأبيض"، الذي بات الوجه الأخطر للتطرف العنيف في أوروبا وأمريكا الشمالية بلا منازع في الآونة الأخيرة.
وتسعى الدراسة الحالية إلى مناقشة لبعض جوانب ظاهرة "الإرهاب الابيض"، أولاً: بالإجابة على تساؤل لماذا هو الوجه الأخطر من التطرف العنيف من خلال استعراض محددات تلك الخطورة. ثانياً: عرض لأهم الركائز الفكرية لهذا التطرف. ثالثاً: عرض لخريطة جماعات وتنظيمات الإرهاب الأبيض على جانبي الأطلسي. رابعاً: مناقشة أدواتهم للتعبير أو التجنيد أو تنفيذ مخططاتهم.
محددات التهديدات
1- التمييز على أساس العرق: تشترك كل من جماعات اليمين المتطرف والجماعات الإسلامية المتطرفة في الاعتقاد بقيمة "الاستعلاء"، إذ تعتقد بأنها تمتلك الأفضلية عن الآخرين، وتلك الأفضلية تمنحها الحق في رفض الآخر واستخدام العنف في مواجهته. وتظهر تلك الجماعات مزيجاً ساماً من التفوق والإحساس بالغطرسة تجاه الآخر، كما أنها تحتقر أفراداً أقل تطرفاً في مجتمعاتها، وتحن إلى الماضي المتخيل لهيمنة ثقافتها، وتسعى لاستعادة هذا المجد المتخيل([1]). لكن ما يجعل الإرهاب الابيض أكثر خطورة، هو أن استعلاءه قائم على أساس "العرق"، وهو أمر موروث لا يمكن تغييره بأي صورة من الصور. أما الجماعات الإسلامية المتطرفة فاستعلائها قائم على أساس "الإيمان" أي المعتقد، وهو وضع متغير سواء بالإقناع أو بالإكراه أو حتى على سبيل الادعاء والتقية.
2- تعدد الآخر المستهدف بالكراهية: أشارت هيئة الخبراء المستقلة التابعة لمجلس أوروبا لمكافحة العنصرية والتعصب، في تقريرها السنوي لعام 2019 الذي نُشر في 27 فبراير 2020، إلى أن أهداف التحيز والتمييز وخطاب كراهية الأجانب والعنف أصبح يطال المسلمين واليهود والغجر والسود على حد سواء. فهذا الخطاب يصور الإسلام على أنه دين غريب عن الثقافة والهوية الوطنية للعديد من الدول الأعضاء. ويجعل الوضع غير آمن لاسيما بالنسبة للنساء المسلمات. كما أن عمليات العنف قد انتشرت ضد اليهود والمؤسسات اليهودية. فضلاً عن أن العنصرية ضد السود والتهميش الاجتماعي ما زالت من التحديات المتكررة أيضاً. كما أن التمييز ضد المثليين آخذ في التزايد.
3- مهارات الاتصال واللغة: يجيدأتباع الإرهاب الأبيض في مجملهم الإنجليزية ويتقنون التكنولوجيا ومن ثم يبدئون من حيث انتهت تنظيمات التطرف الإسلامية. فاللغة والإنترنت كانا سبباً في تواصل فكري وتنظيمي كبير بين جماعات اليمين المتطرف على جانبي الأطلسي.
4- الارتباط ببعض الكيانات السياسية الرسمية: يشير واقع المشهد السياسي الأوروبي إلى وجود أحزاب وكيانات سياسية رسمية تتبنى أفكاراً يمينية متطرفة وخطاباً علنياً شديد العنصرية والتطرف. وقد جاء في تقرير مجلس أوروبا لمكافحة العنصرية والتعصب، أن كثيراً من الحملات الانتخابية المختلفة في عام 2019 أظهرت خطاباً قومياً متطرفاً وكراهية للأجانب([2]). بل إن الأكثر من ذلك أن الملاحقات الأمنية المتزايدة في السنوات القليلة الأخيرة والتي تزايدت بعد ارتفاع عدد عمليات الإرهاب الأبيض قد أظهرت علاقات سرية بين بعض الجماعات والرموز اليمينية المتطرفة العنيفة وبين أحزاب سياسية تسعى للوصول الى السلطة أو متواجدة بالفعل في السلطة.
5- سهولة الحصول على التمويل: ارتباطاً بالمحدد السابق، فإن المناخ العام الذي تعمل فيه جماعات ومنظمات الإرهاب الأبيض يتضمن قدراً من التقبل لهذه الجماعات، وهو الأمر الذي يوفر لها الفرصة في الاتصال بقنوات تمويل سخية مستترة تحت مسميات من منظمات الأعمال الخيرية في الدول الغربية.
6- العمل في مناخ آمن من الملاحقات الأمنية والقانونية: فعلى مدار عقدين من الزمان، ظل تركيز الأجهزة الأمنية والمراكز البحثية والحكومات الأوروبية على مواجهة خطر الجماعات الإسلامية المتطرفة، والعزوف عن الالتفات إلى كل إنذارات الخطر من قبل إرهاب اليمين المتطرف، وهو الأمر الذي وفر مناخاً آمناً للتنظيم والدعايا لتلك الأفكار الأخطر في تطرفها والأكثر ضرراً في عنفها. لذلك فهو الجانب الأكثر قتامة وخطورة ويثير مخاوف عديدة على الأمن والسلم داخل الدول الأوروبية والولايات المتحدة بصورة أكبر من إرهاب التنظيمات الإسلامية المتطرفة.
الركائز الفكرية
1- مبدأ الإحلال العظيم: يعد الإحلال العظيم هو المُحفِّز الأكثر تأثيراً في ارتكاب عمليات الإرهاب الأبيض، ذلك المبدأ يقوم على أساس أن الهجرات وحركات اللجوء المتواترة على الغرب في أوروبا والولايات المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار انخفاض نسبة المواليد داخل أسر العرق الأبيض وزيادتها بين أسر الهويات والأعراق الأخرى، تمثل تهديداً وجودياً بالنسبة للهوية الأوروبية والعرق الأوروبي في مواطنه سواء في أوروبا أو أمريكا الشمالية او استراليا.
فقد وضع قاتل المصلين في نيوزيلندا عنوان "الإحلال العظيم" لبيانه الشهير الذي كتبه في 80 صفحة ووضعه على الإنترنت قبل تنفيذ عمليته، واعتبر بعد ذلك بمثابة "مانيفستو الإرهاب الأبيض"، كما بدأ بيانه بتكرار جملة "إنها معدلات الولادة" ثلاث مرات. وفي واقع الأمر، يعود المصطلح إلى كتاب صدر في نوفمبر 2011، بعنوان "الاستبدال العظيم" للكاتب الفرنسي اليميني رينو كامو، الذى يبنى فكرته على أساس أن النمو السكاني للمهاجرين سيؤدي إلى تغير ديموجرافي في الغرب، يُستبدل بموجبه مهاجرون من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالأوروبيين. بل واعتبر كامو استمرار حركة الهجرة وزيادة المواليد بمثابة الاستعمار الذي يتوجب مقاومته بالعنف([3]).
واللافت أن المصدر الحقيقي وراء هذا الادعاء السابق ليس واضحاً حتى من قبل صدور الكتاب، لأنه يبدو أن معلومات مغلوطة تم تناقلها حتى اكتسبت مصداقية لدى العديد من الأوروبيين تقول بتحول أوروبا إلى غالبية من المسلمين وذوي أصول عربية وهو ما أطلق عليه "أسلمة أوروبا". لكن المفارقة أن الدراسات العلمية تقول عكس ذلك. إذ تشير دراسات معهد "بيو" عن التغيرات السكانية إلى أنه على عكس ما يروج له المتطرفون البيض، فإن نسبة سكان الولايات المتحدة من العرق الأبيض ستكون 46% مقابل 13% فقط من السكان من أصول أفريقية و14% من أصول آسيوية في عام 2065. أما في أوروبا 2050، فإن أقصى ما يمكن أن تصل إليه نسبة أعداد المهاجرين من النسبة الأصلية للسكان، وكما يتوقع المعهد، لن تتجاوز 14% على أقصى تقدير، و11.2% على أقلها([4]).
2- تفوق العرق الأبيض: تفترض هذه النظرية أن هناك جنساً أوروبياً واحداً، وهو العرق الأبيض. وتعتبره العرق الوحيد القادر على الإبداع والاختراع والعيش بتحضر. وهذه النظرية تفسر الاستعمار الأوروبي لشعوب العالم باعتباره عملاً جيداً يهدف إلى مساعدة الأعراق الأخرى الأقل في المرتبة والتحضر على تحسين ظروف حياتها. هذه الفكرة تمنح الإنسان رتبة الإنسانية بجيناته ولون بشرته وليس على أساس الوطنية وحقوق الإنسان كما أسست أوروبا نظامها بعد الحرب العالمية الثانية.
3- ربط التفوق العرقي مع المسيحية: وهو مايجعل العنصرية أكثر تعقيداً وعنفاً. في مانيفستو الإرهاب الأبيض، استدعى قاتل نيوزيلندا المسيحية بقوله: "فعار علينا، أيها الأبناء والإخوة، أن ننظر إلى العالم في هذا القرن ونرى خراب المدينة المقدسة. فلتجعلوا نار التوبة تشعل الحرب المقدسة، ليقودنا حب إخواننا إلى القتال. فلتكن حياتنا أقوى من الموت لكي نحارب أعداء الشعب المسيحي". واختلطت دوافعه بين الثأر للصليبيين القدامى في حروبهم ضد المسلمين، وبين الانتقام من المهاجرين، وبين الحفاظ على مكانة الرجل الأبيض وهيمنته الحضارية([5]). ولنا أن نتصور ذلك الخليط بين الشعور بالتفوق الجنسي الممنوح للعرق الأبيض بالولادة، وبين الاستعلاء بالمسيحية والتباكي على ضحاياها في الصراعات الدينية التاريخية، وكيف يمكن أن يؤدي إلى عنف أكثر وحشية وخطورة. فضلاً عن أن مواجهته الفكرية والتحول عنه يصبح أمراً بالغ التعقيد.
4- التسارعية والفوضى الخلاقة: يقول رينالدو نازارو، زعيم حركة "ذا بيز" الإرهابية: "نريد تسريع الأمور، نريد أن تزداد الأمور سوءاً في الولايات المتحدة. وبفضل الفوضى، سيتوفر بعض الفرص. فعندما يبدأ القانون والنظام في الانهيار، تكون الظروف مواتية لأكثر العناصر تنظيماً واستعداداً للاستفادة من هذه الظروف"([6]).
ويعتقد المتطرفون اليمينيون الذين يتبنون التسارع أن الانهيار المجتمعي أمر حتمي ويسعون إلى تسريع هذا الانهيار ومن ثم يتوافقون على تنفيذ سلسلة من الأحداث المتتابعة العنيفة، حيث يولد العنف المزيد من العنف وأخيراً تحدث الفوضى التي تسمح لهم بخلق مجتمعهم الجديد الأبيض المثالي، ذا السمات الذكورية والقيم الدينية والبعيد عن الديمقراطية إلى حد كبير!.
ويعتبر جيمس ماسون رائد فكرة التسارع في كتابه "Siege"، أن أنصار التفوق الأبيض سيكونون هم الناجين الوحيدين في هذه الحرب الشاملة ضد النظام([7]). وبالتالي، فإن أعمال الإرهاب العشوائية المدمرة للغاية -مثل الهجوم النووي -هي أدوات مثالية لبث الفوضى وتسريع هذا الانهيار المجتمعي.
وفي واقع الأمر يعود الربط بين أحلام الفوضى الخلاقة لدى أنصار الإرهاب الأبيض وبين خيال الإرهاب النووي أو الكارثي إلى عقود. ففي رواية The Turner Diaries، الصادرة عام 1978، للمؤلف النازي ويليام لوثر بيرس، يستخدم أبطال الرواية أعمال الإرهاب النووي في خدمة خلق "عالم أبيض"([8]). وفي دراسة للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب، وجد أن هناك ارتباطاً بين تلك الرواية وبين ما لا يقل عن 200 جريمة قتل و40 هجوماً إرهابياً خلال الأربعين عاماً الماضية([9]).
5- نظرية المؤامرة: يعتقد غالبية أنصار اليمين البديل ونظرية التفوق الأبيض في أن العرق الأبيض يتعرض إلى مؤامرة عالمية ضده، يسميها اليوتيوبر المتطرف الأبيض كولن روبرتسون الشهير بـ"ميلنيل وايز"، بمؤامرة الإبادة الجماعية للبيض، وهي تتقاطع مع نظرية الاستبدال العظيم في فكرة مسئولية الموجات الواسعة من الهجرة عن هذه الإبادة. إلا أنها تحمل أبعاداً أكثر خيالاً وتعقيداً حول مسئولية أطراف خارجية ومحلية في تنفيذ هذه المؤامرة. وفي واقع الأمر، فإن هذه الطريقة في التفكير تتقاطع أيضاً مع أفكار الإسلاميين المتطرفين حول تعرض الدين الإسلامي للمؤامرة من الخارج والداخل على حد سواء. وفي النهاية هذا التصور يعد دافعاً لمواجهة هذه المؤامرة وإيقافها حتى لو عن طريق التضحية بالنفس من خلال تنفيذ عمليات إرهابية.
6- معاداة النسوية والنظرة الدونية للمرأة: في مقطع الفيديو الذي نشره مرتكب هجوم هالة الإرهابي في أكتوبر 2019 قبيل تنفيذه الهجوم، قال: "النسوية هي المسئولة عن انخفاض معدل المواليد في الغرب، وهي سبب الهجرة الجماعية. أصل هذه المشاكل هو اليهودي".
ويبدو جلياً أن فكرة معاداة النسوية والدعوة إلى عودة المرأة لشكلها التقليدي وانشغالها فقط بأعمال المنزل وإنجاب الأبناء هو جزء أصيل من أفكار اليمين المتطرف بصورة عامة والإرهاب الأبيض على وجه الخصوص. لكن الخطر الأكبر، وفقاً لرأي المتخصصين الأوروبيين، أن هذه الفكرة بالتحديد تحمل جاذبية لقطاع أكبر من الأوروبيين والغربيين الذين قد يكونوا غير متحمسين لأفكار العنصرية والتفوق العرقي، والرجال الذين يمرون بأزمة اجتماعية والذين تكون وظائفهم ومستويات معيشتهم معرضة للخطر هم الفئة المعرضة بشكل خاص إلى تبني هذا الفكر. ويحذر عالم الاجتماع فون بارغن من أن معاداة حقوق النساء يعد مشهداً لا يحظى باهتمام كبير وبشكل خاص لا يُنظر إليه على أنه حلقة وصل بين الميول اليمينية وبين المجتمع من الداخل([10]).
وفي كتابها الجديد "الاتجاه الى الظلام: الحياة الاجتماعية السرية للمتطرفين" الصادر في فبراير 2020، للباحثة الألمانية جوليا ابنر، تقول المؤلفة عن رأيها في انجذاب بعض النساء الأوروبيات لأفكار تيار Traditional wife"الزوجة التقليدية"[11] الآخذ في الصعود في أوروبا: "هناك عدد من النساء داخل المجتمع الأوروبي بشكل عام وداخل صفحات دردشة اليمين المتطرف يروجون لأفكار مثل رفض أن تتحدث النساء ضد أي نوع من الإساءة اللفظية، أو حتى الإساءة الجسدية، وأن عليهن الصمت بشكل أساسي. بل وتحميل الزوجات السبب في عنف الأزواج". وأضافت: "إن بعض النساء والرجال وخاصة من الأجيال الشابة قد وجدوا ضالتهم في هذا التيار كنوع من مواجهة النسوية الراديكالية"([12]).
خريطة متشابكة
1- اليمين البديل العالمي Alt-right(المظلة الواسعة): من الممكن القول أن اليمين البديل هو التيار الواسع الذي يتقاطع مع اليمين المتطرف التقليدي في بعض الأفكار، إلا أنه يتمايز عنه في كونه تياراً شديد التطرف قائم على أساس فكرة تفوق البيض والاستعلاء ورفض التعايش مع الهويات الأخرى، ومن ثم فهو التيار الشامل لما يمكن أن نطلق عليه الإرهاب الأبيض.
اليمين البديل تيار حديث نسبياً، لكنه أشبه بالوجه الجديد لمجموعة من جماعات وتنظيمات يمينية متطرفة وعنيفة كانت موجودة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لكنها عادت في ثوب جديد مستفيدة من سهولة الانتشار والتجنيد عبر الإنترنت ومستغلة أيضاً الظروف السياسية المحلية المتمثلة في أزمة الديمقراطية الغربية، والدولية المتمثلة في موجات اللجوء الواسعة الى أوروبا وانتشار المخاطر العابرة للحدود مثل الأوبئة وإرهاب التنظيمات الإسلامية المتطرفة.
وهذا المفهوم قام بصياغته ريتشارد سبنسر في 2010 لوصف التيار القائم على فكرة القومية البيضاء، وقد كان هذا المصطلح محل جدل كبير ومناقشات إعلامية وفكرية خاصة أثناء الانتخابات الأمريكية والتي فاز فيها دونالد ترامب في 2016. كما ضمت إدارة ترامب العديد من الشخصيات المرتبطة باليمين البديل مثل ستيفن ميلر المستشار السياسي للرئيس، وجوليا هان رئيسة المكتب التنفيذي للرئيس، ومايكل فلين مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، وسباستيان غوركا رئيس المكتب التنفيذي للولايات المتحدة السابق، وستيف بانون المسئول عن استراتيجية البيت الأبيض. وطبقاً لتقرير مركز قانون الحاجة الجنوبي في فبراير 2018، فإن أكثر من مائة شخص قُتِلوا وجُرح 13 بيد أعضاء اليمين البديل منذ 2014. وبصورة عامة هو مصطلح مفيد للإشارة إلى اليمينيين خارج التيار المحافظ التقليدي.
2- الضوء البديل أو اليمين الجديد Alt- light or alt-lite: وكانت بداية نشأته عندما استخدم ريتشارد سبنسر التحية النازية في مظاهرة لتأييد ترامب عام 2016. ومن ثم تشكل التيار من انشقاق عدد من أتباع تيار اليمين البديل، ويختلف هذا التيار عن الأخير في خفوت نغمة العنصرية قليلاً. فضلاً عن اختلافه مع اليمين البديل حول المسألة اليهودية. وفي البداية أطلق المنشقون على أنفسهم اسم "اليمين الجديد" ثم تحول إلى Alt- light أو "الضوء البديل". وفي خضم أحداث تظاهرات اليمين في 2017 طفت الخلافات بين تيارات اليمين المتطرف وظهرت مجموعة من الشباب الذين تم وصفهم بـ"البديل الخفيف" أو Alt- lite، وهي المجموعة التي رفضت المواقف والتصريحات العنصرية العلنية القوية التي تبنتها حركة اليمين البديل. وفي واقع الأمر، فإن وضع الخطوط الفاصلة بين هذه المجموعات المنشقة أمر ليس بالسهل. غير أن وجود هذا التيار الأحدث سمح بنوع من حركة انتقال الأتباع ما بين معسكرين اليمين البديل والضوء البديل على صفحات الإنترنت([13]).
3- حركة التنوير الحالك أو الرجعيين الجدد Dark Enlightenment: وهى مدرسة فلسفية معادية للديمقراطية ومعادية للمساواة أسسها الأمريكي كرتيس يارفن، ويعد الفيلسوف الإنجليزي نك لاند هو أهم من طورها وكتب عنها. وتمثل حركة التنوير الحالك المرجعية النظرية والفكرية لتيار اليمين البديل. ومن خلال كتاب نك لاند "التنوير المظلم"، استعرض الكاتب أفكار الحركة التى تقوم على مرتكز أساسي وهو عدم توافق الديمقراطية مع الحرية، وأن الديمقراطية قد انتهت صلاحيتها، حيث أن عملية الانتخابات قد فقدت مصداقيتها والهدف منها بالأساس. ويؤكد على هذه الركيزة بأن كلمة "ديمقراطية" لم تظهر في إعلان الاستقلال (1776) أو دستور الولايات المتحدة الأمريكية (1789)، بما يعني، وفقاً لذلك، أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة كانوا على علم بالشرور التي تصاحب استبداد الأغلبية.
أما فيما يخص مسألة الهوية، يعتبر لاند أن "الأبيض" هو العرق الأكثر تأثراً بجينات الأعراق الأخرى، ومن ثم فهو واقع تحت تهديد "التلويث" من خلال اختلاطه بأعراق أخرى ينتج عنه تغميقه ومن ثم تدميره أو اختفاءه. ويطرح لاند تساؤلات حول: لماذا لا يمكننا أن نكون دعاة حماية عرقيين محبوبين، مثل هنود الأمازون؟، كيف نتحول دائماً إلى نازيين جدد؟. ويعتقد أيضاً أن مسألة الاندماج العرقي أكذوبة وأن الواقع الغربي أثبت أنه برغم قوانين المساواة إلا أن البيض ما زالوا متفوقين على السود في الولايات المتحدة وأوروبا، وما زال المجتمع منقسماً في المسكن والتعليم وأمور حياتية أخرى. ومن ثم يعتقد لاند أن الناس ليسوا متساوين، ولا يتطورون على قدم المساواة، وأهدافهم وإنجازاتهم ليست متساوية، ولا شيء يمكن أن يجعلهم متساوين. فالمساواة الجوهرية لا علاقة لها بالواقع([14]).
4- حركة الهوية Identitarian Movement: يمكن وصف الحركة بأنها جزء من اليمين البديل العالمي، أو باعتبارها اليمين البديل الأوروبي. وقد تأسست أول تنظيماتها في فرنسا عام 2003 باسم Génération Identitaire، وفرعها الشبابي الأكثر شهرة الآن Bloc Identitaireالذى تأسس عام 2012. ومن فرنسا انتشرت الى كافة الدول الأوروبية الغربية والشرقية وخاصة الدول الناطقة بالألمانية. كما عبرت إلى دول أمريكا الشمالية وأسترالية أيضاً. وتتمحور أفكار حركة الهوية حول مفهوم "التفاضل العرقي" لحركة اليمين الجديد أو "نوفيل درويت Nouvelle Droite" الفرنسية في الستينيات للفيلسوف الان دو بينوا Alain de Benoist، وتدور الفكرة بالأساس حول: "يمكن لكل شعب وثقافة أن تزدهر فقط على أرضها الأصلية؛ الاختلاط العرقي والثقافي يعتبر عاملاً من عوامل الانحطاط ؛ حيث أن التعددية الثقافية مشروع فاشل لا ينتج عنه سوى الجريمة، وفقدان الاتجاهات، وفي نهاية المطاف إمكانية "الحرب العرقية" في أوروبا بين الأوروبيين من أصول أوروبية وبين الأوروبيين من أصول عربية او إسلامية". ويعتبر البعض أن الهوياتيين ليسوا إلا نازيين جدد تحت عنوان جديد الغرض منه إيصال رسالتهم إلى الأجيال الجديدة، حيث استبدلوا عبارات ينظر إليها تاريخياً على أنها ملوثة بعبارات جديدة أكثر جذباً. فعلى سبيل المثال، لا يتحدثون عن "التسفير الجماعي القسري"، بل عن "إعادة الهجرة أو الهجرة المعاكسة"، ويقولون: "إننا لسنا عنصريين، بل نحن إثنوتعدديون"([15]).
وشعار حركات الهوية الأوروبية هو رمز لحرف إغريقي "لامدا" باللون الأصفر مستوحى من الشكل المرسوم على دروع الجيش اليوناني لإحياء ذكرى معركة تيرموبيلاي القديمة، التي انهزم فيها اليونان أمام الفرس قبل الميلاد. وتنتشر حركات الهوية الأوروبية فى العديد من الدول الأوروبية. فقد تم تأسيس حركة "جيل الهوية النمساوية" Identitäre Bewegung Österreich (IBÖ) في عام 2012. وزعيمها هو القيادي المؤثر مارتن سيلنر. وقد أثبتت التحريات وكذلك اعترافات سيلنر أن القاتل الأسترالي برينتون تارانت المسئول عن تنفيذ العملية الإرهابية ضد مسجدي كرايستشيرش في نيوزيلندا قد كان على اتصال بسيلنر وقام بالتبرع بـ1500 يورو لحركته قبل تنفيذ العملية الإرهابية. وفى ألمانيا نشأت من رحم النازيين الجدد وعملت الحركة بالتعاون مع حركة بيجيدا المعادية للاجئين، ولها صِلات بحزب البديل من أجل ألمانيا المعادي للاجئين والمهاجرين. وفي 11 يوليو 2019، قام المكتب الاتحادي الألماني لحماية الدستور (BfV)، ووكالة الاستخبارات المحلية في البلاد، بتصنيف حركة الهوية رسمياً على أنها "حركة يمينية متطرفة ضد الدستور الديمقراطي الليبرالي". وفي يوليو 2017، تم إنشاء صفحة Generation Identity UK and Ireland على موقع "فيسبوك". وفي أكتوبر 2017، اجتمعت شخصيات رئيسية من حركة الهوية وتم رفع لافتة على جسر وستمنستر فى لندن كتب عليها "دافع عن لندن، أوقف الأسلمة". لكن الحركة ما لبثت أن شهدت في بريطانيا انسحابات عديدة بعد تكشف أخبار عن ارتباط الحركة الناشئة بشخصيات نازية وأخرى عنيفة. كما أنشئت حركة الهوية في السويد عام 2004 باسم Nordiska förbundet، وهو الفرع الذي أسس موسوعة الإنترنتفي عام 2006 [16] Metapedia. وتعود نشأة الفرع الإيطالي Generazione Identitaria إلى عام 2012. وتم تأسيس Identitair Verzet فى هولندا في عام 2012. ويتم تدريب أعضائه في معسكرات في فرنسا. كما أن حركة Evropa وهي المعروفة باسم حركة الهوية الأمريكية، فضلاً عن حركة Rise Aboveومقرها جنوب كاليفورنيا مستوحاة من حركات الهوية في أوروبا وتحاول جلب الفلسفات والتكتيكات العنيفة إلى الولايات المتحدة. وتم تشكيل منظمة Generation Identity Canada في عام 2014 فى كندا، وتمت إعادة تسميتها ID Canada في عام 2017. كما تأسستشبكة اتوموافين Atomwaffen وتعني "الأسلحة النووية" باللغة الألمانية، وهي شبكة إرهابية من النازيين الجدد، تأسست عام 2015 في جنوب الولايات المتحدة، وقد توسعت منذ ذلك الحين إلى المملكة المتحدة وكندا وألمانيا ودول البلطيق ودول أوروبية أخرى. ويتم تصنيفها باعتبارها جماعة كراهية وتدعو إلى العنف. وتهدف المنظمة إلى الإطاحة العنيفة بالحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة عن طريق الإرهاب وتكتيكات حرب العصابات. ومنذ عام 2017، ارتبطت المنظمة بثماني عمليات قتل والعديد من جرائم الكراهية العنيفة، بما في ذلك الاعتداءات والاغتصاب وحالات متعددة من الاختطاف والتعذيب. وتستمد أفكارها بالأساس من كتاب Siegeلمؤلفه جيمس ماسون([17]). ولكن حتى مع وجود مؤسسيها في السجن، إلا أن المنظمة تشهد رواجاً في تجنيد الأتباع من خلال الإنترنت. ويبدو أن الخطر الأكبر لهذه الشبكة هو انجذاب شخصيات عسكرية أمريكية للانضمام اليها وفقاً لتقارير لدائرة التحقيقات الجنائية البحرية، ومكتب التحقيقات الفيدرالية([18]).
هذا فضلا عن مجموعة من الحركات منها: المملكة المتحدة (شعبة Sonnenkrieg)، وألمانيا (AWD Deutschland)، وكندا (الرتبة الشمالية)، ودول البلطيق (شعبة Feuerkrieg)، وحركة بوجالو Boogalooوهي مجموعات أمريكية يمينية إرهابية مسلحة توصف بالميليشيات، وكثير من أعضائها مدانون بتهمة الإرهاب. وظهرت بداية في عام 2012 على شبكة الإنترنت على موقع Chan4. إلا أن الاهتمام بها لم يبدأ إلا في أواخر 2019. وغالباً ما يشار إليهم بأولاد بجالو boogaloo bois. ويسعون للتحريض على حرب أهلية أمريكية ثانية.
5- حركة كو كلاكس كلان KKK: من أقدم جماعات الكراهية في الولايات المتحدة. وتضم اليوم نحو 8 آلاف عضو مقارنة مع 4 ملايين في منتصف العشرينات. وقد نشأت الحركة في الأساس لمناهضة تحرر الأمريكان السود. لكنها قامت بعد ذلك بتوسيع قاعدة كراهيتها لتشمل الدعوات المناهضة لليهود والمهاجرين والمثليين والكاثوليك.
6- جماعة براود بويز فتيان فخورين Proud Boys: تأسست المجموعة في عام 2016 من خلال مجلة تاكي ذات التوجه اليميني المتطرف تحت قيادة المؤسس المشارك لشركة إعلام فايس الكندية غافن ماكننيس الذي وصفها بأنها أخوية أو "نادي للرجال". وعلى الرغم من تصريحات مؤسسها بأن الجماعة تركز على القيم الأوروبية وليس مسألة العرق، إلا أن المخابرات الأمريكية وصفتها "بأخطر مجموعة متعصبة للبيض". كما أن البرلمان الكندي قام في يناير 2021 بتصنيف الجماعة بـ"كيان إرهابي"([19]).
7- جماعة الزوايا التسع البريطانية The Order of Nine Angle: وهي جماعة تشكلت في ستينيات القرن الماضي وأصبحت أكثر نشاطاً مؤخراً من خلال الإنترنت وباتت أدبياتها وأفكارها ظاهرة وجزءاً من أفكار التيارات اليمينية الإرهابية. تقول الجماعة عن نفسها إنها تؤمن بالفكر النازي الذي يعتقد بالتفوق العرقي، وهي تدعو إلى إقامة نظام مبني على مبدأ كراهية النظام الليبرالي والمجتمعات ذات الأصول اليهودية-المسيحية. ومن بين أبرز وجوه الجماعة ديفيد ميات، وهو مؤلف معظم أدبياتها([20]). وقد تم القبض على ثلاثة عناصر تنتمي للجماعة في يناير 2020، بتهمة تخزين الأسلحة والتخطيط لقتل زوجين مناهضين للفاشية وأطفالهما الصغار. فضلاً عن الاشتراك في تدريب شبه عسكري.
8- حليقو الرؤوس (Skinheads): يأتي اسم الجماعة من شكل أتباعها الذين يتميزون بأنهم حليقو الرؤوس بالكامل وأجسادهم مليئة بالوشوم ويرتدون أحذية كبيرة ذات رؤوس معدنية، وغالباً يستخدمونها لإصابة ضحاياهم. وتستخدم هذه المجموعة موسيقى الروك اند رول وتستهدف الشباب في تجنيدها وتقوم بارتكاب جرائم تتراوح بين المضايقات والتحرش اللفظي إلى القتل في حق غير البيض. ولعل أبرز جرائمها إطلاق أحد أعضائها النار على مصلين من "السيخ"، في معبد بمدينة أوك كريك في ولاية ويسكونسن يوم 5 أغسطس 2012، ما أدى إلى سقوط سبعة قتلى وإصابة آخرين([21]).
9- ذا بيز "القاعدة" The Base: وهي مجموعة كراهية إرهابية للنازيين الجدد والبيض والمتسارعين، تشكلت في عام 2018 ونشطت في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وجنوب أفريقيا والمملكة المتحدة. تركيبها ليس هرمياً ولكن عبارة عن مجموعة من الخلايا ذات الاستقلال في عملها، وهو ما يزيد من خطورتها. تؤمن بفكرة التسارعية وأن حالة الفوضى أصبحت وشيكة ومن ثم يستعدون لارتكاب جرائم عنيفة للتخلص من كل غير البيض في المجتمع الأمريكي أثناء الفوضى.وقدنشر مركز قانون الفقر الجنوبى Southern Poverty Law Center الأمريكى فى سلسلة وثائقية صوتية تحت اسم "يبدو مثل الكراهية" (Sound Like Hate) 83 ساعة من التسجيلات المسربة بين رينالدو نازارو مؤسس جماعة ذا بيز ونحو 100 مجند محتمل. وجاء في أحد أجزاءها قول نازارو الهارب والمقيم في روسيا: "مهمتنا بسيطة للغاية. إنها التدريب والسيطرة على الشبكات والاستعداد للانهيار. نريد أن نكون جاهزين ومستعدين تماماً للاستفادة من أي فوضى أو فراغ في السلطة" 22][.
10- حركة القومية الاشتراكية السرية NSU: أسست الحركة بيات زكابي، في ألمانيا، وتصنف هذه الحركة على أنها يمينية متطرفة ومنظمة إرهابية نازية، وتعد الحركة التي أسستها سيدة سراً في ألمانيا مسئولة عن سلسلة اغتيالات تمت بين 2000 و2006، راح ضحيتها 11 ألماني من أصول تركية. وعلى الرغم من تشابه طريقة القتل لم تعتبرها الأجهزة الألمانية جرائم إرهابية أو عنصرية، حتى أنتجت الحركة فيديو في 2011 تعترف فيه بدورها في هذه الاغتيالات. وقد تم الحكم على زكابي بالسجن مدى الحياة في يوليو 2018.
أدوات مختلفة
1- الإنترنت: يعتبر البعض أن المُحفِّز الأهم لانتشار أفكار الإرهاب الأبيض هو منافذ الإنترنت بلا منازع، الذي ظل ساحة مفتوحة لانتشار أفكار اليمين المتطرف العنيف وتجنيد الشباب منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن منصات الإنترنت والسوشيال ميديا لم تضع مصطلحات الكراهية والعنف والتمييز الخاصة بالإرهاب الأبيض على قوائم المنع أو الحذف، إلا بعد أحداث شغب شارلوتسفيل([23]) في 2017. وبالكاد، قام تويتر بإغلاق الحسابات ذات الصلة باليمين المتطرف في يوليو 2020 فقط بعد أن أصدرت مؤسسة GPAHE تقريراً عن مخاطر حركة اليمين البديل([24]).
وأصبحت مواقع ومنصات الإنترنت مكاناً لنشر حركات اليمين المتطرف للأكاذيب والسموم المُحفِّزة على كراهية الآخر والتعصب لفكرة التفوق الأبيض. ومنذ هجوم أندرس بريفيك الإرهابي في عام 2011، أصبح من المعتاد أن يترك الإرهابيون المتطرفون اليمينيون بياناً. ومنذ هجمات نيوزيلندا في عام 2019، قام العديد من المتطرفين ببث جرائمهم([25]).
لكن يظل التجاهل الأمني والرسمي لتصاعد أفكار ونشاط اليمين البديل لسنوات عائقاً أمام جهود إيقاف هذا الخطر اليوم. فقد أصبحت الأفكار أكثر قوة ونفاذاً والجمهور أكثر اتساعاً والشبكة أكثر ترابطاً على ضفتي الأطلسي.
وتتمثل قنوات الإرهاب الأبيض الأكثر تفضيلاً في:
أ- موقع فورتشان chan4: بدأ الموقع في 1 أكتوبر 2003، واستخدم أصلاً لنشر الصور، وسرعان ما ازدادت شعبيته، وكان مستخدمو فورتشان مسئولين عن تشكيل أو تعميمات الإنترنت. ولخصت صحيفة الجارديان مجتمع فورتشان بأنه "مجنون، طفولي، رائع، سخيف ومثير للقلق".
ونظراً لسياسة الموقع التي لا تطلب من المستخدمين التسجيل أو إدخال بيانات تخصهم أو التأكد من هويتهم، فقد كانت منصة جيدة لاستضافة أعداد كبيرة من المتطرفين على اختلاف توجهاتهم، ولحق به بعد ذلك بعشر سنوات موقع chan8([26]).
ب- موقع "ديسكورد" (Discord): وهو برنامج تواصل اجتماعي مجاني صمم خصيصاً لمجتمع الألعاب، وقد بلغ عدد مستخدميه حتى 2018 نحو 250 مليون مستخدم. ويتواصل المستخدمون من خلال المكالمات الصوتية ومكالمات الفيديو والرسائل النصية والوسائط والملفات في محادثات خاصة. وفتحت بعض مجموعات اليمين المتطرف عليه غرف دردشة حرة ولامركزية.
ج- تليجرام: تعتبر منصة تليجرام هى الأكثر تفضيلاً لدى المنظمات الإرهابية بشكل عام، حيث أن غرف الدردشة بها تسمح بتواجد حتى 200 ألف شخص في حين أن الحد الأقصى على منصة الواتساب 256 شخص.كما أن أحزاب اليمين المتطرف تتواجد وتضع أخبارها بشكل دوري عليها بصورة رسمية. ومن ثم فإنه من الصعوبة بمكان إيجاد رسائل عنصرية أو معادية للسامية على القنوات الرسمية لهذه الأحزاب. غير أن هذا الأمر لا ينطبق عند رصد القنوات أو المجموعات غير الرسمية. والأمر يزداد سوءاً وعنصرية وكراهية في منتديات الدردشة التي تنشر صوراً وميمات دعائية وعنصرية وفاشية وترويجية، لتفوق العرق الأبيض؛ مثل: Han’s Right WingTerror" Center"، و"Random AnonChannel" و"Fashwave".
إضافة إلى هذه القنوات الدولية، هناك العديد من غرف ومنتديات الدردشة المحلية على مستوى كل دولة، التي تضم مستخدمين من جنسيات محددة. ففي فرنسا على سبيل المثال، هناك InformAction Francais""، وفي إسبانيا يوجد "The Spanish Army"، وفي إيطاليا "Partito Nazionale Fascista". وغالباً ما يشارك المستخدمون روابط للسوق السوداء فيما يسمى بـ "الشبكة المظلمة" (Dark web)، حيث يمكن شراء الأسلحة للاستعداد للمعركة النهائية ضد أعداء العرق الأبيض([27]).
2- السخرية والميمز([28]): يستخدم الإرهاب الأبيض واليمين البديل بصورة عامة السخرية بشكل واسع، فهي بالنسبة له بمثابة سلاح لجذب المؤيدين المحتملين، ولتحدي الأيديولوجيات والقيم الثابتة في المجتمع الغربي، وإنشاء جمهور من المتعاطفين مع أفكاره السامة([29]). فقد اندهش العالم وهو يشاهد صور اقتحام مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة قبيل انتهاء ولاية ترامب. لكن في الواقع فالمتابع لمنتديات ومنصات اليمين البديل على الإنترنت ما كان له إلا أن يقول أنها مجسمات وصور حقيقية مقتبسة من ذلك العالم الافتراضي لكنها متحركة وحقيقية هذه المرة. وحتى وقت قريب، كان من الصعب تخيل أن أعمال العنف والشغب التي قد تصل إلى القتل يمكن أن تختلط بميمات الإنترنت في مشهد واحد. لكن المتخصصين يقولون بأن "اليمين البديل" قد اقتحم الوعي السائد من خلال سلاح السخرية، واستخدام الفكاهة والغموض كتكتيكات لإيذاء خصومهم. وأيضاً كاستراتيجية للتنصل من الالتزام الحقيقي بأفكار اليمين المتطرف والإرهاب مع الاستمرار في تبنيها، مما يتيح فرصة دائمة للهروب من المسائلة القانونية والأخلاقية وقت الحاجة. وتجعل من أهم الصعوبات في مواجهة خطاب الكراهية للإرهاب الأبيض على الإنترنت، هي صعوبة التمييز بين الصدق والسخرية. وأخيراً يمثل تكرار السخرية والميمز ما يمكن وصفه بتطبيع العنصرية وأفكار التفوق الأبيض وكراهية الآخر([30]).
وهناك أمثلة على أشهر ميمات وسخريات الكراهية البيضاء مثل:
أ - أنتيفا Antifa: وهىكلمة تستخدم لوصف معارضيهم من اليسار.
ب - S.J.W: وهو اختصار لعبارة "محارب العدالة الاجتماعية" ويستخدمه اليمين للسخرية من الأشخاص المدافعين عن قضايا ليبرالية مثل النسوية أو العدالة العرقية أو حقوق المثليين.
ج - كاك "Cuck": وهى إهانة يوجهونها للأشخاص غير الملتزمين بشكل كافٍ بالعنصرية ومعاداة السامية، وهي كلمة تعود إلى العصور الوسطى وتعني "الديوث".
د - Blood and Soil الدم والتربة: وهذه العبارة مصطلح قومي ألماني من القرن التاسع عشر يشير إلى رابطة روحانية بين دماء مجموعة عرقية وتربة بلدهم.
هـ - إزالة الكبابKebab Removalist: وهوتعبير عن السعى للتطهير العرقي ضد الأتراك أو المسلمين.
3- استراتيجية القرص الأحمر Red pilling: شرحت جوليا ابنر هذه الاستراتيجية في كتابها المشار إليه سابقاً والذي كان محصلة عامين من عمل بحثي قائم على التخفي والمشاركة في صفحات وجماعات متعددة يمينية متطرفة على الإنترنت. وتقوم هذه الاستراتيجية على فكرة وردت في الفيلم الأمريكي الشهير ماتريكس، حيث أن من يبتلع القرص الأحمر فقط هو من يرى العالم الحقيقي. وعلى هذا الأساس يتحدث المتطرفون اليمينيون مع أتباعهم عبر الإنترنت بأنهم هم فقط من يمتلكون الحقيقة ويرون الصورة الكاملة التي لا يراها غالبية الشعوب الأوروبية والأمريكية وحكوماتها.
4- التظاهرات: وجدت حركات اليمين البديل في أوروبا في أزمة اللاجئين مناخاً مناسباً لعمل مظاهرات في الشوارع لبث أفكارها والإعلان عنها في صورة ملصقات في الشوارع وإعلانات كبيرة مدفوعة الأجر في بعض الأحيان للتعبير عن أن اللاجئين غير مرحب بهم وأن الأفضل هو إعادتهم مرة أخرى. وتعد حركات الهوية من أكثر منظمات اليمين البديل نشاطاً في استخدام أداة التظاهر. ففي فبراير 2018 قامت بوضع 30 صليباً معقوفاً مكتوب بداخل كل واحد اسم أحد ضحايا إرهاب التنظيمات الإسلامية المتطرفة وذلك في موضع بناء مسجد جديد في بافاريا. وقد كانت تظاهرات شارلستوفيل في 2017 في فرجينيا من أشهر وأعنف مظاهرات اليمين البديل ليس فقط بسبب ما خلفته من ضحايا لكن أيضاً بسبب الشعارات العنيفة التي تعبر عن كم الكراهية والعنصرية داخل هذا التيار. فضلاً عن مظاهرات حرق القران أو الإساءة وتشويه دور العبادة اليهودية.
5- العنف المفرط والاغتيالات: بالطبع هذه الآلية تعبر عن فكر إرهابي صريح. وربما المجال هنا لا يسع لذكر كافة هذه العمليات لكن بعض من نماذجها قد توضح الفئات المستهدفة الواسعة من قبل الإرهاب الأبيض.ويمثل المعارضون للعنصرية وتفوق الجنس الأبيض هدفاً رئيسياً للإرهاب الأبيض، فعلى سبيل المثال شهدت ألمانيا محاولتي اغتيال لسياسيين ألمانيين ينتمون إلى العرق الأبيض لكن عقاباً لهما على مواقفهم الداعمة للاجئين. وانتهت المحاولة الأولى التي تعرضت لها هنرييته ريكر، المرشحة السابقة لمنصب عمدة مدينة كولونيا بالفشل ولكنها خلفت إصابات بليغة. والثانية أدت إلى مقتل والتر لوبكه رئيس المجلس البلدي لمدينة كاسل والعضو البارز في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (سي دي يو) المؤيد لسياسة الهجرة في ألمانيا في 2019.
وفي عام 2011، شهدت العاصمة أوسلو انفجار سيارة مفخخة قرب مقر رئاسة الوزراء في حي الوزارات أودى بحياة 7 من القتلى بينما أصيب تسعة آخرون بجروح، بعد ذلك دخل الإرهابي الأبيض أندريس بريفيك إلى جزيرة أوتويا، حيث يقام المخيم الصيفي لاتحاد شبيبة حزب العمال النرويجي وبدأ في إطلاق النار بشكل عشوائي على الجميع. وانتهى اليوم بحصيلة تجاوزت 90 من القتلى ومثلهم من الجرحى، وكان منفذ الهجوم قد وضع بياناً على الإنترنت قبل تنفيذ العملية سماه "إعلان الاستقلال الأوروبي" المعروف بمانيفستو مجزرة النرويج ووضع فيه قائمة بمن يرغب في قتلهم وهم "كل من يؤيدون التعددية العرقية".
من جهة أخرى، يمثل المسلمون وذوو الأصول العربية هدفاً آخر، على سبيل المثال منذ سنوات وتحديداً في 2004 شهدت مدينة كولونيا الألمانية والتي تعيش بها غالبية تركية إلقاء قنبلة مسامير أودت بحياة 22 شخص في عملية قتل عشوائي، ولم يسجل هذا العمل باعتباره إرهاباً أبيضاً إلا بعد تكشف حقائق أخرى في عام 2011. وفي 19 فبراير 2020، قتل 9 أشخاص بالرصاص في مقهيين منفصلين يرتاده ألمان من أصول تركية في مدينة هاناو. وفي مارس 2019 شاهد العالم في بث حي مجزرة على الهواء مباشرة نفذها الأسترالي الإرهابي برينتون ترانت، حيث أطلق النار بشكل عشوائي داخل مسجدي النور ومركز لينود الإسلامي في مدينة كرايستشرش في نيوزلندا ونتج عنهُما قتل 51 مصلياً بين رجال ونساء وأطفال وعشرات من الجرحى. وهذا الإرهابي الأبيض هو من ترك وراءه بيان "الاستبدال العظيم" الذي سبقت الإشارة له.
وكذلك اليهود كانوا ولازالوا هدفاً للعنصرية البيضاء، فقد كان إطلاق النار العشوائي على كنيس شجرة الحياة اليهودي في بيتسبرغ في الولايات المتحدة في 2018، وعلى كنيس يهودي أمريكي فى أبريل 2019 في كاليفورنيا نموذجاً لذلك. كما يظل السود الأقلية الأكبر في أوروبا والولايات المتحدة أيضاً هدفاً مستمراً للإرهاب الأبيض. وكمثال على معاداة السود، قتل ديلان روف فى 2015، تسعة أشخاص سود فى كنيسة إيمانويل الأفريقية الميثودية الأسقفية التاريخية فى ساوث كارولينا.
6- الترويج من خلال الإرهاب: أصبحت العمليات الإرهابية تعبر عن رغبة التيارات المتطرفة في الحصول على عدد أكبر من المشاهدين أكثر من الحرص على وقوع عدد كبير من الضحايا. الهدف الواضح هو الترويج للأفكار وجذب مؤيدين ومجندين من خلال تنفيذ عمليات عنف تثير الفزع والصدمة في المجتمع المحلي والعالمي. وهذا هو ما يفسر تصوير العمليات الإرهابية أو حتى نشر بيان قبيل التنفيذ.
هذه الأداة لم يكن قاتل نيوزيلندا هو من بدأها، فمن قبله استخدمها الإرهابي ديلان روف قاتل الـ 45 مصلياً أسوداً داخل الكنيسة التاريخية الأفريقية في شارلستون في 2015. وكذلك فعل إرهابي النرويج بافريك في 2011، فجميعهم تركوا خلفهم بيانات.
7- التحرش: والمقصود هنا هو التحرش اللفظي أو العنف الجسدي البسيط، وهي أداة لا يمكن تصور أن أحد المنتمين إلى جماعات اليمين البديل لم يستخدمها سواء بصورة واضحة أو من خلال السخرية، وهم يوجهون تحرشاتهم اللفظية أو التهديدات بالإيذاء أو القتل إلى الصحفيين والمعارضين لهم.
عنصريون مثقفون
في وسط الصراع الدائر بين أنصار العنصرية والكراهية ومدعي التفوق من أتباع الإرهاب الأبيض من جانب وبين المدافعين عن القيم الأوروبية التي تم التوافق عليها بعد الحرب العالمية الثانية من تجريم العنصرية ومعاداة السامية والقتل على الهوية واحترام مبدأ المواطنة واحترام القانون من جانب آخر، تظهر مساحة ضبابية يبرز فيها مثقفون يتبنون موقفاً آخر من هذا الصراع، وهو توجه أقرب لتخفيف حدة المخاوف من تيار اليمين البديل وإلى إيجاد تفسيرات أخرى للمواقف العنصرية، بل ويوجهون انتقادات حادة نحو المعارضين لتيار اليمين البديل باعتبارهم يخلقون فزاعة لأهداف ومصالح خاصة.
ونقرأ داخل هذه المساحة الضبابية تساؤلات من مثقفين أوروبيين تبدو للوهلة الأولى أنها تتضمن تفكيراً منهجياً، على غرار:
- هل يوجد في إطار الخوف المشروع على قيم أوروبا الرافضة للعنصرية والخائفة من عودة شبح الشيفونية، "عنصرية جديدة" ضد دعاة التفوق الأبيض؟
- هل ما يحدث من مراقبة تصريحات وأفعال قيادات اليمين البديل وبعض السياسيين بهدف الكشف عن مكامن العنصرية والكراهية، هل هو مكارثية([31]) جديدة؟
- هل يمكن استئصال فكرة التفوق الأبيض من الثقافة الغربية؟ وهل بالأساس هناك ضرر من الاعتراف بحقيقة التفوق الأبيض؟
أنصار هذا التوجه يجادلون بأن ما يحدث في أوروبا والولايات المتحدة الآن في مواجهة أفكار اليمين البديل وأتباعه، يمكن تسميته بـ"الإرهاب الثقافي" أو "المكارثية". ويعتقدون أنه على غرار "الرعب الأحمر"، يبدو أن المسئولين في الغرب اليوم أصبحوا يمارسون "الرعب الأبيض". ومن ثم استسهال عمل قوائم سوداء ووصم مثقفين وسياسيين وناشطين وشباب بالعنصرية والشيفونية والنازية لمجرد إلقاء فكاهة أو الإدلاء بتصريح أو كتابة تويتة قد تحمل ملامح عنصرية.
وقد شبّه الأكاديمي الأمريكي جون ماكورتر مناهضة العنصرية بدين علماني جديد معيب، لديه كتبه المقدسة الخاصة به، ووعود الخلاص من الخطيئة الأصلية الجديدة "البياض". ومتاريس هذا الذعر الأخلاقي الجديد لا يحرسها الرهبان أو السيناتور جوزيف مكارثي، بل الإعلاميون والصحفيون ومجالس إدارة الشركات ورواد الأعمال الأخلاقية، على وسائل التواصل الاجتماعي([32]).
ووفقاً لهذا المنطق، فإن ما يعيشه الغرب الآن هو حالة من الذعر الأخلاقي غير المبررة، وخلق فزاعة لا وجود لها لتحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية، من خلال الاغتيال المعنوي للمعارضين بعد وصفهم بتهم العنصرية والكراهية.
إن الجدل الفكري حول العنصرية العلمية Scientific racismوالتي شهدت ذروتها في 1920 وخفت صوتها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وما خلفته من دمار، يبدو أنه يطفو على السطح مرة أخرى. إذ يعاود مثقفون غربيون تبرير وجود جماعات وتنظيمات "بيضاء" على أساس الدفاع عن هوية سهلة التدمير عندما تختلط بذوي الألوان الأخرى. وهناك تيار آخر ما زال يجادل في الحقائق العلمية التي تؤكد على التفاوت الجنسي. فصحيفة مانكايند الإنجليزية (Mankind Quarterly) على رأس قائمة الصحف العلمية الأكاديمية الداعمة للعنصرية العلمية حتى وصفت بأنها "مجلة تفوق الجنس الأبيض".
ويقول الفيلسوف الإنجليزي نيك لاند: "ها نحن هنا، بعد مرور 50 عاماً، وما زال لدينا هذه التفاوتات الهائلة في معدلات الجريمة، والتحصيل العلمي، بين البيض والسود في الولايات المتحدة. وأعتقد، على الرغم من أنهم ما زالوا يتكلمون في شعارات المساواة، يشعر الأمريكيون في قلوبهم بنوع من اليأس البارد حيال ذلك. إنهم يشعرون أن توماس جيفرسون ربما كان على حق ولا يمكننا العيش معاً في وئام".
خاتمة
ما يعيشه الغرب اليوم هو حالة من التخبط بعد اكتشاف حجم قاعدة جبل الجليد التي اعتقدوا لعقود أن قمته التي تبدو على سطح الماء ليست إلا قطعة صغيرة وحرة من الجليد الطافية فوق السطح. حالة الصدمة تلك تجعل من المجهودات الفكرية والرسمية الغربية لمواجهة "الإرهاب الأبيض" عملية بدائية ومتخبطة إلى أبعد الحدود. كما أنه بدأ يصاحبها حالة من الذعر الأخلاقي الذي بات يدعو إلى تحركات هستيرية لاجتثاث أي مظهر من مظاهر العنصرية حتى وإن كان تاريخياً مثل تمثال توماس جيفرسون من جامعة ميسوري. إنها حالة أشبه بالدعوات الهستيرية لتجديد الخطاب الديني والتخلص من كتب التراث في خضم الحديث عن مواجهة إرهاب تنظيمات التطرف الإسلامية في الشرق الأوسط.
إن الشبح الذي يخيم على الغرب أكثر قتامة لأن ذكريات الحرب العالمية قامت على أكتاف الأفكار النازية والفاشية والإبادة الجماعية للأعراق الأخرى، ولازالت محفورة في أذهان العالم، وتستطيع أن ترى آثارها في المدن الأوروبية القديمة حتى الآن. لذلك فقد مثل صعود صوت العنصرية والكراهية مرة أخرى وبهذا القدر من الجرأة في أوروبا والولايات المتحدة الامريكية صدمة حقيقية ونذير خوف كبير على الأمن والسلم في الجزء الغربي من العالم.
المراجع:
1- شارلوت اوبرتي، "اليمين البديل" الحركة التي تروج للعنصرية "اللطيفة" في الولايات المتحدة، 22/8/2017.
https://2u.pw/IHKk9
2- "Ultra-nationalism, anti-semitism, anti-Muslim hatred: Anti-racism commission raises alarm over situation in Europe", EUROPEAN Commission Against Racism and Intolerance (ECRI), Strasburg, 27 February 2020.
https://go.coe.int/9vnke
3- شريف عبد الحميد، وثيقة تارانت البيان التأسيسي لمشروع الإرهاب الأبيض، 28 مايو 2020
https://cutt.us/kLfpe
4- هند عبد الحميد ، قليل من القتلى وكثير من المشاهدات.. لماذا علينا أن نخشى الإرهاب الأبيض؟،22/3/2019
https://www.aljazeera.net/midan/intellect/sociology/2019/3/22/قليل-من-القتلى-وكثير-من-المشاهدات
5- محمد فتوح ، هذا هو مشروع الإرهاب الأبيض القادم.. قراءة نقدية في نص سفاح نيوزيلندا"، 10/4/2019.
www.aljazeera.net%2Fmidan%2Fintellect%2Fgroups%2F2019%2F4%2F10%2Fهذا-هو-مشروع-الإرهاب-الأبيض-القادم&anno=2&prev=search
6- Greg HuffmanFebruary , "Far-right accelerationists hope to spark the next U.S. civil war", 3, 2021.
https://www.facingsouth.org/2021/02/far-right-accelerationists-hope-spark-next-us-civil-war
7- Zack Beauchamp, Accelerationism: The obscure idea inspiring white supremacist killers around the world, Vox Media, Nov 18, 2019.
https://cutt.us/liglA
8- J.M. Berger, The Turner Legacy: The Stories Origins and Enduring Impact of White Nationalism’s Deadly Bible, (The Hague: The International Centre for Counter-Terrorism, 2016), pp. 9-13.
https://icct.nl/publication/the-turner-legacy-the-storied-origins-and-enduring-impact-of-white-nationalisms-deadly-bible/
9- Rebecca L. Earnhardt, Brendan Hyatt, Nickolas Rot, A threat to confront: far-right extremists and nuclear terrorism, January 14, 2021.
A threat to confront: far-right extremists and nuclear terrorism - Bulletin of the Atomic Scientists (thebulletin.org)
10- ألمانيا: ماذا وراء كراهية اليمين المتطرف للنساء؟
https://cutt.us/VksvV
11- Traditional wife: انتشرت الحركة جزئيًا عبر حسابات مواقع التواصل الاجتماعي على موقعي يوتيوب وإنستجرام ، حيث ظهرت نساء يمجدن فضائل البقاء في المنزل، وإعداد وجبات الطعام، وإنجاب العديد من الأطفال وتربيتهم، والخضوع لقيادة الذكور، والتصرف مثل "الزوجات التقليديات".
12- Julia Ebnar, Going Dark: The Secret Social Lives of Extremists, Bloomsbury Publishing, Feb, 2020.
13- Liam Stack, Alt-Right, Alt-Left, Antifa: A Glossary of Extremist Language, Aug. 15, 2017.
https://www.nytimes.com/2017/08/15/us/politics/alt-left-alt-right-glossary.html
14- Nick Land, The Dark Enlightenment.
https://cutt.us/Bi0Hx
15- غوردون كوريرا، التهديد المتنامي لليمين المتطرف عبر الانترنت، 15 يوليو 2019، بي بي سي.
https://www.bbc.com/arabic/magazine-48948865
16- Metapedia: هي موسوعة على الإنترنت على غرار ويكيبيديا، تقدم تعريفات للمصطلحات والكلمات من منظور أفكار حركة الهوية.
17- في عام 1980، تولى ماسون كتابة Siege، الرسالة الإخبارية لـ NSLF. استمر في النشر حتى عام 1986. في النشرة الإخبارية، أشاد ماسون بأدولف هتلر وجوزيف توماسي وتشارلز مانسون وسافيتري ديفي. كما دعا إلى الهجمات العشوائية والقتل من أجل زعزعة استقرار المجتمع. في عام 1992، تم تحرير ونشر الرسائل الإخبارية في شكل كتاب Siege: The Collected Writings of James Mason بواسطة Michael Jenkins Moynihan. اكتسب الكتاب أتباعاً للنازيين الجدد وهو الآن مطلوب للقراءة للمبتدئين في شبكة اوتوموافين.
18- Zack Beauchamp, ibid.
19- Canada parliament labels US far-right Proud Boys group 'a terrorist entity', 26/01/2021.
https://www.france24.com/en/americas/20210126-canada-parliament-labels-us-far-right-proud-boys-group-a-terrorist-entity
20- "تعرف على جماعة "الزوايا التسع الشيطانية" اليمينية المتطرفة"، 3 مارس 2020، بي بي سي.
https://www.bbc.com/arabic/world-51698425
21- تعرف على أبرز جماعات تفوق العرق الأبيض، 19 أغسطس 2017، الجزيرة نت.
https://www.aljazeera.net/encyclopedia/movementsandparties/2017/8/19/تعرف-على-أبرز-جماعات-تفوق-العرق-الأبيض
22- Kim Hjelmgaard, Secret audio recordings detail how white supremacists seek recruits from military, police Members of the public can report suspected terrorists to the FBI at tips.fbi.gov or 1-800-CALLFBI(225-5324)., USA TODAY, Oct 15, 2020
SPLC releases audio on how neo-Nazi group recruits military, police (usatoday.com)
23- احتجاجات شارلوتسفيل 2017: أو مسيرة وحدوا اليمين، كانت مسيرة مؤيدة لسيادة البيض حدثت في شارلوتسفيل بفيرجينيا، من 11 أغسطس إلى 12 أغسطس، عام 2017. وشملت أشخاصاًيتبعون اليمين البديل، الكونفدرالية الجديدة، الفاشيين الجدد، القوميين البيض، النازيين الجدد، كو كلوكس كلان، وميليشيات مختلفة. هتف المتظاهرون شعارات عنصرية ومعادية للسامية، وحملوا بنادق نصف آلية، ورموز نازية ونازية جديدة (مثل الصليب المعقوف والصليب الحديدي)، والأعلام الكونفدرالية، ورموز مختلفة لجماعات ضد المسلمين ومعادية للسامية. شملت الأهداف المعلنة للمنظمين توحيد حركة القومية البيضاء الأمريكية ومعارضة إزالة تمثال روبرت إي لي من لي بارك. صاحبها أحداث عنف وسقوط ضحية وعدد من الجرحى.
24- Zack Beauchamp, ibid.
25- كيف يعزز الإنترنت التطرف اليميني؟، 3 مايو 2020، دويتشهفيله.
https://cutt.us/cIlEb
26- هند عبد الحميد، مرجع سابق.
27- Valerio Mazzoni, Far Right extremism on Telegram: A brief overview - European Eye on Radicalization (eeradicalization.com). Far Right extremism on Telegram: A brief overview, March14, 2019.
https://cutt.us/JJQij
28- ميم إنترنت Internet meme ويطلق عليها بالجمع (ميمز). وهو مصطلح يستخدم لوصف شعار أو فكرة تنتشر بسرعة من شخص إلى آخر من خلال الإنترنت، ويستند المصطلح إلى مفهوم الميمة على الرغم من أن هذا المفهوم يشير إلى فئة أوسع بكثير من المعلومات الثقافية. ويمكن اعتبار الميم ثيمة، تشمل العبارات البسيطة أو الإيماءات. وقد يكون ميم الإنترنت على شكل صورة، رابط تشعبي، فيديو، صور، موقع، أو هاشتاج. أو مجرد كلمة أو عبارة مثل "LOL!"
29- "Deplorable” Satire: Alt-Right Memes, White Genocide Tweets, and Redpilling Normies
Viveca S. Greene, Studies in American Humor, Vol. 5, No. 1, SPECIAL ISSUE: SATIRE TODAY (2019), pp. 31-69 (39 pages), Penn State University Press.
https://doi.org/10.5325/studamerhumor.5.1.0031
30- Jason Welson, Hiding in plain sight: how the 'alt-right' is weaponizing irony to spread fascism, The Guardian, May 23 , 2017.
https://www.theguardian.com/technology/2017/may/23/alt-right-online-humor-as-a-weapon-facism
31- المكارثية: هو سلوك يقوم بتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون الاهتمام بالأدلة. ينسب هذا الاتجاه إلى عضو بمجلس الشيوخ الأمريكي اسمه جوزيف مكارثي. وكان رئيساً لإحدى اللجان الفرعية بالمجلس واتهم عدداً من موظفي الحكومة وبخاصة وزارة الخارجية، وقاد إلى حبس بعضهم بتهمة أنهم شيوعيون يعملون لمصلحة الاتحاد السوفيتي. وقد تبين فيما بعد أن معظم اتهاماته كانت على غير أساس. وأصدر المجلس في عام 1954 قراراً بتوجيه اللوم له. ويستخدم هذا المصطلح للتعبير عن الإرهاب الثقافي الموجه ضد المثقفين.
32- Blake Smith, The White Scare: McCarthyism, woke-ism, and America’s war on humor and perversity, October 5, 2020.
https://www.tabletmag.com/sections/arts-letters/articles/mccarthyism-wokeness-huac-blacklist