أعاد حادث الحريق المتعمد الذي اشتعل في مخيم للاجئين السوريين في شمال لبنان، في 27 ديسمبر 2020، إلقاء الضوء مجدداً على الأزمة التي يفرضها وجود نحو 1.5 مليون سوري يعيشون في لبنان في وضع لجوء مؤقت منذ نهاية عام 2011. إذ نجم الحريق عن مشاجرة بسبب خلاف على العمل بين صاحب عمل لبناني وبعض العمال السوريين، بما أدى بالأول إلى إشعال الحريق في المخيم الذي يسكنه العمال السوريون انتقاماً منهم، فامتد الحريق إلى كافة خيام المخيم وأتى عليه بالكامل وتسبب في بعض الإصابات وتشريد نحو 75 أسرة كانت تسكن المخيم بواقع حوالي 900 فرداً وفقدان ممتلكاتهم.
لم يكن هذا الحادث هو الأول من نوعه، بل كان استمراراً لسلسلة من الحوادث التي تعكس، وفقاً لرؤية اتجاهات عديدة، فكر "العقاب الجماعي" للسوريين الذي يتبناه البعض بسبب الخلاف مع أحدهم. ففي 23 نوفمبر 2020، تعرض أحد الشباب اللبنانيين في بشري بشمال البلاد للقتل على يد شاب سوري بسبب خلاف فردي، فأدى ذلك إلى اشتعال غضب شعبي في المنطقة المذكورة وشن حملة لطرد اللاجئين السوريين منها وإحراق منازلهم. ورغم تدخل السلطات اللبنانية في الحالتين لضبط المتورطين وتهدئة الأجواء، فإن المناخ العام يكشف عن وجود مشكلة في التعامل مع اللاجئين السوريين في لبنان تؤدي أحياناً إلى وقوع مثل هذه الحوادث. وترتبط هذه المشكلة بتاريخ العلاقة الملتبسة بين البلدين منذ الحرب الأهلية اللبنانية، إذ تعود جذورها إلى الممارسات التي ارتكبها الجيش السوري في لبنان منذ دخوله عام 1976 وحتى الانسحاب في أبريل 2005 بفعل الضغط الشعبي والدولي عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. حيث تكوّن خطاب مناوئ للسوريين- لدى بعض التيارات- لمقاومة الهيمنة العسكرية والسياسية السورية على لبنان ثم مالبث أن تحول إلى مناهضة وجود أي سوري في لبنان حتى لو كان مدنياً هارباً من الحرب في بلاده.
فالخطاب السياسي العام الذي يتداوله السياسيون، وخاصة من فريق الرئيس ميشال عون، يعتبر أن السوريين عبء على كاهل لبنان ومرافقه وإمكانياته المحدودة، بل يذهب أبعد من ذلك ويعتبرهم تهديداً لوجود الوطن اللبناني ككل.هذا الخطاب يشير بشكل خفي إلى انتماء الأغلبية العظمى من اللاجئين السوريين إلى الطائفة السُنية فيما يقوم لبنان على توازن دقيق لعدة طوائف أبرزها السُنة والموارنة والشيعة والدروز والأرمن. فيما يرى تيار واسع من المنخرطين في الحراك الشعبي اللبناني، منذ أكتوبر عام 2019، والرافض لسلطة النخبة السياسية الطائفية، أن الخطاب السياسي المناوئ للسوريين ليس إلا مرآة تعكس عدم قدرة هذه النخبة على توفير بدائل اقتصادية مناسبة لإنعاش البلاد. ورغم أنه لا يمكن تجاهل أن وجود اللاجئين السوريين بكثافة يضغط على البنية التحتية اللبنانية، غير أن وجودهم يعزز أيضاً الاستهلاك المحلي ويضخ ملايين من الدولارات في البلاد ويوفر فرص عمل للبنانيين ضمن قطاع خدمة اللاجئين.
ضبابية الأعداد
كان لبنان من أوائل البلدان التي فكر السوريون في اللجوء إليها فور تعقد الوضع الأمني واتساع أعمال العنف على الأراضي السورية منذ نهاية عام 2011. إذ كان للقرب الجغرافي والتداخل العائلي والمعرفة السابقة بتفاصيل البلد دوراً مهماً في توجه عدد كبير من العائلات السورية للاستقرار في لبنان. فلبنان بلد قريب للغاية لسوريا ويشترك معها في حدود برية طويلة تمتد لحوالي 375 كم معظمها غير مرسم وغير خاضع للرقابة الحدودية آنذاك. وكان يمكن للسوريين أن يعبروا إلى لبنان ببطاقة هويتهم فقط عبر خمسة معابر رسمية تمتد على خط الحدود البرية المشتركة، غير أن السوريين المطلوبين أمنياً لدى النظام السوري، وخاصة من محافظة حمص المحاذية، عادةً ما كانوا يتهيبون الخروج من المعابر الرسمية، ولذا كان الدخول إلى لبنان يتم بشكل غير شرعي عبر الحدود الممتدة والتي كانت نادراً ما تخضع للرقابة.
وجاء إلى لبنان السوريون الفقراء الذين عبروا الحدود براً، وربما سيراً على الأقدام، في ظل تصاعد الأعمال القتالية في بلداتهم القريبة من الحدود اللبنانية، كما قدم إليها أيضاً السوريون الميسورون الذين كانوا بانتظار السفر لإحدى الدول الغربية التي تقبل لاجئين من سوريا. ولكن بالتأكيد من بقى في لبنان طوال هذه السنوات هم في أغلبهم من السوريين الفقراء الذين لم يجدوا مكاناً آخر يقبلهم ولم يكونوا يملكون تكلفة الانتقال إلى أى دولة أخرى.
وفي السنوات الأولى من عمر أزمة اللجوء، كان السوريون القادمون إلى لبنان يُسجلون بسهولة لدى المفوضية العليا لشئون اللاجئين ويحصلون بموجب هذا التسجيل على مساعدات مالية لشراء حصص غذائية إلى جانب المساعدات الطبية والتعليمية. ولكن مع استمرار تصاعد القتال بين النظام السوري والتنظيمات المسلحة والإرهابية، تزايدت موجات اللجوء وازدادت معها أعداد اللاجئين السوريين في لبنان، حتى تجاوزت المليون في منتصف عام 2014. وهنا تضاعف الضغط على المرافق اللبنانية لتزايد كثافة تواجد السوريين بالنسبة لعدد السكان اللبنانيين وصغر حجم الرقعة الجغرافية اللبنانية، فأرغمت السلطات اللبنانية مفوضية اللاجئين على وقف تسجيل سوريين جدد كلاجئين باستثناء المواليد. ووضعت كذلك شروطاً تقييدية منذ أكتوبر 2014 لمنع دخول السوريين أراضيها باستثناء من يملكون في لبنان عقارات أو أرصدة بنكية أو مسجلون بمنحة تعليمية أو موعد بسفارة أجنبية مقرها بيروت أو تذكرة طيران تقلع من مطار بيروت.
وإذ لم يُصدِّق لبنان في الأصل على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق اللاجئين لعام 1951 والبرتوكول المتصل بها لعام 1967، فإن تنظيم شئون اللاجئين فيه يتم بالاتفاق بين مفوضية اللاجئين والسلطات المضيفة. ولا ينفصل ذلك، دون شك، عن تداعيات اللجوء الفلسطيني الذي يقدر اليوم بنحو 475 ألفاً– وهم المسجلون لدى منظمة الأونروا- وقد استقبلهم لبنان بعد عام 1948 على اعتبار أنه وضع لجوء مؤقت، سرعان ما تحول إلى دائم مع إصرار إسرائيل على رفض حق العودة. ولذا رفضت الحكومة اللبنانية بحزم منذ اندلاع أزمة اللجوء السورية كل عروض المساعدات الدولية لإقامة مخيمات رسمية تابعة للأمم المتحدة على الأراضي اللبنانية. مما أدى بالسوريين إلى استئجار مساكن في الأماكن الفقيرة منخفضة الإيجارات أو مجرد افتراش الخلاء وبناء خيمة أو مجموعة خيام لإيواء العائلات الممتدة. وكان اختيار أماكن المخيمات السورية عشوائياً للغاية مما دفع الجيش اللبناني للإقدام بشكل متكرر على تفكيك بعض هذه المخيمات من أماكن حيوية على الطرق السريعة ونقلها إلى مناطق أخرى. فيما تدخلت بعض الجمعيات الأهلية والخيرية لتنظيم هذه المخيمات العشوائية وتقديم خيام أفضل جودة وإيصال بعض المرافق إليها.
وقد أدى وقف تسجيل اللاجئين الجدد إلى حالة من الضبابية فيما يخص عددهم الحقيقي، حيث تقول الحكومة اللبنانية أن عددهم يفوق 1.5 مليون لاجئ، فيما تعتبر مفوضية اللاجئين أن ذروة تسجيل اللاجئين كانت في منتصف 2015 وبلغت 1.2 مليون لاجئ، ثم بدأ هذا العدد في التناقص المستمر حتى وصل بنهاية عام 2018، بحسب موقع المفوضية بلبنان، إلى نحو 970 ألفاً. ولعل هذا التناقص في الأعداد يعود لأكثر من سبب، منها خروج بعض اللاجئين من لبنان إلى دول أخرى بهدف الحصول على ظروف معيشية أفضل. فمنذ منتصف عام 2015 انخفضت المساعدات المعيشية المقدمة للاجئين السوريين بسبب نقص المساعدات الدولية لقضيتهم مما حدا بعدد كبير من اللاجئين في مختلف دول الجوار إلى السفر لتركيا ومنها لأوروبا عبر سفن الهجرة غير النظامية العابرة للمتوسط وكانت ذروة هذه الهجرة في سبتمبر 2015. وقد يُضاف أيضاً إلى أسباب غموض الأرقام الدقيقة، إحجام السوريين أنفسهم عن تجديد تسجيلهم في المفوضية بسبب ضرورة استخراج إقامة لدى السلطات اللبنانية كشرط مسبق لتجديد التسجيل، وهو ما يقتضي دفع رسوم باهظة تبلغ نحو 200 دولار للفرد الواحد – البالغ 15 عاماً فأكثر- وبالتالي فإن فارق الأرقام بين الحكومة والمفوضية قد يعود إلى استمرار إقامة سوريين في لبنان ولكن بدون دفع ثمن رسوم تجديد الإقامة والتسجيل لدى المفوضية.
الوصم بالإرهاب
يتعلق أحد أسباب ظهور خطاب مناوئ للاجئين السوريين في لبنان إلى وصمهم بالمسؤلية عن التهديدات الإرهابية. إذ أن عدم ضبط وترسيم الحدود بين البلدين، وخاصة في القسم الشمالي من لبنان، قد أدى إلى نشأة جيوب خارجة عن سلطة الدولة، استوطنتها لفترة مجموعات مسلحة سورية كانت تهرب إليها عند إحكام قوات النظام السوري وحزب الله حصارها عليها من الجهة السورية. وكانت هذه الجيوب من المناطق المهمشة اللبنانية والتي يهرب إليها جرحى المسلحين السوريين للعلاج والراحة قبل معاودة عبور الحدود السورية والعودة لقتال قوات النظام السوري والميليشيات المتحالفة معه. وقد نشأ عن ذلك تداخل بين بعض المخيمات السورية المدنية التي أقيمت بشكل عشوائي في هذه المناطق وبين البؤر التي تأوي مسلحي الفصائل السورية في فترة علاجهم. ولم يكن هؤلاء المسلحين من لون واحد، فمنهم من المنضوين آنذاك تحت لواء "الجيش الحر" ومنهم المنتسبون لـ"جبهة النصرة" و"داعش"، ومن ثم أدى هذا التداخل تلقائياً لنشأة بؤر خارجة عن سلطة الدولتين – خاصة في منطقة عرسال- حيث خاض فيها الجيش اللبناني معارك ضارية مع مسلحي "داعش" و"جبهة النصرة" بعد قيامهم بخطف بعض من جنوده في صيف عام 2017.
ولذا انتهج الجيش اللبناني منذ ذلك الحين سياسة أمنية حازمة لتمشيط وتفتيش مخيمات السوريين في المناطق الحدودية بحثاً عن مسلحين منتسبين للجماعات الإرهابية. غير أن ذلك لم يخل من اعتقالات لبعض المدنيين للاشتباه بهم بسبب عدم حملهم لأوراق إقامة سارية أو لتقديم بلاغات كيدية من جانب لبنانيين اختلفوا معهم، على سبيل المثال، حول أجر العمل.
ويرى المراقبون للوضع الأمني في لبنان أن الحرب السورية قد زادت الميل إلى التطرف العنيف والإرهاب التكفيري لدى قسم من الشباب السُنة، ولكن هذا الأمر لا ينطبق على السوريين وحدهم، إذ اعتنق هذا الفكر قسم من الشباب اللبنانيين أيضاً الراغبين في القتال في سوريا ضمن "جبهة النصرة" و"داعش". ولم ينشأ هذا الميل بدوره من توافد اللاجئين السوريين إلى لبنان، بل نشأ أصلاً كرد فعل مباشر لانخراط حزب الله وغيره من الميليشيات الشيعية للقتال لصالح النظام السوري.
الوصم بالعبء الاقتصادي
فضلاً عن ذلك، فإن ثمة أطرافاً عديدة توجه اتهامات للاجئين السوريين بأنهم تسببوا في تدهور الوضع الاقتصادي اللبناني وخفض الأجور نظراً لزيادة عرض العمالة الرخيصة في سوق العمل. ويشير أحد التقديرات في هذا الإطار إلى أن اللاجئين السوريين كبدوا الاقتصاد اللبناني نحو 18 مليار دولار خلال سنوات الحرب، ولكن في الحقيقة هذه هى الكلفة التقديرية لخسائر لبنان من جراء الحرب السورية بشكل عام وليس بسبب قدوم اللاجئين إلى لبنان فحسب. فقد أدت الحرب السورية إلى إغلاق طرق دولية كانت تجتازها البضائع اللبنانية المُصدَّرة براً عبر سوريا ثم الأردن وصولاً إلى أسواق الدول الخليجية مما أدى إلى خفض صادرات لبنان بمقدار النصف بين عامي 2010 و2015. بينما تكبدت الصناعة اللبنانية أيضاً خسائر كبيرة بسبب توقف إنتاج قطع صناعية وسيطة رخيصة في سوريا مما أدى إلى استيراد بدائل أغلى لهذه القطع من دول أخرى.
ويُتهم اللاجئون السوريون أيضاً بأنهم يقتنصون فرص العمل من اللبنانيين ويتسببون في ارتفاع معدلات البطالة، غير أن المهن التي يشغلها عادة السوريون هي مهن يعزف اللبنانيون عن العمل بها وكان عادة يشغلها عمال أجانب سواء سوريون أو من جنسيات أخرى كإثيوبيا والسودان والفلبين. ووفق تقديرات البنك الدولي لمعدل البطالة في لبنان، فإنه ارتفع بشكل طفيف بين عامي 2011 و2017 من 6.2% إلى 7%، وهو ارتفاع لا يعود بالضرورة لتوافد السوريين كلاجئين، وإنما يعود بشكل خاص إلى عجز هيكل الاقتصاد اللبناني عن استيعاب الخريجين اللبنانيين كل عام إلا بمقدار السُدس فقط. وإذا كان معدل البطالة قد وصل في 2020 إلى نحو 35%، فإن ثمة أسباباً عديدة أدت إلى هذا الارتفاع، منها مثلاً اهتزاز سعر الليرة اللبنانية أمام الدولار والذي أدى إلى خسائر كبيرة في المشروعات الخاصة وأيضا سياسة الإغلاق المصاحبة لوباء كورونا التي ضاعفت هذه الخسائر وأدت إلى تسريح ضخم للعمالة. بينما تشير تقديرات دولية أخرى إلى أن العمال السوريين العاملين في لبنان قبل عام 2011 كانوا يقدرون بحوالي 500 ألفاً كعمالة موسمية سواء في مواقع البناء أو المصانع أو المزارع في مواسم الحصاد. ولكن الفارق أن هؤلاء العمال أو ما يقابلهم بنفس العدد تقريباً صاروا عمال دائمين بعد لجوئهم إلى لبنان واستقرارهم فيه مع عائلاتهم.
من جهة ثانية، تدفقت إلى لبنان خلال سنوات الحرب السورية مبالغ كبيرة من المساعدات الدولية الهادفة إلى دعم اللاجئين السوريين. فوكالات الأمم المتحدة المختلفة أنفقت داخل لبنان حوالي 26 مليون دولار عام 2012 ثم تضاعف هذا المبلغ ثلاث مرات حتى عام 2016. بينما قدرت المبالغ التي موّل بها برنامج الغذاء العالمي دعم السلال الغذائية للاجئين السوريين بلبنان بحوالي 900 مليون دولار منذ عام 2013. مما يعني أن تواجد السوريين في لبنان ليس سلبياً بالمطلق، بل له بعض الجوانب الإيجابية.
عقبات أمام عودة اللاجئين
لا يمكن تصور حل جذري لمشكلة اللجوء السوري في لبنان إلا بعودة اللاجئين الطوعية إلى بلادهم، ولكن الظروف الآمنة لهذه العودة الطوعية لم تتحقق بعد. فعقب إعلان القوى الدولية قضائها على خطر "داعش" في سوريا، منذ نهاية عام 2017، أكد لبنان أن الفرصة صارت مواتية لعودة اللاجئين إلى بلادهم وتم التنسيق مع السلطات السورية لتشجيعهم على العودة. إذ على اللاجئ الراغب في العودة تسجيل اسمه وعائلته لدى الأمن العام اللبناني الذي يرفع كشوف العائدين إلى السلطات السورية لكي يتم تنظيم انتقالهم إلى داخل الأراضي السورية وتسكينهم في محافظاتهم الأصلية وليس بالضرورة في نفس قراهم الأصلية. وقد أعلن الأمن العام اللبناني، أنه نظم عودة ما يقارب 172 ألفاً من السوريين إلى بلادهم على مدار عامين. غير أن المنظمات الإغاثية والإنسانية لم تتبين أماكن توطين هؤلاء العائدين وطبيعة الظروف المعيشية التي يلاقونها عند العودة، الأمر الذي يفرض مزيداً من الضبابية حول مصير العودة، خاصة أن هؤلاء السوريين خرجوا من محافظات لم يكن الخطر الأوحد فيها هو وجود "داعش"، بل خرجوا تجنباً للحملات العسكرية والقصف الجوي الذي كان يشنه النظام السوري على المحافظات التي ثارت ضده.
من جهة ثانية، لا يمكن التعويل على التنسيق الثنائي اللبناني- السوري وحده لإعادة كافة اللاجئين السوريين، فالعودة الطوعية للسوريين اللاجئين في لبنان أو أي دولة أخرى لن تتحق إلا بتوافر شرط الأمان والاستقرار في سوريا، وهذا بدوره من غير المتوقع أن يتحقق إلا بالتوصل إلى تسوية سياسية شاملة. ومن المعروف أن خطط إعادة الإعمار وخطط إعادة اللاجئين في سوريا كلها معطلة نتيجة لعدم تجاوب النظام السوري بشكل إيجابي مع مقررات القرار الأممي رقم 2254 والذي يرسم خارطة لطريق الحل في سوريا. وعليه، فإن الدول الأوروبية والغربية امتنعت عن تمويل أية مشروعات لإعادة الإعمار طالما لم يتغير جوهر الحكم في سوريا. ومن هنا، فإن المؤتمر الدولي الذي انعقد في 11 نوفمبر 2020 في دمشق لتشجيع عودة اللاجئين بحضور وفود من دول صديقة للنظام السوري وقاطعته الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي لم يكن ذا تأثير مهم. فأهم الدول التي استقبلت لاجئين سوريين لم تكن حاضرة في هذا المؤتمر، كما أن كلمة بشار الأسد عكست استمرار جمود موقف النظام إزاء التغيير، حيث اعتبر أن قضية اللاجئين مفتعلة وأن الدول الغربية هي التي خلقت ظروفاً أدت إلى الخروج الجماعي للسوريين من بلادهم.
غير أن السوريين الذين عادوا بالفعل إلى مناطقهم إبان ما كان يُعرف باتفاقيات المصالحات المحلية برعاية روسيا، لم يبعثوا برسائل تطمين للسوريين بالخارج كي يُقبلوا بدورهم على العودة. إذ كان بانتظار العائدين مجموعة من القوائم المعدة سلفاً من جانب النظام السوري، أهمها كانت قائمة المطلوبين أمنياً بسبب نشاطهم السياسي السابق. فيما أُعدت قائمة أخرى بأسماء المطلوبين لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية مما يعني إجبار العائدين من الرجال على معاودة الانخراط في القتال، وهو الأمر الذي لا يحقق شروط العودة الآمنة للاجئين. فيما تشهد سوريا، كما لبنان، أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة أدت إلى تدهور سريع في سعر الليرة السورية وتضخم متصاعد في أسعار السلع الضرورية وبالتالي انتقاص القدرة الشرائية للسوريين ودخولهم في دائرة الفقر. وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي فرضتها الحرب والعقوبات، فضلاً عن تمسك الدول الغربية بالامتناع عن تمويل خطط إعادة الإعمار بسبب جمود التسوية السياسية، تصبح عودة اللاجئين إلى سوريا في الوقت الراهن غير مواتية.