قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2021-1-2
رانيا مكرم

خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

في خطوة اتسقت، إلى حد كبير، مع محاولات مؤسسات "الدولة العميقة" في إيران تمكين التيار المحافظ من السيطرة على معظم مؤسسات صنع القرار في النظام، لاسيما بعد استعادته الأغلبية في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في الانتخابات التي أجريت في فبراير 2020، صدّق الأخير، في 15 ديسمبر 2020، على مشروع قانون يتضمن جملة من التعديلات على نظام الترشح للانتخابات الرئاسية، والقانون المنظم لها والمعمول به منذ ثمانينيات القرن الماضي. إذ تضمن مشروع القانون- الذي سيعرض على مجلس صيانة الدستور للبت فيه- تعديلات عديدة لا تفرض تغييرات على شروط الترشح للمنصب الرئاسي ومسئوليات الجهات التي تدير العملية الانتخابية فحسب، بل ترسم ملامح محددة للأشخاص المتاح لهم فرص الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.

وقد وافق البرلمان على تمرير تعديل قانون الانتخابات الرئاسية، والذي سمى بمشروع "إصلاح قانون الانتخابات الرئاسية"، وذلك بتأييد 151 عضواً، مقابل رفض 35 آخرين، وامتناع 14 عضواً عن التصويت، على أن يطرح المشروع على مجلس صيانة الدستور للموافقة عليه، ومن ثم العمل بمقتضاه في إدارة العملية الانتخابية المزمع إجرائها في 18 يونيو 2021، والتي ستبدأ مجرياتها في أبريل المقبل، وذلك بتلقي المجلس أوراق الترشح لمنصب الرئيس، ومن ثم الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين.

وتضمنت التعديلات العديد من البنود المهمة التي يتوقع معها تغير معالم العملية الانتخابية برمتها، لاسيما فيما يخص الشخصيات التي ستطرح نفسها لتولي منصب الرئاسة، على نحو أثار جدلاً واسعاً حول مقاصدها وارتداداتها. ففي الوقت الذي اعتبر التيار المحافظ هذه التعديلات خطوة ضرورية لإصلاح العملية الانتخابية، وتصحيح مسارها، يرى التيار الإصلاحي أن من شأنها القضاء على فرص التنافس مع المحافظين، وتمكينهم من السيطرة على منصب الرئيس.

استبعاد متعمد

تضم التعديلات العديد من البنود المنظمة لسير العملية الانتخابية والتي تشمل في طياتها قسمين أساسيين: أولهما، يتمثل في هوية المرشحين لمنصب الرئيس، وثانيهما، يتصل بالجهات المنوطة بإدارة سير العملية الانتخابية وتحديد صلاحياتها.

فعلى صعيد الشروط التي ستخضع لها عملية الترشح، وقبول المرشحين، فيتمثل أهمها في حصول المرشح على درجة الماجستير، أو ما يعادلها، على الرغم من عدم اشتراط مواد الدستور الخاصة بالترشح سوى القدرة على الكتابة والقراءة، إلى جانب شروط أخرى. كما قضت التعديلات بأن يكون الحد الأدنى لسن الترشح 40 عاماً، والحد الأقصى 70 عاماً, مع أن المادة 115 من الدستور لم تتضمن تحديد سن معين للمرشح، وإنما اكتفت بالتأكيد على أن "يكون الرئيس رجل سياسة، أو رجل دين، يؤمن بالدين الرسمي للدولة، من أب وأم إيرانيين، مؤمن بالمبادئ الثورية، ومبادئ الجمهورية الإسلامية".

وقد أثار هذا التعديل جدلاً واسعاً، حيث رأى معارضوه أن الغرض الأساسي من تحديد سن الرئيس هو استبعاد أشخاص بعينهم من الترشح في الانتخابات، على رأسهم وزير الاتصالات الحالي محمد جواد أذري جهرمي، الذي يبلغ من العمر 37 عاماً، والذي تشير اتجاهات عديدة إلى أنه كان يستعد للترشح بدعم من جانب بعض أقطاب التيار الإصلاحي.

كما قضت التعديلات بمنع مزدوجي الجنسية وحاملي إقامة دول أجنبية من الترشح. وعلى الرغم من أن منع مزدوجي الجنسية من الترشح يعد شرطاً مقبولاً لتنظيم عملية الترشح لمنصب الرئيس، بناءً على تجارب العديد من الدول في هذا الإطار، إلا أن شرط منع حاملي بطاقات الإقامة لدى الدول الأجنبية يطرح تساؤلات عديدة، لاسيما وأن هذا التعديل لا ينفصل، في رؤية بعض كوارد التيار الإصلاحي، عن إثارة الجدل داخل البرلمان حول حمل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لـ"البطاقة الخضراء"، التي تتيح له الإقامة في الولايات المتحدة، حيث أكمل دراسته هناك.

هيمنة وشيكة

تسمح التعديلات أيضاً بترشح قادة عسكريين، بما يشمل أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام والمجلس الأعلى للأمن القومي، وهما مجلسان يسيطر عليهما المحافظون، فيما لم تذكر التعديلات شرط قطع المرشح علاقته بالمؤسسة التابع لها، لاسيما المرشح العسكري، وذلك عكس ما ساد عرفاً في الماضي. وتجدر الإشارة إلى أن نواب البرلمان قد عارضوا مادة ضمن المشروع كانت قد قدمتها الكتلة التابعة للتيار الإصلاحي وتقضي بحظر ترشح من برتبة عميد فما فوق من كبار قادة القوات المسلحة، لانتخابات رئاسة الجمهورية، وذلك بأغلبية 207 من أصل 237 حضروا الجلسة، مقابل 25 أيدوا المادة، وامتناع 5 أعضاء عن التصويت.

ويمكن القول إن هذه المادة ستتيح الفرصة أمام زيادة الطموح السياسي لأعضاء الحرس الثوري، بعد أن سمح لهم القانون بالترشح للانتخابات دون شرط التخلي عن منصبهم العسكري، فيما يبقى في هذا الإطار رأى مجلس صيانة الدستور فاصلاً في استمرار المرشح في منصبه العسكري من عدمه، في ظل تأكيد المجلس سابقاً أن أحد شروطه لقبول أوراق الترشح هو تخلي المرشح عن منصبه في المؤسسة التي ينتمي إليها قبل الترشح وتقديم أوراق رسمية بذلك.

وعلى الرغم من تأييد البرلمان للتعديل الخاص بإمكانية ترشح كبار العسكريين لمنصب الرئاسة، كان لافتاً أن بعض أقطاب التيار المحافظ وجهوا انتقادات لهذا التعديل، حيث أشاروا إلى أن مكانة القوات المسلحة ستتأثر بانتقادات يمكن أن توجه لها في شخص الرئيس، وأن التجربة السابقة لعسكريين في حكومة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد لم تكن إيجابية.

صلاحيات واسعة

أما على صعيد الجهات المسئولة عن إدارة العملية الانتخابية، فقد منحت التعديلات صلاحيات أكبر لمجلس صيانة الدستور، الذي يشرف، بطبيعة الحال وضمن أهم اختصاصاته، على الاستحقاقات الانتخابية كافة، وتضمنت التعديلات الجديدة بنداً يمنح المجلس صلاحية البحث في قدرة المرشح على إدارة الملف الاقتصادي، كما نصت على ضرورة إجراء المجلس دراسة عن بيئة عمل المرشح، على غرار ما يمارسه المجلس من صلاحيات في النظر في أهلية المرشحين للانتخابات البرلمانية.

 كما اشترطت التعديلات تقديم المرشح للمجلس أسماء مستشارين في مجالات حيوية مثل الدفاع والاقتصاد والأمن، يعتزم الاستعانة بهم حال فوزه في الانتخابات، وعلى المجلس النظر في هذه الأسماء أيضاً إلى جانب البت في أهلية المرشح نفسه. وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن الصلاحيات السابقة، بموجب القانون القديم لمجلس صيانة الدستور، كانت محل انتقادات من جانب التيار الإصلاحي، الذي تعرض مرشحوه للاستبعاد بشكل متكرر في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة.

 وكان لافتاً أن توسيع نطاق صلاحيات مجلس صيانة الدستور جاء بعد أن دعا الرئيس حسن روحاني، في فبراير الماضي، وقبيل إجراء الانتخابات البرلمانية، إلى إجراء استفتاء شعبي للمطالبة بالحد من سلطات المجلس في إدارة العملية الانتخابية، وذلك علي خلفية رفض أوراق ترشح عدد كبير من مرشحي التيار الإصلاحي، كان من بينهم 90 نائباً من البرلمان المنتهية ولايته، للاشتباه في ارتكابهم تجاوزات. غير أن المرشد الأعلى رفض الانتقادات الموجهة للمجلس في هذا السياق.

ومن دون شك، فإن انتقادات التيار الإصلاحي لا تنفصل عن منح الحرس الثوري صلاحية المشاركة في الإشراف على الانتخابات، بما فيها عملية تدقيق أوراق المرشحين، ومساعدة مجلس صيانة الدستور في ذلك، فيما كانت وزارة الداخلية هى المسئولة في السابق عن تسيير وإدارة العملية الانتخابية، عقب إعلان مجلس صيانة الدستور عن قائمة أسماء المرشحين النهائية في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة.

وهنا، فإن تساؤلات عديدة تطرح في هذا الصدد حول كيفية مشاركة الحرس الثوري في إدارة العملية الانتخابية، في ظل احتمال ترشح بعض قياداته في الانتخابات، خاصة أن ذلك سوف يضفي شكوكاً حول مدى حيادية الجهات التي تقوم بإدارة الاستحقاقات المختلفة.

استثمار الضغوط

من دون شك، لا يمكن الفصل بين التعديلات التي أجريت على قانون الانتخابات الرئاسية، التي أقرها البرلمان وتنتظر العرض على مجلس صيانة الدستور، وبين تصاعد حدة الضغوط الدولية، ولاسيما الأمريكية، على إيران. إذ يبدو أن التيار المحافظ سعى إلى استغلال تلك الضغوط من أجل تعزيز سيطرته على مؤسسات صنع القرار في النظام، بالتوازي مع شن حملة قوية ضد حكومة روحاني باتهامها بعدم القدرة على مواجهة تلك الضغوط أو تقليص حدتها على المستويات المختلفة.

وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن نتائج استطلاع للرأى أجرته تليفونياً شركة "Stasis Data Analysis Company"، بالتعاون مع شركة "Iranwire" في الداخل الإيراني في نوفمبر 2020، كشفت أن 25% فقط من الإيرانيين راضون عن أداء الرئيس حسن روحاني، في مقابل عدم رضا حوالي 64% من المستطلع رأيهم عن أدائه.

ويبدو أن تلك التحركات في مجملها كان لها دور في تعزيز قدرة التيار المحافظ على انتزاع الأغلبية في مجلس الشورى، الذي ترأس دورته الحالية أحد أقطابه الرئيسيين وهو القيادي السابق في الحرس الثوري محمد باقر قاليباف. وربما يكون ذلك مقدمة لدعم فرص أحد مرشحيه في الفوز بانتخابات الرئاسة القادمة.

وقد كان لافتاً في هذا السياق، أنه في خضم حالة التشتت التي يواجهها التيار الإصلاحي عقب الهزيمة التي مني بها في الانتخابات البرلمانية الماضية، يواصل التيار المحافظ جهوده لتوسيع نطاق نفوذه، حيث سارع إلى الإعلان عن بعض مرشحيه للرئاسة، مثل وزير الدفاع الأسبق مساعد المرشد الأعلى حسين دهقان، والعميد سعيد محمد رئيس مجموعة شركات "خاتم الأنبياء" التابعة للحرس الثوري.

من هنا، يمكن تفسير أسباب عودة الحديث داخل إيران عن ما يسمى بـ"هندسة الانتخابات"، لاسيما أن الاستحقاق القادم ربما يكون الأهم بالنسبة لطهران، التي تترقب في الفترة الحالية المسارات المحتملة لعلاقاتها مع إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، وهى مسارات ربما يكون لها تأثير مباشر على هوية رئيسها القادم.