لا غرابةَ أن تكون السياسة المائية المصرية مسألة حياة أو موت لا أقل، كما أوجز جمال حمدان قبل نحو أربعين عاما. وعلى أصحاب التصريحات الرسمية الإثيوبية، المحملة بغطرسة جهولة، إدراك أن مصر، التي غلبت سبيل التفاوض على نهج الصراع، تملك من عناصر القوة الشاملة ما يحمى حقوقها، وترى أن الموارد العذبة المتجددة في بلدان منابع النيل تتيح لكل بلدان حوض النيل فرصا لا حدود لها للتعاون والكسب المتبادل. ويبقى دون ريب أن مصر بقيادة الرئيس السيسي- وإن مدت كل حبال الصبر للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم يحمى حقوق ومصالح كل الأطراف- لن تسمح بفرض أمر واقع؛ يهدد حياتها المعتمدة على مياه النيل منذ آلاف السنين، ولاتزال تعتمد؛ لأنها تعاني فقرا مائيا متزايدا، لن تحررها منه كل جهود ترشيد وإعادة استخدام حصتها من مياه النيل لحماية أمنها المائي والغذائي.

ويجمع مشروع سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق بين خطر نقص جسيم في ايرادات مصر من مياه النيل وتهديد حق مصر في الحياة وتهديد طموحها إلى تنمية شاملة ومستدامة، واستخداما لمياه النيل كسلاح سياسي يستهدف إخضاع إرادة مصر. ولنتذكر أن مصر عاشت تكافح شح أو فيض تدفق مياه النيل، وتحارب تهديد أو غزو قوى الاستعمار، وتدافع عن دورها في بناء الحضارة، منذ فجر التاريخ وحتى الآن، وانتصرت في جميع هذه المعارك في نهاية المطاف بفضل شعبها وجندها. ورغم مد مصر كل حبال الصبر في تفاوض أرادت إثيوبيا أن يكون عقيما، فإن يقيني لم- ولا ولن- يتزعزع في قدرة وطننا العظيم على دحر مؤامرة سد النهضة، بفضل امتلاك مصر كل أدوات القوة الشاملة للدولة، وقدرتها على حماية حقوقها المشروعة في نيل حصتها من مياه النيل، سواء كانت حقوقا طبيعية ومكتسبة أو مشروعة وقانونية.

تعالج الكراسة هذا الموضوع المهم من خلال أربعة أقسام أساسية. يناقش القسم الأول قصة هبوط المصريين إلى النيل وترويضه وصنع الحضارة. ويناقش القسم الثاني وصول النيل من منابعه وتشكل حقوق مصر الطبيعية والمكتسبة في مياهه. ويناقش القسم الثالث سد النهضة الإثيوبي باعتباره أخطر تهديد واجه مصر من منابع النيل. وأخيرا يناقش القسم الرابع مصر الافريقية واستراتيجية حماية حقوقها بنهج الكسب المتبادل.