دخلت منظمة التجارة العالمية حيز الوجود في الأول من يناير عام 1995، وحلت محل "الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة" المعروفة باسم "الجات"، والتي نشأت في الأول من أكتوبر عام 1947 بين عدد محدود من الدول بهدف تخفيف قيود التجارة. وبالتالي أصبحت منظمة التجارة العالمية هي المنظمة الدولية الوحيدة التي تضع القواعد التي تتصل بالتجارة الدولية، بغرض أساسي هو ضمان تدفق التجارة على نحو ميسر، وحر، ومتوقع بين الدول. وتعبر المنظمة عن النظام التعاقدي متعدد الأطراف، الذي يجمع الدول الأعضاء، بغية مساعدة المنتج والمصدر على تحقيق مصالحهما، وفي الوقت نفسه حماية مصالح المستهلكين.

وتتباين خبرات الدول النامية مع نظام تسوية المنازعات داخل المنظمة؛ فهناك تهميش لبعض الدول النامية لأسباب متعددة، بينما تستطيع دول نامية أخرى الاستفادة من هذا النظام في حماية مصالحها التجارية. لكن بشكل عام، هناك العديد من المشكلات الهيكلية التي يواجهها نظام تسوية المنازعات داخل المنظمة، وأُضيف إلى هذه المشكلات تحديات عديدة برزت خلال السنوات الأخيرة، أبرزها انعكاسات الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، والموقف الأمريكي الرافض لبقاء هذا النظام دون إدخال تعديلات جوهرية عليه، خاصة لجنة النقض، حيث لعبت الولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية دورا في إعاقة عملية اختيار محكمين جدد في هذه اللجنة (7 أعضاء) والتي تعد بمثابة آخر مراحل التسوية. وبذلك، فإن نظام تسوية المنازعات برمته أصبح قاب قوسين أو أدني من الشلل الكامل، وسط دعوات عديدة تطالب بإصلاحه، بما يحافظ على الطابع القانوني لتسوية النزاعات التجارية في إطار من العلاقات متعددة الأطراف. جوهر الإشكال هنا أن الإدارة الأمريكية الراهنة باتت تضيق بالعلاقات متعددة الأطراف، وتسعى للعودة إلى إدارة الشأن التجاري العالمي في سياق العلاقات الثنائية، التي يمكن من خلالها استعراض أوجه القوة الأمريكية، بعيدا عن التقيد بأية أطر قانونية دولية.

هذه الدراسة تحاول تقييم وضع الدول النامية داخل منظمة التجارة العالمية بشكل عام، وتقييم نظام فض المنازعات داخل المنظمة بشكل خاص، والتعرف على أهم المقترحات التي قُدمت على مدار ربع قرن لتطوير هذا النظام، خاصة من وجهة نظر الدول النامية، والتي بات واضحا أنه يصعب الحديث عنها بوصفها "كتلة واحدة" أو تجمع منسجم يرتبط بأهداف مشتركة.