مرت الأدبيات التي تناولت العلاقة بين المؤسسة العسكرية والديمقراطية بمراحل عدة، بحيث يمكن التمييز بين أربعة أجيال مختلفة. وقد لعبت العديد من العوامل الموضوعية والمنهجية الدور الرئيسي في انتقال أدبيات العلوم السياسية من جيل لآخر.

كان عام 1957 هو العلامة الفارقة في ظهور الجيل الأول من هذه الأدبيات، حيث أصدر فيه عالم السياسة الأمريكي صامويل هنتنجتون كتابه "الجندي والدولة.. نظرية وسياسات العلاقات المدنية العسكرية". وقد كان الموضوع الأهم الذي عالجه الكتاب هو كيفية فرض الهيمنة المدنية على المؤسسة العسكرية كعملية ضرورية لبقاء الديمقراطية. ونظراً للتاريخ المبكر نسبياً لإصدار الكتاب لم ينشغل المؤلف كثيراً بتطبيق مقولاته إلا على دول العالم المتقدم.

أما الجيل الثاني فقد واكب الطفرة الكبيرة في عدد النظم العسكرية حول العالم، خاصة في الدول حديثة الاستقلال منذ أواسط الستينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي. وخلال تلك الفترة كان محور اهتمام مختلف الدراسات هو "تشريح" المؤسسة العسكرية عبر دراسة الأنماط الإجرائية لتدخلها في السياسة، والمؤثرات الاقتصادية والاجتماعية المحددة لممارساتها السياسية.

وظهر الجيل الثالث مواكباً للموجة الثالثة للتحول الديمقراطي في منتصف سبعينيات القرن الماضي في جنوب أوروبا، ثم تحولها لتيار عالمي سائد منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين. خلال هذه الفترة، كانت ظاهرة التدخل العسكري قد أخذت في التراجع كممارسة على أرض الواقع وكموضوع مهم لباحثي علم السياسة.

أما الجيل الرابع فقد تأسس مع ظهور موجة التحولات السياسية التي شهدتها بلدان الشرق الأوسط بداية من أزمة الانتخابات الرئاسية الإيرانية في صيف 2009 وامتدت لتشمل موجة الاحتجاجات الواسعة في منطقة الشرق الأوسط.

وخلال العقد الثاني من الألفية الميلادية الثالثة ظهرت عدة مظاهر من التغير على أرض الواقع، والتي استتبعها ظهور تيار جديد في أدبيات العلوم السياسية أخذ في مراجعة المواقف التقليدية من التدخل العسكري وأثره السلبي على الديمقراطية. هذه المراجعات تقبل التدخل العسكري باعتباره ضرورة في العديد من الديمقراطيات الناشئة المتعثرة نظراً لإحداثه "صدمة ديمقراطية" في الحالات التي اتبع فيها التحول الديمقراطي مساراً متعرجاً يشهد الكثير من الانتكاسات والقليل من الترسيخ الحقيقي للديمقراطية.

وتهدف هذه الدراسة إلى اختبار المقولات التي قدمتها هذه المراجعات في واحدة من أكثر مناطق العالم تعرضاً للتدخل العسكري في الممارسة السياسية وهي دول أفريقيا المدارية.