تعد العلاقة بين المتغيرات البيئية والصراعات من القضايا التي تمتعت باهتمام متعدد الروافد، ذلك أنها تشكل نقطة التقاء بين فروع عدة للعلوم الاجتماعية كالعلوم السياسية والاقتصاد وعلم الاجتماع، فضلاً عن تقاطعها مع بعض إسهامات المدارس الفلسفية المختلفة. وخلال النصف الثاني من القرن العشرين نالت هذه القضية اهتماما أكاديميا متزايدا، لتكتسب في النهاية "اعترافاً" واسع النطاق، بعد أن تعددت الحالات الواقعية التي تؤكد وجود رابط مباشر بين تغير الأوضاع البيئية في منطقة ما من العالم وبين ارتفاع فرص نشوب الصراع فيها.
وتقدم منطقة حوض بحيرة تشاد نموذجا واضحا على سلامة مقولات نظرية "العنف البيئي" التي ظهرت في تسعينيات القرن العشرين حيث يمكن تتبع سلسلة مترابطة من علاقات السببية تبدأ باتجاه البحيرة نحو الجفاف، وهو ما أدى إلى تناقص الثروة السمكية والإنتاجية الزراعية، لتقود هذه المتغيرات البيئية إلى متغيرات اجتماعية تلعب دور المتغيرات الوسيطة تمثلت بالأساس في تعزيز الانقسامات الاجتماعية على أسس إثنية واقتصادية أفرزت في النهاية أنماطا متعددة من الصراعات المستديمة.
فلم تكن منطقة حوض بحيرة تشاد في غرب القارة الإفريقية من المناطق التي تعاني أزمات سياسية وأمنية مزمنة بخلاف الوضع القائم في مناطق أخرى من القارة كالقرن الإفريقي أو خليج غينيا. لكن حوض بحيرة تشاد انفرد بكونه من أكثر مناطق القارة التي شهدت تحولات مناخية حادة ومتسارعة منذ ستينيات القرن العشرين، الأمر الذي راكم العديد من التداعيات السلبية لتدخل المنطقة في دائرة مفرغة من عدم الاستقرار وفقدان الأمن.
وفي ظل ما تتعرض له منطقة حوض بحيرة تشاد من تفاقم في حدة الصراعات، تظهر الحاجة الملحة لمعالجة المسببات الجذرية لهذه الصراعات عبر التحليل الدقيق للعلاقة بين التغيرات البيئية والصراعات، فضلاً عن تضمين البعد البيئي في مختلف المبادرات الوطنية والقارية والدولية التي تسعى لاستعادة الاستقرار في هذه المنطقة المهمة من القارة الإفريقية.