تبدأ على الأراضي المصرية يوم 21 يونيو 2019 بطولة الأمم الأفريقية لكرة القدم، بعد أن تم سحب التنظيم من الكاميرون بسبب ضعف الإمكانات اللازمة، ودخول مصر في منافسة مع جنوب أفريقيا لتنظيم البطولة، وهي المنافسة التي فازت فيها مصر بجميع الأصوات باستثناء صوت واحد لجنوب أفريقيا خلال اجتماعات الاتحاد الأفريقي لكرة القدم. استضافة بطولات قارية لألعاب رياضية تحظى بشعبية مثل كرة القدم يُعد أحد الأحداث التي لها أكثر من مغزى، وقدرة الدولة المنظمة على إخراج بطولة على مستوى عال يُعد أيضا أحد أبعاد القوة الناعمة على المستوى السياسي. مصر رأت أن الفرصة مواتية للتقدم لتنظيم البطولة بعد خروج الكاميرون من المشهد، وهي الدولة التي كان من المفترض أن تقوم بتنظيم البطولة. في خلال أشهر ثلاث كانت مصر على استعداد لتنظيم البطولة، بما تملكه من بنية أساسية في مجال الرياضة، خاصة كرة القدم، ولما تعني كرة القدم للشعب المصري في سياق ثقافة المجتمع، وأيضا لما تتيحه كرة القدم من مكاسب اقتصادية من خلال تنظيم البطولات القارية. كل ذلك بالطبع يتزامن مع رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، ومع التوجه الواضح في سياستها الخارجية لإعادة إحياء الدور المصري في أفريقيا.
تنظيم البطولات القارية له تأثير مهم ينعكس على المجتمع ككل، نظرا لكون كرة القدم لعبة رياضية يتابعها الملايين من الجماهير، سواء في مصر أو خارجها. التجربة الأخيرة التي خاضتها مصر في تنظيم مثل هذه البطولات كانت في العام 2006، عندما استضافت مصر بطولة الأمم الأفريقية واستطاعت أن تفوز بها. الجدير بالذكر أن البطولة الأفريقية التي أقيمت في عام 2006 كان لها العديد من التأثيرات على ثقافة تشجيع كرة القدم والمدرجات في مصر، بل وأيضا على التركيبة الاجتماعية والطبقية المتعلقة بمشجعي الكرة. الدعم الذي تقدمه الدولة للبطولات القارية يخلق أرضية جديدة من المشجعين، وهم مشجعون لا ينتمون للطابع التقليدي لمدرجات كرة القدم في مصر في سياق البطولات المحلية. تشجيع المنتخب القومي يختلف كثيرا عن تشجيع الأندية في المشهد الكروي في مصر. وفي ظل هذا الاختلاف، تشهد المدرجات سلوكيات مختلفة للجماهير. البطولة الأفريقية في عام ٢٠٠٦ أدخلت فئات كثيرة من المشجعين الذين ينتمون للطبقة المتوسطة-العليا، والطبقة العليا، على أرضية تنظيم حدث قاري وليس على أرضية شغف كرة القدم، وهو خطاب ساهم الإعلام الرياضي في ذلك الوقت في صناعته وربطه بمفهوم الوطنية. ومما لا شك فيه هناك علاقة بين مفهوم الوطنية وتشجيع الفرق القومية في البطولات الرياضية، لكن أيضا تحول التركيبة الطبقية وثقافة التشجيع ينعكس مباشرة على السلوكيات التي تمارسها الجماهير داخل المدرجات.
هناك تحولات كثيرة جرت بين بطولة 2006، وبطولة 2019. بطولة 2006 لم تعرف التنظيم بين الجماهير؛ فحركات الالتراس، والكيانات المنظمة في سياق تشجيع كرة القدم في مصر، لم تظهر في مصر إلا في العام 2007. على الرغم من وجود روابط مشجعين منذ العام 2003، لكن تنظيم البطولة، واندماج طبقات اجتماعية متنوعة من خلال المدرجات، والتطور الذي شهدته وسائل التواصل الاجتماعي، جعلت من التنظيم الجماهيري لكرة القدم في مصر عملية أكثر سهولة. كذلك، فإن تطور التنظيم الاجتماعي والجماهيري من خلال حركات الالتراس خلق العديد من التحولات في سياق تشجيع كرة القدم في مصر، وهو ما سوف ينعكس على المشهد الجماهيري في بطولة 2019.
حركات الالتراس باتت محظورة بحكم قضائي منذ العام 2015، وأعلنت أغلب هذه الحركات أو الروابط حل نفسها مؤخراً، لكن تظل ثقافة التشجيع، والممارسات المقترنة بها، أحد الثوابت المتعلقة بالتشجيع الكروي في مصر، وهي ثقافة جديدة على المجتمع المصري جاءت بها هذه الحركات، وللأسف تم استخدامها سياسيا في بعض الأحيان، وهو ما كان له ضرر كبير على حركات الالتراس، خاصة أنها ليست حركات سياسية في الأساس، حيث تم إضافة البعد السياسي إليها في السياق المجتمعي منذ 2011. السؤال الآن يتعلق بسلوكيات جماهير الكرة المنظمة والتي لديها خبرة في التشجيع خلال مباريات البطولة، خاصة تلك التي سوف يكون منتخب مصر القومي طرفا فيها. والجدير بالذكر أن سلوك الجمهور في هذه البطولة سوف يرتبط مباشرة بزيادة أعداد الجماهير في المسابقات المحلية. وبالتالي تُعد بطولة 2019إحدى منصات اختبار استمرار البعد السياسي من عدمه بين جماهير كرة القدم في مصر، وتحديدا المنظمة منها.
ولعل التطور الأكثر وضوحا بين البطولتين هو التطور الذي شهدته البنية الأساسية للرياضة خلال الفترة من 2006 وحتى عام 2019، وأيضاً الدعم الذي تقدمه الدولة للقطاع الرياضي باعتباره إحدى أدوات القوة الناعمة في أفريقيا. فقد تطورت البنية الأساسية للرياضة في مصر بشكل كبير منذ عام 2006، وهو ما جعلها تمتلك كل الإمكانات التي تسمح لها باستضافة بطولات قارية، حتى ولو في ظروف غير تقليدية، وهو ما يعني أن التوجه لفكرة الاستثمار في البنية الأساسية للرياضة كان موجودا منذ عدة سنوات. والجدير بالذكر أن ضعف البنية الأساسية لكرة القدم كان أحد أهم أسباب حصول مصر على "صفر" المونديال عندما تنافست مع جنوب أفريقيا والمغرب لاستضافة مونديال 2010 الذي كان مقرراً استضافته في أفريقيا.
بالإضافة إلى التطورات المهمة السابقة، اتسمت بطولة 2019 بفارق آخر مهم يتعلق بالمنظومة الاستثمارية والإعلامية المتعلقة بكرة القدم. تظل تلك النقطة هي إحدى جدليات اللعبة التي ظهرت حديثاً، ويبدو أنها لن تنتهي خلال وقت قريب. دخول البعد التجاري في حقوق بث ورعاية بطولات كرة القدم بدأ يخلق العديد من المشكلات. دائماً ما تكون هناك أزمة بين الشركات التي تدفع الملايين من الدولارات لشراء حقوق بث البطولات من الاتحاد المنظم، وبين الحكومات المنظمة التي تسعى لتقديم خدمة لشعوبها من خلال بث المباريات على القنوات المملوكة للدولة. ومما لا شك فيه، كان الخلاف المصري-القطري أحد الأبعاد التي أججت لهذا النزاع من خلال ملكية القنوات القطرية لأغلب حقوق بث البطولات القارية والعالمية. لم يكن الاستثمار في بث مباريات كرة القدم بهذة الحدة في عام 2006، لكن في عام 2019 باتت كرة القدم سلعة تتنافس عليها جهات متنوعة، وتتداخل معها أبعاد سياسية، واقتصادية، واجتماعية عديدة.
في النهاية، كرة القدم كمنظومة شهدت الكثير من التطورات خلال السنوات العشر الأخيرة في مختلف أنحاء العالم، سواء فيما يتعلق بثقافة التشجيع، أو بانتقالات اللاعبين، أو بفكرة الاستثمار الرياضي، أو بتفاعل الدول مع اللعبة وعناصرها. وهناك الكثير من التمايزات بين البطولة التي نظمتها مصر في عام 2006، وبين البطولة التي سوف تنطلق الجمعة القادمة من استاد القاهرة، وهي تمايزات ترتبط بالمغزى الاجتماعي والسياسي لكرة القدم كلعبة رياضية، وبين الرؤية السياسية التي ترى كرة القدم كممارسة اجتماعية. بين هذا وذاك، تظل مصر قادرة على جمع الدول الأفريقية على أرضها من خلال ما تمتلكه من قدرات. والمعطيات تقول إن مصر قادرة على تنظيم بطولة أفضل بكثير من تلك التي نظمتها في العام 2006.