تحتل ظاهرة الهجرة غير النظامية صدارة اهتمام المجتمع الدولي والإقليمي، لاسيما عقب ما شهدته منطقة الشرق الأوسط من تغييرات سياسية أدت إلى تفاقم مخاطر الظاهرة، ليس فقط من منظور الدول المصدرة لها، وإنما تعاظمت مخاطرها لدى الدول المستقبلة للمهاجرين غير النظاميين، وهو ما يفرض تعزيز سُبل التعاون المشترك بين الجانبين (الدول المصدرة ونظيرتها المستقبلة).
وفي هذا الإطار، خُصص العدد (33) من دورية "بدائل" لمناقشة سياسات التعامل مع الهجرة غير النظامية. وتشير دكتورة إيمان رجب، رئيس تحرير الدورية والخبير في الأمن الإقليمي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في افتتاحية العدد التى جاءت تحت عنوان"إعادة تقييم جهود التعامل مع الهجرة غير النظامية" إلى اكتساب الهجرة غير النظامية أهمية كبيرة في العلاقات العربية-الأوروبية، لاسيما الواقعة في شمال أفريقيا باعتبارها مركزاً مهما لعبور المهاجرين غير النظاميين تجاه أوروبا، ووجود الكثير من الدروس الي يمكن أن تستفيد منها مصر ودول عربية أخرى في في التعامل مع هذه الظاهرة.
وتؤكد دكتورة إيمان على أن مصر أولت اهتماماً كبيراً لتلك الظاهرة في علاقاتها مع الدول الأوروبية، وقامت بتضمين مكافحتها كأحد الأهداف الفرعية لبرنامج الحكومة المصرية 2018-2022 انطلاقاً من مرتكزات أربع، أولها؛ توعية المواطنين بمخاطر الهجرة غير النظامية، ثانيها؛ رفع مستوى التنمية في المناطق الأكثر تصديراً للمهاجرين، ثالثها؛ اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة للتصدى لها، رابعها؛ تحسين خدمات وإجراءات الهجرة كبديل أفضل للهجرة غير النظامية.
وحملت الدراسة الرئيسية في هذا العدد عنوان "الهجرة غير النظامية: خبرات أورومتوسطية والدروس المستفادة"، وتشير فيها دكتورة إيمان مرعي، الخبير بوحدة الدراسات المصرية ونائب رئيس تحرير أحوال مصرية بمركز الأهرام للدراسات السياسة والاستراتيجية، إلى أن ظاهرة الهجرة غير النظامية أصبحت ذات اهتمام مشترك بين الدول النامية "المصدرة للمهاجرين" والدول المتقدمة "مقصد المهاجرين".
وتركز دكتورة إيمان مرعي في الدراسة على تحليل خبرات مجموعة من الدول أورومتوسطية، والتي طورت العديد من السياسات والمقاربات طوال العقود الماضية في معالجة قضية الهجرة غير النظامية وكذلك في التعامل مع تأثيراتها السلبية. وتشمل هذه الخبرات دول جنوب المتوسط (ليبيا، الجزائر، تونس، المغرب) ودول شمال المتوسط (دول الاتحاد الأوروبي).
وحرصت دكتورة إيمان مرعي في تحليلها لهذه الخبرات على تقييم فعالية ما اتبع من سياسات واستخلاص الدروس التي يمكن أن تساعد على تطوير سياسات وبرامج أكثر فاعلية في هذه الدول، وكذلك تلك الدروس التي يمكن أن تساعد الدول العربية الأخرى التي تعاني من الهجرة غير النظامية في تطوير سياسات فعالة.
أولاً: أبعاد ظاهرة الهجرة غير النظامية وتطورها
تناول المحور الأول من الدراسة الرئيسية في هذا العدد، تطور ظاهرة الهجرة غير النظامية، وانتهت دكتورة إيمان مرعي إلى أنه لا يوجد تعريف دولي شامل ومحدد لظاهرة الهجرة غير النظامية، لكن تتعدد التعريفات وفقاً للمنظور؛ حيث يختلف تعريف الظاهرة لدى دول المقصد عن نظيره لدى دول المنشأ. ولكنها اعتمدت مفهوم"الهجرة غير النظامية" باعتباره يعبر عن كافة إجراءات الدخول أو الخروج أو الإقامة التى تنتهك القواعد التى حددتها بلدان المنشأ والعبور والمقصد.
وعقب رصد مؤلفة العدد لتطور مفهوم الهجرة غير النظامية في الأدبيات القانونية والغربية، تطرقت لكيفية تعامل المجتمع الدولى مع الظاهرة وكيف قسم الأخير مناطق الهجرة غير النظامية لثلاث أنواع تعكس محطات المهاجرين، وهي (دول المنشأ، دول العبور، ودور المقصد أو الإستقرار)، ثم تناولت المراحل الثلاث التى تعكس فترات زمنية مترابطة ومتداخلة ساهمت في رسم معالم الهجرة إلى الخارج.
ثانياً: سياسات دول المغرب العربي
ركزت الدراسة في هذا الجزء من الدراسة على خبرات دول المغرب العربي في التعامل مع الهجرة غير النظامية، واهتمت بتحليل السياسات والآليات التى تبنتها كل من ليبيا، والمغرب، وتونس، والجزائر.
وذهبت الدراسة إلى أن خبرة المملكة المغربية تعد نموذج تراهن عليه أوروبا في مكافحة الهجرة غير النظامية، بل وتسعى لتعميمه في بلدان جنوب المتوسط، نظراً لخبرتها الطويلة في هذا الملف والتى تعود لتسعينيات القرن العشرين، فتنوعت السياسات المغربية لتشمل ما هو قانوني؛ كإصدار القانون 02-03 في 11 نوفمبر 2003 والمتعلق بضبط الهجرة غير المشروعة، وأمنى عبر تعزيز الإجراءات الأمنية لمراقبة الحدود، إلى جانب تعزيز التعاون الأوروبي المغربي سواء في اطار تبادل المعلومات أو بتوقيع اتفاقيات ثنائية معنية بالحد من معدل المهاجرين غير النظاميين أو غيرهما من الإجراءات.
وفي تحليل الدراسة للتجربة الجزائرية، انتهت إلى تحول الجزائر من كونها منطقة عبور للمهاجرين غير النظاميين إلى دولة مصدرة للمهاجرين، وهو ما دفعها لإنتهاج عدة سياسات تنوعت بين ما هو قانوني من خلال إصدار قانون 2009 الذي جرم المغادرة غير الشرعية للأراضي الجزائرية أياً كانت الوسيلة المستعملة أو الطرق المستخدمة برية أو بحرية أو جوية، وأمنية عبر مجموعة حراس الحدود، وحراس السواحل، والمديرية العامة للأمن الوطني، وأُخرى اقتصادية، فضلاً عن تعزيز التعاون الأوروبي- الجزائري عبر اتفاقيات ثنائية كالتى تم توقيعها بين الجزائر وإيطاليا في 22 نوفمبر 1999 في مجال محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والإتجار غير المشروع في المخدرات والهجرة غير النظامية.
ثالثاً: سياسات دول شمال المتوسط
ركزت الدراسة في هذا القسم على تحليل السياسات المتعددة التي اتبعتها دول شمال المتوسط لمكافحة الهجرة غير النظامية، سوءا بصورة فردية أو من خلال التعاون الأوروبي-المغاربي. ومن تلك السياسات ما يتعلق بالإطار القانوني، حيث لم يقتصر الأمر على الأطر القانونية الفردية للدول الأوروبية؛ كإقرار إيطاليا أول قانون خاص بالهجرة في مارس 1998، وإجراء فرنسا تغيير في قوانينها المتعلقة بالهجرة، وإنما سعت الدول الأوروبية لتطوير أطر جماعية لمواجهة الهجرة غير النظامية مثل؛ معاهدة شنغن، وقمة تامبير، وإصدار الكتاب الأخضر حول الهجرة.
وفي مجال السياسات الاقتصادية التى اتخذتها دول شمال المتوسط فتتنوع لتشمل المساعدات المادية، وطرح عدة برامج لدعم عملية التنمية واالاستثمار في دول جنوب المتوسط مثل برنامج الاتحاد الأوروبي للمعاونة والتعاون. أما بالنسبة إلى أطر التعاون الأوروبي- المغاربي، فلقد تنوعت لتضم اتفاقية خمسة+ خمسة، واتفاقية الشراكة الأورو- متوسطي (مسار برشلونة 1995).
خامساً: الدروس المستفادة
تتسم ظاهرة الهجرة غير النظامية بقدر كبير من التعقيد وهو ما يفرض تنحية الحلول الأحادية الجانب بعيداً وتعزيز التعاون المشترك ذي الأبعاد المتعددة كسبيل للقضاء على كافة الأسباب المؤدية لتفاقم تلك الظاهرة وعلى رأسها تحقيق التنمية. ولقد توصلت الدراسة من خلال دراستها لعدة نتائج من بينها؛ تباين وجهات النظر بين دول شمال المتوسط ودول المغرب العربي حول سُبل التعاطي مع ملف الهجرة، واقتصار سياسة دول جنوب المتوسط على الإجراءات الأمنية المفروضة على المعابر الحدودية في التعامل مع تلك الظاهرة.
واستخلصت كذلك مجموعة من الدروس المستفادة لمصر من بينها؛ تفعيل الإطار التشريعي الداعم لمكافحة أنشطة الهجرة غير النظامية، ويُعد قانون (82) لسنة 2016 بشأن مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين أحد القوانين المصرية التى راعت الإلتزامات التعاقدية المترتبة على انضمام مصر للإتفاقيات الدولية، وكذلك المواجهة السياسية والأمنية لشبكات التهريب في إطار الجهود الوطنية والإقليمية لمكافحة جرائم تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر.