د. إيمان رجب

رئيس وحدة الدراسات العسكرية والأمنية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

أصبحت قضية الهجرة غير النظامية تكتسب أهمية متزايدة في علاقات الدول العربية بالدول الأوروبية، خاصة الدول الواقعة في منطقة شمال أفريقيا لكونها تمثل نقطة الانطلاق الرئيسية للمهاجرين غير النظاميين باتجاه أوروبا، وهذا يفسر حرص القمة العربية-الأوروبية التي عقدت في شرم الشيخ في فبراير 2019 على التأكيد على ضرورة وجود أطر تعاونية أكثر فاعلية في مجال الحد من الهجرة غير النظامية، لاسيما في تفكيك شبكة الوسطاء وجماعات المصالح المرتبطة بهذا النوع من تحركات البشر في ظل تزايد التداخل بين هذه الظاهرة وشبكات تهريب البشر.[1]

وتعد مصر من الدول التي بدأت تهتم بهذه القضية في إطار علاقاتها بالدول الأوروبية، ويكشف برنامج عمل الحكومة 2018-2022 والذي تضمن مكافحة الهجرة غير النظامية كأحد أهدافه الفرعية، عن أن الفلسفة المتبعة من قبل الحكومة المصرية في التعامل مع هذه القضية تقوم على أربعة مرتكزات، الأول هو توعية المواطنين بمخاطر الهجرة غير النظامية، والثاني هو رفع مستوى التنمية في المناطق الأكثر تصديرا للمهاجرين إلى أوروبا، والثالث هو اتحاذ كافة الاجراءات الأمنية في التعامل مع الأبعاد الأمنية لهذه الظاهرة، ويتعلق المرتكز الرابع بتحسين خدمات وإجراءات الهجرة باعتبارها البديل المتاح للهجرة غير النظامية[2].

ومن المهم لفت الانتباه إلى أن تزايد اهتمام الدول العربية والأوروبية بهذه القضية لا يعني أنها قضية جديدة، وإنما هي قضية موجودة منذ فترة طويلة، ولكن الجديد متعلق بوجود إرادة سياسية ما خلال الفترة الحالية لتطوير أطر متعددة الأطراف تضمن مواجهة فعالة لتدفقات المهاجرين غير النظاميين. وفي هذا الإطار طرحت حلول من قبيل رفع مستوى التنمية في دول المنشأ، وإعادة توطين المهاجرين غير النظاميين في دول ثالثة، وكذلك تطوير إجراءات خاصة بتقنين أوضاع المهاجرين غير النظاميين في دول المقصد.

 وفي هذا السياق، يهتم هذا العدد من دورية بدائل ببعض الخبرات الأورومتوسطية في تعاملها مع ظاهرة الهجرة غير النظامية، والتي أصبحت من القضايا الرئيسية التي تشغل هذه الدول على نحو يفسر التطور الحادث في سياسات التعامل معها. وتجادل د.إيمان مرعي الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، في الدراسة الرئيسية في هذا العدد، بأن استمرار كون هذه القضية تمثل أولوية في العلاقات الأورومتوسطية يرجع إلى ضيق المقاربة التي تبنتها دول المغرب العربي، وكذلك الدول الأوروبية في تعاملها مع الهجرة غير النظامية والتي أعلت من أهمية الاجراءات الأمنية، والتي لم تكن كافية لوقف تدفق المهاجرين غير النظاميين باتجاه أوروبا.

وفي هذا الإطار، يناقش الجزء الأول من الدراسة تعريف الهجرة غير النظامية وأشكالها وتطور الاهتمام الدولي بها، ويحلل الجزء الثاني منها سياسات دول المغرب العربي الواقعة في جنوب المتوسط في التعامل مع الهجرة غير النظامية وتحديدًا ليبيا، والمغرب وتونس، والجزائر، بينما يحلل الجزء الثالث سياسات دول شمال المتوسط التي تنفذ في إطار وطني أو في إطار الاتحاد الأوروبي، ويهتم القسم الرابع بمناقشة أبعاد التعاون بين دول شمال المتوسط وجنوب المتوسط في مواجهة هذه الظاهرة.

ويقدم القسم الأخير من الدراسة مجموعة من الدروس المستفادة لمصر وغيرها من الدول العربية التي تواجه هذه الظاهرة ، وتؤكد هذه الدروس على أهمية تطوير سياسات غير أمنية في التعامل مع الهجرة غير النظامية على المستوى الوطني وعلى مستوى متعدد الأطراف.


[1] - “ Sharm El-Sheikh summit declaration”, European Council web portal , Feb 25,2019:

 

https://www.consilium.europa.eu/en/press/press-releases/2019/02/25/sharm-el-sheikh-summit-declaration/

 [2]  - نص برنامج عمل الحكومة المصرية "مصر تنطلق" 2018-2022، الأمانة العامة لمجلس الوزراء المصري:

http://www.cabinet.gov.eg/Arabic/GovernmentStrategy/Pages/The-Strategy-of-Dr.Mostafa-Madbouly’s-government.aspx