بسمة سعد

باحثة في العلوم السياسية

يشهد القطاع العمراني، والسكاني في مصر حالة من الحراك تقودها الدولة بالأساس لتحقيق عدة أهداف ذات أبعاد اقتصادية، واجتماعية. في هذا الإطار، خُصص العدد (55) من دورية الملف المصري لمناقشة هذه القضية المهمة، تحت عنوان "قضايا الإسكان والعمران في مصر"؛ والذي ناقش طبيعة السياسات الحكومية المتخذة في هذا القطاع، وإلى أي مدى نجحت في تحقيق غاياتها، ومدى اتساقها مع متطلبات المجتمع.

استهلت العدد دكتورة ابتهال أحمد عبد المعطي، أستاذ التنمية الإقليمية المساعد بكلية التخطيط الإقليمي والعمراني بجامعة القاهرة، بمقالة تحت عنوان "سُبل تعظيم العائد الاقتصادي والمجتمعي من المدن الجديدة"، والتي تناولت خلالها خمسة محاور رئيسية؛ تطرقت في أولها إلى المعايير المتعددة التى يُستند إليها في تعريف المدن الجديدة، والتي يأتي من بينها؛ الحجم السُكاني للدولة، والوظيفة الاقتصادية للمدينة الجديدة، ومدى استقلاليتها عن العمران القائم، إلا أنه مع تغير دور الدولة لم تُعد المدن الجديدة تُبنى لمثل تلك الاعتبارات، وإنما لكونها جاذبة للعمالة الأجنبية، وفرصة لتعظيم مكانة الدولة في السوق العالمية. ومن أنماط المدن الجديدة، العواصم السياسية أو الإدارية، والمدن البيئية، ونظيرتها الذكية. أما بالنسبة لثاني تلك المحاور فتتعلق بطبيعة الانتقادات التي تواجهها الدولة، والتي يأتي من بينها؛ عدم قدرة الدولة على تحقيق التوازن بين دورها الاستثماري، ونظيره المعني بتحقيق العدالة ذات الأنماط المتعددة، وفقدان تلك المدن للبعد التاريخي والثقافي. وفي المحور الثالث، تناولت الكاتبة التجربة المصرية ذات الأربعين عاماً في بناء المدن الجديدة عبر ثلاثة أجيال، وما تحمله مدن الجيل الرابع التى بدأت الدولة في تنفيذها منذ عام 2014 من مميزات.

وفي المحور الرابع، تطرقت الكاتبة لطبيعة التحديات التي تواجهها مصر في تجربة إنشائها المدن الجديدة. أما المحور للخامس فقد تناولت فيه الكاتبة مجالين لتعظيم العائد الاستراتيجي القومي للمدن الجديدة.

وفي المقالة الثانية، والتي جاءت تحت عنوان "القرارات والتشريعات العمرانية.. الواقع والتحديات"، فقد تناول خلالها الأستاذ يحيى عز الدين شوكت، الباحث والشريك المؤسس بشركة عشرة طوبة للدراسات والتطبيقات العمرانية، أربعة محاور رئيسية؛ حيث تطرق في أولها لاتجاه الدولة لتقنين البناء المخالف، والعشوائيات، بدءًا بالقانون رقم (259) الذي أصدره الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر في يوم 20 يونيو 1956، والذي نص على إيقاف جميع البلاغات وقرارات الإزالة الصادرة بحق جميع المباني المقامة على تقسيمات مخالفة، فضلاً عن توصيل المرافق العامة إليها، انتهاءً بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (886) في عام 2016 للسماح بتركيب عدادات كهرباء للعقارات المخالفة، وقرار وزير الكهرباء رقم (254) الذي حدد ضوابط تركيب عدادات الكهرباء الكودية، والتي يأتي في مقدمتها تركيب العدادات بصفة مؤقتة لحين تقنين وضع العقار أو صدور حكم نهائي بإزالته.

وفي المحور الثاني من المقالة، تناول الكاتب مشروع قانون "التصالح مع بعض مخالفات البناء" الذي حصل على موافقة مبدئية من مجلس النواب في يناير 2019، والذي حدد نطاق عمل للتقنين يشمل كافة المباني المخالفة حتى شهر يوليو 2017، وحظر التصالح مع أية أعمال بناء تمت بعد هذا التاريخ، كما تطرق الكاتب لمعوقات تنفيذ مشروع القانون في حالة إقراره بشكل نهائي. ويتناول الكاتب في المحور الثالث من المقالة المراحل القانونية التي مرت بها حالات ونماذج وضع اليد على أراضي الدولة، بدءًا من القانون رقم (147) لعام 1975 والذي بموجبه تم منع وضع اليد على أراضي الدولة التي كان يُسمح للمواطنين باستغلالها للسكن والزراعة، انتهاءًا بقرار رئيس الجمهورية رقم (75) لعام 2016 والذي صدر بموجبه إنشاء لجنة لاسترداد أراضي الدولة ومستحقاتها، والتي تمكنت في غضون عامين من إزالة التعديات على 32 ألف فدان من أصل 41 ألف فدان، واسترداد 1.2 مليون فدان من الأراضي الزراعية من أصل مليوني فدان.

وفي المحور الرابع، طرح الكاتب حزمة من المقترحات من أجل النهوض بالتشريعات العمرانية، سواء فيما يتعلق بعملية البناء والتخطيط عبر سن قوانين عامة وواقعية يعمل على تنفيذها إطار إداري محدد، أو فيما يخص أراضي الدولة من خلال العودة إلى عملية وضع اليد، ولكن بضوابط، ومعايير اجتماعية تلتزم بالمساحة، والنشاط، وتحمي حقوق الدولة، أو فيما يتعلق بالمباني المخالفة عبر مبادرة الدولة بالتوقف عن تبوير أراضٍ زراعية، والتوقف عن العملية الرسمية لتسليع السكن، والتي أدت لارتفاع أسعارها.

وقد تناول العدد مشكلة تصاعد ظاهرة العشوائيات والكمباوندات في مصر؛ وذلك في مقالة جاءت تحت عنوان "ثنائية الكمباوندات والعشوائيات.. وسياسة الإسكان في مصر"؛ حيث تناولت خلالها رئيس تحرير مجلة الديمقراطية، الدكتورة هناء عبيد، أربع محاور رئيسية؛ تطرقت في أولها إلى التطور الزمني للظاهرة. وتناولت في المحور الثاني جذور ظاهرة العشوائيات، وأسبابها؛ حيث ترتبط بعدة عوامل عززت من انتشارها؛ كسرعة التوسع الحضري، وترييف المدن. وتناولت الكاتبة في المحورين الثالث والرابع دور الدولة والسياسات التصحيحية التي تتخذها لمواجهة ظاهرة العشوائيات، سواء عبر التوسع في الإسكان الاجتماعي بتكلفة متوسطة تتناسب مع محدودي الدخل، أو عبر تطوير العشوائيات القائمة، وهو ما جسده مشروع الأسمرات بمراحله المختلفة، أو إخلاء مناطق الإسكان غير الرسمي مثل مثلث ماسبيرو.

وفي مقالة تحت عنوان "السوق العقاري المصري..ازدهار أم فقاعة"، ناقش الأستاذ حسين سليمان، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وضع السوق العقاري المصري خلال الأعوام القليلة الماضية في أربعة محاور رئيسية، تطرق في أولها إلى معدل نمو القطاع العقاري، والذي شهد تزايدا خلال العقد الماضي لاسيما عقب قرار رئيس مجلس الوزراء في عام 2007 بالسماح للشركات الأجنبية بتملك الشركات والأراضي اللازمة لمباشرة أنشطتها، وما ترتب عليه من نمو في قطاع التشييد والبناء خلال السنوات التالية للقرار باستثناء عام 2011؛ نظرًا لطبيعة التطورات السياسية. بينما تطرق الكاتب في المحور الثاني لمفهوم "الفقاعة السعرية"، وما هي أسبابها، وتداعياتها؛ وذلك كأحد أهم وأبرز المخاطر التي قد يتعرض لها السوق العقاري، بينما أفرد المحور الثالث لتناول المقاييس التي يُمكن الاستناد عليها في التعرف على حجم الفقاعة السعرية التي يواجهها السوق العقاري المصري؛ حيث يأتي من بينها؛ ارتفاع الطلب على العقارات، وبالتالي ارتفاع أسعارها حتى بلغ مُعدل الزيادة نحو 25%-30% في عام 2017، وذلك في ظل ما يفرضه برنامج الإصلاح الاقتصادي من تحديات. أما في المحور الرابع والأخير، استند الكاتب إلى حزمة من المتغيرات التي قد تنذر باقتراب مرحلة ركود الأسعار العقارية في مصر، والتي يأتي من بينها؛ تباطؤ الزيادة في الأسعار العقارية في القاهرة، والضواحي الجديدة في عام 2018، إلى جانب تراجع الطلب العقاري في النصف الثاني من العام، وذلك لأول مرة منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي.

وقد تناول الأستاذ أحمد زعزع، الباحث والمصمم العمراني بشركة عشرة طوبة للدراسات والتطبيقات العمرانية، في المحور الأول من مقالته، والتي جاءت تحت عنوان "التوسع العمراني في القاهرة.. المخاطر والتحديات"، مراحل نمو وتوسع مدينة القاهرة منذ نشأتها مما يقرب من 4000 عام بدءًا من مدينة ممفيس الفرعونية، انتهاءً بما وصلت له المدينة الآن من تطور، وتوسع لتصبح إحدى أكبر المدن على مستوى العالم. أما في المحور الثاني، فقد ناقش الكاتب الوضع العمراني الراهن لمدينة القاهرة، والذي يتمثل في جوانب عدة؛ أولها، تهالك إرثها التاريخي، وثانيها، التوسع في مشاريع الإسكان الاجتماعي، وما أضفته من نمط جديد بارز على المدينة، وثالثها؛ اتساع حجم مناطق الإسكان غير الرسمية. بينما أفرد الكاتب المحور الثالث لتناول أثر وتداعيات انتهاج الدولة سياسة بناء المدن الصحراوية الجديدة التي يتجاوز حجمها ثلاثة أضعاف حجم مدينة القاهرة في السبعينيات والثمانينيات. وقد أفرد الكاتب المحور الرابع لتقديم رؤية مستقبلية لوضع القاهرة العمراني في ضوء ما تشهده المدينة من عمليات توسع وبناء مدن جديدة، وهو ما دفع الكاتب لتقديم مقترح يحث فيه على البحث عن مدينة بديلة تكون منافسة لمدينة القاهرة، بحيث يتوافر بها الإمكانيات الزراعية والسياحية والصناعية والخدمية، والتي يمكن أن توفر للدولة أسس جيدة للتنمية. ومن بين المدن التي تنطبق عليها تلك الشروط الفيوم أو أسيوط أو مدن القناة.