د. إيمان رجب

رئيس وحدة الدراسات العسكرية والأمنية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تعد ظاهرة "الدواعش العائدين" من الظواهر التي  كان من المتوقع حدوثها منذ إعلان تنظيم داعش عن قيام دولته في العراق وسوريا في 2014، خاصة مع حرصه على نشر رسائل مصورة ونصية بلغات متعددة بهدف جذب أعضاء من مختلف دول العالم، إذ شاركت طوال السنوات الأربع الماضية فى العديد من المؤتمرات الإقليمية والدولية التى ناقشت مصير الإرهابيين الأجانب الذين انضموا لصفوف داعش، وقد اهتم بتنظيم هذه اللقاءات مراكز أبحاث ومنظمات دولية معنية بهذه القضية.

 وقد وفرت هذه المناقشات نوع من الإنذار المبكر حول المخاطر المترتبة على عودة الإرهابيين من سوريا والعراق إلى دولهم أو الناتجة عن تحركهم في مناطق الصراع المشتعلة في المنطقة العربية أو في المنطقة المحاذية لها، وتحديدا منطقة الساحل والصحراء. كما اهتمت تلك المناقشات بكيفية رفع قدرات الدول التى من المتوقع أن تستقبل العدد الأكبر من العائدين منهم للتعامل معهم ومع الإشكاليات الأمنية الناتجة عن عودتهم.[1]

ويمكن تفسير هذا الاهتمام المبكر بهذه القضية بأن التنظيم قد عاش في ظله منذ 2014 ما يتراوح بين 7-8 مليون شخص موزعين بين سوريا والعراق، منهم 42 ألف إرهابي أجنبي ينتمون إلى 120 دولة وفق تقديرات الاتحاد الأوروبي. وتبلغ نسبة الأطفال القصّر بينهم 11%. وتعد روسيا والسعودية والأردن وتونس وتركيا هي الدول التي يحمل جنسيتها الأعداد الأكبر من المنضمين في صفوف داعش.

وتشهد المرحلة الحالية الموجة الثانية لخروج الإرهابيين الأجانب من سوريا والعراق، والتي بدأت فى 2017 مع تزايد شدة المواجهات العسكرية ضد التنظيم، حيث نتج عنها خروج 43% من إجمالى الإرهابيين الأجانب إلى خارج سوريا والعراق والتوجه لدول أخرى فى المنطقة العربية وفى العالم. ومن المهم هنا ذكر أن بعض هؤلاء نجح في دخول دول ثالثة بوثائق سخصية سليمة ومنهم من دخل كلاجيء، خاصة ممن يحملون الجنسية العراقية.

في هذا الإطار، اتبعت دول العالم التي استقبلت مواطنين لها كانوا قد انضموا لصفوف داعش في العراق وسوريا خلال السنوات الماضية عددا من السياسات، بعضها ليس جديدا ومورس في الفترة التالية على أحداث 11 سبتمبر 2001 وفي التعامل مع موجة الإرهابيين العائدين من العراق في الفترة التالية على احتلال العراق في 2003.

ويمكن تحديد أربع سياسات رئيسية متبعة خلال المرحلة الحالية في التعامل مع الدواعش العائدين، وذلك على النحو التالي:

1- نزع الجنسية

تتمثل السياسة الأولى في نزع الجنسية، حيث تبنتكل من بريطانيا وألمانيا وهولندا وتونسقوانين تسمح لها بنزع الجنسية عمن ثبت من مواطنيها ممارسته الإرهاب في صفوف داعش. وتعد بريطانيا هي أكثر الدولة الأوروبية التي نزعت الجنسية عن مواطنيها، حيث بلغ إجمالي من نُزعت عنهم الجنسية عدد 104 أشخاص، بينما كان عددهم 5 أشخاص فقط في 2015.

في حين قصرت ألمانيا وهولندا نزع الجنسية عمن هم مزدوجي الجنسية. وبخلاف ألمانيا وبريطانيا تفضل دول أوروبية أخرى والتي استقبلت عددا محدود جدا من الإرهابيين العائدين مثل فنلندا عدم تبني هذه السياسة.

وتثير مسألة نزع الجنسية إشكاليات قانونية واجتماعية ليس بالنسبة للإرهابيين الأجانب فقط، وإنما أيضا للدول التي يوجدون على أرضها قبل انتقالهم لدولتهم الأصلية، سواء كانت العراق أو سوريا أو دولة ثالثة، حيث سيكونون "بدون جنسية" وفي الوقت نفسه سيمارسون حياة اجتماعية عادية وطبيعية في الدولة طالما لم ترتبط أبعاد تلك الحياة بضرورة وجود وثائق شخصية رسمية.[2]

2- تجريم ممارسة الإرهاب في الخارج

تنصرف السياسة الثانية إلى إخضاع الإرهابيين العائدين للمحاكمات وفق القوانين الوطنية، وتطبق هذه السياسة كل من فرنسا وألمانيا وهولندا وبريطانيا وتونس والمغرب. وتتراوح القوانين الوطنية في هذه الدول بين تجريم ممارسة الإرهاب في الخارج وبالتالي تتم المحاكمة استنادًا لذلك، وما بين إيداع العائدين في السجون.

وتشير خبرة بريطانيا إلى أن إرهابي واحد من بين 10 إرهابيين عائدين تتم محاكمتهم بعد توافر دليل على ممارستهم الإرهاب في صفوف داعش، ومن لا يتوافر دليل على ممارسته الإرهاب يتم تصنيفه على أنه لا يمثل خطرا على الأمن البريطاني وبالتالي يتم إطلاق سراحه.[3]

3- برامج مكافحة الأفكار المتطرفة لدى الدواعش العائدين

تتمثل السياسة الثالثة في تطوير برامج لمكافحة الأفكار المتطرفة لدى الدواعش العائدين. وتعد كل من المغرب ومصر وإندونيسيا والأردن والسعودية من الدول التي تعمل على تطوير هذا النوع من البرامج بهدف تغيير الأفكار المتطرفة التي يؤمن بها العائدون من صفوف داعش. وتُنفذ هذه البرامج في السجون أو في مراكز الاحتجاز الخاصة.

4- برامج إعادة التأهيل والدمج في المجتمع

تنصرف السياسة الرابعة إلى برامج إعادة التأهيل والدمج على المستوى المحلي. وقد طورت بعض الدول الأوروبية برامج لإعادة التأهيل والدمج للإرهابيين العائدين في حال عدم ممارستهم للإرهاب في مجتمعاتهم بعد العودة، وذلك بالشراكة مع المجتمعات المحلية. وكذلك اهتمت بتوفير القدرة لدى تلك المجتمعات للإبلاغ عنهم في حال تخطيط الإرهابيين العائدين لممارسة أي فعل إرهابي.

في هذا الإطار، أطلقت الدانمارك برنامج في مدينة أهاروس برنامج للتعامل مع الإرهابيين العائدين من مناطق الصراعات منذ العام 2014، خاصة بعد أن اكتشفت السلطات في المدينة أن هناك 31 شخصا من أبنائها قد سافروا إلى سوريا منذ العام 2012. هذا البرنامج خاص بتأهيل الإرهابيين العائدين الذين  يرغبون في الاندماج في المجتمع ويعرف باسم exit program for radicalized citizens، ويتم في إطاره توفير الخدمات الطبية والنفسية لهم، ومساعدتهم على الحصول على وظائف، وعلى استكمال تعليمهم. ولا يتضمن البرنامج أي أنشطة خاصة بتغيير العقيدة أو الأفكار الإرهابية، وإنما يستهدف تغيير سلوك الإرهابيين العائدين فقط.[4]

وبصفة عامة، فإن تبني أي من هذه السياسات يرتبط بموقف الدولة المعنية من الإرهاب كمهدد لأمنها القومي، خاصة في حالة الإرهاب المرتبط بتنظيم داعش والذي طور خليطا متنوع من الأفكار المتطرفة ذات الصبغة الإسلامية، وذلك بصرف النظر عن عدد الإرهابيين العائدين إليها، حيث يلاحظ أنه كلما كانت الدول أقل شدة في تجريم هذا النوع من الأفكار كلما كانت أقل نزوعا لسياسات نزع الجنسية، وكلما كانت أكثر رغبة في تطوير برامج لدمج العائدين في مجتمعاتها.

كما يتأثر تبني أي من هذه السياسات بحجم إدراك المؤسسات الأمنية اختلاف طبيعة الدواعش العائدين فى الموجة الثانية عمن عادوا في الموجة الأولى والتي بدأت في  2015، وما يطرحه ذلك من مخاطر وتحديات أمنية على الدولة والمجتمع؛ فالموجة الأولى قام بها كل من أدرك مبكرًا أنه تم تضليله وأن الحياة التي وُعد بها في الأرض التي يسيطر عليهاداعش لا تماثل الحياة الفعلية هناك، وبالتالي لم يتم التعامل معه في معظم الحالات على أنه مصدر تهديد لأمن الدولة التي عاد إليها.

أما في حالة العائدين في الموجة الثانية، فإنهم لن يعودوا بمفردهم كما غادروا دولهم الأم، بل سيعودون كعائلات، ولدى بعضهم أطفالا دون سن السادسة وُلدوا فى المناطق التى كان يسيطر عليها داعش. كما أن هؤلاء على درجة من المعرفة بأساليب ممارسة الإرهاب الخاصة بداعش إما لأنهم تدربوا على تلك الأساليب أو لأنهم كانوا على مقربة ممن ينفذونها كما فى حالة النساء الداعشيات، وفى كلتا الحالتين لدى هذه العناصر معرفة وعلاقات تربطهم بعناصر أخرى فى التنظيم جاءوا من مختلف دول العالم.


[1] Eman Ragab, "Returning Foreign Terrorists: What Type of Security Challenges Are They Posing?", IEMed  Mediterranean Year Book 2018, pp.87-93.

[2] David J. Trimbach and Nicole Reiz, "Unmaking Citizens: The Expansion of Citizenship Revocation in Response to Terrorism", Canter for Migration Studies, https://cmsny.org/publications/unmaking-citizens/

[3] "Only one in 10 jihadis returning from Syria prosecuted, figures reveal", The Independent, February21,209.

[4] إيمان رجب، "الخبرات الدولية في مكافحة الإرهاب"،دراسات استراتيجية ومستقبلية ، عدد 39 ، مارس 2018، ص ص 60-67.