في ظل التقلبات الاقتصادية التي تشهدها بلدان العالم من آن لآخر، تتأثر قطاعات مختلفة بتلك التغيرات، ويظل النصيب الأكبر من حظ المواطنين الذين يعانون من حالة غياب سياسات حماية اجتماعية واضحة، لذلك شرعت دول العالم المختلفة في تبني برامج حماية اجتماعية تهدف لحماية المواطنين من الآثار الاقتصادية الضارة مع تحقيق تنمية مستدامة.
في هذا السياق، يناقش العدد الجديد من دورية بدائل، التي تصدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، سياسات تحقيق الحماية الاجتماعية وفقا للتعريف المعتمد من قبل البنك الدولي. وتستعرض الدراسة الرئيسية في العدد مجموعة من التجارب الدولية ذات الصلة، كما تقدم تحليلا لفاعلية سياسات الحكومة المصرية في تحقيق الحماية الاجتماعية المنفذة منذ بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي. كذلك تقترح الدراسة مجموعة من التوصيات بهدف تطوير السياسات المتبعة.
وتستهل د. إيمان رجب، الخبير في الأمن الإقليمي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ورئيس تحرير بدائل، افتتاحية العدد التي تحمل عنوان "تحدي تحقيق الحماية الاجتماعية في ظل الإصلاح الاقتصادي"، بمناقشة التحدي الذي يواجه الدول عند التخطيط للإصلاح الاقتصادي، والمتمثل في كيفية التعامل مع الأعباء المترتبة على خطط الإصلاح، خاصة تلك المتعلقة بالجوانب الاجتماعية. وترى أن نوعية السياسات التي يتم تبنيها للتعامل مع تلك الأعباء الاجتماعية عادة تكشف عن رؤية الحكومة للعلاقات بين الطبقات الاجتماعية المختلفة وحجم نصيبها من عوائد وأعباء الإصلاح.
وتضيف د. إيمان رجب أن خبرات العديد من دول العالم التي تبنت خطط للإصلاح الاقتصادي تكشف عن أن من اهتم منها بإدارة التداعيات الاجتماعية لتلك الخطط نجح في تحقيق معدلات مهمة من التنمية المستدامة. وفي إشارة إلى التجربة المصرية، توضح د. إيمان أن تحقيق الحماية الاجتماعية للطبقة الوسطى وللفئات الأقل دخلاً يعد تحديًا مهمًا للحكومة المصرية التي تعمل على تطبيق برنامج للإصلاح الاقتصادي وفق ما هو مخطط له، ويرتبط بهذا التحدي القدرة على تخطيط وتنفيذ سياسات تقلل الأعباء التي تتحملها الطبقات الأقل دخلاً ولا تعرض الطبقة الوسطى لضغوط اقتصادية تؤدي إلى انكماشها.
وفى الدراسة الرئيسية لهذا العدد والتي تحمل عنوان "سياسات الحماية الاجتماعية والتنمية المستدامة: خبرات دولية ودروس مستفادة للتجربة المصرية" تقسم الأستاذة إيمان موسى، الباحثة المتخصصة في سياسات الحماية الاجتماعية، الدراسة لأربعة محاور وهي:
- "العلاقة بين الحماية الاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة".
- "الخبرات الدولية في مجال تحقيق الحماية الاجتماعية".
- "تقييم التجربة المصرية في مجال الحماية الاجتماعية".
- "مقترحات لتطوير سياسات الحماية الاجتماعية في مصر".
أولا: العلاقة بين الحماية الاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة
اهتمت الدراسة في هذا القسم بتعريف مصطلح "الحماية الاجتماعية" وفقا للبنك الدولي، والذي أشار إلى أن سياسات الحماية الاجتماعية تتكون من ثلاثة عناصر؛ وهي المساعدات الاجتماعية (شبكات الأمان الاجتماعي)، والتأمين الاجتماعي (معاشات التقاعد – رواتب العجز – تأمين البطالة، (وبرامج سوق العمل) برامج بناء المهارات- برامج عمل ومشروعات للشباب، (وتؤكد الدراسة على الدور المهم الذي تلعبه برامج شبكات التأمين الاجتماعي في السياسات الاجتماعية للدول بشكل عام.
وقد تبنت الدراسة اتجاهين لتفسير العلاقة بين سياسات الحماية الاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة. الاتجاه الأول يرى أن تحمل تكاليف سياسات الحماية الاجتماعية له آثار سلبية، حيث تعيد توزيع ما يبلغ 35% من الناتج المحلي الإجمالي لبعض بلدان العالم، مخلفة آثارًا سلبية طويلة وقصيرة الأمد. بينما يؤكد الاتجاه الثاني على وجود آثار إيجابية جراء تبني سياسات حماية اجتماعية، مع وجود علاقات وثيقة بين سياسات الحماية الاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة، وأشارت الدراسة إلى أنها أكثر ميلا لتبني الاتجاه الثاني.
ثانيًا: الخبرات الدولية في مجال تحقيق الحماية الاجتماعية
ناقشت الدراسة في هذا الجزء تجارب ستة دول تشمل قبرص، وغانا، وتركيا، وأوكرانيا، وأرمينيا، والبرازيل، بمجال الحماية الاجتماعية، ويمكن عرض بعضها كما يلي:
تجربة تركيا: لم يعتمد نجاح التجربة التركية على تقديم الدعم للأسر معيشيًا فقط، وإنما اعتمد على تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، ودفع منظومة التشغيل للشباب للحد من معدلات البطالة المرتفعة. كما تم وضع برنامج للتأمين الصحي الشامل لكافة المواطنين.
تجربة البرازيل: ركزت التجربة البرازيلية على برامج التحويلات النقدية المشروطة، مثل برنامج "بولسا فاميليا" للتحويلات النقدية المشروطة؛ والذي يهدف لتحويل الدخول للأسر الأكثر فقرًا للحد من فقرها، وتعزيز قدرتها في الحصول على خدمات الصحة والتعليم وخدمات اجتماعية أخرى.
ثالثًا: تقييم التجربة المصرية في مجال الحماية الاجتماعية
تشير الأستاذة إيمان موسى إلى أن التجربة المصرية في مجال الحماية الاجتماعية قد بدأت منذ الأربعينيات عن طريق تطبيق نظام للدعم السلعي، والذي استمر بنفس الأسلوب في تقديم خدماته حتى مطلع 2014 مع بداية تطبيق منظومة الدعم الجديدة التي ناقشتها الدراسة، فمنذ مطلع عام 2014 شرعت مصر في الالتفات لأهمية الحماية الاجتماعية في تفادي الآثار السلبية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، وأي صدمات مالية أو اقتصادية من شأنها التأثير سلبًا على معدلات الفقر.
وقد شرحت الباحثة تفصيليا الخلفيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أثرت على الوضع الاقتصادي والاجتماعي في مصر، والتي دفعت الحكومة المصرية لاتخاذ عدد من الإجراءات الاقتصادية الصعبة، التي خلفت تأثيرًا سلبيًا على معدلات الفقر بالمجتمع، ودفعت الدولة إلى إعطاء أولوية لسياسات حماية اجتماعية مستدامة واستباقية، خاصة في ضوء برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأت الحكومة المصرية في تنفيذه بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي في عام 2016، والذي تمحور حول زيادة تمويل برامج الحماية الاجتماعية بالمفهوم الشامل للمكونات الثلاث التي حددها البنك الدولي.
رابعًا :مقترحات لتطوير سياسات الحماية الاجتماعية في مصر
تختتم الدراسة بمجموعة من التوصيات لمساعدة الحكومة المصرية في تطوير سياسات الحماية الاجتماعية، وتنقسم التوصيات لعامة وخاصة متعلقة بكل مكون من مكونات الحماية الاجتماعية، ويمكن البدء بالتوصيات العامة التي أشارت لها الدراسة كالآتي:
1- البحث عن وسائل وسبل تمويل خارج الموازنة العام، مثل برامج التمويل من المنظمات الدولية العاملة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك تمويل البرامج الاجتماعية ذات التكلفة المنخفضة من خلال مشاركة القطاع الخاص.
2- توحيد مظلة سياسات الحماية الاجتماعية لتكون هناك جهة واحدة مسئولة عن هذه السياسات وتنفيذها ومتابعتها.
3- إعادة ترتيب أولويات الإنفاق الحكومي العام على أن يتم توجيه المبالغ التي يتم ترشيدها لبرامج الدعم النقدي وضم الفئات الأكثر استحقاقاً.
وفيما يتعلق بالتوصيات الخاصة بكل مكون من مكونات الحماية الاجتماعية وفقا لتعريف البنك الدولي فقد اقترحت الدراسة ما يلي:
1- فيما يتعلق بشبكات الأمان الاجتماعي، أشارت الدراسة إلى أنه بينما يقوم برنامجا "تكافل" و"كرامة" بتلبية احتياجات الفئات الأكثر فقرًا من خلال الدعم النقدي «الموجه»، لا تزال هناك حاجة إلى توسيع نطاق البرنامج، ويمكن ذلك من خلال توجيه المخصصات المالية التي سيتم توفيرها عقب حذف غير المستحقين للدعم التمويني إلى المدرجين في قواعد بيانات وزارة التضامن الاجتماعي في قاعدة البيانات الموحدة لبرنامجي "تكافل" و"كرامة".
2- فيما يخص سوق العمل، أشارت الباحثة لضرورة تطوير قدرات القوى العاملة، إضافة إلى استكمال الإجراءات المطلوبة لتؤول تبعية جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة مباشرة لرئيس مجلس الوزراء بدلاً من وزارة التجارة والصناعة وذلك لتوحيد مظلة المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
3- فيما يتعلق ببرامج التأمين الاجتماعي، أشارت الدراسة إلى ضرورة تطوير وتعزيز البرامج التي تستهدف الفئات الفقيرة والهشة وذوي الإعاقة، فضلا عن الاستمرار في تنفيذ برامج لدعم وتمكين المرأة المعيلة، من خلال تقديم مبادرات ومشروعات متناهية الصغر، هذا إلى جانب الاهتمام بالعشوائيات، وتطويرها من خلال مشروع قومي يتم متابعته من رئاسة الوزراء بشكل مباشر، وبحث سبل تمويل غير تقليدية لمثل هذه المشروعات.