احتلت الدائرة الأفريقية مكانة مهمة ضمن سياسة مصر الخارجية خلال السنوات القليلة الماضية، انعكست في اختيار مصر وبالإجماع على توليها رئاسة الاتحاد الأفريقي بدءاً في فبراير 2019. انطلاقاً مما سبق، جاء العدد (54) من دورية الملف المصري تحت عنوان "مصر ورئاسة الاتحاد الأفريقي 2019".
استهلت العدد د. أميرة عبد الحليم، خبيرة الشئون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بمقالة تحت عنوان "ملفات رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي"، تم التطرق خلالها إلى أبرز الملفات التى يمكن للدولة المصرية الانخراط من خلالها في القارة في ظل رئاستها للاتحاد الأفريقي عام 2019، والتى تتمثل في إرساء الأمن والاستقرار في القارة لاسيما في ظل خبرة مصر الدبلوماسية، الأمنية والعسكرية، التى تمنحها القدرة على تحقيق تقدم ملحوظ في هذا الملف على الرغم مما تواجهه الجهود المصرية من تحديات.
أما الملف الثانى فهو ملف التنمية الاقتصادية؛ حيث تتمتع القارة بالعديد من المميزات النسبية التى تلعب دوراً كبيراً في تحقيق التنمية المنشودة، مثل وفرة الموارد الطبيعة، والتى يمكن لمصر المساهمة في توظيفها في ظل ما تتمتع به من خبرات في المجالات الاقتصادية والتنموية والدور النشط الذي تقوم به شركات القطاع الخاص.
الملف الثالث هو إصلاح المنظمة القارية لضمان تفعيل دورها، وذلك عبر ادخال إصلاحات مالية ومؤسسية. بينما يُمثل تعزيز الروابط الثقافية بين مصر والقارة رابع تلك الملفات التى تدعم من انخراط القاهرة بالقارة، وذلك عبر تعميق التعاون في قطاعات السينما، والإنتاج المسرحي والأدبي. وأخيراً، تُعد قضايا الشباب والمرأة أحد الملفات المهمة لتعزيز التواجد المصري في القارة عبر طرح حزمة من السياسات والاستراتيجيات المعنية بهاتين الفئتين على كافة المستويات.
وفي مقالة بعنوان "مبادرات الحوكمة في الاتحاد الأفريقي"، كتبها السفير أشرف راشد، رئيس اللجنة الوطنية في إطار عضوية مصر في الآلية الأفريقية لمراجعة النظراء، تم تناول حزمة من البروتوكولات والمعاهدات والاتفاقيات التى تم إقرارها منذ عهد منظمة الوحدة الأفريقية والتى بدأت باعتماد "خطة لاجوس" في عام 1980، وتبنى عدة مواثيق مثل "الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل"، مروراً باقرار الاتحاد الأفريقي عدة معاهدات ومواثيق ومقررات تأتى اتساقاً مع نص القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي؛ كإنشاء محكمة عدل تابعة للاتحاد الأفريقي والتى تحولت في عام 2008 للمحكمة الأفريقية للعدل وحقوق الإنسان، وإقرار مبادرة "الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا"(النيباد) في عام 2001.
كما أوضح الكاتب أن الهدف من إنشاء الآلية الأفريقية لمراجعة النظراء والتى بحلول شهر مارس 2019 سيكون قد مر عليها 16 عاما، هو إخضاع سياسات الدول الأعضاء في الآلية لنوع من التقييم الذاتي الطوعي في مجال الحوكمة بشكل عام كسبيل لتعزيز أفضل الممارسات المتخذة، وتحديد أوجة القصور، وتبادل الخبرات بين الدول الأعضاء. كما استعرض الكاتب التجربة المصرية في تلك الآلية والتى بدأت في عام 2004، وما تبع ذلك من إجراءات تمثلت في تشكيل اللجنة الوطنية المصرية المنضوية تحت لواء الآلية، والتى تتولى وضع الاستراتيجية المعنية بتنفيذ متطلبات الآلية.
كما تطرق الباحثون بمركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام، نورا أبو النصر وآخرون، في مقالة بعنوان "دور مصر في تعزيز السلم والأمن الأفريقية" إلى بيئة السلم والأمن الأفريقية التي تتسم بقدر كبير من التشابك في حجم ونوعية التحديات الأمنية التى تواجهها، لاسيما في ظل توافر البيئة الخصبة لتوطن الإرهاب وانتشاره في كافة ربوع القارة، ونمو شبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وهو ما ترتب عليه ارتفاع أعداد النازحين والمهاجرين في القارة.
كذلك، تناول الباحثون انعكاسات بيئة التهديدات الأفريقية على الأمن القومى المصري، سواء القادمة من الجوار المباشر مثل ليبيا، أو في إطار المناطق الجغرافية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالمصالح الإستراتيجية للأمن القومي المصري مثل منطقة القرن الأفريقي. أما فيما يتعلق بالدور المصري في دعم بنية السلم والأمن الأفريقية، فلقد تعددت أوجه الدور المصري لدعم بنية السلم والأمن الأفريقية لتضم الجهود المصرية في الوساطة وتسوية النزاعات، والمشاركة في عمليات حفظ السلام الأممية في القارة، وغيرها من الجهود.
وفي نهاية المقالة، استشرف الباحثون أجندة رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي في موضع السلم والأمن؛ حيث تم طرح عدد من الأولويات الرئيسية التى يُمكن أن توليها مصر اهتماماً بالغ خلال عام رئاستها للاتحاد الأفريقي، مثل تعزيز جهود منع النزاعات والوقاية منها، وتعزيز الآليات الأفريقية لإعادة الإعمار.
وفي مقالة بعنوان "التنافس الإقليمي داخل الاتحاد الأفريقي" تطرق مدرس العلوم السياسية في جامعة القاهرة د. باسم رزق، إلى القوى الإقليمية المنافسة داخل الاتحاد والتى تلعب دوراً في التأثير على توجهات الاتحاد، وطبيعة القضايا المتناولة، والتى يأتى على رأسها إثيوبيا، ومصر، ونيجيريا، وجنوب أفريقيا، انطلاقاً من عدة مقومات رئيسية تتمتع بها تلك القوى، كما تطرق الكاتب إلى القوى المتوسطة التى تمتلك العديد من الميزات النسبية التى تؤهلها مستقبلياً لأن تصبح أحد القوى الإقليمية المؤثرة في الاتحاد مثل الجزائر، وأوغندا.
ولقد استعرض الكاتب عدد من الدوافع الرئيسية لتنافس القوى الإقليمية داخل الاتحاد، والتى يأتى من بينها التأكيد على قوتها التأثيرية وغلبتها الإقليمية وفرض توجهاتها الذاتية على الاتحاد، وتعظيم مصالحها الاقتصادية، والسياسية، والأمنية. ومن بين المظاهر الدالة على التنافس الإقليمي داخل الاتحاد الأفريقي التى تناولها الكاتب التدخل في شئون دول الجوار أو الوساطة الإقليمية والقارية، والدخول في خلافات وصراعات مع قوى اقليمية، أو التأثير على السلوك التصويتى بالاتحاد وفقاً لمصالحها. ومما لا شك فيه، أن لهذا التنافس تداعيات عدة تُلقي بظلالها على طبيعة العلاقات البينية داخل الاتحاد، وعلى فاعلية ودور مؤسسات الاتحاد، كما تحث على التدخل الدولى في الشأن الأفريقي، وتؤدى إلى شرذمة الصوت والموقف الأفريقي.
وتطرق الباحث المساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية أحمد عسكر في مقالة بعنوان"الاتحاد الأفريقي وتعزيز التعاون الاقتصادي في أفريقيا"، إلى دور الاتحاد في تحقيق التنمية الاقتصادية بالقارة؛ حيث اشتمل قانونه التأسيسي على عدد من الأهداف الاقتصادية، منها التعجيل بتكامل القارة اقتصادياً، وسياسياً، واجتماعياً، وتعزيز التنمية الاقتصادية، فضلاً عن مواءمة السياسات بين المجموعات الاقتصادية الاقليمية. كما تشكلت بعض الأجهزة التابعة للاتحاد مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وعدد من المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الأفريقي.
علاوة على اطلاق الاتحاد لعدة أنشطة رامية لتحقيق التنمية الاقتصادية مثل إطلاق مبادرة التضامن الأفريقي في عام 2012 التى تهدف لتوفير الدعم للدول بعد الصراعات، فضلاً عن الحث على تسريع وتيرة تفعيل عدد من الاتفاقيات الهادفة إلى تحقيق التكامل الاقتصادي القاري مثل معاهدة أبوجا الصادرة عام 1990.
وأكد المقال أن هناك العديد من الاعتبارات المحفزة لتحقيق التكامل الاقتصادي والتنموي القاري، منها التقارب الجغرافي بين دولها، والتجانس الثقافي بين أبنائها، لكن في ذات الوقت هناك عدد من المعوقات التى تحول دون تحقيق هذا التكامل، منها ضعف البنية التحتية للقارة، وانتشار الفساد، وغياب استراتيجيات شاملة لتعزيز التعاون الاقتصادي. أما عن مستقبل التعاون الاقتصادي في ضوء أجندة أفريقيا 2063، فقد تضمنت الأجندة رؤية اقتصادية تنموية طموحة من شأنها تعزيز قدرة الأفارقة على استغلال مواردهم وثرواتهم، تتضمن تعزيز البنية التحتية الأفريقية، وبناء مجتمعي معرفي، والقيام باستثمارات مشتركة بين دول القارة.
وفي ضوء رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي ودورها في تحقيق التكامل الاقتصادي، تقوم القاهرة بدور محوري لدفع التعاون الأفريقي القاري في هذا القطاع، كما تحظى أجندة 2063 باهتمام مصري خاص تجسد في ربط الأجندة الأفريقية المعنية بإستراتيجية مصر التنموية 2030، واستضافة القاهرة لمنتدى أفريقيا خلال أعوام 2016، 2017، 2018، وغيرها من السياسات العاكسة لحرص مصر على الانفتاح على القارة السمراء وتعزيز والتعاون بينها وبين دول القارة.