في ظل تزايد أهمية العلاقات المصرية مع الدول الأفريقية منذ انتخاب الرئيس السيسي رئيسًا لمصر للمرة الأولى في 2014، ثم إعادة انتخابه في 2018، وهو يسعى لإعادة إحياء التعاون المصري- الأفريقي بعد سنوات من الجفاء، أثرت على آليات التعاون بين القاهرة والعواصم الأفريقية. كما يحرص على تنفيذ الالتزامات التي تقرها الدول الأفريقية من خلال الاتحاد الأفريقي. ومن بين هذه الالتزامات إطلاق عملية المراجعة الذاتية الطوعية للحوكمة الجيدة في 2017 والتي تشرف عليها آلية التقييم الذاتي التابعة للاتحاد الأفريقي.
ومع انتخاب مصر لرئاسة الاتحاد الأفريقي بدءاً من العام 2019 ولمدة عام، تتوفر لها فرصة متميزة لتنشيط علاقاتها مع دول القارة من خلال مؤسسات الاتحاد. وفي هذا السياق، يناقش عدد ديسمبر 2018 من دورية بدائل كيف يمكن أن تستفيد مصر من رئاستها للاتحاد الأفريقي.
وتوضح دكتورة إيمان رجب، خبير في الأمن الإقليمي بمركز الأهرام ورئيس تحرير بدائل، في افتتاحية العدد التي تحمل عنوان "مصر والدول الأفريقية: تحدي القدرة على الاستفادة من الفرص الجديدة"، أن الحديث عن محدودية مستوى العلاقات مع الدول الأفريقية من حيث المخرجات يمكن تبريره من ناحية بأننا نتحدث عن علاقات خارجية مع عدد كبير من الدول تشمل قارة بأكملها. ومن ناحية ثانية، يشير تاريخ العلاقات مع هذه الدول أنه لم يكن كله إيجابيا حيث تخللته بعض الفترات السلبية والتي لها تأثيرها على أي مسار مستقبلي لهذه العلاقات. ومن ناحية ثالثة، هناك تنافس إقليمي ودولي على بناء النفوذ في القارة الأفريقية. هذا التنافس تقوده دول لديها من الموارد المالية والقدرات المصرية ما يمكنها من إضعاف النفوذ المصري.
كما توضح الدكتورة إيمان أن الاستثناء الوحيد من ذلك مرتبط بالعلاقات بين المؤسسات الأمنية المصرية ونظريتها في الدول الأفريقية والتي تعد متميزة مقارنة بالعلاقات الاقتصادية، حيث تنفذ هذه المؤسسات مجموعة من البرامج التدريبية في مجال الكشف عن هوية العناصر الإرهابية، وتقدم تدريبات في الكليات والمؤسسات العسكرية والشرطية المصرية للكوادر الأفريقية. إلى جانب ذلك تعد مبادرة إنشاء مركز لمكافحة الإرهاب في إطار منظمة الساحل والصحراء خطوة أخرى في إطار مأسسة علاقات التعاون العسكري والأمني بين مصر وهذه الدول.
وفى الدراسة الرئيسية لهذا العدد والتي تحمل عنوان "رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي 2019: القضايا والسياسات المقترحة"، تقدم دكتورة أميرة محمد عبد الحليم، خبيرة الشئون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أجندة مقترحة للقضايا التي يمكن أن تهتم بها مصر بمناسبة رئاستها للاتحاد الإفريقي، وتشمل هذه القضايا تسوية الصراعات ومكافحة الإرهاب، ومراجعة منظومة السلم والأمن الأفريقي (APSA)، وحماية اللاجئين والنازحين، والقضايا الاقتصادية والتنموية، ودعم الشباب في أفريقيا، ودعم القضايا الأفريقية في المنظمات الدولية.
وتنقسم الدراسة إلى ثلاثة أجزاء رئيسية. يتناول الجزء الأول الوضع الحالي لعلاقات مصر مع الدول الأفريقية، فيما ناقش الجزء الثاني أجندة قضايا مقترحة أثناء رئاسة مصر للاتحاد، بينما يقدم الجزء الثالث عددا من التوصيات على مستويين، الأول متابعة تنفيذ الطموحات الأفريقية، والمستوى الثاني مبادرات جديدة لمعالجة التحديات التي تواجهها القارة الأفريقية.
أولاً: الوضع الحالي لعلاقات مصر مع الدول الأفريقية
أكدت الدراسة أنه يتم قياس الدور الذي تلعبه دولة تجاه دولة أخرى أو مجموعة دول أخرى بحجم المساهمات التي قامت بها هذه الدولة في القضايا المهمة بالنسبة للدول الأخرى، وقياسا على ذلك بالنسبة لمصر كان لمصر دورا قائدا في تصفية الاستعمار ومناهضة العنصرية في القارة الأفريقية، لكن مع انتهاء عصر التحرر الوطني ركزت مصر على المنطقة العربية في ظل تصاعد التحديات التي فرضها الصراع العربي– الإسرائيلي، فتراجع دور مصر في أفريقيا وزاد الابتعاد عن القضايا الأفريقية، خاصة بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك عام 1995.
كما أكدت الدراسة أنه بحلول ثورة 30 يونيو2013، تم تعليق أنشطة مصر في الاتحاد الافريقي، لعدم فهم مسئولي الاتحاد طبيعة التطورات السياسية التي تشهدها مصر. ومنذ ذلك الحين عملت مصر على تفعيل حضورها بصفة رئيسية في كافة المؤتمرات والقمم الأفريقية، ومحاولة استعادة دورها في القارة الأفريقية. وساد بمصر خطاب سياسي جديد يعلي ويبرز قضايا السلام والتنمية في أفريقيا عبر توظيف كل أدوات الدبلوماسية والقوة الناعمة على أساس تحقيق مكسب الجميع. علاوة على استضافة مصر العديد من الفعليات والمؤتمرات الأفريقية.
ثانياً: أجندة قضايا مقترحة أثناء رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي.
أكدت الدراسة أن هناك العديد من القضايا المعقدة التي يمكن أن تسعى مصر لاستخدام خبراتها وقدراتها في دعم الدول والمنظمات الأفريقية لمواجهتها. تتمثل اهم هذه القضايا فيما يلي:
1- تسوية الصراعات: تري الدراسة أنه يمكن لمصر القيام بدور فعال في القرن الأفريقي، سواء فيما يتعلق بالتطورات في جنوب السودان أو فيما يتعلق بالصراع في الصومال، أو النزاعات بين دول القرن الأفريقي. وذلك من خلال الدعم لإدارة ومنع الصراعات في هذه الدول بالاعتماد على ما تملكه مصر من خبرات دبلوماسية.
2- مكافحة الإرهاب: في ظل معاناة مناطق كثيرة في القارة الأفريقية من انتشار الجماعات الإرهابية، عملت مصر خلال السنوات الأخيرة على تنمية أطر التعاون مع دول الساحل الأفريقي، للمشاركة في دعم قدرات هذه الدول في مواجهة هذه الجماعات، إضافة إلى تبادل الخبرات والمعلومات بين الجانبيين. وكانت من اهم المبادرات التي طرحتها مصر إنشاء مركز إقليمي لمكافحة الإرهاب لدول تجمع الساحل والصحراء مقره مصر، كما قدمت عددا من المبادرات للتصدي للإرهاب في القارة الأفريقية.
3- مراجعة منظومة السلم والأمن الأفريقي: وفي ظل تطلع القادة الأفارقة إلى قيام الاتحاد الأفريقي بإجراء مراجعة جماعية لمنظومة السلم والأمن الأفريقية APSA يمكن لمصر أن تساهم في عملية الإصلاح بما تمتلكه من كفاءات وخبرات.
4- حماية اللاجئين والنازحين: يعود الاهتمام الأفريقي إلى حماية اللاجئين فيما ظهر بقرارات قمة الاتحاد الأفريقي 25 يونيو 2018، في نواكشوط، حيث أصبح موضوع العام للاتحاد الأفريقي "اللاجئون والعائدون والمشردون داخليا في أفريقيا: نحو حلول دائمة للتهجير القسري".
5- القضايا الاقتصادية والتنموية: تهتم مصر بهذه القضية من خلال تأكيدها على أهمية إنشاء منطقة تجارة حرة تضم القارة الأفريقية بأكملها، ويمكن أن تهتم مصر خلال رئاستها بعدد من القضايا الاقتصادية التي تمثل أولوية للدول الأفريقية والتي يمكن أن تقدم مصر بخصوصها تصورات لمعالجة المشكلات المرتبطة بها ومن أهمها تطوير البنية التحتية، وتطوير استخدام الموارد المائية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والإصلاح المؤسسي والمالي للاتحاد الأفريقي، ودعم الشباب، ودعم قضايا القارة في المنظمات الدولية.
ثالثاً: التوصيات المقترحة
تقترح الدراسة عدداً من التوصيات التي من شأنها أن ترفع مستوى نشاط السياسة المصرية. وتشمل مجموعتين من التوصيات. الأولى، تتعلق بمتابعة مصر تنفيذ الطموحات الأفريقية كما أقرتها قمم الاتحاد الأفريقي السابقة، حيث يتعين عليها دراسة ومتابعة واستكمال تنفيذ خطط التطوير الطموحة التي وضعها القادة الأفارقة خلال السنوات الأخيرة، وفى مقدمتها أجندة 2063، وكذلك خطة الإصلاح التي طرحها الرئيس بول كاجامي والذي كلفته القمة الأفريقية في يوليو 2016 بتنفيذها، والتي تهدف إلى الإصلاح المؤسسي والمالي للاتحاد الأفريقي، وتدعيم دوره القاري والتخفيف من معاناة المواطن الأفريقي.
وتشمل المجموعة الثانية من التوصيات عددا من المبادرات الجديدة التي يمكن أن تطرحها مصر خلال رئاستها للاتحاد ومنها مبادرات صنع السلام في أفريقيا، ومبادرات تحسين نوعية الحياة، ومبادرات دعم الإنتاج الزراعي في أفريقيا، ومبادرة تعزيز الثقافة الأفريقية.