مهاب عادل حسن

باحث مشارك - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

يشهد العالم في وقتنا الراهن موجات تحول هائلة في مجالات التحول الرقمي وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فتصاعد الحديث عن الاتجاه إلى "أنسنة الآلة" و"ميكنة البشرية"، وتحولت العديد من الأفكار الخيالية التي كانت تطرحها الأعمال السينمائية في هوليود في إطار ما كان يُعرف بأفلام الفانتازيا أو الخيال العلمي، إلى واقع نشاهده ونلمسه في حياتنا اليوم، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد بدءا من الصعود إلى القمر إلى السيارات الطائرة والإنسان الآلي الذي يقوم بالعديد من الأعمال في المجالات المختلفة الطبية والزراعية والهندسية والعسكرية..إلخ.

ومن ثم، فقد أصبحت موجات التحول التكنولوجي تشهد طفرات متسارعة على نحو أوجد تباينات ضخمة في مستويات التقدم بين الدول، وبات مؤشر التطور التكنولوجي أحد مؤشرات القدرة التي يُقاس بها قوة الدول ومكانتها، ولما كان لهذا التحول الهائل في المجال الرقمي والتكنولوجي انعكاساته الإيجابية في كافة مجالات التنمية التي تسعى الدولة لتحقيق تقدم ملموس فيها، كان هناك انعكاسات لذلك أيضًا على النطاق الإنساني، من حيث الاتجاه إلى تعزيز القيم المادية وتسيدها في منظومة القيم الحاكمة للمجتمع.

وبالتالي، فالتحدي الآن يرتبط بموقع مصر وباقى الدول النامية الساعية إلى حجز موقعها وتفعيل دورها ومساهمتها في هذه الحضارة الجديدة. ونقطة البدء هنا ترتبط بالتساؤل حول كيفية الانتقال إلى مرحلة تحديد المقومات والمسارات القادرة على تفعيل الدور المصري كقوة منتجة للمعرفة ومشاركة في تلك الحضارة، وليس مجرد مستقبل ومستخدم لمنتجاتها وثقافتها، وهو ما تحاول مجلة أحوال مصرية الإجابة عليه في عددها الجديد، من خلال استعراض الموضوع في زواياه وأبعاده المختلفة، وطرح الفرص التي يُمكن الاستفادة منها في التجربة التنموية التي تستهدفها مصر، وكذا التحديات التي يمكن أن تواجهها.

 وفي هذا الصدد، أكد د. أيمن السيد عبد الوهاب، رئيس تحرير مجلة أحوال مصرية، في افتتاحية العدد أن مقتضيات تسريع عملية بناء الدولة والمجتمع على أسس داعمة لعمليتي التنمية والتحديث، تتطلب جملة من السياسات والإجراءات الداعمة للتطور التكنولوجي السريع من ناحية، والدافعة لتحقيق قفزات علمية كبيرة من ناحية ثانية، وأن تكون قادرة على التعامل مع حالة عدم التكافىء الراهنة عبر سلسلة من حرق المراحل لتعظيم أوجه الاستفادة من الفرص المتاحة، وتقليل حجم التداعيات والتأثيرات السلبية الناتجة عن بطء التحرك نحو المستقبل وعدم امتلاك قوته.

وفي هذا السياق، أشار د. عادل عبد الصادق، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن التحديات والفرص الناجمة عن الثورة الصناعية الرابعة تتطلب فهما دقيقًا لكيفية التعامل معها، وتستدعى تكاتف الجهود بين الحكومات والشركات وصناع القرار والأكاديميين والأفراد، بل يجب أن تسعى الحكومات إلى تنمية قدراتها من خلال تنمية الذكاء والعقل فى إطار وجود منظومة سريعة التغير، ورؤية طويلة الأجل، وعدم النظر إلى التكنولوجيا أو ما يصاحبها من مشكلات باعتبارها قوى خارجيّة لا يمكن للإنسان التحكم بها، بل يجب العمل على استغلال الفرصة والقوّة التى يمتلكها المواطنون، والمستهلكون والمستثمرون في رسم ملامح الثورة الصناعية الرابعة.

بينما أوضح د. أحمد الدقن، الأستاذ المساعد في الإدارة العامة والمحلية بأكاديمية السادات، أن مدخل التحول الإلكترونى، يعد أحد المداخل المهمة والجديدة للإصلاح الإدارى، والضالة المنشودة لأصحاب الجيل الثانى للإصلاح الإدارى، الذى أفرز نموذج الحكومة الإلكترونية، والذى استخدم تقنيات الثورة الصناعية الثالثة من الإنترنت والحاسبات الآلية الصغيرة والهواتف النقالة وغيرها من التقنيات لميكنة الخدمات الحكومية، إلا أنه لم يحقق الأهداف المنشودة للإصلاح الإدارى فى مصر، خاصة فيما يتعلق بزيادة كفاءة وفعالية الجهاز الإدارى للدولة ليضطلع بدوره المأمول فى إدارة التنمية المستدامة للدولة.

وحول الفرص التي يُمكن أن تقدمها استخدامات تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي في مجالات التنمية وبناء الدولة الحديثة، أوضح السفير/ عزمي خليفة، عضو الجمعية المصرية للدراسات المستقبلية، أن الذكاء الاصطناعى مهم لرفع كفاءة الدولة القومية وليس هدمها، ومهم بدرجة أكبر لمواجهة موظفين جدد هم الـ Hacktivists "نشطاء القرصنة" الذين يعملون فى أجهزة مخابرات بعض الدول، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعى أوسع من مجرد صناعة الروبوت التى تعد أكثر المجالات تخلفًا علميًا، وأن مصر تتقدم خطوة بعد أخرى فى مجال "الأتمتة"، الذي يستند إلى تعاون قوة السير مع الإنسان لأتمتة مرافق الدولة، وأنه يجب الاستفادة من هذا المجال في مكافحة الموجة القادمة من الإرهاب غير المرئى أو الإرهاب الناعم، ولرفع كفاءة الدولة الوطنية.

وفيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي باعتباره أحد المداخل الحديثة لتحقيق التنمية المستهدفة في قطاعات الدولة المختلفة، أوضح أستاذ حسين بحيري، الباحث بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، أن هناك علاقة وطيدة بين استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى وتحقيق التنمية الاقتصادية، حيث أن تطبيقات الذكاء الاصطناعى من شأنها أن تنعكس إيجابًا على عملية التنمية الاقتصادية الشاملة فى الدول التى ترغب فى إحداث تنمية اقتصادية حقيقية تشمل جميع القطاعات، مع الأخذ فى الاعتبار ضرورة التطبيق الآمن للذكاء الاصطناعى بشكل يعظم المكاسب ويقلل الخسائر الاقتصادية بشكل عام، الأمر الذى يتطلب التركيز على الجوانب الإيجابية وخاصة ما يتعلق بالزيادات المتوقعة فى معدلات الإنتاج وتحسين جودة المنتجات والخدمات بما يحقق فى نهاية الأمر التنمية الاقتصادية المنشودة.

وفي ذات السياق، أكد أستاذ مالك عوني، مدير تحرير مجلة السياسة الدولية، أن التطور التكنولوجى فى المجال الزراعى، بما فى ذلك استخدام منظومات الذكاء الاصطناعى المتكاملة، بات يمثل الفرصة الحقيقية للحفاظ على جدوى النشاط الزراعى فى مصر من جهة، وزيادة إنتاجيته وقدرته على المنافسة، وخفض العجز الغذائى فى مصر، وإصلاح تشوهات توزيع العمالة، وترشيد تخصيص مورد المياه الذي تتزايد ندرته بشكل سريع فى مصر، وخفض معدلات هدره الكبيرة فى النشاط الزراعى بأنماطه التقليدية الحالية.

وفي سياق المشروعات العمرانية الضخمة التي أطلقتها الدولة خلال الفترة الماضية، واتجاهها إلى تحسين نمط التخطيط العمراني في مصر، على نحو استوجب ضرورة الاستفادة من آليات التطور التكنولوجي والرقمي في هذا الصدد، حيث أكدت دكتورة إيمان مرعي، الخبيرة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن المدن الذكية هى الطريق نحو المستقبل لضمان أنماط حياة تمتاز بالجودة عوضًا عن معاناة ندرة الموارد، حيث أن استخدام وتطبيق مفهوم المدن الذكية فى المجتمعات يمكن أن يساهم فى زيادة الكفاءة والفعالية الاقتصادية والإدارية، وتحسن مستويات العدالة المجتمعية وزيادة النمو الاقتصادى، ومحاصرة البيروقراطية والروتين وتقلص الإجراءات التي تهدر الوقت، وذلك اعتمادًا على البيانات التي تمثل إحدى أهم الركائز التكنولوجية التى سترتكز عناصر نجاح إدارة المدينة عليها.

وارتباطًا بالتحديات الناتجة عن هذا التطور الهائل في المجال الرقمي، والتي باتت تواجهها بعض القطاعات كقطاعة الصحافة الورقية في مصر، أكد أستاذ أحمد محمود، الكاتب الصحفي بمؤسسة الأهرام، أن المنظومة الصحفية تحتاج إلى المزيد من إجراءات الإصلاح، سواء فى الهيكل التنظيمى أو الإدارى للصحف، أو فى أساليب ممارسة المهنة لإعادة الجودة للمحتوى الصحفى، مع التأكيد على ضرورة أن يتم الاعتراف بأن التحول الرقمى في الصحف لم يعد مشكلة لإظهار التنوع والثراء والقدرات التقنية للمؤسسات، لكنه أصبح ضرورة حتمية لإعادة الصحف القومية لمسارها الصحيح.

أيضًا تنسحب هذا التداعيات إلى التأثير المحتمل على بنية المنظومة الاجتماعية للمجتمعات، حيث أوضحت أستاذة نورا فخري، الباحث المساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه على الرغم من الإيجابيات التي يوفرها هذا التطور التكنولوجي الهائل إلا أنه يحمل بين طياته أثار سلبية على بنية المجتمعات والبناء الطبقي والثقافي لديها، حيث أن هناك اتجاه بحثي يُشير إلى أن انتشار التقنيات التكنولوجية سوف يُزيد من مؤشرات عدم المساواة فى المجتمع خاصة المساواة الاقتصادية، ومن الممكن أن تُسلب قدرة طبقة اجتماعية معينة فى ظل استخدام التكنولوجيا التى تشغل العديد من الوظائف فى المستقبل القريب، وأن هناك أيضًا بعض الدراسات التي ذهبت إلى أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعى ومواقع الإنترنت بشكل مستمر يضاعف فرص المستخدمين بالوحدة والعزلة الاجتماعية،. وبالتالي، قد تقود هذه الأنظمة إلى إنتاج طبقة وظيفية حديثة، ويصبح الأمر مجرد تصارع على إحضار مستقبل بائس بدلا من إحضار مستقبل يتعزز بالقيم الإنسانية.