بسمة سعد

باحثة في العلوم السياسية

في إطار التعاون الأكاديمي بين مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والمؤسسات الأكاديمية الأوزبكية، ومحاولة فهم التجربة الأوزبكية في الإصلاح السياسي والاقتصادي، عقد المركز في 10 يناير 2019 ندوة بعنوان "مصر وأوزبكستان: عامان من الحوار السياسي والتعاون الاقتصادي"، شارك فيها من الجانب الأوزبكي وفدا برئاسة مستشار رئيس الجمهورية دكتور رستم قاسموف، شمل مفتى أوزبكستان د. عثمان خان عليموف، ورئيس قسم الدراسات الدولية في الأكاديمية الإسلامية والدولية د. زاهد الله ممنورف، بالإضافة إلى سفير أوزبكستان في القاهرة أيبيك عارف. وشارك من المركز عدد من خبراء وباحثي المركز، وأدارها د. وحيد عبد المجيد، مدير المركز.

بدأت الندوة بتقديم د. رستم قاسموف عرض حول واقع العلاقات المصرية– الأوزبكية؛ أوضح خلاله التطور المهم الذي شهدته هذه العلاقات خلال العام 2018، عقب الزيارة المهمة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لجمهورية أوزبكستان في سبتمبر 2018، كونها أول زيارة رسمية لرئيس مصري لجمهورية أوزبكستان، ثم زيارة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب لأوزبكستان في الشهر التالي مباشرة. كما أشار إلى توقيع بروتوكول تعاون مع الأزهر بهدف تعزيز علاقات التعاون بين الأزهر والمؤسسات الأكاديميية والدينية في أوزبكستان، خاصة في مجال تعليم وتدريب الشباب الأوزبكي في مؤسسة الأزهر.


 

وفيما يتعلق ببرنامج الإصلاح، أوضح د. زاهد الله ممنورف، أنه خلال العامين الأخيرين (2017- 2018) شهدت جمهورية أوزبكستان تطورات مهمة، على مختلف المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتشريعية. وقد جاءت هذه الإصلاحات في إطار الإستراتيجية التى وضعتها الجمهورية في عام 2017 والتى عرفت باسم "استراتيجية النشاطات لتطوير جمهورية أوزبكستان خلال الفترة 2017/2021"، والتى تضمنت خمسة مجالات وملفات رئيسية، هي:

- تطوير نظام الدولة وتنظيم المجتمع

- توفير سيادة القانون وتعميق إصلاح النظام القضائي                        

- تطوير الاقتصاد وتحريره من شتى القيود البيروقراطية

- تطوير الخدمات الاجتماعية

- توفير الأمن والوئام بين القوميات، والتسامح الديني، وممارسة السياسة الخارجية المتوازنة البناءة ذات المنفعة المتبادلة.

فيما يتعلق بما تم تحقيقه خلال عام 2017 في مجال تطوير نظام الدولة وتنظيم المجتمع، تم تنفيذ مشاريع استثمارية في الدولة بتكلفة تعادل 3.5 بليون دولار أمريكي، ورفع رواتب المعلمين بنسبة 50٪ مقارنة بالرواتب السابقة، ونمو الدخل الحقيقي للمواطن بنسبة 12٪ مقارنة بعام 2017. كما تم تنفيذ 2600 مشروع في مختلف محافظات أوزبكستان بقيمة 240 مليون دولار في إطار برنامجي "كل أسرة مشاركة في الاستثمار" و"الشباب- مستقبلنا"، وتنفيذ مشاريع عمرانية بتكلفة بلغت 361 مليون دولار أمريكي في إطار برنامجي "القرية العامرة" و"الحي السكني العامر". كما بلغ حجم الاستثمارات المشتركة مع المؤسسات المالية الدولية 8.5 مليار دولار.

أضف إلى ذلك إصدار مرسوم خاص من رئيس جمهورية أوزبكستان في أبريل 2018 بشأن العودة للجذور في المجالات الدينية والتنويرية، والذي بموجبه تم تأسيس عدد من المؤسسات المهمة، مثل "أكاديمية أوزبكستان الإسلامية الدولية"، و"الصندوق الخيري للأوقاف"، و"مدرسة علم الحديث" بمدينة سمرقند، و"جائزة الإمام البخاري"، وهي مؤسسات كان من المحظور تأسيسها قبل 20 عاماً أثناء مرحلة الاتحاد السوفيتى.    

ومن المقرر خلال عام 2019 الاهتمام بدور البرلمان فيما يخص اتخاذ القرارات المصيرية والمراقبة على سير تنفيذها، إلى جانب العمل على تعزيز صلاحيات السلطات المحلية وتوسيع استقلاليتها عبر تطبيق نظام اللامركزية.

وفيما يتعلق بمجال تحقيق سيادة القانون وإصلاح النظام القضائي، أوضح د. زاهد الله أنه خلال السنوات الأخيرة صدرت عدة قرارات في هذا الاتجاه، لكن جميعها غير مكتملة وسيتم إعادة النظر في نظام اختيار وتعيين القضاة، بما في ذلك انتقال سلطة تعيين القضاة وتعيينهم من رئيس الجمهورية إلى المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما يعد تغييرا راديكاليا في أوزبكستان.

وفي مجال تنمية الاقتصاد وتحريره من القيود الادارية، تم وضع الخطة الوطنية للاقتصاد الرقمي وتطبيق برنامج "أوزبكستان الرقمية– 2030". كما تسعى أوزبكستان إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2019 بنسبة 1.5% مقارنة بالعام الماضي، والوصول بحجم هذه الاستثمارات إلى 4.2 مليار دولار أمريكي، وإدخال 142 مؤسسة جديدة للاستثمار الفعلي، إلى جانب زيادة حجم الصادرات في العام 2019 بنسبة 30% للوصول بها إلى 18 مليار دولار أمريكي، فضلاً عن استهدف رفع عدد السائحين في أوزبكستان إلى سبعة ملايين سائح في عام 2019، وزيادة الإيرادات السياحية الأجنبية إلى 2 مليار دولار أمريكي قبل عام 2025، لاسيما في المناطق المقدسة.


 

وفي مجال الشئون الاجتماعية، عملت أوزبكستان على توفير السكن للشرائح الاجتماعية الفقيرة بأسعار رخيصة. بالإضافة إلى العمل على مواجهة مشكلة عدم عدم تمتع نسبة كبيرة من الأطفال بالتعليم ما قبل الابتدائي (رياض الأطفال)، حيث تهدف الحكومة إلى الوصول بنسبة الأطفال الملتحقين بمرجلة رياض الأطفال إلى 44% بنهاية عام 2019، بالمقارنة بالنسبة الحالية (34%).

على المستوى الأمني، تولي خطط الإصلاح اهتماما خاصا بمسألة تعميق "الوئام" بين القوميات وتعزيز التسامح الديني، وتبني سياسة خارجية متوازنة تقوم على المنفعة المتبادلة.

وقد أشار د. زاهد الله ممنورف إلى استلهام أوزبكستان الكثير من دروس التجربة المصرية في الإصلاح، خاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

وعقب الكلمات الرئيسية، فُتح المجال للنقاش والحوار.

ردا على سؤال أثاره د. أحمد قنديل، الخبير بالمركز، حول أهم مشروعات البنية التحتية الجارية في أوزبكستان، لاسيما في مجالي الطاقة والنقل؟ أوضح د. رستم قاسموف أن جمهورية أوزبكستان تواجه تحدى جغرافي مهم، كونها دولة حبيسة ما يفرض عليها ضرورة تعزيز علاقاتها مع دول الجوار. وفي هذا الإطار لجأت أوزبكستان إلى الانضمام للمشروع الصينى "طريق الحرير"، بموجب مرسوم لرئيس الجمهورية تم توقيعه منذ عامين. بالإضافة إلى مشروع آخر لبناء طريق يربط بين شمال وجنوب روسيا وسلطنة عمان.

وفي مجال الطاقة الكهربائية، أشار د. قاسموف، إلى أن غالبية القرى في أوزبكستان كانت تعانى من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة ومتواصلة؛ حيث ترجع المشكلة الرئيسية في هذا القطاع إلى سوء العلاقات بين أوزبكستان والدول المجاورة لا سيما طاجكستان، ما أدى إلى عدم التوصل إلى تفاهم حول تقسيم مياة نهر "آمو داريا" وعدم الموافقة على خطة دولة طاجيستان لإنشاء سد عالي على النهر حينئذ. لكن عقب انتخاب "شوكت ميرضيايف" رئيساً لجمهورية أوزبكستان بشهرين أمكن التوصل إلى توافق على انشاء مشروع "راهون". وحالياً تم الانتهاء من المرحلة الأولى من المشروع الذي تساهم أوزبكستان في تمويله. ومن أجل سد العجز في الطاقة الكهربائية تم توقيع اتفاقيات مع دولة تركمانستان لتصدير الكهرباء إلى أوزبكستان بسعر رخيص. وخلال زيارة الرئيس الروسي لطشقند في أكتوبر 2018 تم توقيع عدة اتفاقيات لإنشاء محطة نووية في محافظة "نواوي" الواقعة في شمال شرق أوزبكستان.

وأضاف د. زاهد الله، أن العلاقات الثنائية مع دول الجوار لم تكن جيدة، لكن عقب وصول الرئيس شوكت إلى السلطة تغيرت السياسة الخارجية للجمهورية تجاه هذه الدول، وهو ما أكد عليه رئيس الجمهورية في خطابه الثانى في البرلمان الأوزبكي. وبالفعل، تمكنت الدولة من بناء علاقات جيدة مع دول الجوار، والتى كانت خطوة أولية لتحسين العلاقات في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية بالتوازي مع طرح استراتيجية النشاط المعلن عنها في عام 2017 والتى تجنى الدولة ثمارها الآن.


 

وردا على سؤال د. محمد فايز فرحات، الخبير بالمركز، حول أهم التحديات الداخلية التى تواجه مشروع الإصلاح والتنمية في أوزبكستان، وكيف يتم إدارتها؟ أوضح دكتور زاهد الله أن هناك العديد من التحديات التى لازالت تواجه عملية الإصلاح؛ السياسي والاقتصادي والثقافي، لكن هناك درجة كبيرة من التنسيق بين مؤسسات الدولة لمواجهة هذه التحديات على كافة المستويات، وتحت إشراف رئيس الجمهورية مباشرة.    

وردا على تساؤلات كل من د. حسن أبو طالب، مستشار المركز، حول أبرز أولويات المركز الخاص بتدريب الشباب الأفغاني؟، وتساؤل د. إيمان رجب، الخبيرة بالمركز، حول حجم ومستوى تأثر الأمن الداخلي الأوزبكي بنشاط التنظيمات الإرهابية في جنوب غرب آسيا وتحديداً في افغانستان؟ أوضح د. زاهد الله أن الوضع في أفغانستان يُعد من أكبر التحديات الأمنية التي تواجه أوزبكتسان ومنطقة آسيا الوسطي بشكل عام. وتحاول أوزبكستان في هذا الإطار المساهمة في معالجة الأزمة الأفغانية من خلال التوسط في محادثات الصلح بين الفرقاء في أفغانستان بما في ذلك طالبان. أما بالنسبة لمركز تدريب الشباب الأفغان فهو يُعد إحدى الخطط الهادفة للمساهمة في معالجة المعضلة الأفغانية، بما في ذلك نشاط الجماعات والحركات المتشددة والإرهابية التى تضم كذلك بعض العناصر المتشددة الذين هاجروا منذ ما يقرب من أربعين عاما من أوزبكستان وتمركزوا في أفغانستان والذين حاولوا تقويض الوضع الأمنى في أوزبكستان.

وفي ختام الندوة، أوضح د. رستم قاسموف أن جمهورية اوزبكستان في حاجة للاستفادة من الخبرة المصرية في مجالات عديدة، مثل تصنيع الأدوية.