د. أماني الطويل

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبيرة فى الشئون الأفريقية

 شكلت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى سوريا مفاجأة على المستويين الداخلي والخارجي. فقد أثارت الزيارة تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت قد جاءت بمبادرة سودانية خالصة مرتبطة بطبيعة الأزمة الداخلية الراهنة، أم في إطار ترتيب إقليمي ودولي يمهد لعودة سوريا إلى النظام الإقليمي العربي، أخذا في الاعتبار أن الرئيس البشير قد ذهب إلى سوريا على متن طائرة روسية.

على المستوى المحلي السوداني يرجح أن تكون الزيارة هي مبادرة سودانية خالصة مرتبطة بطبيعة التحديات الداخلية التي يواجهها النظام، على المستويين السياسي والاقتصادي. على المستوى السياسي، هناك انقسامات داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم، حتى بات الرئيس يتخذ قراراته منفردا وبعيدا عن انقسامات الحزب، وتفاعلاته. وعلى المستوى الاقتصادي، فإن الأزمة أصبحت أكثر تعقيدا مع ندرة الوقود والسيولة النقدية، إلى حد خروج مظاهرات محدودة في عدد من مناطق العاصمة الخرطوم وبعض المدن السودانية الأخرى.

على المستوى الإقليمي والدولي، تزامنت الزيارة مع إشارات ترجح قرب القبول بالتعامل السياسي مع الرئيس الأسد كرئيس لسوريا، وذلك على خلفية ما ذهب إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في يوم الزيارة، أنه على استعداد للتعامل مع الرئيس الأسد بشرط انتخابه ديمقراطيا. وغداة الزيارة السودانية لدمشق أشار المبعوث الأمريكي في سوريا، أنه ليس هناك ما يمنع التفاعل مع الرئيس الأسد. وفي السياق ذاته، أعطت دولة الإمارات إشارة إيجابية بهذا الشأن، في وقت تستعد فيها الرياض لتسوية ملفات إقليمية عدة على رأسها ملف اليمن الذي يضمن فتح قنوات اتصال مع إيران لابد وأن تشمل سوريا.

في هذا السياق، يبدو أن الرئيس السوداني عمر البشير قد اقتنص اللحظة المناسبة ليقوم بالتمهيد لعودة سوريا إلى "الحضن العربي" -على حد تعبيره- فيكون بذلك أول رئيس عربي يزور دمشق منذ عام 2011، وليمهد ربما إلى عودة سوريا لمقعدها الخالي بالجامعة العربية، خصوصا مع اقتراب موعد عقد القمة العربية (مارس 2019)، خاصة أن الزيارة قد تلقى دعما من جانب الدول العربية الرئيسية، مثل مصر التي تتمسك بمبدأ الحفاظ على "الدولة" السورية كأولوية مهمة، وعودتها إلى المنظومة العربية بعد تغول كل من إىران وتركيا داخل المنطقة العربية وعلى حساب المصالح العربية العليا. كما يتوقع كذلك أن تلقى الزيارة دعما إيرانيا، مع بدء الإعتراف العربي بالرئيس الأسد . وفيما يتعلق بالمملكة السعودية فرغم استبعاد الخرطوم -حتي هذه اللحظة- من زيارة قادمة لولي العهد السعودي محمد بن سالمان لمنطقة شرق أفريقيا لتكون أديس أبابا هي المحطة الأولى في هذه الجولة،فإن الخرطوم قد تلقت دعما سعوديا علي المستوي السياسي من الرياض في أعقاب زيارة البشير لدمشق حيث تمثل هذا الدعم في زيارة وفد عسكري رفيع المستوي للسودان التي أكدت علي إرسال قوات جديدة من السودانيين إالي لليمن

على أي حال، تبدو المنافع على الجانبين السوداني والسوري كبيرة نتيجة زيارة البشير لدمشق. فعلى الجانب السوداني، لا تبدو مبادرة الرئيس البشير محل انزعاج من جانب أي من الأطراف الإقليمية؛ فخطوته تتواكب مع الاتجاهات التركية، وتلقى ترحيبا قطريا، كما أنها لابد وأن تلق ترحيبا إيرانيا مع فك طوق الحصار عن سوريا، خصوصا مع خطوة سحب القوات السودانية من اليمن. وعلى الصعيد الخليجي، إن هذه الخطوة لا تبدو "معادية" في ضوء التفاعلات الإقليمية والدولية الراهنة مع المسار السوري،

وبطبيعة الحال، فإن سفر الرئيس البشير على متن طائرة روسية يعطي إشارة واضحة لدعم روسي قادم للسودان في هذه اللحظة الفارقة من عمر النظام السياسي السوداني، خصوصا مع التوجهات الإيجابية للسودان إزاء روسيا، والتي وضحت في زيارة الرئيس البشير لموسكو في نهاية الصيف الماضي، حيث من المتوقع أن يتم إمداد السودان بدفعة عاجلة من الوقود الروسي على الأقل، وهو ما يعني تفكيك جزئي للأزمة الاقتصادية التي تتسع لتشمل عجز في توافر السيولة النقدية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن إسناد روسي للخرطوم يعني إشارة لواشنطن بضرورة التحرك بسرعة لرفع العقوبات الاقتصادية بشكل شامل عن السودان، حتى لا تقع في أحضان الدب الروسي في ضوء موقعها الجيوسياسي الحساس على المستوى الأفريقي، وتأثيرها على منظومة الأمن في البحر الأحمر حيث تمتلك السودان 630 كيلو متر من سواحله انطلاقا من الخط الحدودي مع مصر.

أما على الصعيد الروسي، فإن السودان تبدو نقطة إنطلاق مناسبة لروسيا في أفريقيا، خصوصا وهي تطرق الباب الأفريقي عبر البوابة الإرتيرية. كما أنها تقدمت بمبادرة قبل 6 أشهر لحل النزاع المسلح في أفريقيا الوسطى، وذلك دون إهمال تحركاتها في شمال أفريقيا انطلاقا من المحطة الليبية.

وفيما يخص سوريا، فإن وجود رئيس عربي في دمشق بعد 7 سنوات من القطيعة يحقق مكاسب كبيرة، فقد برز الرئيس السوري بشار الأسد على الشاشات باعتباره زعيم سوريا المنتصر، والذي بدأت العواصم الإقليمية والعالمية تفتح الباب للتعامل معه مجددا. كذلك، فإن الزيارة لابد وأن تكون قد تطرقت إلى مسألة عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية. ثم إن هذا الانفتاح على النظام السوري يعني توقع الاندماج القريب لسوريا في المحيط الإقليمي، ما يجعل أي زيارة لزعيم عربي إلى دمشق متوقعة بل ومنتظرة.