د. أماني الطويل

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبيرة فى الشئون الأفريقية

يبدو أن الاقتصاد هو المحور القائد الذي سوف تركز عليه القاهرة في عام رئاستها للاتحاد الأفريقي 2019، وهي تراهن على هذا المحور أيضا ليكون قاطرة العلاقات البينية الأفريقية خلال العقد القادم. في هذا السياق، عُقد في كل من شرم الشيخ والقاهرة خلال هذا الأسبوع ثلاثة مؤتمرات، يربط بينها خيط ناظم واحد هو دفع عملية التبادل التجاري، والتعاون الاقتصادي بين دول القارة الأفريقية، هي: منتدى أفريقيا الاستثماري بشرم الشيخ، ثم معرض الصادرات الأفريقية بالقاهرة، وأخيرًا اجتماع وزراء التجارة الأفارقة. وإذا كان المنتدى قد ركز على دفع التعاون في قطاع الأعمال الخاص، فإن اجتماع وزراء التجارة قد ركز على سبل دعم التجارة الأفريقية من حيث التشريعات وتسهيل الإجراءات، بينما كان معرض الصادرات فرصة لاكتشاف القدرات التصنيعية والزراعية المتنوعة للقاهرة ولغيرها من دول القارة بما يدفع العلاقات الاقتصادية والتجارة البينية. 
 
في هذا السياق، تركز القاهرة على مواجهة التحديات اللوجستية التي تواجه التعاون الاقتصادي والتجاري. ومن هنا دعت في مؤتمر شرم الشيخ إلى أهمية الاستثمار المستقبلي في البنية التحتية الأفريقية، وطرحت على الأجندة العاجلة للأفارقة ضرورة إنجاز طريق "القاهرة- كيب تاون" في هذه المرحلة، لما له من أثر فعال على دعم عمليات التبادل التجاري.  
 
ويبدو أن دوافع القاهرة في إعطاء وزن نسبي أعلى للتعاون الاقتصادي الأفريقي متعددة، منها ما هو مرتبط بتحجيم المهددات الأمنية للقارة الأفريقية ولمصر، ومنها ما هو متعلق بدعم قدرات الاقتصاد المصري، إلى جانب الاقتصادات الأفريقية. 
 
تحجيم المهددات الأمنية لمصر 
 
يشكل ضعف مؤسسة الدولة الأفريقية في بعض المناطق، وخصوصا في إقليم الساحل والصحراء، واحد من مصادر التهديد للأمن القومي والمصالح المصرية. ويمكن رصد ملامح هذا الضعف في أمرين رئيسيين؛ الأول، هو التهديدات الأمنية المترتبة على التنظيمات الإرهابية في بعض أقاليم القارة، خاصة القاعدة وداعش. الثاني، يتمثل في نمط العلاقة مع الشركات العابرة للجنسية، وهي الشركات التي أصبحت تحوز على الموارد الطبيعية الأفريقية دون عوائد عادلة لهذه الدول. من هنا، فإن دعم قدرات الدولة الأفريقية في مجال التنمية الاقتصادية من شأنه دعم القدرات الشاملة للدولة، بما يترتب عليه من دعم لقدراتها العسكرية والأمنية، والسيطرة على كامل ترابها الوطني. ومن ثم، دعم قدراتها في مواجهة التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة التي يتجاوز حجم أعمالها ثلاثة مليارات دولار سنويا في أفريقيا. وبالتأكيد، فإن تحسن حالة الاستقرار الإقليمي على المستويين السياسي والأمني سيسهم في تقليص حجم المهددات الإقليمية لعناصر الأمن القومي المصري الشامل. 
 
فرص دعم الاقتصاد المصري 
 
يشكل التعاون البيني الأفريقي فرصة كبيرة أمام الاقتصاد المصري في هذه المرحلة، خصوصا وأن حجم التبادل التجاري المصري مع منطقة الكوميسا، على سبيل المثال، يقف حاليا عند حد نصف مليار دولار سنويا فقط، وذلك رغم القدرات التصديرية للسلع المصرية خصوصا في مجالات الأجهزة المنزلية والسيراميك والسجاد والسلع الغذائية، وأيضا في مجال بيع الأسلحة. ولعل أهم التحديات التي تواجه هذا التبادل، ليس فقط مسألة مدى التزام الدول بإلغاء التعريفة الجمركية، ولكنه مرتبط أكثر بضعف البنية التحتية وقدرتها على النقل خصوصا وأن عدم امتلاك مصر لإسطول تجاري بحري حتى اللحظة الراهنة يشكل معوقًا أساسيا للصادرات المصرية. ولابد أن يكون بناء الأسطول التجاري المصري -ولو بعدد محدود من السفن- مطروحا على أجندة الدولة في المرحلة المقبلة، وإلا تظل كل مخططات التعاون الاقتصادي مع أفريقيا مهددة بالفشل، أو بالضعف على أقل تقدير.  
 
وعلى العكس من ذلك تبدو فرص شركات المقاولات والإنشاءات المصرية تملك فرصة كبيرة في دعم البنية التحتية الأفريقية، خصوصا أن سابق الأعمال لها في إقليم غرب أفريقيا يبدو واعدا بتوسع أعمالها في أقاليم أفريقية أخرى. ولعل النموذج التمويلي للشراكة بين قطاعي الأعمال العام والخاص في مصر لإقامة سد ستلينجلر جورج بتنزانيا والذي تقوم به شركة المقاولين العرب يُعد رائدا وقابلا للتكرار.  
 
دعم المخططات التنموية للاتحاد الأفريقي 
 
تعد خطة الاتحاد الأفريقي التنموية والمعنونة "13-2063" إطارا تنمويا يسعى الاتحاد الأفريقي لتحقيقه عبر عشرة مشروعات كبرى، منها دعم البنية التحتية الأفريقية، وقطاعا الزراعة والصناعة، فضلا عن الاستفادة من الطاقة الإنتاجية للمرأة الأفريقية. وفي هذا السياق، طرحت مصر في "منتدى التعاون الصيني الأفريقي" FOCAC مبادرة الدمج بين مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومبادرة الاتحاد الأفريقي حتى تستفيد أفريقيا من الفرص التمويلية بمبادرة الحزام والطريق، والتي تبلغ 100 مليار دولار، والتي يمر طريقها البحري بالبحر الأحمر انطلاقا من باب المندب إلى البحر المتوسط. وربما هذا يفسر طرح صعود مشروع دمج خطي السكك الحديدية المصري- السوداني معا على سبيل المثال لا الحصر. وبالتأكيد إذا استطاعت مصر بالفعل دمج المبادرتين في مخطط دقيق، فإن ذلك سوف ينعكس على القدرات الاقتصادية المصرية بالإيجاب، فظلا عن دعم قدرات الدول الأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر، وهي الدول لصيقة الصلة بالمصالح المصرية المباشرة، خصوصا كون بعضها من دول حوض النيل أو متاخما لهذا الحوض.   
 
ولعل إحدى خطوات التعاون الاقتصادي الأفريقي هو حصاد الاتفاقات في مؤتمر شرم الشيخ لمصر وللدول الأفريقية، حيث تم توقيع 30 اتفاقية، أبرزها الاتفاقية الموقعة مع البنك الدولي لدعم القطاع الخاص بمليار دولار، ومذكرة تفاهم بين الشركة المصرية للاتصالات وشركة ليكويد تليكوم باستثمارات 400 مليون دولار. كما حيت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بأربعة عقود استثمارية، منها اتفاق مع شركة التحرير للبتروكيماويات بقيمة 1.25 مليار دولار. كما وقعت الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، مذكرتي تفاهم مع إثيوبيا وأوغندا، للتعاون في مجال الاستثمار.  
 
ووقع الصندوق الكويتي للتنمية 5 اتفاقيات، منها اثنين مع مصر لصالح مشروع إنشاء منظومة مياه مصرف بحر البقر، وإنشاء 4 محطات تحلية جديدة، واتفاقية مشروع جسر نهر مانغوكي مع دولة مدغشقر، واتفاقية مشروع تطوير خليج كوكودي مع كوت ديفوار، واتفاقية مشروع توسعة منظومة مياه الشرب في منطقة مانغوشى، مع ملاوي، كما تم توقيع 8 اتفاقيات في مجال ريادة الأعمال. 
 
إجمالا، يمكن القول إن قدرات الأفارقة على إنجاح نموذجهم التنموي ودعم اقتصادتهم هو في مدى قدراتهم الجماعية على الانحياز لمصالحهم الذاتية، وانفصال النخب الحاكمة عن أجندات الشركات العابرة للجنسية التي لطالما استغلت موارد القارة في نسخة استعمارية معدلة عن النسخة العسكرية التقليدية في القرنين الثامن والتاسع عشر.