د. أميرة محمد عبد الحليم

خبيرة الشئون الأفريقية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

على مدى عقد من الزمن، عانت نيجيريا من مواجهة التداعيات التي فرضها النمو الكبير لأنشطة جماعة بوكو حرام الإرهابية، التي ظهرت على نحو واسع في عام 2009. ومنذ ذلك التاريخ، تسببت الأنشطة الإرهابية للجماعة في مقتل وتشريد الآلاف من سكان شمال نيجيريا. وعلى الرغم من تراجع الجماعة في أعقاب الهزائم التي منيت بها في موجهة القوات المتعددة الجنسيات التي تشكلت من دول بحيرة تشاد وبنين في عام 2015، إلا أن الدولة النيجيرية تحملت الجزء الأكبر من تداعيات الانتشار الواسع للجماعة حرام في الساحل وغرب أفريقيا.

وما فتئت نيجيريا في معالجة تداعيات الإرهاب حتى تصاعد في عام 2018 نوع آخر من الصراع أكثر دموية ووحشية، أسفرت نتائجه عن مقتل أضعاف من قُتلوا في عمليات الإرهاب، وهو الصراع على الموارد الذي حمل ملامح طائفية، وأدى إلى تراجع شعبية الرئيس النيجيرى محمد بوخارى وسط اتهامات له بالتراخي في تحقيق الاستقرار في البلاد، في الوقت الذى تستعد فيه نيجيريا لتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية خلال شهر فبراير 2019.

التغيرات المناخية وتصاعد الصراع في نيجيريا

تمثل التغيرات المناخية التي تشهدها القارة، وعدم قدرة أقاليم عديدة على التكيف مع هذه التغيرات، وفى مقدمتها إقليم غرب أفريقيا والساحل، حيث يقع جزء كبير من أراضى هذه الدول ضمن الصحراء الكبرى وفى إطار مناخ قاحل، تمثل حالة مهمة للعلاقة بين التغيرات المناخية واحتمالات تفجر العديد من الصراعات.  

وينطبق ذلك على منطقة الحزام الأوسط من نيجيريا التي تحولت خلال العام 2018 إلى مركز للصراع، نتيجة تصاعد المواجهات بين الرعاة والمزارعين في هذا الحزام، الذى يفصل بين شمال وجنوب البلاد، وهو مركز العاصمة النيجيرية أبوجا. وخلال الفترة من يناير وحتى يوليو 2018 قُتل أكثر من 1300 شخصا في موجات العنف التي اجتاحت الولايات الوسطى في البلاد، واضطر ما يقرب من 30 ألف نيجيري للفرار من ديارهم في الولايات المتضررة.  

كان الشمال النيجيرى هو مركز الرعاة، حيث تمتد نيجيريا إلى مسافة تزيد عن 1000كم2 من الجنوب الخصب والمداري إلى أطراف الصحراء الكبرى في الشمال. ونتيجة التغيرات المناخية، تزايد معدل التصحر في اتجاه جنوب البلاد بمعدل 600 متر في العام، وذلك في الوقت الذى فقدت بحيرة تشاد في أقصى الشمال الشرقي للبلاد 90% من مساحاتها، حيث اختفى الجزء النيجيري من البحيرة تقريبا بالكامل. وهكذا، اضطر الرعاة الذين كانوا يعتمدون على بحيرة تشاد إلى الانتقال إلى الجنوب بحثا عن المراعي والمياه لتربية الماشية، ما أدى إلى اصطدامهم بمجتمعات زراعية مستقرة في الجنوب.

الملامح الطائفية للصراع

هذا الصراع حمل ملامح طائفية؛ فالرعاة أكثرهم من المسلمين ومن جماعة الفولاني العرقية والتي تمتلك تاريخ حافل من التهميش ومصادرة الحكومة الاتحادية لأراضيهم، بينما يدين غالبية المزارعون بالمسيحية. كما شهد الصراع انتهاكات للرموز الدينية للطرفين، ومنها حرق الكنائس والمساجد وقتل رجال الدين، مما دفع بعض المحللين إلى وصف الصراع باعتباره جزءًا من صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين. فقد شهدت ولايات وسط وجنوب نيجيريا خلال الفترة من 2010 وحتى 2018 مواجهات دورية بين الرعاة والمزارعين، شملت 22 ولاية من إجمالي 36 ولاية نيجيرية. لكن مواجهات عام 2018 تعد هذ الأكثر دموية، نظرا لتزايد تداعيات التغيرات المناخية والتي كان لها انعكاساتها الواضحة على سبل العيش لدى الرعاة والمزارعين والصيادين في الشمال النيجيري، من ناحية أخرى، أدت عمليات جماعة بوكو حرام في الشمال إلى نزوح آلاف من المواطنين سنويا نحو الجنوب؛ فخلال عام 2017 نزح 279 ألف مواطن في نيجيريا، ووصل هذا العدد إلى أكثر من 2.2 مليون شخص في حوض بحيرة تشاد مع نهاية عام 2017.

كما أدى التدهور البيئي إلى هجرة آلاف السكان من دول غرب أفريقيا إلى جنوب نيجيريا، حيث لم تتمكن الحكومة النيجيرية من منع البدو من البلدان المجاورة من الدخول إلى أراضيها، وهو ما أدى إلى الإضرار بالتفاعلات القائمة بين المجتمعات المحلية في نيجيريا (خاصة المجتمعات الزراعية ونظيرتها الرعوية).

استجابة حكومية ضعيفة للصراع

عقب انتخابه رئيسا للبلاد في عام 2015، وعد الرئيس النيجيري بتثبت الاستقرار في البلاد، وتعهد بمحاولة القضاء على جماعة بوكو حرام التي كانت تمثل مصدرًا رئيسيًا للتهديدات في نيجيريا. وبالفعل تمكن الرئيس محمد بوخاري من تحقيق بعض النجاحات في مجال الحد من  تداعيات الإرهاب في البلاد. إلا أن المواجهات الدائرة بين المزارعين والرعاة خلال عام 2018، أدت إلى تقويض تعهدات بوخاري، بل وأسهمت في اتهامه بالتقاعص عن تسوية الصراع بين الجانبين، حيث يتهم الكثير من المواطنين في وسط وجنوب نيجيريا، وخاصة المسيحيين، بوخارى والذى ينتمى إلى جماعة الفولانى المسلمة بأنه يحافظ على مصالح الرعاة أكثر من المزارعين. كما وصل الأمر إلى اتهام سياسيين للرئيس بوخارى بأنه متواطئ مع هجمات الرعاة على الرغم من عدم وجود أدلة على تورط الرئيس في الصراع.

وكانت حكومة الرئيس السابق، جودلاك جوناثان، قد حاولت التعامل مع الأزمة في أبريل عام  2014، حيث أنشأت اللجنة الفنية الوزارية المشتركة المعنية بمحميات الرعى Grazing Reserves، والمكلفة باقتراح استراتيجيات لإنهاء الصراع بين الرعاة والمزارعين. تبع ذلك إنشاء الحكومة لجنة سياسية لمحميات الرعي، برئاسة حاكم ولاية بينو، وصدر تقرير عن اللجنة طالب بتحسين جميع طرق الرعي، وأوصت بأن يقدم البنك المركزي في نيحيريا 317مليون دولار إلى حكومات الولايات الـ 36 لبناء مزارع. ووافق "المجلس التنفيذي الوطني" NECعلى هذه التوصيات، لكن هزيمة جوناثان في انتخابات مارس 2015 أوقفت تنفيذ هذه التوصيات، حيث لم تمثل هذه الأزمة أولوية بالنسبة للرئيس بوخاري.

وقد اتجهت الحكومة النيجيرية مؤخرا إلى تقديم بعض الحلول للأزمة، مثل اقتراح إقامة مجموعات أو "مستعمرات الماشية" cattle coloniesالتي اقترحها وزير الزراعة النيجيري في فبراير 2018، والتي تقوم على الشراكة بين الحكومة الفيدرالية التي ستمول المشروع، وحكومات الولايات التي تقوم بالتبرع بالأرض، مقابل دفع الرعاة الراغبين في الاستفادة بعض الرسوم. لكن الاقتراح لم يحظ بالموافقة من قبل العديد من المجتمعات في الحزام الأوسط للبلاد، حيث تنظر بعض هذه المجتمعات إلى هذا الاقتراح باعتباره سيدعم الرعاة من جماعة الفولاني، ويعزز من سيطرتهم على أراضٍ في معظم الولايات في نيجيريا مما يعمل على تصاعد المشكلات العرقية والدينية في البلاد. 

وبشكل عام، اتسمت استجابة السلطات الحكومية بالبطء في التعامل مع المواجهات الدموية بين الرعاة والمزارعين، وفشلت السلطات المحلية في تدشين حوار بين الرعاة والمزارعين. كما لم تتمكن من حماية الضحايا. فقد أدت الهجمات المستمرة في المنطقة الوسطى في البلاد إلى تزايد الضغوط على الأجهزة العسكرية والأمنية، التي لا تزال تخوض معارك في الشمال لمواجهة جماعة بوكو حرام. كما اتجهت حكومة ولاية بينو في وسط البلاد إلى سن قانون لمنع الرعي المفتوح في الولاية، وحددت تاريخ الأول من نوفمبر 2017 كتاريخ لبدء تنفيذه. وذكرت حكومة الولاية أن القانون يتماشى مع المادة 4 (7) (أ) من الدستور، إلا أن تطبيق هذا القانون زاد من معاناة الرعاة الذين يبحثون عن مراعى لماشيتهم.

خلاصة القول إذن تظل التغيرات المناخية هي العامل الأكبر وراء الصراع الجاري في الحزام الأوسط في نيجيريا، ساعد على ذلك مجموعة من العوامل الأخرى، تتعلق بضعف تكيف مجتمعات الرعاة مع التغيرات المناخية، وعدم قدرة الحكومة النيجيرية على التعامل مع تأثيرات هذه التغيرات في شمال البلاد، بالإضافة إلى الأزمات المتعلقة بالتهميش والمظالم التاريخية الواقعة على بعض الجماعات في البلاد.