دخل العالم المعاصر، وبقوة، في آتون الثورة الصناعية الرابعة، وما مثلته من فرص واعدة لتكوين الثروة والمكانة، وما تفرضه من معطيات وقضايا تفرض نفسها بقوة على الأجندة الدولية. في هذا السياق، مثلت قضية الحفاظ على الخصوصية، كممارسة وكحق قانوني يكفله القانون الدولي لحقوق الانسان، واحدة من أهم تحديات العصر الرقمي. وأضحت قضية "البيانات الشخصية" والتي  تتراكم بشكل غير مسبوق عبر نشاط الملايين من المستخدمين عبر العالم للإنترنت والاتصالات، إحدى القضايا المهمة والمتزايدة في أهميتها الاستراتيجية، وذلك مع ارتفاع معدلات الانتشار والاستخدام وتصاعد مخاطر أمن البيانات الشخصية، والتي أصبحت كنزا مهما يحظى بتنافس شديد بين شركات الإنترنت التجارية والأجهزة الأمنية من ناحية، أو من خلال التعاون فيما بينهما على حساب حرية وخصوصية المستخدمين، من ناحية أخرى.

وبرزت قضية حماية البيانات الشخصية على أجندة الاهتمام الدولي لما تكشف عنه من صراع استراتيجي ذي أبعاد تجارية وأمنية واقتصادية، حيث باتت "البيانات الشخصية" من أهم الموارد الجديدة للاقتصاد الرقمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المحرك لنمو الاقتصاد العالمي، والذي أصبح يرتبط ارتباطا استراتيجيا بالبيانات الشخصية، وبعصر المعرفة والمعلومات، وهو ما أحدث تحولا في هيكل توزيع القوة في النظام الدولي من جهة، وقاد إلى تصاعد فاعلين من غير الدول، من جهة أخرى.
وكان من أبرز ملامح هذه الظاهرة تصاعد دور الشركات التكنولوجية الكبرى، لتعكس الجيل الجديد من الشركات متعدية الجنسيات والعابرة للحدود، فإذا كان النفط هو محرك الثورة والقوة، فإن البيانات الشخصية باتت هي الأخرى محرك للتغيير الاقتصادي والاجتماعي، وموردا تتنافس عليه الدول والفاعلين من غير الدول.