ارتبط بتطور نظريات التكامل الإقليمى عقب الحرب العالمية الثانية تطور بعض المفاهيم فى اتجاه محدد. كان مفهوم "الإقليم" Region فى مقدمة هذه المفاهيم، والذي تطور في اتجاه التأكيد على شرطين رئيسين في وصف منطقة ما بأنها تمثل "إقليما" متمايزا عن غيره. الشرط الأول، هو التلاحم أو الوحدة الجغرافية geographical proximity. الشرط الثاني، هو التشابه القومي، الثقافى والاجتماعى والتاريخى واللغوى..إلخ، بين الوحدات السياسية المكونة للإقليم. وعلى الرغم من أن كافة التعريفات التى قُدمت لمفهوم "الإقليم" قد تضمنت عناصر عديدة أخرى، إلا أن ما جمع بينها تتقريبا هو التأكيد على هذين الشرطين، سواء جاء ذلك بشكل صريح أو ضمنى.
على سبيل المثال، طرح بروس روسيت Bruce Russett خمسة عناصر رئيسة لإطلاق صفة "الإقليم" على منطقة ما، شملت: (1) التشابه الثقافى والاجتماعى. (2) تشابه الاتجاهات السياسية والسلوك الدولى، مثل التشابه فى السلوك التصويتى داخل المؤسسات الدولية خاصة الأمم المتحدة. (3) العضوية المشتركة فى المؤسسات فوق الوطنية أو المنظمات الحكومية. (4) الاعتماد الاقتصادى المتبادل مقاسا بمعدلات التبادل التجارى. (5) التلاحم الجغرافى مقاسا بالمسافة الجغرافية بين عواصم الوحدات السياسية.[1] وانتهى روسيت استنادا إلى إعمال هذه المعايير الخمسة إلى وجود خمسة رئيسة أقاليم في العالم، هي: الإقليم "الأفرو-آسيوى"، وإقليم "الجماعة الغربية"، وإقليم "أمريكا اللاتينية"، وإقليم "الدول اللاتينية شبه المتقدمة"، وأخيرا، إقليم "أوروبا الشرقية".
وفي محاولة أخرى، حدد ميتشل بريتشر Michael Brecher فى سياق تعريفه للنظام الإقليمى، ستة عناصر للإقليم، هى (1) وجود نطاق جغرافى محدد. (2) عدد من الفاعلين الدوليين لا يقل عن ثلاث دول على الأقل. (3) الاعتراف به من قبل الأطراف الخارجية بأنه "إقليم" متمايز عن غيره. (4) إدراك مجموعة الفاعلين الأعضاء بأنهم يشكلون إقليما متميزا عن العالم الخارجى. (5) "التبعية" للنظام العالمي، ويقصد بها أن تكون حساسية وتأثر "الإقليم" بالتغيرات التى تحدث فى النظام العالمى أكثر من حساسية وتأثر الأخير بالتغيرات التى تحدث على مستوى هذا الإقليم. ووفقا لتلك العناصر انتهى بريتشر إلى تحديد خمسة أقاليم رئيسة في العالم، هي: إقليم الشرق الأوسط، والأمريكتين، وجنوب آسيا، وغرب أوروبا، وغرب أفريقيا.
وفي تعريف ثالث يعرف كل من لويس كانتورى Louis Cantori وستيفين سبيجل Steven Spiegel الإقليم بأنه يتكون من دولتين/ أو أكثر (1) متجاورين، (2) تتفاعل مع بعضها البعض و(3) تجمعها روابط تاريخية واجتماعية وثقافية ولغوية وعرقية مشتركة، (4) ويتزايد شعورها بالهوية المشتركة تجاه العالم الخارجى.[2]
ووضع كل من شارلز دوفى Charles A. Duffy وورنر فيلد Werner J. Feldتعريفا إجرائيا لمفهوم الإقليم قام على ثلاثة عناصر، هى (1) "التماس الجغرافى" Geographical Contiguity، (2) وجود نمط تاريخى مشترك من التفاعل السياسى والصراع وحل الصراع داخل حدود الإقليم، (3) وأخيرا وجود مجموعة من المعايير والقواعد الاجتماعية المشتركة بما يشمله ذلك من القيم السياسية والدين والقيم الاجتماعية والبناء الطبقى وغيرها من عناصر التفاعل الاجتماعى.[3]
وهكذا، يتضح من الأمثلة السابقة فى تعريف الإقليم هو اتفاقها فى التأكيد على عنصرى التجاور الجغرافى بمعنى التلاحم أو الوحدة الجغرافية، ووجود حالة من التشابه القومي؛ الديني والثقافي واللغوي والتاريخ المشترك. ويرجع التأكيد على هذين العنصرين في تحديد "الإقليم" إلى عاملين رئيسين:
الأول، هو تواضع المستوى التكنولوجى وأدوات الاتصال خلال مراحل وضع هذه التعريفات، ما أدى إلى وجود علاقة قوية بين التقارب الجغرافى والروابط الاجتماعية والثقافية، من ناحية، وكثافة المعاملات والاتصالات، من ناحية أخرى، كأحد شروط تمايز منطقة جغرافية ما باعتبارها "إقليما" يمكن تمييزه عن غيره من الأقاليم.
الثاني، يرتبط بما أكدت عليه العديد من أدبيات التجارة الدولية من وجود علاقة قوية بين التجاور الجغرافي والتشابه القومي بين الوحدات السياسية في منطقة جغرافية ما وحجم التجارة الإقليمية البينية، وافتراض هذه الأدبيات أن التجاور الجغرافي وغياب الحواجز الطبيعية (الجبال، المحيطات...إلخ) يساهم في زيادة حجم التجارة البينية. الأمر ذاته فيما يتعلق بالعلاقة بين التشابه القومي والديني والثقافي والسياسي بين الوحدات السياسية والتجارة البينية، بمعنى أنه كلما زادت عناصر هذا التشابه كلما زادت فرص التجارة البينية. استند هذا الافتراض إلى أن التجاور الجغرافي، والتشابه القومي والديني والثقافي والسياسي، يمثلان -وفقا لهذه الأدبيات ووفقا لواقع تكنولوجيا النقل والاتصالات في ذلك الوقت- شروطا ضرورية لتخفيض حجم تكاليف التجارة البينية وزيادة حجم المعاملات غير التجارية. وهو افتراض يمكن تفسيره استنادا إلى الدور الذي لعبته الحواجز التجارية المادية، أو التكاليف غير الجمركية للتجارة، في التأثير على حجم واتجاهات التجارة الدولية.
وكامتداد طبيعي لهذا الواقع- بالإضافة إلى عوامل أخرى- فقد استند بناء تجارب التكامل الإقليمي، وتشكيل المجموعات الدولية إلى حد كبير، إلى أقاليم محددة بالمعنى السابق، والتي قامت على عنصري التجاور الجغرافي، والتشابه القومي والسياسي، بالإضافة إلى وجود تهديدات استراتيجية مشتركة، والتي عرفت لاحقا بالموجة الأولى من الإقليمية أو "الإقليمية القديمة" old regionalism (مثل الجماعة الأوروبية ثم الاتحاد الأوروبي، الآسيان، السوق العربية المشتركة، النافتا)، تمميزا لها عن موجة لاحقة تطورت عقب الحرب الباردة.
التقدم في وسائل النقل والاتصال... تراجع الحواجز المادية
غير أن التطور السريع في وسائل النقل وأدوات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، وما تبع ذلك من تراجع الأهمية النسبية للحواجز الطبيعية (الجبال، والمسافة الجغرافية، والبحار والمحيطات...إلخ)، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة وما تبع ذلك من انتهاء الحواجز السياسية والأيديولوجية بين العديد من الدول في مناطق جغرافية واحدة، ساهم في تراجع كبير في الأهمية النسبية للحواجز غير الجمركية أمام التجارة. كما ساهم في زيادة حجم المعاملات غير التجارية، ما فتح المجال في التحليل الأخير أمام تطورين مهمين، الأول هو إعادة تعريف الإقليم، والثاني تغير مفهوم وحدود وأسس بناء "الترتيبات الإقليمية" والمجموعات الدولية، ما فتح المجال أمام ظهور ما عرف بالموجة الثانية من الإقليمية أو "الإقليمية المفتوحة" open regionalism.[4]
فقد أدى التطور المتسارع في تكنولوجيات النقل ووسائل الاتصال إلى ثلاثة نتائج مهمة كان لها تأثيرها في إعادة تعريف "الإقليم": الأولى، هي تراجع شديد في تكاليف نقل التجارة، ومن ثم تراجع كبير في الحواجز التجارية غير الجمركية وأهميتها النسبية في التكاليف الإجمالية للتجارة البينية. الثانية، زيادة هائلة في حجم التجارة الإليكترونية المعتمدة اعتمادا مباشرا على تكنولوجيا المعلومات، والتي ساهمت بشكل كبير في تخفيض تكاليف التجارة بشكل عام، وتكاليف الحواجز التجارية غير الجمركية بشكل خاص، فضلا عن تخفيض تكلفة الوقت. الثالثة، هي الانتقال إلى تغيير الجغرافيا المادية ذاتها، من خلال المشروعات الضخمة عابرة الأقاليم، مثل إنشاء الممرات الاقتصادية والسكك الحديدية فائقة السرعة العابرة للأقاليم، وشق الممرات المائية الجديدة، مثل مبادرة الحزام والطريق التي تتضمن إنشاء شبكة معقدة من الطرق السريعة البرية والحديدية بين شرق آسيا (الصين) وأوروبا، مرورا بروسيا وآسيا الوسطى، ومشروع "محور الشمال- الجنوب" الذي يهدف إلى ربط شمال أوروبا بجنوبي آسيا (الهند) مرورا بروسيا وإيران وآسيا الوسطى، والمشروع الإيراني الخاص بحفر قناة بحر القوقاز بالمحيط الهندي أو الخليج العربي (كبديلين مقترحين)، والمعروف بمشروع "إيران رود" Iran Rudأو نهر إيران، والمشروع الصيني الخاص بشق قناة "كرا ايستاموس" KraIsthmus بتايلاند لتكون بديلا لمضيق ملقا، فضلا عن مشروعات أنابيب نقل الغاز، وغيرها.
وهكذا، وعلى العكس من الموجة الأولى من الإقليمية، وفي القلب منها تجربة الاتحاد الأوروبي، والتي استندت إلى عناصر التجاور الجغرافي، والتشابه القومي والسياسي، ووجود تهديدات استراتيجية مشتركة، كأساس لبناء الترتيب الإقليمي، فقد اتسمت موجة "الإقليمية المفتوحة" بتراجع شديد في الأهمية النسبية للمعيار الجغرافى فى الاتجاه نحو تطبيق مفاهيم أكثر مرونة للإقليم الجغرافى الذى يستند إليه الترتيب الإقليمى. وفى المقابل أصبح هناك تركيز أكبر على معيار "المصالح الحيوية المشتركة"، بمعنى التركيز فى المقام الأول على وجود مصالح مشتركة تجمع الدول الأعضاء فى التنظيم أو البناء الإقليمى بصرف النظر عن الترابط أو التجاور الجغرافى المباشر. وقد ترتب على إعمال هذا المعيار أن أصبح من الممكن أن يضم الترتيب الإقليمى دولا غير مترابطة جغرافيا بالضرورة، بل وتحول البحار والمحيطات إلى موضوع للتعاون.[5]
كذلك، وفي هذا الإطار، استطاعت العديد من الدول رغم الاختلافات والتمايزات السياسية والاجتماعية والثقافية فيما بينها أن تخلق أرضية مشتركة فى مجال الاقتصاد السياسى تقوم على عنصرين رئيسيين: الأول، هو التزام النظم السياسية رغم اختلافاتها وتمايزاتها بمواصلة النمو والتنمية الاقتصادية حتى مع اختلاف التوجهات الاقتصادية واستراتيجيات التنمية المتبعة واختلاف مستويات التنمية المحققة. وقد تدعمت أهمية هذا العنصر بحيث أصبحت زيادة الإنتاجية والتنافسية الدولية هى المصدر الرئيسى للشرعية السياسية فى هذه البلدان. العنصر الثانى هو اعتماد استراتيجيات التنمية على سياسة التوجه الاقتصادى نحو الخارج والقائمة على الإنتاج من أجل التصدير. وعلى سبيل المثال، فقد تخلت معظم دول شرق آسيا عن سياسة التصنيع بغرض الإحلال محل الواردات فى فترات زمنية مختلفة، حيث تخلت اليابان عن هذه السياسة فى الستينيات، وتخلت عنها كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان فى السبعينيات، وتخلت عنها إندونيسيا وتايلاند وماليزيا والصين فى الثمانينيات. وقد أدت هذه السياسة إلى زيادة درجة ارتباط تلك الاقتصادات بالاقتصاد العالمى والأسواق المالية العالمية. وتباينت دوافع التحول من سياسة الإحلال محل الواردات إلى الإنتاج من أجل التصدير من دولة إلى أخرى، فقد كان التحول فى اليابان والدول الصناعية الجديدة مدفوعا بنقص الموارد الطبيعية ومحدودية حجم الأسواق الداخلية ووصولها إلى مرحلة التشبع، بينما كان الدافع فى دول جنوب شرقى آسيا هو الرغبة فى محاكاة النماذج الناجحة فى هذه السياسة خاصة اليابان والدول الصناعية الجديدة[6]
تصاعد الجيو- اقتصادي وتراجع الجيو- سياسي
بمعنى آخر، حدث أصبح للوزن النسبي للعوامل والتحولات أو المكون "الجيو- اقتصادي" Geo-economics الدور الأبرز في تعريف "الإقليم"، وتطور موجة "الإقليمية الجديدة"، بالمقارنة بالمكون "الجيو- سياسي" Geo-politics الذي استند إليه تعريف "الإقليم"، وحدود الترتيبات الإقليمية خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وفترة الحرب الباردة.
وبشكل عام، أدى تصاعد الوزن النسبي للمكون "الجيو- اقتصادى" إلى التأثير على مفهوم الإقليم، والترتيبات الإقليمية في أكثر من اتجاه، أبرزها ما يلي:([7])
- القبول بمبدأ "عالمية الإقليم" أو "عولمة الإقليم"، بمعنى أن تظل حدود الإقليم مفتوحة، من خلال الالتزام بمبدأ عدم الاستبعاد.
- التركيز على أجندة اقتصادية محددة تؤكد على تعظيم العائد الاقتصادي لجميع الفاعلين الاقتصاديين (الدولة، والقطاع الخاص)، استنادا إلى آليات السوق، من خلال التأكيد على مبادئ وقواعد التدفق الإقليمي البينى الحر لمدخلات العملية الإنتاجية (رأس المال بالأساس)، والمخرجات النهائية (السلع والخدمات)، بالإضافة إلي ضمان التدفق الحر لتجارة السلع والخدمات ورؤوس الأموال والاستثمارات، بالإضافة إلى الالتزام بقواعد ومبادئ التجارة الحرة.
- تحجيم دور العوامل والمعوقات غير الاقتصادية أمام التعاون الاقتصادي الإقليمي أو ما يطلق عليه البعض "الإقليمية الاقتصادية"، مثل الدين واللغة والعرق ومستوى المعيشة وطبيعة النظام السياسي، بحيث تعمل المكاسب الاقتصادية أو العائد الاقتصادي المشترك كعامل "تجميعي" يجعل من الاختلافات والتفاوتات الدينية والعرقية والسياسية، وغيرها، ذات تأثير ثانوى. غير أنه تجدر الإشارة إلى أن تزايد الأهمية النسبية للمدخلات والاعتبارات الجيو اقتصادية لا يعنى اختفاء دور المدخلات الجيو سياسية، فمازالت الأخيرة لها دورها فى العلاقات الإقليمية وعبر الإقليمية وفى تشكيل التجمعات والمجموعات الإقليمية الجديدة.
وبالإضافة إلى كل التحولات المهمة السابقة، فقد أشارت كتابات إلى متغير آخر لا يقل أهمية وهو العامل الذاتي، ويقصد به إدراك الفاعلين الإقليميين أنفسهم لهويتهم الإقليمية؛ فكما يلعب التقدم في وسائل النقل والاتصال دوره المهم في تعريف "الإقليم"، فإن الدول والشعوب نفسها تعيد تعريف أقاليمها المحيطة، وفقا لعوامل واعتبارات عديدة[8].
غير أن تراجع الأهمية النسبية لمعيار الترابط أو التجاور الجغرافى لا يعنى انتهاء العامل الجغرافى كمحدد للترتيب الإقليمىبشكل كامل،ولكنه لم يعد شرطا ضروريا لتأسيس البناء أو التجمع الإقليمى، أو بمعنى أكثر دقة لم يعد هو العنصر الوحيد فى تشكيل أو بدء مشروع التكامل/ الترتيب الإقليمى.
شرق المتوسط... إقليم جديد قيد التشكل
نتيجة التحولات السابقة، شهد العقدان الأخيران تحولات مهمة في اتجاه تشكل ما يمكن تسميته بالأقاليم، أو الأقاليم الفرعية الجديدة، التي باتت المصالح الاستراتيجية أو الجيو- اقتصادية فيما بينها من الحجم والعمق الذي يؤسس لتحولها إلى "وحدات استراتيجية"، متمايزة، سواء بالمقارنة بالأقاليم القائمة المجاورة أو الأقاليم الأوسع التي تتحرك في نطاقها الوحدات السياسية المشكلة لهذه الأقاليم الفرعية. من بين هذه الحالات ما بات يعرف بإقليم "شرق المتوسط" الذي تتضح معالمه بشكل أكثر وضوحا مع الوقت.
ففي مواجهة التعريفات العديدة لمفهوم "شرق المتوسط، بدءا من التعريف الجغرافي الضيق الذي يضم الدول المشاطئة للساحل الشرقي من البحر المتوسط: فلسطين، ولبنان، والأردن، وسوريا، وإسرائيل، وانتهاء بالتعريف الأوسع الذي يرادف بينه وبين إقليم الشرق الأوسط تقريبا، بدأت ملامح لإقليم جديد في التشكل خلال السنوات الأخيرة، على أسس "وظيفية" أو "جيو- اقتصادية" بالأساس، يضم بالإضافة إلى الدول المشاطئة لشرق المتوسط كلا من مصر، وقبرص، واليونان، وتركيا.
ويستند هذا الإقليم إلى نمطين من المصالح المشتركة. الأول، هو المصلحة المشتركة في استغلال الموارد الاقتصادية، وعلى رأسها الغاز الطبيعي في ظل الاكتشافات الأخيرة. وتأتي أهمية هذا المورد المهم في عملية تكريس تشكل هذا "الإقليم" على خلفية عدد من العوامل، أولها الاحتياطيات الضخمة، الأمر الذي يشير إلى استمرار هذا المورد كدافع مهم في التعاون بين عدد من دول الرئيسة لمدى زمني طويل نسبيا. ثانيها، يتعلق بطبيعة هذا المورد من حيث حاجته إلى بنية أساسية عابرة للحدود، خاصة أنابيب نقل الغاز. ويتعلق ثالثها، بالدعم الذي تحظى به المصلحة المشتركة في استغلال هذا المورد بدعم فاعلين دوليين مهمين (الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، وشركات الطاقة الأمريكية والأوروبية)، استنادا إلى مصلحة مشتركة لدى هؤلاء الفاعلين في تطوير هذا المورد الاقتصادي المهم وتسهيل نفاذه إلى السوق الأوروبية بهدف تخفيف حجم الهيمنة الروسية على سوق الغاز الأوروبية. النمط الثاني، هو التهديدات المشتركة، المتمثلة في الإرهاب، والهجرة غير الشرعية، وسياسة التدخل في الشئون الداخلية التي لازالت تمارسها بعض دول المنطقة، الأمر الذي يفرض صياغة سياسات مشتركة للتعامل مع هذه التهديدات.
ولا يمثل توجه دول المنطقة إلى إعادة تعريف أقاليمها الفرعية استنادا إلى محددات جيو- اقتصادية خروجا كاملا عن أقاليمها الأساسية، من ناحية، أو أنه لا يستد إلى أسس تاريخية وثقافية؛ فقراءة للكتابات المصرية المهمة في هذا الإطار تشير إلى أن البعد المتوسطي كان حاضرا دائما في الحديث عن الهوية المصرية، أبرزها على سبيل المثال كتابات طه حسين، التي أكد دوما على البعد المتوسطي في الهوية الحضارية المصرية.
[1] Patrick M. Morgan, Theories and Approaches to International Politics: What are We to Think?, (New Jersey :Page-Ficklien Publication Palo Alto, Ca., 2nd edition), pp. 206-207.
[3] Charles A. Duffy and Werner J. Feld, "Whither Regional Integration Theory", in Werner J. Feld, and Gavin Boyd, Comparative Regional Systems, (New York: Pergamon Press, 1980), p. 510.
[4] لمزيد من التفصيلات حول هذا المفهوم انظر :
-Bjorn Hettne and Fredrik Soderbaum, "The New Regionalism Approach", Department of Peace and Development Research, Goteborg University. (http://www.unisa.ac.za/dept/press/politeia/162/hettne98.html)
- Alvaro de Vasconcelos, "Regionalisation of the International System", a paper presented at EuroMeSCo Working Groups Meeting, Rabat, 10-12 Dec. 1998.
-IMF, "Open Regionalism in a World of Continental Trade Blocs", IMF Working Papers, No. (10), February 1998, pp. 4-5.
[5]مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، التقرير الاستراتيجى العربى 1995، (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 1996)، ص 108.
[6]لويجى ناربون، "التكامل الاقتصادى والإقليمية فى شرق آسيا"، مجلة التنمية والتقدم الاجتماعى الاقتصادى، العدد (58)، يوليو –ديسمبر 1994، ص 12-13.
[7] M. Dutta, Economic Regionalization in the Asia-Pacific: Challenges to Economic Cooperation, (U.K, U.S: Edward Elgar, 1999), pp. 77-78.
[8] Iver B. Neuman, “A region building Approach to Northern Europe”, Review of International Studies, vol. 20, no. 1, p. 53.