أربك قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي حسابات إيران، وفتح الباب أمام مواجهة أمريكية- إيرانية في المنطقة. فضلاً عن تداعيات ذلك الانسحاب على الداخل الإيراني وانتشار الاحتجاجات، وتعمق الأزمات التي يواجهها الرئيس الإيراني حسن روحاني، والتي يعد أشدها السياسات التي يمارسها ضده المتشددون ومحاولة الاستفادة بذلك الانسحاب لإثبات عوامل ضعف حكومته.
في هذا الإطار، جاءت "افتتاحية العدد" التي كتبها الدكتور محمد عباس ناجي، رئيس تحرير المجلة، تحت عنوان "هل يدفع روحاني ثمن سياسات ترامب؟"، حيث يرى أنه لم يُعد متاحا للرئيس الإيراني خيارات عديدة في التعامل مع تداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الأمريكية مجددًا على إيران. وبدأت كرة الثلج تتحرك سريعًا داخل إيران؛ إذ استبقت الشركات الأوروبية التي سارعت إلى إبرام صفقات كبيرة مع الحكومة الإيرانية بعد توقيع الاتفاق النووي، تفعيل العقوبات الأمريكية الجديدة بإعلان الانسحاب من السوق الإيرانية مجددًا، مثل شركات "توتال" و"ميرسك" و"جنرال اليكتريك" و"بيجو" وغيرها، مؤكدة أن مصالحها داخل الولايات المتحدة الأمريكية لها الأولوية، بعد أن هددت الإدارة الأمريكية باتخاذ إجراءات قاسية ضد الجهات التي تواصل استثماراتها وتعاملاتها المالية والتجارية داخل إيران.
وقد بدأ المحافظون الأصوليون ضغوطهم على روحاني بالدعوة إلى إقالة الفريق الاقتصادي في الحكومة، بعد أن تدهور سعر صرف العملة الوطنية ووصل إلى ضعف السعر الرسمي الذي أعلنته الحكومة، على نحو أدى إلى إغلاق البازار في العاصمة طهران وبعض المدن الأخرى.
ويرى عباس أن تلك الخطوة ربما تكون بمثابة إنذار مبكر للرئيس روحاني، إذ أن إصراره على المضي قدمًا في بعض الإجراءات التي لم تحظ بقبول من جانب خصومه السياسيين، على غرار محاولة تمرير مشروع لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب الذي اعتبره المحافظون خطوة نحو تقليص الدعم الإيراني للتنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعض دول المنطقة. وأكد أنه لا يمكن فصل تلك التحركات عن الدعوات التي ظهرت في وسائل الإعلام الإيرانية القريبة من المحافظين، والخاصة بتشكيل حكومة عسكرية يضطلع فيها الحرس الثوري بدور رئيسي في إدارة شئون الدولة.
وفي باب "آفاق إيرانية" ناقش الدكتور محمد السعيد إدريس، مستشار المجلة، أربعة محددات تحكم مسار الأزمة الإيرانية- الأمريكية، فمع اقتراب موعد البدء في تنفيذ العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران، أخذت الأزمة تتصاعد بين البلدين بشكل متسارع، وصل إلى درجة التهديد باستخدام القوة بين الطرفين. ومما زاد من خطورة هذا التصعيد تزامنه مع تفجر موجة أخرى من الاحتجاجات والاضطرابات الشعبية الرافضة للسياسات الاقتصادية للحكومة. ويرى د. إدريس أن قدرة إيران على التوحد والصمود وعدم الانفراط الداخلي على ضوء تجدد الاضطرابات والاحتجاجات يمكن أن تتطور إلى بلورة كتلة معارضة داخلية قوية تهدد بقاء النظام. وأكد د. إدريس على أربعة مسارات تحكم هذا الموقف، هي حقيقة الموقف الأمريكي من إيران، ومآل تنازع المصالح بين كل من الاتحاد الأوروبي والصين مع الولايات المتحدة، ومخرجات قمة هلسنكي بين بوتين وترامب، وأخيرا قدرة النظام الإيراني على الصمود أمام خطر إسقاطه من الداخل.
وضم باب "دراسات" دراستين، قدم الأولى الأستاذ أحمد عليبة، الباحث المتخصص في شئون الأمن الإقليمي، ناقش خلالها مستقبل الوجود العسكري الإيراني في سوريا. أما الثانية فتناولت إستراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب داخل إيران، وتداعيات الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران. وناقش باب "اتجاهات"، كيفية التعامل الإيراني مع معارك الجنوب السوري.
وفي باب "مداخلة" قدم الأستاذ محمد بناية، مدرس اللغة الفارسية بكلية اللغات والترجمة، بجامعة الأزهر، الأوضاع الاقتصادية والسياسية ودورها في انضمام الإيرانيين للتنظيمات الإرهابية. أما باب "شئون داخلية" فقد تناول العديد من القضايا من بينها اشتداد سلوك الأصوليين المتشددين داخل إيران ضد حكومة روحاني عقب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، والمصالح التي يحصل عليها مجلس الشورى الإيراني في حقبة العقوبات، ودور الأحزاب السياسية داخل إيران بعد الانسحاب الأمريكي. كما ناقش هذا الباب أيضا كيفية تفسير الإصلاحيين التزامهم بولاية الفقيه في ظل ما يواجهونه من أزمات، وتضمن أيضًا تقريرًا خاصا حول الشخصيات أصحاب الجنسيات المزدوجة داخل إيران وعلى رأسهم حسين موسوي.
وسلطت "قضية العدد" الضوء على "الحلول الإيرانية لتجاوز العقوبات الأمريكية القاسية التي تم فرضها عليها". واشتمل باب "تفاعلات إقليمية" على عدة قضايا، من بينها وضع القضية الفلسطينية داخل السياستين الخارجية والداخلية لدولة تركيا، ومستقبل دولة تركيا في ظل حكم أردوغان، والتدخل الأمريكي الإسرائيلي في الشأن السوري، والسعي الأمريكي الدائم لزعزعة الاستقرار داخل المنطقة.
وتناول باب "سياسات"، السياسات الإيرانية التي من المنتظر اتخاذها لاستمرار الاتفاق النووي من دون الولايات المتحدة الأمريكية. كما تضمن باب "علاقات دولية" مستقبل الاقتصاد الإيراني في ضوء الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وحرب ترامب غير العسكرية ضد إيران.
وفي "الزاوية الثقافية" قدم الدكتور محمد نور الدين عبد المنعم دراسة حول المحاولات الإيرانية في تغيير الخط العربي. وفي باب "قراءة في كتاب" قدم الأستاذ صالح شبل عبدالمعطى عرضا لكتاب "إعادة قراءة لملف حكومة أحمدى نجاد دون رتوش"، وهو الرئيس الإيرانى السابق الذى نجح في الفوز برئاسة إيران لفترتين رئاسيتين متتاليتين، وشهدت فترة رئاسته العديد من الأزمات المحلية والدولية.
واختتم العدد بباب "تقارير" قدمت خلاله الأستاذة شروق صابر، تقريرًا حول احتجاجات البازار، التي قام بها كبار التجار داخل إيران مؤخرًا، والتي كشفت عن تعمق الأزمات الداخلية التي تواجهها إيران.