قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2018-6-7
صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تطرح نتائج الانتخابات اللبنانية التي جرت في السادس من مايو 2018- والتي أسفرت عن تقدم حزب الله وحلفائه، مقابل تراجع تيار المستقبل، وحضور لافت لحزب القوات - عدة تصورات "قد" تعيد صياغة تفاعلات لبنان مع المشهد الإقليمي لاسيما فيما يتعلق بالأزمة السورية. وتحديدا تفاعلات الحكومة الجديدة مع ثلاثة إشكاليات، هي: اللاجئون السوريون في لبنان، وعودة الاتصال بالنظام السوري، والتصعيد بين حزب الله وإسرائيل في سوريا.  وذلك في ضوء ما عكسته نتائج الانتخابات من تغير في توازنات الكتل النيابية. 

اللاجئون السوريون

التغير المفترض حدوثه في المشهد السياسي اللبناني على وقع نتائج الانتخابات الأخيرة، التي تعزز من الوضع السياسي لحزب الله وحلفائه سيكون له انعكاساته على قضايا تعامل حزب الله مع الملف السوري، وتأتي في مقدمتها أزمة اللاجئين السوريين في لبنان، التي بلا شك تمثل عبئا كبيرا على قدرات لبنان الاقتصادية، بالرغم من انخفاض عدد اللاجئين إلى ما دون المليون بعد أن كان قد وصل إلى مليون ونصف المليون وفقا لمفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وهي إشكالية أُستُخدمت كورقة انتخابية نتيجة انقسام مواقف القوى السياسية بشأنها. فقد حاولت هذه القوى توظيفها انتخابيا وأحيانا طائفيا؛ خاصة من قبل حزب الله، وحلفائه، الذي نجح في الضغط بها على واقع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها لبنان، وواقع البنية التحتية التي تعاني من قصور مستمر ضاعفت أزمة اللاجئين السوريين من تفاقمه. وتأتي الهواجس اللبنانية تحديدا من جانب القوي التي تعارض اللجوء السوري لكونه على المدي الطويل قد يؤدي إلى إحداث تغيير ديموغرافي؛ لاسيما أن معظم اللاجئين هم من الطائفة السنية، ومن المناطق الحدودية مع لبنان التي قام النظام السوري بتهجيرها قسرا، واستقدام عائلات شيعية وتوطنيها بدلا من المكونات السنية التي أصبحت لاجئة داخل الأراضي اللبنانية. 

ولا يعتبر هاجس التغيير الديموغرافي في لبنان هاجسا شيعيا فقط، ولكن يمثل هاجسا للقوى السياسية المسيحية أيضا، وعلى رأسها حزب التيار الوطني الحر المسيحي – الحزب السياسي للرئيس ميشال عون – الذي يعتبر أكبر رافض للوجود السني السوري في لبنان. فكلاهما – حزب الله والتيار الوطني الحر- يعتبر أن اللاجئين السوريين يمثلون تحديا كبيرا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالدولة، وما تفرضه من حالة عدم استقرار أمني، وربما سياسي، على وقع التراشقات السياسية بين القوى الرافضة والداعمة للجوء السوري في لبنان. كما يعتبران الوجود السوري في لبنان بهذا الكم البشري الهائل يهدد مباشرة الطائفتين الشيعية والمسيحية. لاسيما وأن الأولى التي يرعاها حزب الله هو من مارس التهجير القسري ضد السوريين من قراهم وأراضيهم، الأمر الذي جعل السوريين في لبنان مدججين بحالة من الحنق على الحزب.

في هذا السياق، أعلن التيار الوطني الحر عبر رئيسه جبران باسيل رفضه لبيان مؤتمر بروكسل، المعني بسبل دعم لبنان في مواجهة أزمة اللجوء السوري، والذي عُقد في الرابع والعشرين من إبريل 2018، لاسيما في ربطه بين حل أزمة اللجوء السوري في لبنان بالتوصل لحل للصراع السوري. فضلا عن قيام عدة بلديات لبنانية في المناطق ذات الكثافة السكانية المسيحية بترحيل قسري للاجئين السوريين المتواجدين بها. على الجانب الآخر، كانت حكومة سعد الحريري قبيل الانتخابات الأخيرة قد نجحت في تمرير قانون الموازنة العامة، والذي أقر في بنده التاسع والأربعين "أحقية الأجنبي بالحصول على إقامة في حال استطاعته امتلاك منزل". وهو ما اعترض عليه التيار المناوئ باعتبار أن هذا البند يسهل عملية التوطين السوري في لبنان عبر تشريعات ملزمة. واستطاع هذا التيار تعليق العمل بهذا البند عبر الطعن على دستوريته أمام المجلس الدستوري. وبذلك تم ترحيل أزمة هذا البند إلى الحكومة الجديدة بعد الانتخابات، وما أحدثته من تبدلات في موازين القوى السياسية بما يضع ملف اللجوء السوري في قبضة حزب الله وحلفائه الرافضين له أساسا، ويزيد من احتمالات قيام بعض القوى السياسية في لبنان - الرافضة لهذا اللجوء - إلى عقد اتفاقات تقضي باتخاذ إجراءات لإعادة السوريين لبلادهم. وذلك بالرغم من الضغوط الدولية على لبنان بشأن ذلك الملف.     

السياق السابق يقول بأن ثمة حسابات سياسية تكمن وراء توظيف ملف اللجوء السوري في لبنان توظيفا انتخابيا، ثم اعتباره في مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة الجديدة أهم محاور اهتمامها ومناقشاتها في ظل تفوق التيار الرافض للوجود السوري في لبنان في الانتخابات الأخيرة. فهناك احتمالات بأن يتجه حزب الله وحلفاؤه إلى اتخاذ إجراءات تدريجية تستهدف الترحيل القسري لللاجئين السوريين من لبنان.  

عودة الارتباط بالنظام السوري

أما بالنسبة لإشكالية عودة الارتباط بين لبنان والنظام السوري التي كانت تتم على استحياء خلال فترة رئاسة سعد الحريري للحكومة قبل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فإن ثمة من يرى أن نتائج تلك الانتخابات بما أسفرت عنه من تقدم لحزب الله وحلفائه من شأنها أن تعيد الاعتبار لهذا الارتباط، ليصبح ارتباطا علنيا وواضحا ينتهي بعودة العلاقات السياسية والدبلوماسية مع دمشق. فقبل الانتخابات كانت القوى اللبنانية المرتبطة بالنظام السوري تحاول الزج بقضية اللاجئين السوريين إلى واجهة المشهد السياسي اللبناني؛ بهدف إعادة إحياء العلاقات مع النظام السوري والاتصال به، خاصة وأن الرئيس اللبناني الذي تم التوافق عليه إقليميا، وهو ميشال عون، له علاقات وطيدة مع النظام السوري ويعترف به نظاما شرعيا. على العكس من تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري، وحزب القوات اللبنانية لسمير جعجع، والحزب الاشتراكي التقدمي لوليد جنبلاط. 

في هذا السياق، اتجه حزب الله وحليفته حركة أمل إلى تصدر الشخصيات السياسية المعروفة بعلاقتها الوطيدة مع النظام السوري، لقوائمها الانتخابية. كما عُقدت تحالفات مع قوى لها ارتباطاتها القوية مع نظام الأسد، بالاستفادة من قانون الانتخابات النسبي. لكن تظل عودة تلك العلاقة الارتباطية بين لبنان وسوريا – بالرغم مما وفرته نتائج الانتخابات من ظروف مواتية لذلك – رهنا بحالة توافق مع تيار المستقبل ومن ورائه السعودية والدول العربية، ورهنا كذلك بالتوصل لتسوية أو ملامح تسوية سياسية للأزمة في سوريا، تتوافق عليها القوى الإقليمية والدولية المعنية بها. مما يضع قيودا على عودة العلاقات مع دمشق أمام الحكومة القادمة، بالرغم من أنها حكومة يسيطر عليها حليف رئيسي للنظام السوري. ما يبقي إشكالية عودة العلاقات مع النظام السوري في حدودها الدنيا، انتظارا لحالة التوافق الدولية والإقليمية على التسوية. ليس هذا فقط، بل من المحتمل أن تظل المعادلة السياسية التوافقية داخليا وإقليميا التي أنتجت اختيار الرئيس عون قائمة كما هي حتى بعد تشكيل الحكومة الجديدة دون تغيير حاد. 

المواجهة بين حزب الله وإسرائيل في سوريا

على صعيد متصل بدور حزب الله اللبناني وتورطه في الصراع السوري دعما للنظام، ترتفع احتمالات هذا التورط بعد تصدر الحزب نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث من المتوقع أن يتخلص الحزب من حالة الحذر التي يتبعها داخليا بشأن انخراطاته الخارجية لاسيما في الملف السوري، بما يؤشر على تراجع سياسة النأي بلبنان عن الصراعات الإقليمية. الأمر الذي قد يدفع حالة التوافق اللبناني الداخلي إلى حافة الهاوية، بما يعنيه ذلك من تعرض حالة الاستقرار اللبناني الهشة إلى اختبارات غاية في الصعوبة. هذا فضلا عن أن نشوة الانتصار قد تدفع حزب الله إلى مواجهة إسرائيل في سوريا؛ خاصة في ظل استمرار الاستهداف العسكري الإسرائيلي للبنية العسكرية الإيرانية في حماة وحمص ودمشق والقنيطرة والسويداء، والداعمة لحزب الله، جراء تهديدات ميليشيات الحزب والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران لمنطقة الجنوب اللبناني القريبة من حدود الجولان المحتل. 

ويعني ذلك أيضا استعداد الحزب لبدء مسار حرب جديدة مع إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية، لاسيما بعد إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وما أحدثه من تأثيرات في سوريا؛ حيث كانت أولى انعكاساته في تجديد إسرائيل استهدافها للبنية العسكرية الإيرانية الداعمة لميليشيات الحزب في سوريا بما يزيد من خسائره هناك. لكن هذا الاتجاه محكوم إلى حد كبير برغبة القوى الدولية بعدم التصعيد بين الطرفين وصولا إلى مرحلة المواجهة المباشرة، خاصة محاولات روسيا لاحتواء هذا التصعيد عبر لقاءات "تحديد التعاون" في سوريا التي عقدها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مع الرئيس الروسي بوتين خلال اجتماعهما في موسكو في مايو 2018. لكن يظل حضور حزب الله على الساحة السورية بحالة الزخم العسكري الهائلة التي عليها، عاكسا ليس لتورط الحزب بصفته الارتباطية بالنظام السوري، ولكن عاكسا لتورط لبنان بصورة رسمية في دائرة الصراع السوري. وهو ما أعلنته تل أبيب بعد صدور نتائج الانتخابات اللبنانية بالقول إنه لا فرق بين الدولة اللبنانية وبين حزب الله.  

مما سبق يمكن القول إن تقدم حزب الله في نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية قد أنتج مشهدا سياسيا مغايرا بدرجة ما عما كان قائما. وأن هذا التغيير له انعكاساته على الدور الخارجي للحزب في الملفات الإقليمية وتحديدا في الأزمة السورية، وعلى تحالفاته الإقليمية من ناحية، وكذلك تحالفات خصومه، من ناحية ثانية، بما يدخل لبنان بين فكي رحى الطائفية الإيرانية ومصالحها في المنطقة، والتي أصبحت لبنان بمقتضاها بعيدا إلى حد كبير عن سياسة النأي بالنفس التي "حاولت" حكومة الحريري السابقة اعتمادها أساسا لتحركاتها الإقليمية.