قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2018-5-13
د. معتز سلامة

رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي العربي

على الرغم من أن الانتخابات العراقية البرلمانية التي أجريت في الثاني عشر من مايو 2018 هي الانتخابات الرابعة في تاريخ العراق منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003، وعلى الرغم من خوضها من مختلف الكتل تحت لافتات عدم الرضا عن الممارسات الخاصة بالفساد والمحاصصة الطائفية، إلا أن القضايا التي طرحتها هذه الانتخابات لم تختلف كثيرا عن مجمل الجدل الدائر في الساحة العراقية منذ عدة سنوات، وإن دل ذلك فإنما يدل على استمرار المعادلات المتحكمة بالوضع العراقي والتركيبة السياسية التي نشأت منذ الغزو الأمريكي.

مع ذلك، فإن الملاحظة الأساسية، على تلك الانتخابات هو تراكم مقدار من عقلانية الخطاب السياسي الملحوظ في فعاليات وقضايا الجدل الانتخابي. صحيح أن انتخابات العراق تظل لها الملامح والقسمات العربية نفسها، إلا أن هناك فارقا كبيرا بين انتخابات عام 2018 والانتخابات الثلاثة السابقة (2006، 2010، 2014)، والتي جرت في ظل نقص الخبرة ومحدودية التجربة، حيث بدأت المكونات العراقية تتفاعل مع الأنظمة والمؤسسات الجديدة التي أُدخلت على الجسد العراقي بعد عام 2003، وهو ما بدا واضحا في ثراء الحوارات السياسية الداخلية على نحو ما برز في الصحف أو المناظرات على الفضائيات، التي أكدت أن المرشحين أصبحوا أكثر قدرة على التعبير عن أنفسهم وعن كتلهم السياسية، وأكثر قدرة على التواصل رغم الاختلاف.

مع ذلك يظل كل شيء حاضرا إلا الصورة الأشمل للدولة الوطنية العراقية، حيث تبدو الساحة العراقية ممتلئة باللاعبين الكثر، الذين يطرحون كل الآراء. ووسط ذلك يتوارى التوافق الوطني حول القضايا المركزية، بحيث إن أي متابع للانتخابات العراقية لن يعجز عن العثور على كل فكرة، ولكن هذه الأفكار تتوه وسط الزحام والمجموع.

ومن خلال ما جرت متابعته، خصوصا عبر المناظرات التي أجريت على الفضائيات بين المرشحين وممثلي الكتل، يلاحظ أن قضايا الانتخابات تمثلت في طائفة واسعة من القضايا، تبدو أربعةعناوين بينها كنماذج ممثلة لقضايا الجدل الانتخابي، على النحو التالي.

أولا: المحاصصة الطائفية... توافق على الرفض

كانت المحاصصة الطائفية من أبرز القضايا على مسرح الجدل الانتخابي في العراق في انتخابات 2018، فهي قضية محل شكوى من كل التيارات والكتل، بل إنها تُعد حجر الزاوية والمفصل التي تتفرع منه كل القضايا الأخرى؛ إذ يندر أن نجد حوارا صحافيا مع زعيم سياسي أو قيادة دينية أو مرشح انتخابي أو مناظرة بين ممثلي الائتلافات والكتل، دون أن يجري الإشارة إلى المحاصصة الطائفية باعتبارها أم القضايا، التي يحملها الكل السبب في بروز أهم مشكلتين واجههما العراق، وهما الفساد والإرهاب.

وفي هذا السياق، شهدت انتخابات 2018 تغيرا في الخطاب السياسي للمرشحين والكتل، من التركيز على الدعاية الانتخابية الطائفية التمييزية إلى التركيز على الدعاية الوطنية المنسجمة إعلاميا مع طموحات الشارع العراقي في مكافحة الفساد وإنهاء المحاصصة السياسية والحزبية، والنهوض بالاقتصاد العراقي. وبدلا من التحزبات الطائفية، بدأ الخطاب السياسي يتجه إلى مزيد من الرشادة من جانب الطوائف، فقد حمل الجميع المحاصصة الطائفية المسئولية عن كل مشكلات العراق، فبعد فترة من التماهي الطائفي مع الرغبة في ممارسة الدور السياسي وحيازة نصيب من السلطة بقدر ما تمكن به الحصة الطائفية، تبين أن الارتكان على ذلك يفقد العراق الطابع الوطني الذي يخسر معه الشيعة والسنة والكرد على حد سواء، ويخلق منافذ للفساد، وينتهي الأمر بالمكونات الوطنية لمزيد من التخندق والتباعد. 

ساعد على ذلك أن المرجعية الدينية الأعلى في العراق تبنت مواقف عقلانية من الانتخابات؛ فبعدما انتظر الكثير من التكتلات والأحزابوالأشخاص موقف آية الله السيستاني، وتوقعوا أن يقلب المعادلات السياسية ويعيد رسم الخريطة الانتخابية، أتى البيان الذي صدر عن المرجعية في 4 مايو 2018 متوازنا، فشدد على أن المسار الانتخابي لا يؤدي إلى نتائج مرضية إلا مع توفر عدة شروط، منها: أن يكون القانون الانتخابي عادلا يرعى حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها. ومنها أيضا: أن تتنافس القوائم الانتخابية على برامج اقتصادية وتعليمية وخدمية قابلة للتنفيذ بعيدا عن الشخصنة والشحن القومي أو الطائفي والمزايدات الإعلامية. ومنها كذلك: أن يُمنع التدخل الخارجي في أمر الانتخابات، سواء بالدعم المالي أو غيره، وتُشدّد العقوبة على ذلك. ومنها أخيرا وليس آخرا: وعي الناخبين لقيمة أصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد، فلا يمنحونها لأناس غير مؤهلين إزاء ثمن بخس، ولا اتباعا للأهواء والعواطف، أو رعايةً للمصالح الشخصية أو النزعات القَبلية أو نحوها. بل أكد البيان في نهايته صراحة على أن المرجعية تؤكد وقوفها على مسافة واحدة من جميع المرشحين ومن كافة القوائم الانتخابية، وأنها لا تساند أيّ شخص أو جهة أو قائمة على الإطلاق، وأن الأمر كله متروك لقناعة الناخبين وما تستقر عليه آراؤهم بعد الفحص والتمحيص، ومن الضروري عدم السماح لأي شخص أو جهة باستغلال عنوان المرجعية الدينية أو أيّ عنوان آخر يحظى بمكانة خاصة في نفوس العراقيين للحصول على مكاسب انتخابية. 

ومن ثم، تحاشى بيان المرجعية ربط العملية السياسية والانتخابات بموضوعات وتحزبات وولاءات طائفية. وبدت المرجعية وكأنها قد انحازت إلى خيار الدولة المدنية، وذلك على خلاف ما بدت عليه في عام 2014  في قضية الولاية الثالثة للمالكي، وقبلها إصدار فتوى "الجهاد الكفائي" التي اُعتبرت حدثا نادرا في تاريخ مرجعية النجف.



 

ثانيا: العلاقة بين المكونات السياسية...  كيفية تحصين المكون الوطني

طرحت انتخابات 2018 قضية العلاقة بين مكونات المجتمع المختلفة، وما إذا كانت تتجه إلى التصحيح، أم إلى مزيد من الخلل والانقسام. وفي هذا السياق، تحدث البعض عن تصدير نظرية المؤامرة من الإطار السياسي إلى الإطار الاجتماعي، مؤكدا أن الخلل والشك انتقل إلى المكونات الاجتماعية للشعب العراقي، وأصبح العقل الاجتماعي تتحكم فيه الصراعات السياسية أكثر من الانتماء الوطني، وأصبحت المصالح الفئوية والطائفية تطغى على المصالح الوطنية العامة. وقد كرس من ذلك أنه جرى تكريس دولة المكونات عند كتابة الدستور، ولم يجر تعزيز وتحصين دولة المواطنة، حيث كان المزاج العام وقت كتابة الدستور مزاجا طائفيا، ومدفوعا بخبرة عقود من الإقصاء والتهميش الطائفي، ترى بعض الطوائف أنها تعرضت له من جانب الطائفة السنية التي تحمّل أتباعها تبعات حكم البعث وصدام حسين، ومن ثم وُجدت الاختلالات وتمأسست بين المكونات، وتسببت فيها أحزاب سياسية لم تتخلص من عقلية المعارضة.

وأكد البعض أنه من الناحية الاجتماعية هناك علاقة تفاعل وتكامل بين مكونات المجتمع، لكن من الناحية السياسية هناك عدم ثقة بين الأحزاب والمكونات السياسية. وفي سياق، ذلك أشار البعض إلى أن هناك ثلاثية تحكم العراق، هم: الأكراد الذين لديهم حلم الدولة، والشيعة الذين يتملكهم الخوف بحكم الدكتاتورية التي جسمت على صدورهم منذ عشرينيات القرن الماضي، وينطلقون من مخاوف المظلومية على مدى العقود السابقة وهم مدفوعون بالحفاظ على مكانتهم الجديدة، ثم السنّة الذين لديهم حلم العودة إلى السلطة. وبشكل عام، لم يكن برنامج المواطنة أو تغليب هوية الدولة هو البرنامج المطبق خلال السنوات الماضية، وإنما كانت الهويات المذهبية حاضرة بكثافة وتمددت إلى مختلف جوانب المشهد العراقي.

ولمواجهة تلك الإشكالية دعا البعض إلى تجنيب المكونات الاجتماعية وإبعادها عن الإرادات السياسية، بحيث لا تترك الخلافات السياسية بين النخب أثرها على السلام الاجتماعي والوئام الوطني بين طوائف المجتمع. ودعا آخرون إلى إزالة عوامل عدم الثقة وتغليب الهوية الأصلية للدولة والوطن، ودعوا إلى التغيير الثقافي، وتغيير طريقة التفكير في المجتمع وترسيخ الإيمان بالدستور، والاقتناع بأن الصراع الطائفي لن يكون فيه منتصر وسيؤدي إلى خسارة الكل. كما دعا البعض إلى تحقيق العدالة والتنمية الاقتصادية التي تعمل على بناء عقلية وطنية وهوية جديدة. وجادل آخرون بأنه رغم تمكن الشعب العراقي من القضاء على داعش والانتصار في مواجهة الإرهاب، إلا أنه لا يزال هناك قدر من الشك يحكم العلاقة بين مكونات المجتمع، بسبب آثار العنف الطائفي التي لاتزال حاضرة في ذهن البعض، وهو ما يحتاج لفترة من الزمن حتى تزول.

ثالثا: الفيدرالية... بين التوسيع وتجربة إقليم كردستان

كانت الفيدرالية إحدى أبرز قضايا الجدل في الانتخابات البرلمانية العراقية 2018، خصوصا في إقليم كردستان. فقد أكدت أغلب الجدالات أن هذهالتجربة لم تكن ناجحة، والدليل على ذلك أن الاختلالات لاتزال موجودة بين سلطات المحافظات والحكومة الاتحادية، وفي كثير من الحالات التي نقلت فيها سلطات القرار للمحافظات عانى فيها المواطنون والوزارات والمحافظات، وإلى الآن لم تثبت التجربة الفيدرالية نجاحها، ومن ثم اندفع العراق إلى محطات تقسيم كادت أن تحوله إلى كانتونات صغيرة، أكثر مما اتجهت مكوناته إلى ممارسات الوحدة الوطنية. وبدلا من أن تتأسس الفيدرالية على أساس إداري وجغرافي، فإنها قامت على أساس قومي أو طائفي. أَضف إلى عن ذلك غياب الأحكام الدستورية الواضحة في تقسيم السلطات، بين المركز والأقاليم، وغياب الحوار السياسي الجاد لتجذير معاني المواطنة داخل الأقاليم وداخل السلطة المركزية. وهكذا، أصبحت الفيدرالية، على نحو ما قال البعض، مجرد "تجميع للمقسم".

أما العلاقة مع إقليم كردستان فعلى الرغم من قيامها على أسس وحدة العراق، ووفق الدستور، وعلى أساس حفظ حقوق إقليم كردستان مع حفظ حقوق الدولة في السيادة والسياسة الخارجية والدفاع والأمن والمنافذ والثروات، فقد تعرضت العلاقة بين حكومة الإقليم والدولة للضرر. وهنا ركز البعض على عوامل الفشل في التجربة الفيدرالية، فذهب رأي إلى أن العلاقة مع كردستان مبنية على موازين القوى وليس على الدستور والقانون. وذهب آخر إلى أن العراق الفيدرالي هو ضرورة وليس خيارا، وأنه جاء انعكاسا لواقع قائم منذ سبعينيات القرن الماضي. ويعزو هذا الرأي التشويه الذي تعرضت له التجربة الفيدرالية إلى الممارسة، وهنا يشير إلى خطأ الدمج بين مفاهيم المركزية الإدارية واللامركزية السياسية، وهو ما يرى أنه أدى لتجربة هجينة ومشوهة، انتهت إلى تغول الحكومة الاتحادية على صلاحيات المحافظات، وزحف المحافظات على صلاحيات الحكومة المركزية. بينما عزا البعض المشكلة إلى سياسات حكومة الإقليم في تعاملها مع المركز، حيث كرست سياساتها دائما التوجه إلى الانفصال. ويرى هؤلاء أن الحل يكمن في اللجوء إلى الدستور الذي يتكلم عن العراق الاتحادي الفيدرالي والدولة الواحدة والحوار غير المشروط بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، مع غرس الإيمان بأن الشعب الكردي هو جزء من الشعب العراقي وليس أمة منفصلة، وتشجيع الحركات الوحدوية والعزل السياسي للحركات الانفصالية، وإعلان كردستان أنها جزء من المكون الثقافي للعراق بما يضمن عدم اختلال العلاقة بمجرد تغيير موازين القوى بين الإقليم والدولة.

وفي شأن توسيع الفيدرالية لتشمل محافظات وأقاليم أخرى، فإن الأغلبية الساحقة، ضد توسيع الفيدرالية، والمبرر الأساسي للرفض هو ما ذهب إليه البعض من أنه مع وجود مقومات نجاح الفيدرالية في إقليم كردستان فإن التجربة لم تنجح وكادت تؤدي إلى تقسيم العراق، ومن ثم فإن الأرجح أنها لن تنجح مع أقاليم ليس لديها المقومات. مع ذلك فإن العراقيين يتعاملون مع موضوع توسيع الفيدرالية بعقل مفتوح، فيرون أن الحل يكمن في الإدارة اللامركزية وتمكين المحافظات من إدارة مدنها ومحافظاتها، ويرى البعض أنه لا مانع من توسيع الفدرالية على أن يسبقها وضع الأطر القانونية التي تحول دون تقسيم العراق، وحينما يصل العراقيون إلى الرشد الديمقراطي والإداري يمكن الحديث عن فيدرالية تتسع لجميع المناطق والمحافظات. بينما يرفض آخرون توسيع الفيدرالية لأنها بهذا الشكل المشوه غير متسقة مع الدستور، ولأنه حدث تداخل واشتباك في الصلاحيات بين اللامركزية والمركزية وحدث ما يسميه البعض "انتفاخ سياسي" في الإقليم. ورأى آخرون، رفض الفيدرالية على أساس أن الوقت غير مناسب الآن؛ فالفيدرالية وفقا له هي شكل جيد للحكم لتنظيم العلاقة بين الأطراف والمركز، لكنها الآن تفتقد إلى الشروط الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تأسست وفقا لها في مكان آخر. بينما يذهب رأي آخر إلى أن موضوع الفيدرالية ليس موضوعا ذا أولوية، لأن أي نوع من الانفصال أو تشكيل فيدرالية من دون استقرار أمني كامل يمكن أن يؤدي لتشكل عناصر مسلحة تطرح خطرا جديدا على العراق، ومن ثم يجب أولا أن يتشبع المواطن العراقي بالمواطنة وليس بالبعد القومي أو الطائفي. فلا تُقام فيدرالية على أساس قومي ولا على أساس سني وشيعي ومذهبي وديني وإنما على أساس جغرافي وإداري.

رابعا: قضية الفساد.. التشخيص والأسباب وسبل المكافحة

تمحورت القضية الأخرى محل الجدل في الانتخابات العراقية 2018، حول الفساد. وهنا أكد البعض أن الفساد تحول من سلوك فردي إلى ظاهرة اجتماعية، ومن فساد الشخوص إلى فساد المنظومة، وأنه لم يعد فسادا ماليا فقط، وإنما فسادا إداريا أيضا، وتمدد حتى تعمق في الثقافة الاجتماعية، وتشكلت مافيات للفساد بين السياسيين، تمتعوا خلالها بما هو أشبه بالحصانة. ساعد على ذلك –وفق هذه الآراء- ضعف تسليط الضوء الإعلامي على الفساد، وعدم التأكيد على أنه أخطر من الإرهاب. وتعددت الآراء حول أسبابه وسبل مواجهته؛ فمن بين الأسباب؛ وفق حديث ممثلي الكتل العراقية: المحاصصة الطائفية والحزبية، وعدم الرقابة الاجتماعية، وسوء الإدارة، وغياب رقابة القانون، وعدم الشعور بالمسئولية الوطنية، والبيروقراطية الضخمة التي تعززها عشرات القوانين والتعليمات التي يجري خرقها وتفسيرها وفق مصالح الموظفين الحكوميين، وانتشار ثقافة الفساد في مؤسسات الدولة، وعدم استخدام التقنيات الحديثة كالحكومة الإلكترونية، وتراجع دور القدوة على الصعيد الاجتماعي، وضعف الرقابة البرلمانية والإجرائية والقضائية.

وفيما يتعلق بسبل مواجهة الفساد، شدد البعض على ضرورة تمكين القضاء وحمايته، وتفكيك وإنهاء المحاصصة السياسية، وسن قوانين صارمة لمكافحة الفساد وتشديد الرقابة القانونية، وهيكلة مؤسسات الدولة الرقابية المعنية بمكافحة الفساد، مثل: هيئة النزاهة، والرقابة المالية للبرلمان، والمفتشون العامون، والقضاء، والحكومة، والرقابة الشعبية ورقابة منظمات المجتمع المدني، مع تكثيف الاعتماد على الحكومة الإلكترونية وتفعيلها لتقليل التعامل المباشر بين المواطنين والموظفين، وتقليل القوانين لتقليص فرص الابتزاز، وتنمية الضمير الشخصي والديني، وتحسين الوضع الاقتصادي، فضلا عن تعزيز الإرادة السياسية، مع وضع برامج واقعية وأخرى زمنية للقضاء عليه، وتقديم رموز الفساد إلى المحاكمة، وتمكين الأكفاء من إدارة الدولة، ووضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، وتفعيل الرقابة على المؤسسات، ونشر ثقافة النزاهة وإدخالها في المراحل التعليمية كمادة أساسية، وتفعيل دور الأكاديمية العراقية لمكافحة الفساد، وتفكيك مافيات الفساد، وتفعيل دور الإعلام. 

***

لقد مكنت انتخابات 2018 من بروز طائفة جديدة من الهموم التي طغت على الحوار الانتخابي، فبرزت البرامج الحديثة للكتل والائتلافات، وتضمنت أهدافا مدنية ركزت على السياسات الأدنى والخدمات، وعبرت عن الاتجاه إلى تركيز الجدل الداخلي بالعراق على نوعية الحياة، وليس على المعالم الأولية للدولة. فإذا كان العراقيون في السابق قد انحصر جدلهم في خلافات السنة والشيعة والأكراد، وهموم المناطق والطوائف والمحافظات، في ظل غياب المعنى الوطني، فإن انتخابات 2018 أعادت طرح الأفكار الوطنية في ظل موجة من تعزيز الشعور القومي بعد الانتصار على داعش، وتمكن الدولة من القضاء على الإرهاب وفشل الاستفتاء الكردي. كما أنها أحيت ما يمكن تسميته بالبرامج الانتخابية الخدمية النابعة من الواقع الداخلي والاحتياجات العراقية. مع ذلك لا يمكن القول إن هذه الانتخابات تشكل انتخابات طبيعية، فلا تزال تعاني من انعكاسات ما قبل عام 2003، وفترة الاحتلال الأمريكي، والثورات العربية، ثم حقبة الإرهاب وداعش، وهذه جميعها ستضيف خبرات إلى الواقع العراقي، لكن جوانب تأثيرها لا تزال أصعب على الحصر سلبا وإيجابا.