قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2018-5-13
رابحة سيف علام

خبيرة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية

 اكتسبت الانتخابات العراقية التي أجريت في الثاني عشر من مايو الجاري (2018) أهمية كبيرة، كونها الانتخابات الأولى بعد دحر الخطر الداعشي. لكن هذه الأهمية تزداد بشكل ملفت في المحافظات السنية (الأنبار، نينوى، صلاح الدين، وبعض أجزاء من ديالي) أي من المناطق التي شهدت تصاعدا ونفوذا لداعش ثم انحساره. ورغم تشكيك البعض في أهمية مشاركة السنة في هذه الانتخابات، باعتبارها تحصيل حاصل، في ظل هيمنة الشيعة على المعادلة السياسية بالعراق ككل، رأى البعض الآخر أن مشاركة السنة في هذه الانتخابات تحمل دلالات كثيرة، خاصة بالمقارنة مع دعوات المقاطعة التي كانت تشوب الانتخابات السابقة، بما يعكس يقين المكون السياسي السني بأنه لا بديل عن الانخراط الجاد في العمل السياسي للمطالبة بحقوق ذلك المكون المهم والتي أُهدرت مرتين؛ مرة بسبب الهيمنة السياسية للشيعة، ومرة أخرى بسبب صعود داعش وتداعيات الحرب على الإرهاب.

تحديات وإشكاليات المشاركة

كانت القوى السنية قد طالبت في وقت سابق بتأجيل الانتخابات التشريعية بسبب الحرب على الإرهاب، خاصة في المحافظات السنية، وما ترتب عليها من دمار كبير وانهيار للبنية التحتية حتى في المدن الرئيسية. فضلا عن تهجير أغلبة سكان هذه المناطق ونزوحهم إلى مناطق أخرى، وتعثر عودتهم بسبب الدمار الكبير الذي خلفته الحرب. لكن قرار المحكمة الاتحادية في يناير 2018 بضرورة عقد الانتخابات في موعدها، قطع الطريق على دعوات التأجيل، وعجل بانتظام القوى السياسية السنية في تحالفات انتخابية مع غيرها من القوى الأخرى.

ونلاحظ هنا أن التغيرات السياسية والتحديات الكبيرة التي مر بها العراق خلال السنوات الأخيرة، تركت آثارا جلية على المزاج السياسي للسنة خلال هذه الانتخابات؛ فحصيلة الاحتجاجات المدنية التي اجتاحت المناطق السنية منذ نهاية العام 2012 وامتدت بزخم كبير حتى منتصف العام 2013، واستدعت تعاملا أمنيا عنيفا مع الناشطين فيها من جانب حكومة بغداد -برئاسة نوري المالكي آنذاك- لاتزال ماثلة في الأذهان. فيما كان الإقصاء الذي مارسته الحكومة وإصدارها لأوامر القمع التي نفذتها القوى الأمنية غير المتوازنة طائفيا، سببا مباشرا في صعود الخطاب المتطرف الطائفي الذي مهد فيما بعد لتوسع نفوذ داعش. ثم شكلت تحالفات الحرب على الإارهاب محورا جديدا للتعاون بين قوى لم تكن على وفاق سابق، ولكن خطر داعش قد وحدها وأرغمها على التعاون البيني. ولعل التعاون العسكري بين بعض العشائر السنية وقوات الحشد الشعبي في إطار تحرير المناطق السنية من داعش يعد شاهدا على مثل هذه التحالفات الجديدة.

تحالفات المكون السني

من ثم، فقد تلاقى تشكيل التحالفات السياسية في المناطق السنية مع تداعيات هذه التغيرات المذكورة إلى حد بعيد. فمن جهة، حاولت بعض القوى، خاصة تحالف ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي -الشيعي الليبرالي- أن تستثمر يأس السنة من أي نتائج إيجابية من حكومات الأحزاب الإسلامية الشيعية، خاصة حزب الدعوة، ونسجت تحالفها على أساس مدني ليبرالي مع قوى سنية على أمل الإطاحة برئاسة حزب الدعوة للحكومة القادمة. وهو ما انعكس من خلال تحالف ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي مع حزب "ائتلاف العربية" لصالح المطلك، و"الحزب الإسلامي" بزعامة سليم الجبوري رئيس البرلمان.

من جهة ثانية، حاولت بعض القوى استثمار الزخم المصاحب للاحتجاجات الشعبية في المناطق السنية، والتي ظلت جذوتها قائمة تحت الرماد منذ إخمادها في صيف 2013. وهنا يبرز تحالف أسامة النجيفي، نائب الرئيس العراقي، مع رجل الأعمال السني خميس الخنجر الذي يُعد من أشد المتحمسين لمطالبة السنة بتكوين إقليم على غرار الإقليم الكردي. ويقوم هذا التحالف على ضرورة أن يطرح السنة أنفسهم كرقم مهم في المعادلة السياسية العراقية، وأن يستعيدوا دورهم بالاعتماد فقط على مواردهم، دون الحاجة للانخراط في تحالف مع أي قوى سياسية شيعية. فضلا عن رغبة هذا التحالف إطلاق إقليم في المحافظات السُنية، كشرط مهم لإدارة الموارد والتمويل الكبير الذي وُعد به العراق لإعادة إعمار المناطق السنية بعد الحرب على الإرهاب، وتخوفه الشديد من أن يتم استيعاب هذا التمويل ضمن شبكات الفساد القائمة في الحكومة التى يسيطر عليها التحالف الشيعي الحاكم، بما قد يؤدي إلى عدم وصول هذا التمويل للمحافظات السنية المستحقة له.

من جهة ثالثة، حاول رئيس الوزراء حيدر العبادي أن يستثمر نجاحه على رأس الحكومة في إدارة خطة دحر داعش من المناطق السنية، لبناء تحالف مع بعض القوى السنية المحلية بهدف بسط نفوذه داخل هذه المناطق. وقد راهن العبادي على تحالفه هذا مع القوى السنية المحلية لكي يتقدم على غريمه التقليدي داخل حزب الدعوة، نوري المالكي، الذي سُدت في وجهه أبواب المحافظات السنية، فانصرف عنها موقنا أنه لا شعبية له فيها مطلقا بعد إدارة حكومته الكارثية لملف الاحتجاجات عاميّ 2012 و2013. ومع ذلك، فإن العبادي اصطدم بحالة الإحباط الكبيرة التي نشأت عن تأخر تنفيذ وعوده بتسهيل عودة النازحين الي مناطقهم وصرف تعويضات لهم قبل عقد الانتخابات، والتي لم ينفذ منها شيء. مما أعطى زخما في الأوساط السُنية لدعايات التحالفين الأول والثاني، سابقيّ الذكر، بشأن ضرورة إنهاء هيمنة حزب الدعوة على رئاسة الحكومة خلال الفترة القادمة. 

فيما نشأت تحالفات من نوع جديد بين فصائل الحشد الشعبي -التي ترشحت في هذه الانتخابات، رغم تحذير السيد علي السيستاني من استغلال النفوذ العسكري لها في السياسة- وبين بعض الوجوه العشائرية السنية التي تعاونت معها خلال مرحلة الحرب على الإرهاب. وقد تزايد حظوظ هذا التحالف في الانتخابات ليس بحكم شعبيته السياسية، وإنما بحكم إمساكه بالسلاح على الأرض وقدرته على استخدام نفوذه العسكري لترهيب الأهالي أو الاستحواذ على بطاقاتهم الانتخابية عنوة وتحت تهديد السلاح.

وقد حذرت أطراف سياسية مختلفة خلال الفترة الماضية من مخاطر تزوير الانتخابات في المحافظات السنية، أولا بسبب غياب أهلها عنها، حيث يبلغ عدد النازحين من هذه المناطق حوالي 2.5 مليون عراقي. وثانيا بسبب مخاطر استغلال الفاسدين للفقر والعوز الذي يمر به النازحون من أجل شراء أصواتهم الانتخابية، ومصادرة حقهم في الاختيار الحر لنوابهم. إذ انتشر في الآونة الأخيرة سماسرة البطاقات الانتخابية التي يستحوذون عليها مقابل تقديم المال لأصحابها، ثم يقومون بإعادة بيعها للأحزاب والقوى السياسية بسعر أكبر. وثالثا بسبب تباطؤ إجراءات تحديث البيانات الانتخابية للنازحين وفق النظام البارومتري الجديد الذي يتم تطبيقه لأول مرة، مما عطل من دمج النازحين في إجراءات النظام الانتخابي الجديد. ورابعا بسبب الدعاوى المستمرة من عدة جهات، بالانصراف عن اعتماد الأسلوب الرقمي والعد والفرز الإلكتروني في المناطق السُنية، لتلافي مسألة ضعف إقبال النازحين على تحديث بياناتاهم الانتخابية، حيث تستهدف هذه الدعاوى اعتماد النظام اليدوي القديم في الفرز والعد في المناطق السنية، وهو ما يسهل من عمليات التزوير.

ضمانات محدودة

أعلنت مفوضية الانتخابات عن تواصلها وتنسيقها الكامل مع وزارة الهجرة والمهجرين من أجل ضمان مشاركة واسعة للنازحين من المحافظات السنية الأنبار ونينوى وصلاح الدين، فضلا عن النازحين من محافظة كركوك المتنازع عليها بين الحكومة وإقليم كردستان. وأعلنت المفوضية عن اعتماد أربعة آليات لضمان تصويت النازحين في هذه الانتخابات. تعتمد الآلية الأولى على تصويت النازحين داخل أماكن نزوحهم في إقليم كردستان، حيث بإمكانهم التصويت على مرشحي المحافظات الأربعة التي نزحوا منها – نينوى والأنبار وصلاح الدين وكركوك - سواء باستخدام بطاقاتهم الباروميترية الجديدة أو بطاقات الانتخاب الأقدم التي لا تحمل صورة شخصية، على أن يتم التحقق من شخصيتهم حال الانتخاب. الآلية الثانية، تقوم على تمكين النازحين المتواجدين في مخيمات النزوح، سواء كانت داخل المحافظات الأربعة المذكورة أو خارجها، من التوجه للمقار الانتخابية قرب مخيمات النزوح لأداء حقهم الانتخابي، ولكن بشترط تقديمهم لوثائق تثبت انتمائهم لهذه المحافظات مثل الهوية الشخصية أو جواز السفر أو البطاقة التموينية أو بطاقة الناخب القديمة. أما الآلية الثالثة فسيستفيد منها النازحون المقيمون ضمن نفس محافظاتهم، ولكن في مناطق أخرى خلاف مناطقهم الأصلية بسبب العمليات العسكرية، وهؤلاء يمكنهم الانتخاب بعد تقديم بطاقاتهم الانتخابية سواء الجديدة الباروميترية أو القديمة قصيرة الأجل. بينما الآلية الرابعة تخص النازحين الذين قاموا بالفعل خلال الأشهر الماضية بتحديث بياناتهم لدى مفوضية الانتخابات، وحصلوا على بطاقات الانتخاب الجديدة. إذ قُدرت المفوضية عددهم بحوالي 290 ألفا فقط.

هذه الظواهر تعكس بشكل صارخ أثر التعجل بإجراء الانتخابات في موعدها، دون مراعاة الظروف الصعبة للنازحين خارج مناطقهم، إذ لم يتمكن إلا 290 ألفا فقط من أصل ما يزيد عن مليونين، من توفيق أوضاعهم والاستعداد للانتخابات وإصدار البطاقات الباروميترية الجديدة. فيما تُرك أمر الغالبية الباقية إلى يوم الانتخاب ذاته، وتقدير المسئولين في المقار الانتخابية لصحة الوثائق التي قدمها الناخبون لإثبات شخصيتهم وانتمائهم للمحافظات الأربعة المذكورة. الأمر الذي انطوى على فرص حدوث فوضى كبيرة يوم الانتخابات، وفتح المجال واسعا أمام محاولات التزوير، أو حرمان ذوي الاستحقاق من الانتخاب في ظل فقدان الكثير منهم لوثائقهم الرسمية خلال النزوح.