قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2018-5-13
صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تكتسب الانتخابات العراقية، التي أجريت في 12 مايو الجاري (2018)، أهمية كبرى عن سابقتها من العمليات الانتخابية التي شهدتها العراق منذ عام 2005 وحتى الآن. يرجع ذلك كونها أول انتخابات برلمانية ومحلية تأتي في  مرحلة بالغة التحديات للدولة الوطنية في العراق؛ حيث تمكنت من القضاء على تنظيم الدولة "داعش"، فضلا عن مواجهتها التداعيات التي فرضتها تلك الحرب على حالة الأمن والاستقرار في العديد من المدن والمحافظات التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم، بخلاف حالة الدمار الشامل التي مُنيت بها تلك المحافظات، وما يستدعيه ذلك من عمليات لإعادة الإعمار التي تعتبر من أكبر التحديات التي ستواجهها الحكومة الجديدة بناء على نتائج هذه الانتخابات. كما تمكنت الدولة العراقية من تجاوز أزمة انفصال إقليم كردستان على وقع الاستفتاء الذي أجرته حكومة الإقليم في 25 سبتمبر 2017، بإفشالها مخطط الانفصال وإحباطها بذلك فكرة تقسيم الدولة العراقية إلى أقاليم على أسس عرقية أو طائفية.

تحدى إجراء الانتخابات العراقية في موعدها المحدد جاء بعد حالة من التجاذب والجدل بين القوى السياسية، عبر مفاوضات كانت شديدة الصعوبة، تجاوزت إشكالية تأجيل الانتخابات لمدة عام، وهي المدة التي طالبت بها بعض القوى السياسية وتحديدا القوى السنية، على خلفية عدم ملاءمة البيئة السياسية والاجتماعية، في العديد من المدن والمحافظات المحررة حديثا من سيطرة تنظيم الدولة، لإجراء الانتخابات بها نتيجة لنزوح العديد من سكان تلك المدن خارجها أثناء شن الحكومة حربها على داعش، وعدم تمكنهم من العودة، بما يفقد تلك القوى أصوات يُعتد بها من مؤيديها. وقد فتحت العملية الانتخابية المجال مجددا أمام حالة من التنافسات الحادة التي عبرت عن نفسها في عدد كبير من التحالفات الانتخابية، شملت 27 تحالفا، ضم حوالي 143 حزبا سياسيا تنافسوا على 328 مقعدا برلمانيا، وهي التحالفات التي شكلتها الأحزاب والقوى السياسية العراقية لخوض الانتخابات البرلمانية والمحلية.

ووفقا للمفوضية العليا للانتخابات بلغ عدد من لهم الحق في التصويت 24 مليون ناخب عراقي، في 18 دائرة انتخابية تمثل المحافظات العراقية، حيث تراوح عدد المقاعد البرلمانية المخصصة لكل محافظة بين 7 مقاعد إلى 34 مقعد وفقا لحجم السكان، بالإضافة إلى نسبة للأقليات (كوتا) تحددت بثمانية 8 مقاعد (5 مقاعد للأقلية المسيحية، مقعد واحد للأيزيدية، وآخر للشبك، وثالث للصابئة).     

أولا: فشل حكم الأحزاب الدينية

تنامت في العراق العديد من المطالبات بتشكيل أحزاب سياسية مدنية على خلفية الفشل الذريع الذي عكسته تجربة الأحزاب الشيعية الدينية التي توالت على حكم العراق منذ الانسحاب الأمريكي في 2011. وانعكست تلك المطالبات في العديد من الحركات الاحتجاجية المطالبة بالإصلاح، سواء احتجاجات السنة (2012– 2013) على خلفية سياسات الإقصاء والتهميش الاجتماعي والسياسي التي مارستها حكومتي المالكي خلال الفترة من 2006 وحتى 2014، أو احتجاجات المحافظات الشيعية (2015– 2016) التي طالبت حكومة العبادي بمحاربة الفساد السياسي، والإداري، ونقص الخدمات الأساسية، ومعاقبة المسئولين المقصرين في مواجهة تنظيم الدولة، والتى حظيت بتأييد المرجعية الدينية الشيعية في النجف، على السيستاني، وحظيت أيضا بتأييد عدد من القوى السياسية الشيعية كتيار مقتدى الصدر، والتيار الشيعي العلماني بزعامة إياد علاوي، وعدد آخر من التيارات الشيعية المدنية. هذه القيادات نفسها ترى ضرورة "فك الارتباط" بين القوى السياسية العراقية وبين الوصاية الإيرانية على عمل هذه القوى. أو على أقل تقدير الابتعاد عن فكرة التطابق في سياساتها الداخلية مع السياسات التي ترسمها طهران داخل العراق، والتى تنفذها القوى والأحزاب الشيعية الدينية بحذفيرها.

كما تنامت الدعوات من جانب عدد من القيادات الشيعية المؤثرة بتشكيل تكتلات وأحزاب سياسية جديدة تتأسس على فكرة المواطنة والهوية العراقية الواحدة العابرة للطائفية. وكان أبرز هذه القيادات القيادي الشيعي عمار الحكيم الذي كان يرأس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، حيث أعلن انشقاقه عن المجلس في 24 يوليو 2017،مكونا تيار الحكمة الوطني الذي عرفه بأنه تيار شامل لكل العراقيين عابر للطائفية، لا يقف على حدود التقسيمات الدينية، ولا الطائفية، ولا الاختلافات المذهبية.

هذه التغيرات في المشهد العراقي دفعت العديد من المحللين إلى القول بأن الصراع في العراق لم يعد صراعا دينيا وطائفيا، بقدر ما أصبح صراعا بين قوى وأحزاب الاعتدال ونظيرتها من قوى التطرف، التي حاولت إحكام السيطرة على المشهد السياسي في العراق خلال الفترة القادمة.

وبالرغم من تراجع التأييد الشعبى لحكم الأحزاب الدينية الحاكمة، إلا أن قدرة الأحزاب المدنية على مواجهتها تظل مرهونة بمدى جدية نهجها في تجاوز فكرة الطائفية الدينية، وبمدى قدرتها على معالجة التشظي والانقسام التي تعاني منها حول مضمون "المشروع" المدني العابر للطائفية. لاسيما في ضوء السيطرة التامة للأحزاب الشيعية الدينية على مؤسسات الدولة والإعلام التي تستخدمها في استمرار بقائها في السلطة. ففي حالة تخطي القوى المدنية لتلك العقبات سيكون بمقدورها ممارسة دور مؤثر في المشهد السياسي العراقي يمكنها على المدى الطويل من إحداث تغييرات في بنية البرلمان والحكومة مستقبلا. إلا أن ذلك يتطلب منها المزيد من الجهد والعمل عبر سنوات عديدة. فعلى سبيل المثال، وفى إطار الاستعدادات الانتخابية تنامت مكانة الأحزاب العلمانية كالحزب الشيوعي الذي ازداد زخمه السياسي بتحالف التيار الصدري معه، وتنامت كذلك مكانة "حزب الوفاق" الذي يتزعمة إياد علاوي. إلا أن حظوظ هذه القوى في إحداث تغيير قوي يهدد خريطة سيطرة الأحزاب الدينية على المشهد السياسي العراقي لا تزال محدودة، لكنها في الوقت ذاته تستطيع تحقيق قدر من النتائج الملموسة التي ستختلف عن نتائجها في أي انتخابات ماضية، وربما تزيد من حظوظ مشاركتها في البرلمان. لاسيما في حالة التحالفات التي تجريها بعض قيادات التيارات المحسوبة على القوى السياسية الدينية الداعية إلى برنامج إصلاحي يشمل كافة مؤسسات الدولة، بما يتجاوز المحاصصة الطائفية؛ كتيار الصدر وتيار الحكمة الوطني مع قوى سياسية مدنية وعلمانية.           

ثانيا: خريطة التحالفات الانتخابية

تعكس خريطة القوى السياسية العراقية في انتخابات عام 2018 عدة معطيات جديدة: أولها، يتعلق بظهور لاعب جديد لم يكن متواجدا على المشهد الحزبي العراقي في الانتخابات السابقة تمثل في "هيئة الحشد الشعبي" الشيعية، التي شارك قادتها في هذه الانتخابات عبر تحالفات انتخابية مع قوى شيعية أخرى سيرد تفصيلها لاحقا. ثانيها، يتعلق بوجود حالة غير مسبوقة من الانقسام بين القوى السياسية للمكونات الثلاث الشيعية والسنية والكردية. ثالثها، يتعلق بارتفاع وتيرة الجنوح إلى تغليب فكرة الانتماء الوطني على فكرة الانتماء الطائفي، التي كانت حاكمة للتحالفات الانتخابية والبرلمانية الناتجة عن الانتخابات السابقة، ما أعطى مؤشرات مهمة على تراجع أهمية الأحزاب التقليدية على ساحة العمل الحزبي، ورغبة بعض المنشقين عنها مواكبة حالة عدم الرضى الشعبي عن أداء تلك الأحزاب وحكوماتها على مدار السنوات الماضية.

لقد توزعت التحالفات السابقة على نمطين رئيسين. النمط الأول، هو التحالفات التي قامت على أسس دينية مذهبية، وشملت "التحالف الوطني الشيعي" الحاكم الذي ضم كافة الأحزاب الشيعية ذات التوجهات الدينية الإسلامية. وكان هدف التحالف هو الحفاظ على تمثيل هذه الأحزاب عبر الاحتفاظ بمنصب رئاسة الحكومة. الأمر ذاته بالنسبة للمكون السياسي السني، حيث تكتلت الأحزاب والقوى السياسية السنية في تحالف "ائتلاف القوى العراقية"، وكان هدف التحالف هو الحفاظ على تمثيل عبر الاحتفاظ بمنصب رئاسة البرلمان. النمط الثاني هو التحالفات التي تأسست على أسس قومية، وتمثلت في "تحالف القوى الكردستانية" الذي ضم الحزبين الديمقراطي والاتحادي إلى جانب حركة التغيير.

وقد شهدت تلك القوى المتحالفة، وفق الأنماط الثلاثة السابقة، عدة تغييرات مهمة. تمثلت في انشقاق عدد من قياداتها السياسية التي باتت ترى ضرورة في الخروج من عباءة العمل الحزبي بأبعاده الطائفية الدينية، إلى عمل حزبي عابر للطائفية، ويعتمد على الهوية الوطنية كمحور له. وفى هذا السياق قاطع رئيس التيار الصدري كافة اجتماعات التحالف الوطني الحاكم منذ عام 2016، كما قام بسحب كتلته البرلمانية (كتلة الأحرار) من العمل السياسي. هذا فضلا عن اتجاهه لتشكيل تكتل حزبي جديد، وهو حزب الاستقامة، الذي دخل في تحالف انتخابي مع الحزب الشيوعي العلماني تحت مسمى تحالف "سائرون نحو الإصلاح". كما انشق رئيس المجلس الإسلامي عمار الحكيم عن المجلس مكونا تيار الحكمة الوطني. وحتى الأحزاب الدينية شهدت أيضا انقسامات بين تياراتها كحزب الدعوة الذي دخل انتخابات 2018 بقائمتين منفصلتين؛ إحداهما ترأسها رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، والأخرى ترأسها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. الأمر نفسه بالنسبة للمكون السني، حيث ظهرت أحزاب جديدة نتيجة لانشقاق بعض القيادات السنية عن أحزابها، لاسيما انشقاق سليم الجبوري رئيس البرلمان، مكونا "حزب الإصلاح المدني". وقد طالت التغييرات أيضا الأحزاب التي اعتمدت على البعد القومي كالتحالفات الكردية، التي أعترتها عدة انشقاقات على خلفية فشل مشروع الاستقلال الذي تزعمه الحزب الديمقراطى، فضلا عن بروز تكوينات حزبية كردية جديدة.  

فى ضوء المعطيات السابقة، فقد شهدت هذه الانتخابات ظهور قائمة جديدة من التحالفات، يمكن رصد أهمها فيما يلي:

"تحالف النصر والإصلاح"، يرأسه رئيس الوزراء حيدر العبادي، ويضم عددا من القوى والشخصيات السياسية الشيعية منها كتلة "الفضيلة"، و"حركة مستقلون" وكتلة "عطاء" و"تيار الإصلاح". كما ضم عددا من الشخصيات السنية، أبرزها خالد العبيدي وزير الدفاع السابق، وكتلته "بيارق الخير"، إلى جانب كتلة "معاهدون" وكتلة "الوفاء".

تحالف "سائرون نحو الإصلاح"، ويتزعمه مقتدى الصدر رئيس حزب الاستقامة الوطني، الذي تحالف انتخابيا مع الحزب الشيوعي، إلى جانب مجموعة من الأحزاب المدنية وأبرزها "التجمع الجمهوري"، و"الدولة العادلة"، و"الشباب للتغيير".

تكتل دولة القانون، وتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وقد ضم الائتلاف قوى سياسية حزبية، منها "كتلة معا للقانون"، و"الحزب المدني"، و"التيار الثقافي الوطني"، و"دعاة الإسلام- تنظيم العراق"، و"تيار الوسط"، و"حركة البشائر الشبابية".

ائتلاف الفتح، وتزعمه رئيس منظمة بدر، إحدى فصائل الحشد الشعبي، هادي العمري. وضم التحالف التيارات السياسية للفصائل، والميليشيات المسلحة المنتمية لهيئة الحشد وأبرزها حركة "صادقون" و"الجهاد" و"البناء" و"عصائب أهل الحق". كما ضم الائتلاف قوى سياسية تقليدية كالمجلس الإسلامي الأعلى، وحركة الوفاء والتغيير.

"ائتلاف الحكمة الوطني"، وتزعمه رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، وهو ائتلاف منفرد ضم عددا من الشخصيات السياسية المعروفة بقدر من الاعتدال، والمؤيدة لفكرة الهوية الوطنية الجامعة. وكان من المفترض أن يكون هذا التيار جزءا من تحالف النصر والإصلاح بزعامة العبادي، لكن نتيجة لاختلاف الرؤى السياسية بين عمار الحكيم والعبادي لم يكتمل التحالف بينهما. البعض يرجع ذلك إلى رفض الحكيم لمطالب العبادي بفك تيار الحكمة ودخول التحالف بصفة منفردة.

"ائتلاف الوطنية"، تزعمه الشيعي الليبرالي إياد علاوي. وقد تحالف مع عدد من القوى السنية -باعتباره تحالفا عابر للطائفية- شملت "ائتلاف العربية" لصالح المطلك، وتيار "متحدون للإصلاح" لسليم الجبوري رئيس البرلمان.

"ائتلاف القرار العراقي"، ترأسه القيادي السني أسامة النجيفي، نائب رئيس الوزراء، وضم حركة المشروع العربي لخميس الخنجر، إلى جانب قيادات سنية أخرى.

تحالف الوطن، وضم تحالفات كردية منشقة عن حزب الاتحاد الكردستاني كحركة العدالة لبرهام صالح، إلى جانب حركة التغيير الكردية والجماعة الإسلامية الكردية، بالإضافة إلى الحزبين الكرديين الرئيسين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني.

ثالثا: دلالات التحالفات الانتخابية

التحالفات الانتخابية السابقة تشير إلى معطيات جديدة على المشهد الانتخابي العراقي خلال عام 2018. بعض هذه المعطيات تمثل ثوابت قائمة دون تغيير، والبعض الآخر يمثل متغيرات جديدة تعكس دلالات مهمة بالنسبة للعمل السياسى الحزبي في العراق. ويمكن رصد هذه المعطيات فيما يلي:

1- استمرار عملية التمايز الواضحة بين المكونات السياسية العراقية قائمة دون تغيير؛ فلا يزال هناك تكتلات سياسية شيعية خالصة وأخرى سنية وثالثة كردية. حتى وإن شهدت بعض تلك التحالفات الخالصة ارتباطات انتخابية مع قوى من مكونات سياسية مختلفة، إلا إنها تظل عملية محدودة للغاية وفي نطاق ضيق، وهو ما يشير إلى عدم حدوث تغيرات جذرية في المشهد الانتخابي العام عن سابقه. أما المعطيات الجديدة فتشير إلى حالة الانشقاقات والتفككات التي اعترت العديد من القوى والأحزاب السياسية بمكوناتها الثلاثة الشيعية والسنية والكردية بصورة لم تشهدها العمليات الانتخابية السابقة على مدار الفترة من 2005 وحتى 2014. ونتج عنها تشكيل قوى حزبية جديدة لديها الرغبة في المنافسة على المقاعد البرلمانية.

2- دخول المكون الشيعي السياسي الانتخابات عبر أربعة مكونات شيعية سياسية كبرى، بعض تلك الأحزاب شهدت انقسامات كحزب الدعوة الذي دخل الانتخابات عبر قائمتين منفصلتين إحداهما ترأسها رئيس الوزراء حيدر العبادي، والأخرى ترأسها نظيره السابق نوري المالكي. وينضوي تحت هاتين القائمتين العديد من التحالفات الانتخابية المختلفة. بعض الأحزاب الأخرى شهد انشقاقات حادة، كانشقاق القيادي الشيعي البارز عمار الحكيم عن المجلس الإسلامي الأعلى مكونا تيار الحكمة الوطني العابر للطائفية وخاض الانتخابات منفردا بعد فشل تحالفه مع قائمة العبادي (تحالف النصر). البعض الثالث شهد تغييرات في توجهاته من كونه حزبا دينيا خالصا إلى حزب يسعى لعقد تحالفات مع أحزاب مدنية وأخرى علمانية، ويمثله التيار الصدري الذي كون حزبا سياسيا جديدا أطلق عليه اسم "حزب الاستقامة"، متحالفا مع الحزب الشيوعي العراقي في إطار تحالف "سائرون" الإصلاحي متخطيا بذلك حاجز التقسيم الطائفي والأيديولجي في العراق.

3- استمرار حالة الانقسام والتشرذم بين المكونات السياسية القائمة للتيار السني، بل أخذ هذا الانقسام منحنى متزايد لاسيما في أعقاب انتهاء الحرب على تنظيم الدولة في المحافظات السنية كالأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالي، نتيجة لصراعها على قيادة وتمثيل تلك المحافظات؛ باعتبارها تمثل الوعاء الانتخابي الرئيسي للسنة. لهذا السبب طالبت العديد من القوى السنية بتأجيل الانتخابات حتى عودة النازحين إلى المناطق التي تم تحريرها من تنظيم الدولة. وقد تحالفت بعض هذه القوى مع شخصيات شيعية مدنية كتحالف سليم الجبوري رئيس البرلمان مع ائتلاف الوطنية للشيعي الليبرالي إياد علاوي (ائتلاف الوطنية).

4- يعاني المكون الكردي بصورة حادة من تداعيات فشل عملية الاستقلال عن جسد الدولة العراقية بعد إحباط حكومة العبادي لنتائج الاستفتاء الذي أُجرى في 25 سبتمبر 2017. وانعكست تلك التداعيات على القوى السياسية الحزبية الكردية التي كانت ممثلة عبر تكتل التحالف الكردستاني في البرلمان الحالي بحوالي 60 مقعدا؛ حيث تفكك التحالف بانسحاب العديد من القوى الكردية منه، فضلا عن انسحاب رئيس الحزب الديمقراطي مسعود برازاني من العمل السياسى والحزبي على وقع مسئوليته عن فشل مشروع الاستقلال. كما شهد حزب الاتحاد تطورات قيادية على إثر وفاة جلال طالباني. ناهيك عن حالة الخلافات الحادة بين تلك المكونات الكردية إلى جانب العديد من المشكلات الاقتصادية والأمنية التي يعاني منها الإقليم. وكلها عوامل ألقت بتبعاتها على الحظوظ الانتخابية للتحالفين الكرديين المشاركين في الانتخابات.

5- استمرار حالة الاستقطاب الطائفي قائمة، وإن كسرتها محاولات بعض قيادات القوى الشيعية والسنية بالانشقاق عن أحزابها مكونة تكتلات حزبية جديدة عابرة للطائفية، كما سبق الإشارة إليه. وهو أمر له انعكاساته المؤكدة على نمط التصويت وعلى نتائجه التي من المفترض أن يحظى فيها المكون الشيعي بتقدم ملموس.  

من العرض السابق للمشهد الانتخابي العراقي خلال عام 2018، يمكن القول إن ثمة جدل متصاعد حول طبيعة التحالفات الانتخابية القائمة؛ ما بين تحالفات لاتزال قابعة ضمن الأبعاد الطائفية، وتحالفات عابرة لها تحاول التأسيس لعمل حزبي يقوم على الهوية الوطنية الجامعة. ولا يقف التنافس الحزبي عند حد تشكيل تلك التحالفات لخوض غمار الانتخابات، بل ثمة مظهر آخر من مظاهر هذا التنافس من المتوقع أن يأخذ مجراه بعد انتهاء الانتخابات، ويتمثل في البحث عن تحالفات داخل البرلمان لتشكيل الحكومة. هذه العملية لن تكون سهلة؛ لارتباطها بجدلية تتجاوز الحديث عن الطائفية والوطنية إلى الحديث عن الأغلبية السياسية التي يروج لها ائتلاف دولة القانون برئاسة المالكي، والأغلبية التوافقية القائمة حاليا والتي أنتجت نظاما قائما على المحاصصة الطائفية والحزبية، بالإضافة إلى ما يروجه تحالف العبادي من مسمى الأغلبية الوطنية القائمة على تشكيل حكومة شراكة وطنية تضمن المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي. وسيظل السؤال المهم حول قدرة هذه الانتخابات على إنتاج حكومة قادرة مواجهة كافة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، أم سيظل التغيير مجرد تغيير في الوجوه والبرامج السياسية، دون حدوث تغيير فعلي في جوهر العملية السياسية القائمة؟!.