د. أماني الطويل

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبيرة فى الشئون الأفريقية

على الرغم من الاحتفالات الصاخبة التي أقامها الأرومو بعد فوز آبي أحمد برئاسة الائتلاف الحاكم EPRDFباعتباره أول رئيس للوزراء من قوميتهم، فإن المهام التي تنتظر الرجل ليست بالهينة أو السهلة سواء على المستوى العام للدولة أو على مستوى قومية الأورمو، ذلك أن التحديات التي تواجه أحمد متنوعة وتعبر السياسي إلى الاقتصادي، مرورا بالإقليمي، خصوصا على صعيد العلاقة بكل من مصر وإرتيريا.

لكن قبل الخوض في طبيعة التحديات لابد أن نعرف الرجل الذي فاز بأغلبية 108 أصوات من إجمالي 180 صوتا هي مجموع الأصوات للائتلاف الحاكم والمكون من أربعة أحزاب رئيسية.

وُلد أبي أحمد في منطقة أغارو عام 1976 من أب مسلم وأم مسيحية، بمدينة جيما بإقليم الأورومو، والتحق بالنضال المسلح ضد منجستو عام 1990 مع رفاقه في "الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو"، إحدى جبهات الائتلاف ضد حكم نظام منجستو هايلي ماريام العسكري (1974 - 1991)، حتى سقط حكم الأخير. وقد التحق آبي أحمد رسميا بالجيش الإثيوبي عام 1991، في وحدة المخابرات والاتصالات العسكرية، وتدرج بها حتى وصل إلى رتبة عقيد في عام 2007، حيث غادر مؤسسة المخابرات الإثيوبية عام 2010.

وبدأ أبي أحمد عمله السياسي التنظيمي عضوًا في "الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو"، وتدرج إلى أن أصبح عضوا في اللجنة المركزية للحزب، وعضوا في اللجنة التنفيذية للائتلاف الحاكم خلال الفترة (2010 – 2012). وقد حصل آبي أحمد على درجة الدكتوراه من بريطانيا في عام 2010 في موضوع "رأس المال الاجتماعي ودوره في حل النزاعات التقليدية في إثيوبيا".

 وقد تم انتخابه عضوًا بالبرلمان الإثيوبي عن دائرته (جيما) في عام 2010، والتي شهدت بضع مواجهات دينية بين المسلمين والمسيحيين، وتحول بعضها إلى عنف، وأسفرت عن خسائر في الأرواح والممتلكات. لكن آبي أحمد لعب دورًا محوريًا، بالتعاون مع العديد من المؤسسات الدينية، في إخماد الفتنة الناجمة عن تلك الأحداث وتحقيق مصالحة تاريخية في المنطقة.

وفي عام 2015 أُعيد انتخابه في مجلس نواب الشعب الإثيوبي (البرلمان)، كما انتخب عضوًا في اللجنة التنفيذية لـ"الجبهة الديمقراطية لشعب أورومو".

وفي الفترة من 2016 إلى 2017 تولى أبي أحمد وزارة العلوم والتكنولوجيا بالحكومة الفيدرالية، قبل أن يترك المنصب ويتولى منصب مسئول مكتب التنمية والتخطيط العمراني بإقليم أوروميا، ثم نائب رئيس إقليم أوروميا نهاية 2016، لينتقل إلى مقعد رئيس الائتلاف الحاكم والوزراء عام 2018.

على الصعيد العام يبرز التحدي الاقتصادي على خلفية ارتفاع معدلات التضخم، والنقص في النقد الأجنبي، فضلا عن زيادة أعباء الديون الخارجية، والتفاوت بين الادخار المحلي والاستثمار. كما يمثل اتساع ظاهرة الفساد وارتباطه بالنخبة الحاكمة معضلة لا يُستهان بها أمام آبي أحمد. وفي هذا السياق، يصبح من المطلوب منه الاهتمام بقطاع الزراعة وهو الحامل الأساسي للاقتصاد الإثيوبي، ودعم هذا القطاع بآليات التطور التكنولوجي المطلوب بشدة في ظل الطبيعة الصعبة للأراضي الإثيوبية. كما يصبح مطلوبا أيضا تدشين سياسات من شأنها دعم الصادرات الإثيوبية مع تحسين جودتها ورفع قدراتها التنافسية. على أن ذلك كله لا يغني عن ضرورة دعم السلع الأساسية للمواطن لمواجهة هذه المرحلة الحرجة التي يتضافر فيها العاملان الإثني والاقتصادي في الاحتجاجات الشعبية التي حافظت على وتيرة التصاعد على مدى أكثر من ثلاث سنوات.

وعلى الرغم من التحسن في مؤشرات الناتج المحلي والتطور الواضح في البنية التحتية، خاصة في العاصمة الإثيوبية، لكن تجاهل الائتلاف الحاكم "الجبهة الديمقراطية الثورية" على مدى 27 عاما لحقيقة أن النمو في الناتج المحلي الإجمالي لم ينتقل إلى الأغلبية الواسعة من الناس التي تكافح للتغلب على تكاليف المعيشة المرتفعة والتضخم المزمن، أسفر عن تصاعد احتجاجات واسعة منذ عام 2014، حيث دعم هذه الاحتجاجات نزوع الدولة نحو توسيع رقعة العاصمة أديس أبابا على حساب أراض الأورومو الزراعية فيما عُرف بالخطة العامة، مع سيطرة أقلية التيجراي، العضو القوي في ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، على المناصب الرئيسية للسلطة، سواء في الجيش أو الأجهزة الأمنية، لابد وأن تكون الشكوك عالية في محاولة حرمان  قومية الأورومو من أدوات وآليات نفوذهم الاقتصادي، خاصة أن أقلية التيجراي لم تبد اهتماما كبيرا لإشراك زعماء من مجموعات عرقية أخرى في الحكم وذلك رغم إجراء خمس انتخابات عامة. فقد ظل "حزب الجبهة الديمقراطية للشعب الإثيوبي" حاكما. وأدت نتائج الانتخابات العامة الأخيرة، التي أُجريت في 24 أيار/ مايو 2015، إلى سلسلة من الاحتجاجات التي أدت بدورها إلى تحول جذري في طبيعة وأنماط المعارضة السياسية في إثيوبيا. وذلك بعد فوز الجبهة الحاكمة بكل مقاعد البرلمان البالغ عددها 547 مقعدا. وطبقا لاتجاهات الرأي العام الإثيوبي، فإن التحدي السياسي الأساسي أمام رئيس الوزراء هو القدرة الواقعية على  التغيير الضروري لمنع الغضب العام  المستمر منذ ثلاث سنوات من  الوصول إلى مرحلة الغليان. وفي هذا السياق، يكون مطلوبا فتح الحوار مع المعارضة الذي وعد به آبي أحمد، خلال المائة يوم الأولي من جلوسه على مقعد رئيس الوزراء، وهو أمر لابد أن يتوازى مع ضمان شروط تمثيل سياسي عادل للمعارضة، والعمل على أن تكون الانتخابات البرلمانية القادمة نزيهة وشفافة، وذلك فضلا عن ضرورة الشروع في إصلاحات قانونية وسياسية حقيقية تضمن تمثيلا عادلا لكافة القوميات الإثيوبية في أجهزة ومفاصل الدولة، وهو أمر من المتوقع أن تقاومه أقلية التيجراي الحاكمة، إلا إذا استجابت للضغوط والمخاوف الغربية التي تعتبر أن سلامة الدولة الإثيوبية على المحك.

ويبدو أن إلغاء قانون مكافحة الإرهاب (2009)، أو على الأقل تعديله، بات في مقدمة المطالب الراهنة، والذي يُنظر إليه على نطاق واسع كأداة قانونية لخنق المعارضة وتبرير احتجاز نشطائها، فضلا عن سجن الإعلاميين وتجريم المجتمع المدني. وفي هذا السياق، فإن إلغاء قانون الطواريء المعمول به منذ أغسطس 2017 ينضم إلى المطالب أيضا.

على الصعيد الإقليمي، بدا آبي أحمد في كلمته أمام البرلمان عقب توليه السلطة منفتحا على خيار العلاقة السلمية مع إرتيريا، ولكنه لم يتطرق إلى آليات ذلك، خاصة أن العلاقات الإثيوبية- الإرتيرية تواجه معضلتي الخلافات الحدودية والتقدير الإثيوبي أن أرتيريا تدعم الاحتجاجات في إثيوبيا، فضلا عما تراه إثيوبيا أنه دعم لحركة الشباب في الصومال حتي تضمن إرتيريا تصعيد التحديات الخارجية أمام إثيوبيا.

أما على صعيد سد النهضة، فقد وصفه أحمد بأنه "الموحد للشعوب الإثيوبية".وقد حافظ بهذا الوصف على موقف إثيوبيا التقليدي من استخدام مسألة السد كأحد آليات الإندماج الوطني بين القوميات الإثيوبية ولو مؤقتا، وهو أمر يعني الاستمرار في المزايدة على مصر فيما يخص أمنها المائي. وقد بدا ذلك جليا من تحميل القاهرة مؤخرا مسئولية فشل مفاوضات الخرطوم المنعقدة مطلع أبريل، وذلك لمجرد مطالبتها بالحفاظ على مستوى التدفقات المائية عند حد معقول والتخزين على مدى طويل لبحيرة السد.

إجمالا، يبدو الوقت عنصرا حاسما على الصعيد الإثيوبي الداخلي، ذلك أن تفاؤل القطاعات الأوسع من قوميتي الأورمو والأمهرة يبدو محدودا والتوقعات بمقاومة النخب الحاكمة من التيجراي لرئيس الوزراء في خطته الإصلاحية تبدو أكثر من التوقعات بتغييرات لها مصداقية.