د. إيمان رجب

رئيس وحدة الدراسات العسكرية والأمنية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

مع استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا، تتزايد مناقشة مصير الإرهابيين الأجانب الذين سيخرجون من هناك إلى دولهم  أو إلى دولة ثالثة، حيث أصبحت هذه القضية تتصدر الدوائر السياسية والأكاديمية الغربية، ليس بهدف تشخيص أبعادها، وإنما بهدف تطوير سياسات محددة للتعامل معهم وتحييد تأثيرهم على الأمن القومي للدول التي سينتقلون إليها.

وتعد شمال سيناء من المناطق الجذابة لهذه العناصر، خاصة في ظل استمرار نشاط العناصر الإرهابية المنتمية لتنظيم "ولاية سيناء" هناك (أنصار بيت المقدس سابقا) والذي أعلن عن ولائه لتنظيم داعش منذ نوفمبر 2014، وكذلك في ظل مخططات تنظيم داعش التي تهدف إلى التخلي عن فكرة السيطرة على الأرض وتقوية أذرع إقليمية (خارج سوريا والعراق) موالية له شبيهة بتلك الخاصة بتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية وفي بلاد الرافدين.

1- الإرهابيون الأجانب في شمال سيناء

حتى فترات قريبة لم تتوافر معلومات رسمية عن عدد الإرهابيين الأجانب الموجودين في شمال سيناء، باستثناء بعض البيانات التي كان يتم الإعلان عنها من فترة لأخرى حول القبض على أو تصفية عناصر تحمل جوازات سفر أجنبية انضمت إلى "كتائب الفرقان" أو لأنصار بيت المقدس في الفترة السابقة على إعلان الأخير عن مبايعته لتنظيم داعش،حيث استغلت تلك العناصر حالة السيولة التي كانت موجودة في مصر في الفترة التالية على ثورة 2011 وعلى وصول الإخوان للسلطة في يونيو 2012.ومن ذلكبيان المتحدث العسكري في 8 أغسطس 2015 الذي كشف عن أنه كان من بين 250 عنصرا إرهابيا تم تصفيتهم في شمال سيناء من يحملون جوازات سفر تركية وفلسطينية وسورية. وأشارت تقديرات حينها إلى أن تنظيم "ولاية سيناء" كان يعتمد على أبناء شمال سيناء أكثر من اعتماده على الإرهابيين الأجانب.[1]

وخلال الفترة الحالية، يقدر عدد الإرهابيين الأجانب الذين خرجوا من سوريا والعراق حتى نهاية 2017 بحوالي 5400 إرهابي، واتجهوا للتمركز في منطقة الساحل والصحراء خاصة النيجر ومالي، وفي دول شمال إفريقيا خاصة في شمال سيناء التي تظل من المناطق ذات الجاذبية لهذه العناصر، فضلا عن جاذبيتها للإرهابيين في ليبيا، لا سيما مع تكرار محاولات اختراق الحدود المصرية الغربية مع ليبيا من قبل بعض هؤلاء الإرهابيين.

وتشير تقديرات مجموعة "صوفان جروب" The Soufan Group والتي اهتمت برصد تدفقات الإرهابيين الأجانب إلى سوريا والعراق وكذلك الموجة العكسية لخروجهم منها، إلى أن إجمالي عدد الإرهابيين الأجانب في شمال سيناء يتراوح بين 500 إلى 1000 عنصرا حتى نهاية 2017.

وفيما يتعلق بالمعلومات الرسمية  المتداولة عن هذه القضية، تكشف بيانات المتحدث العسكري عن سير العملية الشاملة "سيناء 2018" منذ انطلاقها في 9 فبراير 2018 عن أن التنظيم الإرهابي الرئيسي النشط في شمال سيناء لا يعتمد على عناصر مصرية فقط، وإنما يضم في صفوفه عناصر أجنبية، مثل البيان رقم 6 الذي أشار إلى القبض على "عدد 400 فرد من العناصر الإجرامية والمشتبه بهم، منهم جنسيات أجنبية، واتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم"، وبيان رقم 7 الذي أشار إلى "القبض على عدد 153 فرد من المطلوبين جنائيًا والمشتبه بهم منهم جنسيات أجنبية، واتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم".

ورغم أن هذه البيانات لا تتضمن تحديدًا لجنسية هذه العناصر، فإن تحليل الإصدارات المرئية التي يصدرها تنظيم "ولاية سيناء" مثل فيديو "ملة إبراهيم" الصادر في يناير 2018 تكشف عن وجود عناصر فلسطينية في صفوف التنظيم وتتولى مناصب قيادية فيه. كما أن بعض المعلومات التي كشفت عنها مؤسسات الدولة في الربع الأخير من 2017 تفيد بنجاح بعض الإرهابيين الليبيين في اختراق الحدود المصرية وتنفيذ عمليات داخل حدود الدولة. وتعد حالة عبدالرحيم المسماري الليبي الأصل مثالًا جيدًا على ذلك، حيث نجح في الدخول إلى مصر عبر الحدود مع ليبيا برفقة 14 عنصرا إرهابيا في أغسطس 2016 ، وتنقلوا في الظهير الصحراوي لمحافظات قنا وسوهاج وأسيوط ثم استقروا في منطقة الواحات في يناير 2017، ثم نفذوا عملية الواحات في أكتوبر 2017.

2- التأثير على الأمن القومي المصري

لا تعد الموجة الحالية للإرهابيين الأجانب المرتبطة بتنامي نفوذ تنظيم داعش في المنطقة هي الأولى التي تهدد الأمن القومي المصري، حيث كانت هناك موجات أخرى في فترات سابقة. وعلى سبيل المثال، خرج من مصر وعدد من الدول العربية الأخرى مقاتلون في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وانضموا إلى ما كان يسمى بحركة "المجاهدين" في أفغانستان. وفي التسعينيات انضم عدد ثان إلى "كتيبة المجاهدين" في البوسنة، وعدد آخر إلى "العرب المجاهدين" في الشيشان في منتصف التسعينيات. وكان لخروج الإرهابيين من تلك الدول باتجاه مصر ودول أخرى تأثيره على إحياء موجة ذات طبيعة خاصة من الإرهاب في تلك الدول.

وفي سياق الحديث عن تأثر مصر بالموجة الحالية لخروج الإرهابيين الأجانب من مناطق الصراع في سوريا والعراق وفي ليبيا، يشير استطلاع الرأي الذي صدر عن مركزI EMed الإسباني في ديسمبر 2017 بعنوان "حالة التطرف والتطرف العنيف في منطقة المتوسط" إلى أن 61% من العينة التي تم استطلاع رأيها توافق على أن الإرهابيين الأجانب العائدين  من مناطق الصراع هم التهديد الرئيسي لأمن الدول المطلة على المتوسط في فترة ما بعد هزيمة داعش، وترتفع النسبة عن هذا المتوسط في دول جنوب وشرق المتوسط (تعد مصر من دول جنوب المتوسط) حيث تصل إلى 68%. في حين تبلغ النسبة في دول الاتحاد الأوروبي 55%.  ويعد هذا الاستطلاع من أهم الاستطلاعات التي نفذت حول هذا الموضوع خلال المرحلة الحالية، وقدنفذ على 6500 خبير وصانع قرار في 43 دولة، 53% منها من دول الاتحاد الأوروبي و45% من دول جنوب وجنوب شرق المتوسط.

ويمكن القول إن سبب تزايد أهمية هذه القضية يرجع إلى أن نجاح السلطات الأمنية في اعتقال الإرهابيين الأجانب قبل تنفيذهم أي عمل إرهابي أو بعد تنفيذه ليست سهلة، وذلك رغم أهمية التدريب الذي تقدمه المراكز الأمنية الموجودة في كازابلانكا وفي مصر والخاص بكيفية اكتشاف وتحديد الإرهابي العائد profiling، حيث تظل هناك صعوبة تواجهها السلطات الأمنية في الموانيء البرية والجوية في تحديد من هم هؤلاء الإرهابيون الأجانب العائدون بسبب أن مسار عودتهم لايكون مباشرا من سوريا أو العراق إلى دولهم ولكن يتم المرور بدولة ثالثة أو رابعة. كما أنه لاتوجد صفات محددة أو نموذج مثالي من حيث الشكل والمظهر للعائد من مناطق الصراع.

3- سيناريوهات محتملة لمستقبل الإرهابيين الأجانب

في هذا السياق، يمكن تحديد مستقبل الإرهابيين الأجانب العائدين من مناطق الصراع في سيناريوهين محتملين هما:

السيناريو الأول، قيام الإرهابيين الأجانب بممارسة العنف بصورة أكثر تعقيدا،سواء من خلال انضمامهم لخلايا وحركات إرهابية موجودة فعلا، مثل "أنصار بيت المقدس" أو "ولاية سيناء" في شمال سيناء، أو من خلال تشكيلهم خلايا جديدة أو حركات جديدة، على نحوم ما قدمته خبرة نموذج عبد الرحيم المسماري السابق الإشارة إليها، حيث تشير إحدى الروايات إلى أنه كان جزءا من عملية تشكيل كيان يهدف لإقامة ما يسمى "الدولة الإسلامية في مصر"، من خلال "تنظيم أنصار الإسلام" الذي أعلن عن مسئوليته عن عملية الواحات.

السيناريو الثاني، الاندماج في المجتمع طوعًا والتخلي عن ممارسة الإرهاب، سواء نتيجة رغبة "مؤقتة" لدى هذه العناصر في الاندماج في المجتمعات التي ينتقلون إليها، أو نتيجة خضوعها لبرامج وطنية لإعادة التأهيل والدمج في المجتمع.

وتشير خبرات بعض الدول المجاورة التي لديها برامج وطنية لإعادة تأهيل ودمج الإرهابيين الذين يرغبون في التخلى عن ممارسة الإرهاب عن أن هذه البرامج لا تمنع هذه العناصر من ممارسة العنف في حال وجود محفز، وهناك العديد من الحالات في السعودية مثلا التي تخرجت من برنامج المناصحة الذي يعد برنامج إعادة التأهيل الرئيسي فيها، إلا أنها عادت ومارست العنف مرة أخرى مع تفجر الصراع في سوريا وفي اليمن[2].

وفي إطار هذين المسارين المحتملين، تظل هناك  قضايا تمثل أولوية عند التعامل مع الإرهابيين الأجانب والتي هناك حاجة لتطوير سياسات محددة للتعامل معها، وتتمثل هذه القضايا فيما يلي:

- التنسيق وتبادل المعلومات، بهدف تحييد تأثير الدول التي تلعب دورا مهما في تسهيل حركة الإرهابيين الأجانب، من خلال شبكات التهريب النشطة في داخلها والتي تسهل استخراج وثائق سفر مزورة تسهل بدورها حركة هذه العناصر.

- الأطر القانونية للتعامل مع الإرهابيين الأجانب، وكذلك مع الإرهابيين المصريين العائدين من مناطق الصراع، حيث تؤثر المسميات على الإجراءات القانونية التي يمكن اتخاذها ضد هذه العناصر. ويرتبط بذلك قضية أبناء العناصر الإرهابية العائدة، خاصة إذا كانت من الناحية القانونية تحمل جنسية الدولة المعنية.

- السياسات الخاصة بإيجاد بيئة غير حاضنة للإرهابي العائد. وفي هذا السياق، عادة ما يتم الحديث عن  إنشاء مراكز أو برامج لإعادة تأهيل هؤلاء الإرهابيين ودمجهم محليا بعد التأكد من خلال اختبارات متعددة من أنهم تخلوا عن ممارسة الإرهاب، وعادة ما تهتم هذه البرامج بالأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والدينية.

إن ما نحتاجه خلال المرحلة الحالية هو مزيد من المعلومات حول عدد الإرهابيين الأجانب الموجودين في مصر فعلًا، وكذلك اهتمام الجهات المعنية بعقد مناقشات جادة حول كيفية التعامل مع الإرهابيين العائدين وتقليص تأثيرهم على الأمن القومي المصري لأدنى مستوى له.


[1]Eman Ragab, "The Middle East & Foreign Fighters in Syria: Cases of Egypt and the GCC Countries", in: Kacper Rekawek(ed.), Not Only Syria? The Phenomenon of Foreign Fighters in a Comparative Perspective, NATO Science for Peace and Security Series - E: Human and Societal Dynamics, 2017.

[2] قمت بتحليل حوالي 17 حالة من السعودية>للمزيد حول هذه الحالات انظر:

Eman Ragab , "The Gulf Cooperation Council Countries and Countering ISIS: Threats, Policies, and Challenges", Contemporary Arab Affairs, Vol 9, Number 4, October 2016.