مع تصاعد الموجات الاحتجاجية داخل إيران المطالبة بتغيير جذري للأوضاع الاقتصادية، وحل مشكلة البطالة ومنح المواطنين المزيد من الحريات، والكف عن التدخل في الشئون الخارجية التي تستنزف الكثير من أموال الشعب الإيراني، فضلاً عن وضع الاتفاق النووي الذي لا يتناسب مع سقف الطموحات التي كان من المتوقع حدوثها بفضله، تأتي التطورات التي تشهدها الساحة السورية الآن والتي تهدد بإنذار دق طبول حرب محتملة بين إيران وإسرائيل تكون سوريا مسرحا لها، الأمر الذي ستكون له تداعياته الخطيرة على الدولة. من هنا تأتي أهمية العدد 202 من دورية "مختارات إيرانية".
جاءت افتتاحية العدد التي كتبها الأستاذ محمد عباس ناجي، رئيس التحرير، تحت عنوان "هل تستعد إيران لخيارات نووية أخرى؟"، حيث لم تعد إيران تعول كثيرًا على الاتفاق النووي. فرغم الجهود الحثيثة التي بذلتها حكومة روحاني من أجل الحصول على أكبر قدر من العوائد الاقتصادية التي كان من المتوقع أن توفرها هذه الصفقة، إلا أن إجمالي ما حصلت عليه إيران بالفعل لا يتناسب مع سقف الطموحات الذي تريده الحكومة من أجل تعزيز قدرتها على تمرير الاتفاق في الداخل.
أضف إلى ذلك السياسة التي تبنتها الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة ترامب ضد إيران والتي تختلف إلى حد كبير عن تلك التي اتبعتها الإدارة السابقة. إذ لم تعد الإدارة الجديدة تركز في تفاعلاتها مع إيران على ضمان التزامها بما تفرضه الصفقة النووية من قيود فحسب، بل بدأت في منح أولوية خاصة لدور إيران في المنطقة ونفوذها في دول الأزمات وبرنامجها الصاروخي ودعمها للتنظيمات الإرهابية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان.
وأشار محمد عباس إلى أن هذه السياسة الجديدة فرضت ضغوطًا قوية ليس على إيران فحسب وإنما أيضًا على الدول والشركات والمصارف التي كانت تسعى إلى استثمار الاتفاق من أجل إبرام صفقات مع إيران، لذا بدأت تلك الجهات، وعقب فرض تلك الضغوط على إيران بالتوازي مع تعرضها لعقوبات أمريكية جديدة، في إعادة صياغة سياستها من جديد، باتجاه إبداء قدر أكبر من التحفظ والتردد قبل الإقدام على خطوة الانخراط في تعاملات مالية واقتصادية داخل إيران، فضلاً عن استمرار تحفظات وانتقادات بعض المؤسسات الرئيسية النافذة في النظام تجاه الاتفاق وما يمكن أن تحصل عليه إيران بمقتضاه، وعلى رأسها مؤسسة المرشد الأعلى.
ورأى محمد عباس أنروحاني وتيار المعتدلين لم يعد لديهما بشكل عام، خيارات كثيرة، خاصة أن الأزمات التي فرضتها الاحتجاجات الداخلية لم توفر لهم هامشًا واسعًا من حرية الحركة من أجل التعامل معدوافعها واستيعاب رسائلها، لذا بدأت الحكومة في توجيه رسائل إلى الخارج بأنها لن تستطيع الاستمرار في الترويج للاتفاق النووي داخليًا وفي الوقت نفسه تتعرض الدولة لمزيد من الضغوط والعقوبات الأمريكية.
وفي باب "آفاق إيرانية" الذي جاء تحت عنوان "سوريا مصيدة إيران.. هل تقع الحرب المحظورة؟"، أوضح الدكتور محمد السعيد إدريس، مستشار المجلة ما يحدث الآن داخل سوريا من تطبيق لتطور حدث في مفاهيم كافة الأطراف من صيرورة الأزمة والحرب داخل سوريا، وبالذات عند الأمريكيين والإسرائيليين، وهو ما يفاقم من احتمالات وقوع الحرب التي حرص الجميع على تجنب الوقوع فيها، بعد أن أصبح واقع الحال يقول إن كل هؤلاء أضحوا على حافة التورط في مثل هذه الحرب.
وتساءل الدكتور إدريس هل ستتخذ إيران، خيار التصدي للإستراتيجية الأمريكية، وبذلك يمكن أن تكون إيران دخلت بإرادتها "المصيدة" التي يجري إعدادها أمريكيًا وإسرائيليًا كما يروج البعض، أم أن هذا القبول الإيراني بخيار المواجهة القوية للإستراتيجية أو للسياسة الأمريكية الجديدة في سوريا المدعومة إسرائيليًا يمكن أن يكون، على العكس "مصيدة" إيرانية لإسرائيل؟، ورأى أن إيران لن تبادر بحرب ضد إسرائيل أو ضد الأمريكيين في سوريا أو خارج سوريا، لكنها ستكون مضطرة للدخول في الحرب إذا فرضت عليها.
وضم باب "دراسات" ملف بعنوان "إيران وإسرائيل: مرحلة حافة الهاوية؟". يشير إلى أن التطورات التي طرأت مؤخرًا على الساحة السورية تعد محاولة لـ "جس النبض" أو استشراف ردود فعلالطرف الآخر، استباقا للاستحقاقات الإستراتيجية التي قد تشهدها المنطقة خلال الفترة القادمة، والتي لا يمكنفصل تداعياتها عن ما حدث ويحدث داخل سوريا. كما ضم أيضًا دراسة أعدتها الأستاذة، ميرفت زكريا بعنوان "هل يمكن لأوروبا أن تحفظ اتفاق إيران؟ لقد حان الوقت للعمل بالخطة (ب)"، ناقشت الخطة البديلة التي تعتزم أوروبا اتباعها للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، والتي تدور حول مجموعة من المحاور تتمثل في إحياء ما يعرف بأنظمة الحجب التي يمكن من خلالها تفادى أي عقوبات أمريكية يمكن أن تنتهك الاتفاق، والتفاوض علىشراكة طويلة الأجل في مجال الطاقة مع إيران، مما يجبر أوروبا على الحفاظ على الاتفاق، وأن تصبح إيران شريكًا فيبنك الاستثمار الأوروبي، مما يجعلها مؤهلة للحصول على قروض من الاتحاد الأوروبي من أجل تطوير البنية التحتية، حتى إنه يمكن لأوروبا أن تشجع اتحاد «أورينوكو» المعنى بتخصيب اليورانيوم داخلالاتحاد الأوروبي لبناء محطة نووية دولية لتخصيب اليورانيوم في إيران، وبالتالي تمكين المجتمع الدولي من الاستثمار فيتطور البرنامج النووي الإيراني حتى بعد انتهاء فترة خطة العمل المشتركة.
وفي باب "اتجاهات" تعرض المجلة دراسة بعنوان "جدل حول تأثير التحولات الاقتصادية على ثورة 1979"، فرغم حلول الذكرى التاسعة والثلاثين للثورة الإيرانية التي قام بها الخميني عام 1979 لم يتراجع الجدال والنقاش الداخلي حول تأثير الحراك الاجتماعي والاقتصادي في إيران على التحولاتالسياسية التي أطاحت بنظام الشاه وساهمت بالنهاية في تغيير أنماط التفاعلات في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
وتضمن باب "شئون داخلية" أربعة قضايا، الأولى بعنوان "أمل عقيم في خروج العسكريين من الاقتصاد"، فقد أثارت تصريحات وزير الدفاع أحمد حاتمي بشأن قرار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي إلى الأركان العامةللقوات المسلحة بمتابعة خروج المؤسسات العسكرية من الأنشطة الاقتصادية تفاؤل وأمل البعض بشأن خروج العسكريينمن المجال الاقتصادي، لكن مناقشة تصريحات وزير الدفاع تكشف عقم هذا الأمل على المدى القصير والمتوسط. وتناولت الثانية تحركات الإصلاحيين داخل إيران وتكتيك "سوريا فوبيا". وقدمت الثالثة مقارنة ما بين أوضاع إيران في عهدي الشاه والثورة. أما الرابعة فقد سلطت الضوء على ضرورة وجود حوار بين الأحزاب والتيارات السياسية داخل الدولة.
وناقشت "قضية العدد" المعادلات المهيمنة على البحر الأحمر، لأهمية هذه المنطقة والوجود الإقليمي وفوق الإقليمي بها،وذلك لكونها نقطة تلاق لثلاث قارات (آسيا وأوروبا وأفريقيا)، وواحد من المواقع الاستراتيجية المحورية بها.
فيما تضمن باب "تفاعلات إقليمية" ستة قضايا، الأولى حول موقع إيران في معركة غصن الزيتون، والثانية الحقائق التي اتضحت للأكراد السوريين أثناء عملية غصن الزيتون التركية، في حين قدمت الثالثة دراسة حول الأهداف الحقيقية التركية من عمليات عفرين، وتناولت الرابعة المخططات الأمريكية في دمشق ومشروع التسوية في سوريا، أما الخامسة فاستعرضت المهمات الضرورية لقوات الدفاع الوطني السورية خلال تلك المرحلة، والسادسة تتبعت تطور تحركات وأدوار الأقليات داخل سوريا.
أما باب "سياسات" فقد تضمن دراسة حول "كيف تفكر إيران في العلاقات مع العرب"، إذ لازالت إيران تسعى إلى دعم نفوذها في المنطقة، وهو ما يحظى بإجماع داخلي لا يتراجع زخمه حتى في ظل التباينات الواضحةبين الحكومة والحرس الثوري المسئول عن هذه المهمة، ومع ذلك فإنه بين الحين والآخر تظهر رؤى وأفكار داخلإيران حول كيفية المساهمة في تحديد اتجاهات العلاقات مع الدول العربية، خاصة دول الجوار.
واهتم باب "علاقات دولية" بعدة قضايا على غرار إصرار باريس الحالي بفرض قيود صاروخية على إيران، والدور الأمريكي في سوريا، ووضع الاتفاق النووي الإيراني فى المرحلة الراهنة.
وقدم الدكتور محمد نور الدين عبد المنعم في باب "الزاوية الثقافية" دراسة حول الفنون الإيرانية بعد الإسلام. وفي باب "تقارير" كتبت الأستاذة شروق صابر تقريرًا ناقش كيف تعاملت المرأة الإيرانية مع الاحتجاجات الأخيرة. واختتم العدد بباب "رؤى عربية" قدمت خلاله الأستاذة صافيناز محمد أحمد، الباحثة بوحدة الدراسات العربية والإقليمية بالمركز، دراسة حول احتمالات وكوابح التصعيد الإيراني- الإسرائيلي العسكري في سوريا.