د. أماني الطويل

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والخبيرة فى الشئون الأفريقية

يمثل تولي مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي لعام 2019 نقلة كيفية في علاقتها بالقارة الأفريقية من حيث الشكل والمضمون. من حيث الشكل، مصر هي الدولة الثانية في إقليم شمال أفريقيا التي تترأس الاتحاد بعد ليبيا التي تولت رئاسة الاتحاد لعام 2009. بطبيعة الحال، هذه الخطوة تعكس إلى حد كبير تنامي التأثير المصري على مستوى المنظمة القارية الأهم، وهي الأكثر تأثيرا في أفريقيا، خاصة بعد تفعيل الاهتمام المصري بالمنظمة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

في هذا السياق، سيكون مطلوبا من القاهرة ليس فقط المساهمة في تطوير الاتحاد على المستوى التنظيمي، وهو أمر مطروح حاليا على أجندة القمم الأفريقية، ولكن أيضا طرح مبادرات جديدة فيما يتعلق بتفعيل وزيادة وزن الاتحاد على المستويين القاري والدولي. وأحسب أن هذه المبادرات من المطلوب أن تكون على مستويين، الأول يتعلق بالقوة الصلبة، والآخر يرتبط بالآليات الناعمة والداعمة لوحدة القارة.

على المستوى الأول، لابد من تفعيل مبادرات مرتبطة بالقدرات العسكرية المستقلة للاتحاد الأفريقي، وكيفية تطويرها، فذلك سيكون عملا مصريا مفتاحيا لتطوير الاتحاد الذي يعجز كثيرا عن التدخل الفعال في الصراعات الأفريقية المسلحة، بما يشكل تهديدا لمؤسسة الدولة الوطنية الأفريقية، خاصة دول الساحل والصحراء وهي الدول التي يشكل الإرهاب فيها أحد أهم التحديات المطروحة أمامها. صحيح أن مصر تقدم حاليا برامج تدريبية عسكرية عامة وفرق خاصة لمحاربة الإرهاب لمعظم دول أفريقيا، لكن هذا المجهود المصري ليس كافيا بالنظر إلى طبيعة التحديات الماثلة. وربما يكون من المناسب في هذه المرحلة أيضا تفعيل لواء شمال القارة العسكري، الذي كان مقره ليبيا وتطوير الألوية العسكرية الثلاثة الباقية بالقارة، والتي تعاني من مشكلات هيكلية تتعلق بنظام العمل وآلياته قبل أن تتعلق بالقدرات العسكرية والتسليحية.

ولعل مثل هذه الأطروحات تتطلب نوعا من التنسيق مع كل من الجزائر والمغرب رغم مشكلات العلاقات الثنائية بينهما. وربما تكون فرص نجاح هذا التنسيق مرتبطة بالوجود الجزائري القوي في أجهزة الاتحاد الأفريقي، والنجاح المغربي الملفت في نسج علاقات متميزة مع أفريقيا على مدى العقد الأخير.

وفي هذا السياق، لابد من تحديد الموقف المصري من التحركات العسكرية الفرنسية في القارة والذي يجيء في إطار التحالفات ذات الطابع العسكري مع الحزام الفرنكوفوني الممتد من وسط القارة إلى غربها، وذلك في إطار يحافظ على المصالح الجامعة للقارة، خاصة في ظل متغيرات أفريقية يقودها شباب دول جنوب الصحراء، وتطرح أفكارا بشأن تحجيم تبعية القارة إلى دول الاستعمار التقليدي القديم.

على صعيد مسار التنمية، لابد أن تقود مصر مجهودا كبيرا لطرح مبادرات ذات طابع جديد للتعاون القاري على المستوى الاقتصادي والتجاري، خاصة أن أجندة الاتحاد الأفريقي وضعت خارطة طريق عامة (خطة 13- 2063)، واعتبرت أن أهم  آليات  التعاون الأفريقي البيني هي مجال البنية التحتية المشتركة، وهو ما يحتاج تمويلا لا يقل عن تريليون دولار طبقا لما صرحت به د. أماني أبو زيد، رئيسة مفوضية البنية التحتية في الاتحاد الأفريقي، أمام مؤتمر المجلس المصري للشئون الأفريقية الأخير. وربما يكون من المفيد في هذا السياق ربط مشروعات البنية التحتية المصرية، خاصة في غرب البلاد بخريطة البنية التحتية الأفريقية في مجال الطرق بما يسمح بالاندماج القاري، ويدعم التبادل التجاري. ولعل إحياء طريق "دارو- تمبكتو" يكون جائزا التفكير فيه الآن.

أما على صعيد مسار الآليات الناعمة، فإن التحرك المصري المنظم والسريع نحو دمج القارة الأفريقية ككيان واحد، لابد أن يتحول إلى اهتمام مصري أساسي في المرحلة القادمة، وذلك بديلا عن حالة التقسيم التي أسسها الغرب بين شمالها، ودول جنوب الصحراء الكبرى. ولعل الخطوة الأولى، في هذا السياق هي العمل على أن يكون المحتوى الكامل لموقع الاتحاد الأفريقي على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) باللغة العربية إلى جانب اللغات الأخرى، فذلك أحد أدوات الإدماج المطلوبة بين شعوب القارة وتكملة لطريق بدأته مصر عام 2000 في قمة لومي، حينما نجحت في إدخال تعديل على المادة الخامسة من وثيقة التأسيس تصبح بموجبه اللغة العربية إحدى لغات الاتحاد الأفريقي، لكن تطبيقها لازال يواجه مقاومة حتى اللحظة الراهنة، بتأثير واضح من الجهات الغربية الممولة للاتحاد، حيث يتم الاكتفاء باستعمال اللغة العربية على مستوى القمم الأفريقية فقط بينما يغيب استخدامها عن أجهزة الاتحاد وموقعه الرسمي. وإذا كانت مصر والجزائر من أكبر ممولي الاتحاد الأفريقي فإن دعما إضافيا موجها لهذه المسألة من شأنه أن يقود إلى زيادة وزن شمال أفريقيا في الاتحاد، ويؤسس لفتح قنوات اتصال بين شمال وجنوب القارة على المستويات غير الرسمية.

أخيرا، وليس آخرا، لابد من الاهتمام ببلورة خطاب مصري داخلي يضع أفريقيا في قلب عمليتي الإعلام والتعليم، بما يضمن زيادة إدراك المواطن المصري بمكون أساسي من هويته المصرية الجامعة. ولعل هذا المجهود الخارجي والداخلي إزاء أفريقيا يتطلب استحداث كيان مصري يضمن تنسيقا بين البيروقراطية المصرية ذاتها في العمل إزاء أفريقيا، ويطرح أدوات جديدة للعمل غير الرسمي، إلى جانب مجهودات الدبلوماسية المصرية الفعالة بالقارة.