يناقش العدد 40 من دورية الملف المصري، ديسمبر 2017، المصالحة الفلسطينية والدور المصري، حيث يتناول الدكتور طارق فهمي، رئيس وحدة الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، التحرك المصري من أجل تحريك المشهد الفلسطيني عبر المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس بناء على اتفاق القاهرة 2011، واستهداف مصر التوصل لإقامة منطقة عازلة على الحدود المشتركة لتأمين الحدود ومنع تسلل الإرهابيين إلى سيناء، إضافة إلى الرغبة في تهيئة الأوضاع السياسية والاستراتيجية الداخلية وعدم تغليب أطراف فلسطينية على الأخرى. وفي هذا الإطار، يرى الدكتور طارق أن القاهرة سوف تستمر في أداء دورها، وهي تدرك أن اللاعبين الإقليمين، خاصة قطر وتركيا وإيران، لن يتركوا الساحة الفلسطينية على ما هي عليه بل سيتم إعادة توزيع أدوارهم من خلال الواقع الجديد. ومن ثم، فإن على القاهرة أن تتخذ عدة مسارات مباشرة وغير مباشرة لتكثيف حضورها في الملف الفلسطيني وعدم الاكتفاء بالدور الأمني والاستراتيجي فقط.
ورصد الدكتور عبد العليم محمد، مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، مواقف القوى الإقليمية من المصالحة الفلسطينية، حيث يرى أن القضية الفلسطينية بحكم نشأتها ترتبط بالظروف الإقليمية وتأثير القوى الإقليمية عليها، وأن عملية المصالحة الأخيرة قد تعزز بعض أدوار هذه القوى وتقلص البعض الآخر. وباستعراض مواقف هذه القوى نجد أن الموقف الإسرائيلي يرفض التسوية ويقف أمام أي محاولات لتعزيز الموقف المناهض لقيام دولة فلسطينية، حيث سمحت حالة الانقسام باستنفاذ خيارات التفاوض، كما استثمرت إسرائيل الانقسام للقول بأنه لا وجود لشريك فلسطيني في عملية "السلام"، كما سمحت لإسرائيل بزيادة الاستيطان بطرق متسارعة. أما فيما يتعلق بالموقف الإيراني من المصالحة فلن يكون هذا الموقف متسرعًا أو متشنجًا، وإنما سيغلب عليه الطابع الدبلوماسي، فضلًا عن أن إيران تستخدم قاعدة التوازن في القوى بين الدول العربية وإسرائيل بحيث لا يمكن إحداث نقلة نوعية لدور الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية. وفيما يتعلق بالموقف التركي، فقد اختلف عن الموقف الإيراني، من حيث توافق الأول مع الدول العربية حول حل الدولتين، كما تتبنى تركيا موقف أكثر براجماتية من إيران تجاه التسوية حيث تحتفظ بعلاقات جيدة مع حماس والسلطة الفلسطينية وإسرائيل. كما تضطلع تركيا بدور كبير في تنفيذ مشاريع إعادة إعمار غزة دون اشتراطات سياسية على حركة حماس أو الأطراف الفلسطينية الأخرى.
فيما يحلل اللواء محمد إبراهيم، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، المتغيرات الإقليمية والدولية ومستقبل القضية الفلسطينية، حيث يرى أن هناك العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية التي أثرت بشكل مباشر على مسار ومستقبل القضية الفلسطينية، حيث لم تعد تمثل الأولوية الأولى في السياسات الإقليمية والدولية رغم الزخم الذي تشهده بين الحين والآخر، مما أثر على عملية التفاوض التي تعد السبيل الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالتفاوض الحالي أصبح معركة أكثر شراسة للحصول على دولة فلسطينية مستقلة على ما نسبته أقل من 22% من مساحة فلسطين التاريخية ولم يعد عامل الوقت أحد كروت القوة التي يمتلكها الطرف الفلسطيني، فما تقوم به إسرائيل على الأرض يعد بمثابة الواقع الوحيد الذي سوف يعترف به العالم وهو حتى الآن واقع ليس في الجانب الفلسطيني لاسيما وأن الكروت الفلسطينية قد تكون ناجحة فقط في تحقيق نتائج وإنجازات قانونية ومعنوية لصالح الفلسطينيين ليس أكثر من ذلك. أما الكارت الوحيد المؤثر الذي يمتلكه الجانب الفلسطيني ويعني به كارت المقاومة وتحديدًا المقاومة السلمية التى يمكن أن يقبلها المجتمع الدولي لشعب محتل يطالب بحريته واستقلاله فمن الواضح أنه يصعب استخدامه بالشكل الذي يحقق الأهداف العربية والفلسطينية لاعتبارات كثيرة.
كما يرصد اللواء أركان حرب وائل ربيع، مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية العليا،تحولات الموقف الإسرائيلي من القضية الفلسطينية، حيث يرى أنه لا يمكن رصد التحولات الداخلية في الموقف الإسرائيلي دون معرفة التغيرات الدولية والإقليمية، حيث أصبح حزب الله منشغلًا أكثر في سوريا، وأبعد الاتفاق النووي التهديدات الإيرانية رغم تواجدها بقوة في سوريا والعراق، وأصبحت حماس أكثر عزلة، وانحسار القلق عن تهديدات تنظيم داعش الإرهابي بعد الضربات التي تم توجيهها من قبل للتحالف الدولي، الأمر الذي مثل أفضل مناخ لإسرائيل يمكن استثماره من خلال تحسين علاقتها بتركيا وقطر حيث لم يعد مهمًا لدول المنطقة إذا ما كانت إسرائيل ترغب في السلام مع الفلسطينيين أم لا. والأبرز في تلك التحولات هو مجيء دونالد ترامب مع كثير من الوعود لإسرائيل سواء بنقل السفارة الأمريكية أو تشجيعه الاستيطان، الأمر الذي سينعكس على تجاهل إسرائيل للمطالب الفلسطينية ومواصلة خطواتها أحادية الجانب، في ظل استمرار تدهور العلاقات الأوروبية الإسرائيلية نتيجة تواصل الدعم الأوروبي للفلسطينيين. ومن ناحية التغيرات الداخلية فقد عكس تشكيل الحكومة الإسرائيلية من اليمين المتطرف ترسيخ مفهوم الدولة اليهودية مما جعل التعامل الإسرائيلي مع السلطة الفلسطينية كون الأخيرة موجودة لإدارة شئون الفلسطينيين وليست شريكًا في العملية السلمية.
وناقشت الأستاذة إيمان زهران، باحثة الدكتورة في العلاقات الدولية، تحولات الداخل الفلسطيني وتحديات الواقع حيث ترى أنه منذ فوز حركة حماس بالأغلبية في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، وتشكيلها الحكومة الفلسطينية، وانتهجت العلاقات بينها وبين حركة فتح نفقًا مظلمًا من الانقسام والمناكفات السياسية والصدامات الدامية بين الحركتين، أسفرت عن عزلة شبه تامة بين رام الله حيث سلطة حركة فتح، وغزة حيث تتمركز حركة حماس. كما أن كافة الجولات الداخلية والخارجية للمصالحة وإنهاء حالة الانقسام بين حركتي فتح وحماس باءت أغلبها بالفشل، بدءًا باتفاق مكة العام 2007، مرورًا باتفاق القاهرة العام 2011، واتفاق الشاطئ العام 2014، وصولًا لاختبار اتفاق القاهرة 2017 الرامي لتوحيد مؤسسات السلطة وتمكين حكومة الوفاق الوطني من حكم قطاع غزة.فعلى الرغم من ذلك إلا أن فرص نجاح اتفاق القاهرة 2017 كبيرة في ظل التقاء مصالح طرفي الانقسام مع اتفاق القاهرة الأخير للمصالحة، ليصبح التساؤل الحالي: هل سيوجه قادة الشعب الفلسطيني تحولاته النوعية نحو إعادة توحيد الصف، أم أن الأمر لا يخرج عن كونه مجرد مناورة برجماتية لتسوية ملفات شخصية بين فتح وحماس؟!.
فيما يحلل الأستاذ مصطفى كمال، الباحث المساعد بالمركز، التحولات في السياسة الأمريكية والأوروبية تجاه القضية الفلسطينية، حيث يرى أن السياسة الأمريكية تجاه قضية السلام والصراع العربي الإسرائيلي تتسم بالثبات النسبي في وجود تغيرات جوهرية في السياسات بل كان الاختلاف في درجة الانخراط حيث كان الهدف الأساسي للسياسة الأمريكية هو الحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي، ورغم الدعم المطلق لإسرائيل من جانب الولايات المتحدة إلا أن هناك بعض التباينات في بعض الملفات المتعلقة بعمليات الاستيطان وحل الدولتين ونقل السفارة الأمريكية. ومع تولي الرئيس ترامب يبدو أن نية لتحرك أكثر انخراطًا تجاه عملية السلام بما يعرف بصفقة القرن والأسس المبنية عليها وما يتبعها من سيناريوهات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. وفيما يتعلق بالسياسات الأوروبية تجاه القضية الفلسطينية فكانت أغلبها تتسم بالدور المكمل والمساعد للولايات المتحدة الأمريكية حيث اقتصرت على الدعم المالي في عمليات السلام وإعادة الإعمار، إلا أن بمجيء بعض القيادات الشابة لدى الدول الأوروبية قد حدث تحول في نهج هذه الدول تجاه القضية الفلسطينية ومن بينها فرنسا وقد ظهر هذا بإعلان الرئيس ماكرون أن الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية ستكون له نتائج عكسية.