هل الهزيمة العسكرية لـ»داعش» في العراق وليبيا وسوريا ومصر تعني نهاية التنظيم، ونهاية أيديولوجيته التكفيرية؟ جوهر الإجابة على هذا السؤال هو البحث في مستقبل «داعش» خلال المستقبل المنظور، وذلك من حيث احتمال اندثاره كتنظيم، أو قدرته على إعادة بناء صفوفه والتكيف مع المستجدات، فضلًا عن البحث في مستقبل الأيديولوجية التكفيرية التي يتبناها، والمناطق الجغرافية التي من المحتمل أن تكون معاقل وملاذات بديلة له بعد خسارة معاقله في ليبيا والعراق ومصر وسوريا، والمصادر الجديدة لتمويله بعد أن خسر المصادر التي جعلته لفترة من الزمن أغني تنظيم جهادي إرهابي في العالم، وطبيعة الوسائل التي يمكن أن يستخدمها في ممارسة أنشطته الإرهابية في ضوء الواقع الجديد، وحدود قدرته على استقطاب وتجنيد أعضاء جدد في ظل التضييق الشديد عليه.
ورغم كثرة الأدبيات التي تناولت تنظيم «داعش»، إلا أن مستقبل التنظيم لم يحظ بالاهتمام الكافي، خاصة في ضوء المستجدات والتطورات الراهنة. ومن هنا تأتي أهمية استشراف مستقبل التنظيم استنادًا إلى منهاجية علمية تتكامل فيها عناصر الممارسة البحثية من وصف وتحليل وتفسير واستشراف مستقبلي.
إن الهزيمة العسكرية لداعش لا تعني بحال من الأحوال نهاية التنظيم، ونهاية أيديولوجيته التكفيرية. فضرب الهياكل التنظيمية والقدرات العسكرية للتنظيم هو أمر بالغ التأثير في رسم ملامح مستقبله، إلا أن التحدي الحقيقي سوف يظل متمثلًا في الأيديولوجية التكفيرية التي يتبناها، والتي لها انتشارها على نطاق واسع من ناحية، وطبيعة التنظيم باعتباره أقرب ما يكون إلى شبكة جهادية إرهابية عابرة لحدود الدول، من ناحية أخرى. فخلال سنوات قليلة استطاع التنظيم استقطاب الآلاف من المراهقين والشباب من الجنسين وتجنيدهم. كما أصبح للتنظيم خلاياه النائمة ومؤيديه والمتعاطفين معه في عشرات من الدول. يُضاف إلى ذلك العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي شكلت بيئات ملائمة لظهور وتمدد التنظيم وغيره من التنظيمات الجهادية الإرهابية. استمرار هذه العوامل أو بعضها يعزز من فرضية استمرار «داعش». كما يعزز من فريضة ظهور تنظيمات جهادية إرهابية جديدة تتبني فكر «داعش» وتشكل استمرارية له.