د. أحمد قنديل

رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيحية

دخلت أسواق النفط العالمية مرحلة جديدة، في 30 نوفمبر الماضي (2017)، بعد أن أسفر اجتماع أعضاء "أوبك"، بقيادة المملكة العربية السعودية، وحلفائها من المنتجين المستقلين، بقيادة روسيا الاتحادية، والذي انعقد في فيينا، عن التوصل إلى اتفاق جديد لتمديد خفض إنتاج النفط الخام حتى نهاية العام 2018، من أجل لجم تخمة المعروض العالمي، والتي أضعفت أسعار النفط العالمية من أكثر من 115 دولارا للبرميل في يونيو 2014 إلى أقل من 28 دولارا في يناير 2016.

 

شكل رقم (1): تطور أسعار مزيج برنت خلال الفترة 2013- 2017


 

وقد جاء هذا الاتفاق المهم بعد مرور سنة على الاتفاق التاريخي بين أعضاء منظمة "أوبك" (14 دولة)، و11 منتجاً آخر من غير الأعضاء في منظمة أوبك، في نوفمبر 2016، والذي تضمن تقليص حجم الإنتاج بقيمة 1.8 مليون برميل يوميا، مقارنة بذروة الإنتاج في أكتوبر 2016، وهو الأمر الذي أسهم بقوة في ارتفاع سعر مزيج "برنت" القياسي بنسبة 37 في المائة، ليصل إلى أكثر من 63 دولاراً للبرميل في نوفمبر 2017، بعد أن كان قد وصل إلى حوالي 45 دولاراً فقط في نوفمبر 2016، فيما سجل سعر خام "تكساس الوسيط" مكاسب بأكثر من 28 في المائة، خلال الفترة ذاتها، ليصل إلى قرابة 58 دولاراً للبرميل.

ويرى كثير من المراقبين أن اتفاق أوبك الجديد مع شركائها يعكس التعاون والتفاهم الكبيرين بين كل من الرياض وموسكو، مشيرين إلى أن الدولتين تبدو عازمتين على التنسيق، في المدى المنظور، من أجل الوصول إلى "سعر عادل" للنفط، خاصة في ضوء الضغوط الداخلية التي يتعرض لها كل منهما، وتفرض عليهما الحصول على موارد مالية إضافية لدعم الاستقرار الأمني والاقتصادي. فروسيا مقبلة على الانتخابات الرئاسية في عام 2018، بينما تستعد السعودية للقيام بالعديد من الإصلاحات الاقتصادية، ومن بينها طرح نسبه من أسهم شركة أرامكو للاكتتاب العام. وفي ضوء ذلك، كان دعم الدولتين لتمديد اتفاق خفض الانتاج إلى نهاية عام 2018 أقوى مما كان متوقعا من جانب كثير من المراقبين، خاصة أن موسكو كانت تتخوف من أن يؤدي تمديد الاتفاق إلى استفادة شركات النفط الصخري الأمريكية. ومن أجل التغلب على هذه المخاوف، أكد خالد الفالح، وزير الطاقة السعودي، أن بلاده سوف تلتزم بإعادة التوازن إلى السوق، من خلال تعديل مستويات إنتاجها في ضوء تطورات الإنتاج والتصدير من النفط الصخري في الولايات المتحدة. كما شدد وزير الطاقة السعودي أيضا على أنه سيتولى الرئاسة المشتركة للجنة المراقبة التى تشرف على الاتفاق المذكور، مع نظيره الروسي ألكسندر نوفاك، مؤكدا أنه لن يسمح مع نوفاك، بأن تكون هناك أية أعذار لعدم قيام المشاركين فى الاتفاق (24 دولة) بالوفاء بحصصهم المتفق عليها.

وكان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قد قام، في بداية شهر أكتوبر 2017، بزيارة تاريخية إلى روسيا، هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين، الأمر الذي أسهم إلى حد كبير في التوصل إلى عدد من الاتفاقات والتفاهمات بشأن تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين الجانبين، وفي مقدمتها اتخاذ إجراءات مشتركة بهدف تحقيق استقرار أسواق النفط العالمية، وهو الأمر الذي يبدو أنه نجح في التغلب على الهواجس والشكوك التي تنتاب عدد من شركات النفط الروسية من تمديد اتفاق خفض الإنتاج إلى نهاية العام 2018. فقد اشتكت العديد من هذه الشركات من أن خفض صادراتها من النفط الخام، وفقا لهذا الاتفاق، سوف يضر بمبيعاتها وبالتالي أرباحها، كما أعرب عدد من المسئولين الروس أيضا عن قلقهم من أن الارتفاع المتواصل المتوقع في أسعار النفط يمكن أن يعزز قيمة العملة الروسية (الروبل) في مقابل الدولار الأمريكي، وبالتالي قد يؤثر سلبا على الصادرات الروسية إلى الخارج.

فرصة كبيرة للنجاح

يشير عدد من الخبراء إلى وجود فرصة كبيرة لنجاح اتفاق أوبك الجديد مع شركائها من أجل تمديد خفض الإنتاج حتى نهاية العام 2018. ويقول هؤلاء إن النطاق السعري المتوقع جراء تطبيق هذا الاتفاق بشكل دقيق، سوف يتراوح بين 50 و 60 دولارا للبرميل، وبالتالي سوف يكون مناسبا لكثير من الدول الرئيسية المشاركة في الاتفاق. فعلى سبيل المثال، سيكون هذا النطاق السعري كافيا لتحقيق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في الموازنة العامة لدول مثل العراق التى يناسبها أسعار لا تقل عن  56 دولارا للبرميل، وإيران التى يناسبها أسعار لا تقل عن 57 دولارا للبرميل، أما الجزائر فتحتاج إلى أسعار لا تقل عن  54.9 دولارا للبرميل، بالإضافة إلى الكويت وقطر التى تحتاج إلى أسعار فى متوسط تتراوح بين 50 -55 دولارا للبرميل، وكذلك روسيا التي تحتاج إلى أسعار لا تقل عن 60 دولارا للبرميل لضبط ميزانياتها، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي. أما المملكة العربية السعودية، وبحسب التقديرات ذاتها، فتحتاج إلى أسعار تفوق 70 دولارا للبرميل، فيما تحتاج  البحرين إلى 95 دولارا للبرميل، وليبيا إلى 78.1 دولار للبرميل.

 

شكل رقم (2): سعر برميل النفط الذي يحقق التوازن بين الإيرادات والمصروفات في موازنات عدد من الدول الرئيسية المصدرة للنفط في عام 2018


 

عقبات أمام نجاح الاتفاق

من ناحية أخرى، يشكك بعض المراقبين في إمكانية نجاح اتفاق أوبك الجديد في تحقيق الهدف المطلوب منه، مشيرين إلى أن هذا الاتفاق يفترض أن المشاركين فيه هم فقط اللاعبون الرئيسيون في سوق النفط العالمي، وهذا افتراض غير دقيق لأنه يتجاهل اعتبارين مهمين في ديناميكيات هذا السوق:

الاعتبار الأول، أن الطلب على النفط الخام يأتي من الأسواق الرئيسية الأسرع نموا في آسيا، خاصة في الصين والهند. فمن جهة، شهدت الصين، التي تعد أكبر مشترٍ للنفط الخام فى العالم، زيادة فى وارداتها من البترول الخام بنسبة 11.8 فى المائة فى الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي 2017، لتصل إلى حوالي 8.4 مليون برميل يوميا. ويمثل ذلك زيادة قدرها 800 ألف برميل يوميا، مقارنة بما كان عليه الحال في عام 2016، عندما بلغت واردات النفط الخام الصينية حوالي 7.6 مليون برميل يوميا، الأمر الذي يجعل الصين المساهم الرئيس في نمو الطلب العالمي على البترول الخام. وبافتراض أن الصين سوف تشهد نموا مماثلا في الطلب على واردات البترول الخام خلال عام 2018، فإن ذلك سيعني أن السوق العالمية للنفط سوف تشهد ضغطا شديدا، إذا التزامت دول أوبك وحلفاؤها باتفاق خفض الإنتاج. إلا أن الواقع الفعلي قد يشير إلى عدم إمكانية نمو الواردات الصينية من النفط الخام إلى هذا المستوى خلال العام 2018، في ضوء اعتماد هذا النمو على العديد من المتغيرات المهمة، مثل: طبيعة قرار صانعي القرار في بكين بشأن الاستمرار في زيادة احتياطياتهم الاستراتيجية من البترول الخام، وحصول المصافي الصينية، المستقلة عن الحكومة، على حصص أعلى لاستيراد النفط الخام، ووجود طلب أكبر على المنتجات البترولية الصينية المكررة في الخارج. وبالتالي، قد يمثل عدم وضوح مستقبل الطلب الصيني على البترول الخام في العام 2018 عقبة كبرى أمام تنفيذ الاتفاق المذكور، خاصة إذا ما تراجعت وتيرة نمو هذا الطلب.

من جهة أخرى، شهدت الهند، التي تعد ثالث أكبر مستورد للنفط فى العالم، نموا متواضعا خلال العام 2017 من حيث وارداتها من النفط الخام. فقد ارتفعت هذه الواردات بنسبة 1.2 فى المائة فقط، مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2016، ليصل إجمالي هذه الواردات إلى 4.34 مليون برميل يوميا فى الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي (2017). وفي ضوء ذلك، لم تتجاوز مساهمة الهند في زيادة الطلب العالمي على البترول الخام، حاجز 51 ألف برميل يوميا فقط، الأمر الذي أصاب كثير من المصدرين بخيبة أمل كبيرة هذا العام. ورغم وجود أسباب تدعو إلى التفاؤل بأن الاقتصاد الهندي سوف يشهد أداء أفضل خلال عام 2018، إلا أن كثير من المراقبين لا يتوقع أن يؤدي ذلك إلى حدوث زيادة كبيرة في الطلب الهندي على البترول الخام في العام 2018، الأمر الذي سوف يضع دول أوبك وحلفاءها في مأزق شديد على الأرجح، من حيث إمكانية التزامهم باتفاق خفض الإنتاج.

الاعتبار الثاني، يتعلق بديناميكيات أسواق النفط العالمية، والذي قد يشكل عقبة مهمة أيضا في تنفيذ اتفاق خفض الإنتاج بين دول أوبك وحلفائها فيتعلق بمقدار إنتاج النفط الصخري الأمريكي، في ضوء الارتفاع المتوقع لأسعار النفط خلال العام 2018، كما يتعلق أيضا بالتنافسية الكبيرة التي يتمتع بها النفط الأمريكي في آسيا. فقد ارتفع إنتاج النفط الخام الأمريكي إلى 9.48 مليون برميل يوميا فى سبتمبر 2017، بزيادة قدرها 290 ألف برميل يوميا عن أغسطس 2017 (وهي الزيادة الشهرية الأكبر خلال الأعوام الخمسة السابقة). كما تشير بعض التوقعات إلى إمكانية وصول الإنتاج الأمريكي من النفط الخام بنهاية العام الجاري 2017 إلى 9.9 مليون برميل يوميا، بفضل الزيادة في إنتاج النفط الصخري، وهو ما يجعلها تقترب كثيرا من مستويات إنتاج كل من المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية.

ويقول كثير من المراقبين إن المنتجين الأمريكيين لديهم فرصة أكبر لتصدير المزيد من النفط الخام إلى آسيا في الفترة القادمة، خاصة أن سعر الخام الأمريكي، والذي يتحدد وفقا لمؤشر غرب تكساس الوسيط ، لا يزال أقل من خام برنت بحوالي 5 أو 6 دولارا للبرميل، وهو فارق سعري كبير قد يكفي لجعل شحن النفط الخام الأمريكي عبر المحيط الهادئ منافسا بشدة للنفط القادم من دول أوبك وحلفائها. ولذلك لا يستبعد كثير من المحللين إمكانية أن تتزايد مبيعات النفط الخام الأمريكي في آسيا من حوالي 135 ألف برميل يوميا من الصادرات فى الأشهر العشرة الأولى من هذا العام إلى 242 الف برميل يوميا فى نوفمبر، و 379 ألف برميل يوميا فى ديسمبر.

على أية حال، يمكن القول إن الاتفاق الأخير في فيينا بين دول أوبك، بقيادة المملكة العربية السعودية، والمنتجين غير الأعضاء في أوبك، بقيادة روسيا، لتمديد اتفاق خفض الإنتاج إلى نهاية العام القادم هو دلالة على بروز نظام عالمي جديد لسوق النفط العالمي نتيجة التحسن الأخير في العلاقات بين روسيا والسعودية، ولاسيما الاقتصادية والأمنية.  ومع ذلك، ورغم قيام الدول المشاركة في الاتفاق المذكور بما عليها حتى الآن لكي يتم الوصول إلى سعر أعلى للنفط في السوق  العالمي للنفط خلال عام 2018 وما بعدها، إلا أن ذلك قد لا يعني بالضرورة أن هذه الدول تسيطر بقوة على ما كل ما  يجري في  هذا السوق، خاصة مع غموض مستقبل الطلب العالمي على النفط الخام، وتحديدا من جانب الصين والهند، فضلا عن الزيادة المتوقعة في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة في ضوء الارتفاع المستمر في أسعار النفط عالميا. وبالتالي، فإن على الدول المشاركة في الاتفاق الأخير الانتظار لترى ما إذا كانت الرياح سوف تأتي بما تشتهيه السفن.