قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2017-11-28
صافيناز محمد أحمد

خبيرة متخصصة فى الشئون السياسية العربية ورئيس تحرير دورية بدائل - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

في العشرين من نوفمبر الجاري (2017) قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة مفاجئة لروسيا لم يُعلن عنها مسبقا. الزيارة جاءت تلبية لدعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحملت العديد من الدلالات التي ترتبط بتطورات الصراع المسلح في سوريا، واقتراب الحرب على تنظيم الدولة من الانتهاء، وموقف الحليف الروسي الذي أدى تدخله العسكري في الصراع السوري لمساندة ودعم النظام السوري في مواجهة المعارضة المسلحة، إلى تعديل ميزان القوى العسكري الميداني لصالحه.

وقد التقى الرئيسان في منتجع سوتشي الذي يشهد حراكًا دبلوماسيا بشأن الأزمة السورية يعكس رغبة موسكو البدء في مسار سياسي جديد يستهدف البحث عن تسوية سلمية للصراع السوري، بعد أن أوشك المسار العسكري على الانتهاء بإعلان نجاح النظام والقوى الدولية والإقليمية الداعمة له في القضاء على تنظيم الدولة، بالإضافة إلى تحجيم المعارضة السورية المسلحة، وتكبيلها في سياقات الهدنات الناتجة عن تطبيق اتفاقات مناطق تخفيض التصعيد من ناحية، وتعديل استراتيجياتها من محاربة النظام إلى محاربة تنظيم الدولة والفصائل السورية المصنفة على قوائم الإرهاب الأممية، من ناحية ثانية.

وقد سبق الزيارة حالة من التوافق بين الرئيسين الأمريكي والروسي، بشأن ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية نهائية للصراع في إطار عملية جنيف، ووفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، بما يتضمن عملية جادة للإصلاح الدستوري، وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة. هذا التوافق تم خلال اجتماعات الرئيسين على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحط الهادي (أبيك) في الحادي عشر من نوفمبر 2017.

أهداف بوتين

أراد الرئيس الروسي في لقائه مع نظيره السوري التأكيد على أن الدور العسكري الذي لعبته روسيا باقتدار في سوريا قد قارب على الانتهاء، وأن ثمة استحقاقات روسية في سوريا يجب استثمارها سياسيا عبر البدء الفعلي في مسار عملية التسوية السياسية على الأمد الطويل، وأن موسكو، في سياق ذلك، تقدم مسودة لمبادرة سلام جديدة لتسوية الصراع السوري، هذه المبادرة تحتاج بشأنها "تفويضًا سياسيًا" من الرئيس السوري على غرار التفويض العسكري الذي منحه لها قبل عامين؛ وبمقتضاه تدخلت روسيا عسكريا في مسار الصراع بين النظام والمعارضة، ونجحت في انتشال النظام من السقوط.

كذلك أشار بوتين إلى أن الرؤية الروسية لعملية سياسية جديدة تبدأ في سوتشي قد تم التوافق بشأنها مع كل من إيران وتركيا، وبصدد بحثها مع الإدارة الأمريكية والقوى الإقليمية في الخليج ومصر والأردن والعراق، تمهيدا لإطلاق عملية حوار موسعة بين كافة الأطراف المعنية بالأزمة بهدف التوصل إلى حالة من التوافق الدولي بشأنها. واستهدف بوتين من اللقاء أيضا معرفة رأي وموقف الرئيس السوري من الرؤية الروسية للانتقال إلى العملية السياسية، ومناقشة المبادئ العامة لتنظيمها في ضوء التطورات التي أنتجها الواقع العسكري الميداني الجديد لصالح النظام. وقد وافق الأسد على الرؤية الروسية للبدء في مسار العملية السياسية؛ ما يعني أن بوتين حصل على "تفويض سياسي" من الأسد لبدء مرحلة جديدة من العملية السياسية تنتهي فيها مرحلة التفويض العسكري السابقة.

يضاف إلى ذلك هدف آخر يتعلق بالداخل الروسي نفسه المقبل على الانتخابات الرئاسية الجديدة، ورغبة بوتين في تسويق إنجازاته في محاربة الإرهاب، فضلا عن مكاسبه في إعادة النفوذ الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط مرة أخرى، تسويقًا انتخابيًا يعتد به.

دلالات الزيارة

الزيارة تحمل دلالة رمزية مهمة كونها جاءت استباقا لقمة ثلاثية تجمع الرئيس الروسي بوتين بنظيريه التركي رجب أردوغان، والإيراني حسن روحاني في سوتشي بعد يومين من لقائه الأسد، وهي قمة بحثت مسودة المبادئ العامة نفسها، التي وضعتها روسيا كإطار لمسار العملية السياسية المتوقع انطلاقها بدءا من جولة جنيف الثامنة في نهاية نوفمبر الجاري. هذا بالإضافة إلى أن أولوية لقاء بوتين للأسد – قبل القمة الثلاثية المذكورة، وقبل اجتماع الحوار الوطني السوري المزمع عقده في ديسمبر المقبل بالمنتجع نفسه، وقبل اجتماع المعارضة السورية في مؤتمر الرياض2 - تشير إلى الاعتراف بشرعية النظام السوري وانتصاره في الأزمة التي استمرت سبعة سنوات كاملة بما يكرس من دوره في مفاوضات التسوية القادمة من ناحية، ويكرس كذلك من دوره كشريك للمجتمع الدولي في محاربة الإرهاب، من ناحية ثانية.

ثمة دلالة ثانية تشير إليها مسألة حضور القادة العسكريين الروس لاجتماع بوتين والأسد وتأكيد الأول على أنه بفضل الجيش الروسي تم إنقاذ الدولة السورية من السقوط. فالبعض رأي أن زيارة الأسد لروسيا جاءت على سبيل "الاستدعاء" وليس على سبيل "الدعوة" احتجاجًا على استباق إيران وحزب الله اللبناني الإعلان عن الانتصار على الإرهاب في سوريا، دون أي ذكر للدور الروسي الفاعل في ذلك الانتصار. ولهذا قرر بوتين حضور قادة الجيش الروسي لقائه الثنائي مع الأسد للتأكيد على دور روسيا العسكري في حسم الصراع في سوريا لصالح النظام، وانتزاع شكر رسمي من الرئيس السوري للجيش الروسي ممثلا في القيادات التي حضرت اجتماع الرئيسين.

الدلالة الثالثة، تشير إلى أن مصالح روسيا العسكرية في سوريا باتت في حاجة إلى تطبيع أوضاعها السياسية، ويتسق ذلك مع الإعلان عن اتجاه روسيا إلى تقليص وجودها العسكري في سوريا، مع احتفاظها بتواجد عسكري في نطاقات يتم الاتفاق عليها مع النظام، إلى جانب قواعدها التقليدية في طرطوس وحميميم. ومن ثم، فإن البدء في مناقشة المبادئ العامة لعملية سياسية جديدة وفقا للرؤية الروسية، وبالتوافق مع إيران وتركيا، يعني اعتراف تلك الدول بمصالح روسيا في سوريا واعترافها كذلك بمصالح الآخرين فيها؛ هذه المصالح هي الأثمان التي سيدفعها النظام نتيجة لطلبه من روسيا قبل عامين التدخل لإنقاذ سلطته من السقوط.

الدلالة الرابعة، تتعلق بتوجيهات أملاها بوتين على الأسد بشأن ترتيبات روسيا لعقد مؤتمر للحوار الوطني السوري بسوتشي في ديسمبر المقبل، ومطالبته للأسد بضرورة التعاطي المرن والإيجابي مع تلك الترتيبات؛ بل و"إبلاغه" بضرورة التزام دمشق بالمبادئ الأساسية للحل السياسي التي تسعى لطرحها؛ لأن ذلك من شأنه أن يُمَكن روسيا من "إقناع" إيران، أو على أقل تقدير "التأثير" عليها باعتبارها ستمثل الطرف الأكثر صعوبة خلال المسار السياسي القادم.  

الدلالة الخامسة، تشير إلى استمرار تبعية النظام السوري لرؤى روسيا السياسية بعد أن كان تابعا لاستراتيجياتها العسكرية في الصراع؛ ويدلل على ذلك طلب الأسد من بوتين بأن تقوم روسيا بدورها في "ضمان عدم تدخل اللاعبين الخارجين في العملية السياسية القادمة"، على أن تنحصر أدوارهم - وفقا لتصريحات الأسد - في دعم المسار السياسي فقط الذي سيتولاه السوريون أنفسهم.

الدلالة الأخيرة، تتعلق بإشكاليات إدارة موسكو لتوازنات المرحلة القادمة من العملية السياسية، وتحديدا توازنات العلاقات مع شريكيها تركيا وإيران؛ فاللقاء مع الأسد وموافقته على مبادئ العملية السياسية الروسية يشير إلى أن الطرف السوري - ممثلا في النظام من ناحية والمعارضة من ناحية ثانية - يعد هو الطرف الأسهل بالنسبة لروسيا في معادلة التسوية. أما الأطراف الأكثر صعوبة فتتمثل في تركيا وإيران وكيفية إدارة التوازن في علاقات روسيا مع كلايهما خلال عملية التسوية السياسية. هذا فضلا عن غياب الدور الأمريكي واقتصاره على حالة التوافق مع روسيا التي أبداها الرئيس ترامب - خلال اجتماعه مع نظيره الروسي بوتين في فيتنام على هامش اجتماعات الأبيك- بشأن مبادئ العملية السياسية للتسوية في سوريا التي رسمت روسيا إطارها العام.

زيارة الأسد لروسيا وفقا للمعطيات السابقة منحت الرئيس الروسي بوتين تفويضا سياسيا، وموافقة علنية على خطواته المقبلة بشأن إدارة ملف المفاوضات السورية؛ وفقا لمبادئ تسوية توافقت بشأنها روسيا مع إيران وتركيا والولايات المتحدة. بينما منحت الرئيس السوري اعترافا بكونه أصبح جزءا من عملية التغيير السياسي دون أن يُحدد ذلك بسقف زمني. كما أنها عكست حراكا دبلوماسيا حقيقيا يتعلق بملف الأزمة السورية، تسعى من خلاله روسيا إلى وضع ملف الصراع السوري، بين النظام والمعارضة، على طاولة الترتيبات النهائية عبر بدء مسار لعملية سياسية تكون مفاوضات الجولة الثامنة من جنيف منطلقا لها. الأمر الذي يفرض واقعًا دبلوماسيًا جديدًا له أبعاده الدولية والإقليمية التي من شأنها التأثير بصورة كبيرة على مستقبل التسوية التي ستشهد أولى منطلقاتها الفعلية خلال المرحلة المقبلة.