قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات عربية وإقليمية 2017-11-28
د. أحمد قنديل

رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيحية

في 22 نوفمبر الماضي (2017)، التقى قادة روسيا وإيران وتركيا، وهي الدول الثلاث الأكثر تأثيرًا ونفوذًا في الأزمة السورية، بمدينة سوتشي، المنتجع الروسي الشهير على البحر الأسود، حيث كان من المنتظر أن تسفر هذه القمة عن نتائج مهمة من شأنها التأثير الحاسم على مستقبل سوريا، خاصة أن هذه القمة جاءت بعد يومين فقط من قمة أخرى جمعت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد، وبعد سلسلة متتالية من المحادثات الهاتفية التي قام بها الرئيس بوتين مع قادة مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والعراق وقطر، وهي الدول الأكثر تأثيرًا في مسار الملف السوري.

وقد أسفرت قمة سوتشي الثلاثية عن اتفاق الرئيس الروسي ونظيراه التركي، رجب طيب أردوغان، والإيراني، حسن روحاني، على العمل الوثيق من أجل تعزيز نظام وقف الأعمال القتالية في سوريا، والتطبيق المستدام لمناطق خفض التصعيد، ورفع الثقة بين أطراف الأزمة السورية، من خلال إطلاق حوار وطني شامل، بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. وفي هذا السياق، أكد الرئيس بوتين أيضا على أن الدول الثلاث كلفت وزارات خارجيتها ووزارات الدفاع والمؤسسات الأمنية "العمل على تحديد بنية وموعد هذا الحوار"، على أن يجري في سوتشي، بمشاركة جميع القوى والأحزاب السياسية والمعارضة الداخلية الخارجية والمكونات العرقية والدينية للمجتمع السوري. وقد أشار الرئيس الروسي إلى أن الهدف من الحوار السوري الوطني أن "يبحث السوريون المسائل الرئيسية على جدول الأعمال الوطني وبالدرجة الأولى المتصلة بوضع معايير البنية المستقبلية للدولة، واعتماد دستور جديد تجري على أساسه انتخابات برعاية دولية".

كما اتفق الرؤساء الثلاثة أيضا على أن العمليات القتالية ضد الإرهاب في سوريا قد انتهت عمليا، وأن درجة العنف في سوريا تراجعت إلى حد كبير، وذلك بفضل جهود دولهم من خلال رعاية عملية آستانة، التي أسهمت في الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا، وفي إقامة مناطق خفض التصعيد. وأكدوا في هذا السياق، توافقهم على التعاون حول المبادرة الروسية بعقد مؤتمر حوار وطني سوري شامل في مدينة سوتشي، كما حددوا معالم المرحلة المقبلة في مجالات إعادة الإعمار وإعادة تأهيل الاقتصاد السوري، وتقديم المساعدات الإنسانية للسوريين.

تطورات مهمة

جاءت قمة سوتشي الثلاثية الأخيرة بعد عدة تطورات شديدة الأهمية. التطور الأول، يتعلق بالتفاهمات التى تم التوصل إليها في اللقاء السريع والخاطف، الذى جمع بين الرئيس الروسي ونظيره الأمريكي ترامب في "دانانج" (بفيتنام) على هامش قمة "منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي" (أبيك) حول التسوية السياسية للأزمة السورية. وقد شملت هذه التفاهمات، التي عكسها البيان الرئاسي الصادر عن هذا اللقاء، إمكانية "تعديل الدستور" السوري، وإجراء "انتخابات حرة وعادلة تحت إشراف الأمم المتحدة"، واستبعاد أي أفق "لحل عسكري". والأهم هو الترحيب من جانب الرئيسين الرئيسي والأمريكي بمذكرة "التفاهم الثلاثية الأمريكية- الروسية –الأردنية" التي تم التوصل إليها في الأردن يوم (8/11/2017) بشأن "اتفاق تخفيض التوتر في الجنوب". التطور الثاني هو تفجر خلاف روسي- أمريكى قوى حول أحد أهم بنود اتفاق خفض التوتر في الجنوب، والمتعلق بمستقبل الوجود العسكرى الإيراني في جنوب سوريا. الغموض الوارد بهذا النص فجر ردود فعل إسرائيلية عنيفة و"موجة عاتية" من التهديدات الانفعالية لضرب أي وجود عسكري إيراني في سوريا على إثر تسريب معلومات مفادها قيام إيران بإنشاء قاعدة عسكرية ثابتة بالقرب من دمشق. وتمثل التطور الثالث في نجاح الجيش السوري، مدعوما بالقاذفات الإستراتيجية الروسية والقوى الحليفة، من استعادة السيطرة الكاملة على مدينة "البوكمال" الاستراتيجية من عصابات "داعش" الإرهابية، ما يعني تقريبا إنهاء وجود "داعش" فعليا في شمال سوريا، كما نجح الجيش السوري في تحقيق نجاحات مماثلة ضد "جبهة النصرة" في ريف حماة.

تقديرات متباينة

في ضوء هذه التطورات الثلاث التي سبقت القمة الثلاثية الأخيرة في سوتشي، اختلفت تقديرات المحللين والمعلقين حول مدى نجاح هذه القمة في وضع نهاية قريبة للحرب في سوريا. ففي حين ذهبت تقديرات إلى القول إن هذه القمة نجحت في إتاحة "بصيص أمل" لتحقيق الاستقرار في سوريا، حيث أولى القادة الثلاث اهتمامًا خاصًا بمستقبل سوريا السياسي، من خلال الاتفاق على عقد مؤتمر الحوار الوطني السوري. كما يبدو أن القمة قد تمكنت أيضًا، إلى حد كبير، في طمأنة طهران وأنقرة، بعد صدور البيان الرئاسي الأميركي- الروسي الذي لم يأت على ذكر دوريهما على الساحة السورية، ما كان يعني أن وجودهما هناك غير مرغوب فيه، وذلك عبر مناقشة الملف السوري معهما على الصعيدين الميداني والسياسي، واعتبار ذلك دليلا على الاعتراف بدورهما ومتانة التنسيق الثلاثي ورسوخه.

في المقابل، ذهبت تقديرات أخرى إلى أن القمة الثلاثية، وما أسفر عنها من نتائج لن تؤدي، على الأرجح، إلى تقليل فرص إنهاء الحرب وتحقيق التطبيع الشامل وطويل الأمد في سوريا، خاصة في ضوء الموقف الأمريكي الجديد، والذي عكسته إشارات عدة عبرت عن رغبة واشنطن في لعب دور الموازن على الساحة السورية، عبر حصر الحل بمسار جنيف للمفاوضات، والإعلان عن بقاء قواتها هناك حتى يتحقق السلام، واقتراح آلية للحل تبدأ بنزع السلاح منطقة فمنطقة حتى يسود الأمن والاستقرار، وفق إعلان وزير الدفاع الأمريكي. وبالإضافة إلى ذلك، يستبعد كثير من الخبراء إمكانية توقف الحرب في سوريا قبل نهاية العام الحالي (2017)، مشيرين إلى عدد من التحديات والعوائق المهمة.

التحدي الأول، هوالصعوبة الشديدة في تحديد قائمة المدعوين إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري. ويظهر ذلك بوضوح، على سبيل المثال، في الموقف التركي من أكراد سوريا. ففي إشارة إلى "قوات سوريا الديمقراطية"، قال الرئيس التركي: "لا ينبغي لأحد أن ينتظر منا الجلوس تحت سقف واحد مع تنظيم إرهابي يستهدف أمننا القومي".

التحدي الثاني، يتعلق بصعوبة توقع إمكانية قيام واشنطن بتمرير تسوية في سوريا لم تشارك فيها، خاصة أن هذه التسوية تبدو في صالح تعزيز الوجود الإيراني في سوريا بشكل كبير.

التحدي الثالث، يتمثل في غموض مصير الرئيس السوري بشار الأسد؛ فأيّا من القادة الذين شاركوا في قمة سوتشي الأخيرة لم يتطرق إلى مسألة ما إذا كان بشار الأسد سيبقى رئيسا لسوريا، بينما يؤكد كثير من الخبراء أن نجاحات جيش الأسد، بدعم من الحلفاء، تكفل له عمليا الحفاظ على السلطة، وتمكّنه من المشاركة في الانتخابات القادمة، وبالتالي يذهب هؤلاء إلى القول إن رحيل الأسد الآن أصبح أكثر بعدا من أي وقت مضى، بعد أن أصبح الطرف المنتصر في الحرب عمليا. وبالإضافة إلى ذلك، هناك دلائل على أن واشنطن التي طالما لعبت دور المحامي عن المعارضة السورية، لم تعد تطرح مسألة تنحي الرئيس السوري في وقت قريب.

وبصرف النظر عن هذا الجدل، تظل هناك حقيقة مهمة أن الانتصار في تحقيق السلام سيكون أصعب بكثير من الانتصار في الحرب؛ فالوعي لدى القوى الإقليمية بأننا وصلنا إلى المرحلة الأخيرة من الأزمة السورية سوف يؤدي إلى محاولة هذه القوى فرض مصالحها أيضا، وبالتالي قد يزداد خطر التصعيد الجديد للعنف في الأيام القادمة. النظام السوري سبق وأن أعلن، على سبيل المثال، أنه ينوي السيطرة مجددا على الرقة ومحافظة إدلب. يضاف إلى ذلك خطر التصعيد الإقليمي، لاسيما أن تركيا ستحاول تفادي إنشاء منطقة حكم ذاتي كردية في شمال سوريا. وحتى إسرائيل ستحاول فرض مصالحها، لاسيما تفادي وجود مواقع إيرانية وميليشيات تقودها إيران ـ حزب الله مثلا ـ في المنطقة الحدودية مع إسرائيل. ومما قد يزيد من صعوبة الأوضاع أن روسيا تبدو، وهي تبحث الوضع على الساحة السورية مع شريكيها، أن عينها على واشنطن، حيث الهدف الاستراتيجي لموسكو إقناع واشنطن بالقبول بروسيا دولة عظمى شريكة في إدارة الملفات الإقليمية والدولية، وهو ما يدفعها إلى التعاطي مع شريكتيها بذرائعية وانتهازية فجة، تستخدمهما في ساحة المساومة مع واشنطن وتعمل على تحجيم دوريهما وتقليص حصتيهما من الكعكة السورية، إن لم يكن إخراجهما خاليي اليدين منها. ويتضح ذلك في اتفاق موسكو مع واشنطن على إبعاد القوات الأجنبية، الإيرانية تحديداً، عن جنوب غربي سورية، وفي إصرار موسكو على دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، في الثاني من ديسمبر 2017 وفق وكالة سبوتنيك، وهي تعلم أنها خطوة مرفوضة تركيا.