محمد جمعة

باحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تشير الملابسات المحيطة بالهجوم الإرهابي الذي وقع ظهر الجمعة (24 نوفمبر 2017) في أحد مساجد قرية الروضة التابعة لمركز بئر العبد في شمال سيناء، إلى أن إحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر في الأرواح كان أحد أهم أهداف هذه العملية (وأحد مفاتيح تفسيره أيضًا) بغية الحصول على أكبر قدر ممكن من الدعاية التي احتاجها- فيما يبدو- تنظيم "ولاية سيناء" المرجح وقوفه وراء هذا الحادث الدموي بامتياز.

من حيث الإعداد والتخطيط لهذه العملية، لا يوجد ما يلفت الانتباه إلى أنه قد جرى تنسيق أو إعداد معقد وذو مستوى عالٍ لضمان نجاح العملية... فالهدف في النهاية يُعد من الأهداف السهلة التي في متناول اليد، ولا يتطلب أي جهد معتبر من التخطيط تقريبا، بالنظر إلى أن المساجد غير مؤمنة بطبيعة الحال... إذ لم يسبق من قبل أن استُهدفت مساجد في أي هجوم إرهابي حدث في مصر.

وإن كان هناك ما يلفت الانتباه بشأن اختيار موعد تنفيذ العملية، كونها جاءت قبل إسبوع واحد من المولد النبي الشريف، الذي عادة تحتفل به "الطرق الصوفية" بطريقتها الخاصة، كون قرية الروضة هي أحد معاقل الصوفية في سيناء، والمسجد المستهدف هو مسجد آل جرير إحدى عشائر قبيلة السواركة،والتي ينتمي إليهاالشيخ عيد أبو جرير، المؤسس الأول للصوفية في سيناء.

من هذه الناحية ربما يتعين الالتفات إلى أن تنظيم "ولاية سيناء" قد غير تكتيكه الخاص باختيار ساعة الصفر لعملياته المتوقعة في مثل هذه المناسبة، حيث اختار التنظيم، في العام الماضي، يوم الاحتفال نفسه بميلاد الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- لكي يكون هو موعد تنفيذ هجومه الإرهابي على الكنيسة البطرسية بالقاهرة، لكن هذا العام اختار التنظيم أن يضرب ضربته قبل الموعد بأسبوع كامل.

بخلاف ذلك لا يوجد ما يلفت الانتباه بشأن تكتيكات العملية سوى الإصرار(كما سبق الإشارة) على الإيقاع بأكبر عدد من الضحايا في هذا الحادث، بدليل أن من شارك في هذه العملية نحو 15- 20 عنصرًا مسلحًا (بحسب المعلومات التي أفاد بها بعض شهود العيان) الذين لم يكتفوا باقتحام المسجد فقط، وإنما أحاطوا به من الخارج، من أجل النيل من كل المصلين الذين حاولوا الفرار من موت محقق داخل المسجد، كي لا ينجو أحد تقريبًا.

هنا بالذات، تشير أعداد الضحايا إلى أن حادث مسجد الروضة هو الهجوم الإرهابي الأكثر دموية في التاريخ المصري، متجاوزًا حادث التفجير الإرهابي للطائرة الروسية رقم  9268 التي تحطمت بعد مغادرتها مطار شرم الشيخ الدولي في 31 أكتوبر 2015، ليُقتل 224 كانوا على متنها. ومتجاوزًا كذلك حادث الأقصر الشهير في نوفمبر عام 1997 والذي راح ضحيته 58 سائحًا، وكان له أثر سلبي كبيرًا على السياحة في مصر.

أما على المستوى الدولي، فالحادث هو ثاني أكبر هجوم إرهابي، من حيث عدد الضحايا، على مستوى العالم خلال ما انقضى حتى الآن من عام 2017. ويسبقه فقط التفجير الانتحاري الذي قامت به حركة الشباب، في أكتوبر الماضي (2017)، في مقديشيو بالصومال، والذي أودى بحياة أكثر من 358 قتيل. في حين يأتي في مرتبة تالية له ذلك الهجوم الذي وقع في مايو الماضي في كابول بأفغانستان وأودى بحياة 150 شخص.

وفي السياق ذاته، ربما يتماثل حادث بئر العبد (من عدة وجوه) مع هجمات إرهابية ضخمة أخرى، مثل: الهجمات على شارع الكراده في بغداد العام الماضي (2016)، والهجوم الذي قامت به حركة الشباب في أبريل عام 2015 على جامعة غاريسا الكينية، وهجمات باريس في نوفمبر2015، وأيضا هجمات كينيا عام 2013، ومومباي عام 2009.

وبعيدًا عن هذه الملاحظات العامة، فإن قراءة لعملية بئر العبد تشير إلى أربع ملاحظات أولية مهمة:

الملاحظة الأولى، أنه مع وقوع هذا العدد الكبير من الضحايا، وحجم الدموية التي اتسمت بها العملية، ومع هزيمة داعش في العراق وسوريا، فقد يتحول الانتباه إلى المعركة التي تواجهها مصر الآن ضد الإرهاب. بعبارة أخرى، فإن الهجوم بهذه الوحشية على مسجد آل جرير في بئر العبد، وبالنظر إلى هزيمة داعش في العراق وسوريا، ربما يعكس محاولة من جانب فرع داعش في سيناء كي يضع نفسه على خريطة العالم، من أجل استقطاب الدعم المالي، وكذلك البشري من قبل أولئك الذين فروا من العراق وسوريا. إذن دموية الحادث هي أحد أهم مفاتيح فهمه وإدراك المعاني المرتبطه به، في سياق محاولة التعرف على التغير الحادث في خريطة الفواعل الإرهابية على الأرض، ودوافعها، ومن ثم مستوى التحدي الذي يواجه الدولة المصرية في هذه الآونه.

وربما تتأكد هنا أيضا حاجة التنظيم الموالي لداعش في سيناء، إلى تلك العمليات التي يمكن أن تمده بأكبر قدر من الزخم والدعاية، في ضوء زيادة التحدي الأيديولوجي الذي يجابه التنظيم، نتيجة الصعود الملحوظ – مؤخرًا - لتنظيمات تابعة للقاعدة في الساحة المصرية.

ففي الثالث من نوفمبر 2017، زعمت جماعة لم تكن معروفة من قبل، وهي جماعة "أنصار الإسلام"، مسئوليتها عن الهجوم الذي وقع في العشرين من أكتوبر في الواحات البحرية غرب مصر. وذكرت الجماعة أن هذا الهجوم (والذي وصفته بالتفاصيل) يمثل بداية "جهادها" ضد الحكومة في مصر. ووجهت تلك الجماعة الإرهابية الموالية للقاعدة، نداءً إلى الشعب المصري، لتطلب من المصريين إمدادها بكافة أشكال الدعم المادي والبشري.

ويأتي إعلان الجماعة عن نفسها وسط تراجع داعش وخسائرها المتلاحقة لأراضيها، كي تطرح نفسها كبديل جذاب لمقاتلي داعش الفارين من سوريا والعراق. أيضا، على الأرجح فإن بيان الجماعة يمنح دفعة قوية للمنافسة بين التنظيمات الإرهابية النشطة في مصر، على القوة البشرية، والوجاهة، والشرعية بين عناصر معسكر المؤيدين لأفكار تلك التنظيمات. إذ بالنظر إلى التنافس والصراع بين تلك التنظيمات على مصادر التمويل، وكذلك تجنيد وضمان ولاء المزيد من العناصر، ستتردد صدى دعوة جماعة "أنصار الإسلام" لتنفيذ هجمات جهادية ضد السلطات المصرية، داخل أذهان أولئك الأقرب لعقيدة داعش.  

هنا تتأكد حاجة التنظيم التابع لداعش في مصر إلى عمليات ذات أثر دعائي أكبر، ومن ثم تتوافر لديه دوافع لشن هجمات كبرى (في إطار الرد المفترض على إعلان جماعة "أنصار الإسلام") كي يستمر في إقناع المؤمنين بأفكار هذه التنظيمات بالانضمام ودعمهم بدلا من الانشقاق لصالح التنظيم الجديد.

ولا شك أن توافر مؤشرات على زيادة نشاط مجموعة "جند الإسلام" التابعة للقاعدة أيضا وداخل سيناء ذاتها، أي داخل مسرح العمليات الرئيسي لولاية سيناء، يعمق من تلك الحاجة لدى الأخير، من أجل النجاح في مواجهة منافس أيديولوجي شرس مثل القاعدة، ولكي يرسم تنظيم "ولاية سيناء" صورة لنفسه تعكس قدرته على القيام بعمليات مؤثرة رغم تراجع التنظيم في المركز، أي في سوريا والعراق.

الملاحظة الثانية، التي تثيرها عملية مسجد قرية الروضة، أن مركز بئر العبد الذي تتبعه قرية الروضة، يقع خارج النطاق التقليدي للصراع شمال شرق سيناء، أي مناطق رفح والشيخ زويد والعريش. ومن ثم، فإن وقوع تلك العملية يشير إلى أن  الحملات الأمنية والعسكرية المكثفة في مناطق رفح والشيخ زويد، ومؤخرا الضغوط الأمنية على جانبي الحدود مع غزة، يبدو أنها قد أجبرت "ولاية سيناء" على الدفع باتجاه توسيع نطاق عملياته نحو القسم الأوسط من سيناء. ومن ثم، يمكن القول إن ثمة تغيير ما  يتعلق بنطاق النشاط الإرهابي في سيناء. كما أن تكرار الهجمات مؤخرا في منطقة بئر العبد يلفت الانتباه إلى الخطر المتزايد الذي يمثله ذلك الفراغ الصحراوي على تخوم مركز بئر العبد.

الملاحظة الثالثة، أن حادث قرية الروضة لا يؤكد من جديد أن الإرهاب – في ظل تصدر داعش لسوق الإرهاب الدولي – لم يعد أكثر دموية وفقط، بل باتت المساجد أيضا وبشكل متزايد هدفا  لهجمات داعش. شهدنا ذلك في اليمن ونيجيريا وباكستان والعراق وسوريا، والآن في مصر.

وقد يصح القول إن استهداف المساجد يمثل استراتيجية جديدة للإرهابيين في سيناء خاصة، ومصر عامة. وبهذا المعنى يريد التنظيم الذي تورط في تلك المذبحة القول إنه من الآن فصاعدا بإمكانه الضرب في أي مكان، بما في ذلك استهداف المصلين ووقت صلاة الجمعة!!

ومن ثم، فإن السؤال الذي تواجهه مصر الآن، أي الاستراتيجيات التي بإمكانها أن تتبعها، في ضوء تلك المستجدات؟

الملاحظة الرابعة، أنه بالنظر إلى دموية الحادث، وبالنظر كذلك إلى أن حوالي 70% من الضحايا هم من أبناء قبيلة السواركة، فمن المنتظر أن يولد الهجوم ردات فعل قوية، ليس من قبل الدولة المصرية فقط، ولكن قد يمتد ذلك إلى بعض قبائل سيناء أيضا. وعليه يمكن القول إذا كان هجوم مسجد الروضة له ذلك الأثر الاستراتيجي المختلط، لجهة الصراع بين داعش والقاعدة، فالمؤكد أن هذا الحادث سيتسبب في ردود ثأرية من قبل بعض القبائل في وسط وشمال سيناء من هذه التنظيمات، سواء القاعدة أو داعش.

ويبقى القول، إن مصر بالتأكيد لديها القوة البشرية والسلاح الذي يمكنها من خوض حربها ضد الإرهاب. ولا شك أن البيانات الرسمية خلال العام الأخير – على الأقل – تشير إلى أن الخسائر في صفوف داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية في مصر، تبدو مرتفعة. لكن هذا لا ينفي أن النماذج الإقليمية في أفريقيا والشرق الأوسط، كاليمن وشمال نيجيريا والصومال، وحتى أفغانستان، تشير إلى أن الخسائر في صفوف التنظيمات الإرهابية، ليست مؤشرًا جيدًا على ما إذا كان النشاط الإرهابي ينمو أو يتراجع.