كان لتزايد انتشار تأثير أفكار تنظيم داعش في العديد من دول العالم، دوره في انشغال الدوائر الأكاديمية والسياسية خلال الفترة الحالية بسؤال محدد مرتبط بمدى فاعلية السياسات التي تبنتها العديد من الدول لمواجهة التهديدات التي يطرحها هذا التنظيم. والمقصود بالفاعلية هو قدرة تلك السياسات على تقليص أو الحد من جاذبية أفكار التنظيم، لاسيما وأنه نجح من خلال استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بأنواعها المختلفة في أن يزيد من انتشار تلك الأفكار، وفي أن يجعل المدة اللازمة لتجنيد أتباع جدد لا تتطلب أكثر من أسبوع، في حين كانت المدة اللازمة لذلك في فترات سابقة لا تتعدى مدة 6 أشهر.
وهذا الوضع يجعل مواجهة تنظيم داعش تتطلب صياغة حملات فكرية قادرة على تفنيد أفكار التنظيم وأيضًا طرح أفكار بديلة لها.
وتتزايد أهمية تبني المدخل الفكري في التعامل مع تنظيم داعش، مع استمرار المواجهات العسكرية معه في العراق وسوريا والتي يقودها التحالف الدولي، وذلك فضلًا عن العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الوطني في ليبيا، حيث من المتوقع أن يترتب على هذه المواجهات التدفق العكسي للمقاتلين الأجانب الذين انضموا للتنظيم في السنوات الثلاث الماضية بحيث يعودون لدولهم أو يستقرون في دولة ثالثة، وفي كلتا الحالتين، فإن تحولهم من كونهم مقاتلين في التنظيم إلى دعاة يروجون لفكر التنظيم بعد عودتهم يظل قائمًا بقوة، خاصة في ظل الدروس التاريخية المستفادة من موجة العائدين من العراق وأفغانستان وألبانيا.
وفي هذا الإطار، تم تخصيص هذا العدد من دورية بدائل لتقديم رؤية استراتيجية لكيفية المواجهة الفكرية لأفكار تنظيم داعش، ويجادل الدكتور عبد الغفار الدويك الأستاذ المشارك للعلوم الاستراتيجية والأمنية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بأن أفكار تنظيم داعش هي تعبير عن الفكر المنحرف الديني، والذي يعد أحد درجات وصور التطرف، وتعرفه على أنه الفكر الذي «يحيد ويخالف تعاليم الدين الإسلامي السمح بما لا يتفق مع المقاصد العامة للدين الإسلامي».
ويتبنى دكتور الدويك في هذه الدراسة مفهوم الأمن الفكري باعتباره المفهوم الرئيسي الذي ترتكز عليه الرؤية التي يقترحها. ويرى أن السعي لتحقيق الأمن الفكري في بعده الديني في مصر وغيرها من الدول العربية التي يمكن تكون وجهة للمقاتلين العائدين من داعش خلال الفترة المقبلة، هو المدخل الأكثر ملاءمة لحماية الشباب من الانجذاب الفكري لهذا التنظيم.
وفي بنائه للرؤية المقترحة، يؤكد دكتور الدويك على أنها تستند إلى شراكة حقيقية بين مؤسسات الدولة الأمنية والمؤسسات الثقافية والدينية في المجتمع، فضلًا عن منظمات المجتمع المدني، وتستهدف في جوهرها بث أفكار دينية تعكس التعاليم السمحة للدين الإسلامي من خلال مؤسسات التنشئة المختلفة.
يظل ما يطرحه هذا العدد من دورية بدائل يعبر عن محاولة لإثراء النقاش الدائر حول كيفية التعامل مع تنظيم داعش في الفترة التالية على هزيمته عسكريًا في العراق وسوريا، وذلك من خلال لفت الانتباه لما يمكن القيام به في مجال المواجهة الفكرية للتنظيم.