لم يتخذ التطور الديمقراطي في الدول العربية مسارا واحدا، بل اختلفت فرصه من دولة إلى أخرى، فهناك دول عرفت الديمقراطية النيابية حتى قبل حصولها على الاستقلال وحفظتها لفترة بعد الاستقلال. هذا التفاوت يلفت النظر إلى نسبية التطور الديمقراطي وتفاوت فرصه من دولة إلى أخرى. وبصفة عامة، يسجل تاريخ التطور السياسي والديمقراطي في الدول العربية أن هناك بعض الدول العربية عرفت تجاربا مهمة للتطور السياسي والديمقراطي قبل دخولها عقد التسعينيات من القرن العشرين الذي يمثل علامة فارقة في هذا التطور.
ولم تسفر عملية التطور الديمقراطي التي شهدتها النظم العربية خلال الفترة الممتدة منذ نهاية عقد الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي وحتى حدوث ثورات ما يسمى بـ "الربيع العربي" عن تدشين اتجاه جاد لتأسيس تجارب تحول ديمقراطي حقيقية، وهو ما يمكن اعتباره أحد الأسباب الرئيسية وراء وقوع هذه الثورات. فرغم تطور عدد من المؤشرات المعبرة عن حدوث تغير في النظم العربية باتجاه التحول الديمقراطي، فإن جدوى هذه المؤشرات ظلت محدودة. وحدثت انتكاسات واضحة في نهاية عقد التسعينيات وأوائل العقد الماضي في بعض الحالات التي كانت شهدت تقدما في بداية حقبة التسعينيات.
إن التطور الديمقراطي ليس سؤالا إنما حتمية التاريخ وقواعد المنطق، ورغم أن ثمة تحديات معقدة تواجه الربيع العربي، كإرث الحقبة الاستبدادية والجهل بمتطلبات مراحل الانتقال بعد ثورة، ورغم الصراع الفكري والسياسي بين تيارين أساسيين على الساحة (ليبرالي، وإسلامي)، فضلا عن غياب السند الدولي الذي يدعم خيارات الانتقال الديمقراطي، فإن ما طرحته الثورات من تساؤلات قديمة جديدة حول كيفية تعزيز عملية التطور الديمقراطي في النظم العربية بشكل عام، وما أحدثته من خلخلة في بنية السلطوية في أعتى نظمها العربية، كفيل بفتح نوافذ الأمل بشكل مستمر، حتى وإن حدثت موجات إرتدادية في بعض دول هذا الربيع.