كازوهيدي إيكتاكي

صحفي - وكالة الأنباء اليابانية (جيجي) سابقا

وصلت الأزمة النووية بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية إلى ذروتها، وكذلك ازداد القلق من احتمال إمكانية القيام بعمل عسكري من قِبلِ أمريكا ضدها. وتحاول هذه المقالة القصيرة استشراف إمكانية القيام بعمل عسكري ضد كوريا الشماليةواحتمالات تأثير القضايا النووية والصاروخية لديها في الوضع الأمني والسياسي للشرق الأوسط، خاصة إيران والدول الخليجية.

لقد حاول المجتمع الدولي من خلال المحادثات السداسية، بمشاركة كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا وكوريا الجنوبية واليابان بالإضافة إلى كوريا الشمالية، دفعَ كوريا الشمالية إلى التخلي عن برنامجها النووي. وبالرغم من ذلك، فإنها واصلت عنادها واتخذت موقفًا سلبيًّا تجاه مطالبات المجتمع الدولي، واستمرت في برنامجها النووي حتى وصلت فيه إلى مستوى الخطر للولايات المتحدة ولمنطقة شمال شرق آسيا بشكل خاص؛ حتى إنها قد تكون قادرةً حاليًا على ضرب الولايات المتحدة وقارتها تقريبًا.

إن التطورات النووية والصاروخية هي حلم أسرة "كيم"، والواقع أن تطويرها للسلاح النووي قد وصل إلى نقطة أعاد بعض الخبراء والمحللين العسكريين النظر إلى كوريا الشمالية بوصفها قوة نوويةواعدة، وتعتقد بأن الحصول على السلاح النووي هو الخيار الوحيد الذي يمكِّن الجزءَ الشماليَّ الصغير من دولة شبه الجزيرة؛ لتأمين استمرار نظام أسرة "كيم" من تهديد الولايات المتحدة الأمريكية.

ويقال إن كوريا الشمالية تعلَّمت من تجربة نظام "صدام حسين" في العراق ونظام "معمر القذافي" في ليبيا، حيث رأت أسرة "كيم" أن هاتين الدولتين واجهتا تغيير النظام بسبب عدم امتلاك سلاح نووي؛ ولكنَّ ملفيهما النووي والملف النووي الإيراني يبيِّنُ أن محاولة الحصول على السلاح النووي هي سبب الضغط والعزلة الدولية، وتغيير النظام في نهاية المطاف.

ومن ثمَّ، يأتي السؤال: لماذا تسعى كوريا الشمالية إلى الحصول على أسلحة نووية وتقنيات صاروخية في مواجهة العمل العسكري المحتمل من قبل الولايات المتحدة؟!

إن كوريا الشمالية تهدد جارتها الجنوبية بالقضاء عليها وإحراقها بسهولة إذا هاجمتها الولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذه الحالة، فإن اليابان التي تمتلك قواعد عسكرية أمريكية ولديها عداء تاريخي مع كوريا الشمالية، ستُستهدَف أيضًا، ومن المستحيل إجلاء المواطنين جميعًا في "سول" عاصمة كوريا الجنوبية، التي تَأوي حوالي عشرة ملايين نَسَمة؛ وبالتالي فمن المتوقع - في حالة العمل العسكري ضد كوريا الشمالية - أن يموت مئاتُ الآلاف نتيجةً لإطلاق النار من كوريا الشمالية.

لهذا ترفض كوريا الجنوبية واليابان العملَ العسكري من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، كما تم دفع الدبلوماسية بوصفها حلًّا سلميًّا للحوار والمباحثات؛ لكن وزير الدفاع الأمريكي "جيم ماتيس" ألمح إلى وجود خيارات عسكرية ضد كوريا الشمالية بدون أن تجني "سول" هجومًا مضادًّا خطيرًا.

هناك مناقشات عديدة حول ما يعنيه "ماتيس" من خلال تصريحه السابق، فمن الصعب معرفة التكنولوجيا العسكرية التي تجنِّب تدمير "سول" في حالة الهجوم على كوريا الشمالية، ويُعتقد على نطاق واسع أن مثل هذا الاحتمال هو أمر مستحيل، فقد تُؤخذ "سول" رهينة بالإضافة إلى اليابان، وهذا هو السبب في أن كوريا الشمالية تصرُّ على السعي إلى تطوير التكنولوجيا النووية وتكنولوجيا الصواريخ.

يبدو أن الخيار العسكري مستبعد بسبب هذه المعضلة ولأسباب أخرى، فماذا عن الدبلوماسية؟!

لقد بدأت محاولة كوريا الشمالية للتعاون مع المجتمع الدولي في عام 1994م، ومع ذلك، فقد انسحبت كوريا الشمالية من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، كما انهارت المحادثات السداسية بدون نتيجة ملموسة.

وكما أشير سابقًا، فإن التكنولوجيا النووية والصاروخية هي خط حياة لكوريا الشمالية ضد تهديدات الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك، فإن المزيد من التفاوض لن يكون مثمرًا، وثمةَ خيار آخر للمجتمع الدولي هو الضغط بالعقوبات الاقتصادية.

وقد تراجعت اعتراضات الصين وروسيا بعد أن رأتا أن كوريا الشمالية دولة مهمة وذات كيان مفيد ضد هيمنة الولايات المتحدة واليابان والدول الغربية، وإذا ما انهارت كوريا الشمالية فإن على الصين أن تواجه كوريا الجنوبية مباشرة؛ لاعتقادها أنها ستضر بسياساتها واقتصادها؛ لهذا تحاول الدولتان الإبقاء على نظام أسرة "كيم".ومع ذلك، فإنتأثير الصين في كوريا الشمالية يتناقص باستمرار، وتأثير قطع النفط من الصين عنها ليس واضحًا بشكل عام.

وعلى الرغم من أن الصين هي اللاعب الأكثر تأثيرًا في الملف النووي لكوريا الشمالية، فروسيا هي أيضًا لاعب رئيس في هذه القضية. وفي حالة خفض النفط من الصين أو قطعه، فقد تزيد روسيا نفوذها وتأثيرها من خلال تصدير النفط إلى كوريا الشمالية بدلا من الصين. ومن ثم، فليس من اليسير على الصين اتخاذ قرار بخفض صادرات النفط بشكل كامل إلى كوريا الشمالية.

لذلك يبدو أن الحل العسكري والضغط الاقتصادي أمر صعب جدا تجاه كوريا الشمالية لتغيير سياساتها النووية وبرامجها الصاروخية.

وهناك احتمال ثالث هو التفاوض؛ تماشيًا مع طلب كوريا الشمالية التي تسعى إلى الاعتراف من قبل المجتمع الدولي بوصفها قوة نووية. ولا شك في أن الحل السلمي هو أفضل طريقة لحل هذه القضية.صحيح أن هذا الاحتمال قد نوقش بالفعل في الولايات المتحدة بكونه أحد الخيارات في الملف النووي لكوريا الشمالية، غير أن كاتب المقال يعتقد أنه يضر بصيانة نظام معاهدة عدم الانتشار واحترامه، ولا سيما أمن الشرق الأوسط.

ومن أهم دول الشرق الأوسط المرتبطة بهذا الموضوع دولة إيران التي لديها العديد من المواقع العسكرية غير المعلنة، كذلك ودعمها نظامَ بشار الأسد في سوريا والحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، وعلى الرغم من أن نية النظام الإيراني من الصعب معرفتها، لذا يعتقد العديد من المحللين السياسيين بأنها تنتوي تطوير سلاح نووي.

فإذا كانت هذه التحليلات والاحتمالات صحيحة، فإن التفاوض والاتفاق النووي سيعطي إيران وقتًا لتطوير سلاح نووي كما فعلت كوريا الشمالية. ولقد اتخذ الرئيس ترامب قرارًا برفض الاتفاق النووي لدى إيران.وتعد إسرائيل عدوًّا قويًّا لإيران، فدائما تعلن أن إيران لديها نية خبيثة لعمل سلاح نووي، بعكس إرادة الدول الأوروبية التي تسعى إلى الإبقاء على الاتفاق النووي.

ومع تصاعد التوتر وتفاقم الصراع بين إيران الشيعية وبين السعودية التي تمثل الدول السُّنِّيَّة في الشرق الأوسط، فمن الممكن أن نفكر في أن إيران قد اجتُذِبَتْ لتطوير سلاح نووي، بعد ثورتها الخمينية عام 1979م.

وفي عام 2002م كشفت المعارضة الإيرانية أن لديهم برنامجًا نوويًّا سريًّا، مما استدعى الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقيق في الأمر، والتأكد من مدى صحة هذه المعلومات، وهو ما تأكد لهم بالفعل، وبالرغم من تصريح إيران بأن هذا البرنامج لأهداف سلمية مثل توليد الكهرباء والأبحاث الطبية والعلمية، فإنها دخلت في صراع وعزلة مع المجتمع الدولي.

فإذا كان الاحتمال طويل الأجل للملف النووي الإيراني مثل الملف النووي لكوريا الشمالية، فإن موقف ترامب وإسرائيل سيكون في الاتجاه الصحيح؛ لأن الموقف الودي والضعيف من المجتمع الدولي سيعطي إيران الوقت لتطوير سلاح نووي.

وبالعودة إلى موضوع الملف النووي لكوريا الشمالية، وتصميمها على الحصول على الأسلحة النووية وتكنولوجيا الصواريخ، وصعوبة الضغط عليها بمواجهة الثغرة التي توفرها الصين وروسيا، فإن الاعتراف بوصفها قوة نووية قد يكون أحد الحلول الممكنة لهذه المشكلة.لكن هذا الاعتراف سيكون له تأثير كبير على القضايا النووية في العالم، وخاصة في الشرق الأوسط؛ لأن إيران ستستخدم نتائجه لصالح برنامجها النووي.

ومن ثم، إذا نظرت إدارة ترامب في تأثير هذه المشكلة على المدى الطويل، فقد تتخذ إجراءات عسكرية ضد كوريا الشمالية حتى لو كان متوقعًا حدوث خسائر فادحة في الأرواح في كلٍّ من كوريا الجنوبية واليابان.

لقد قال وزير الدفاع الياباني "أونوديرا": "إن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية "ترامب" سوف يتخذ قرارًا حول ما إذا كان سيطلب عملا عسكريا ضد كوريا الشمالية إذا لم يفلح الضغط الدولي عليها، وأصرت على موقفها"، وقال رئيس الوزراء الياباني "آبي" أيضًا: "إن كوريا الشمالية أصبحت الآن قوة نووية"، وتستعد الحكومة اليابانية لكل الاحتمالات المتوقعة حول هذه المشكلة.

وتخشى الصين من عواقب العمل العسكري الذي يمكن أن يؤدي إلى تغيير النظام الكوري الشمالي الحالي وبناء نظام آخر قد يسهم في النهاية إلى توحيد الكوريتين.وإذا رأت الصين أن الولايات المتحدة تحاول تدمير نظام "كيم" فإنها ستعمل على تدميره، وإحلال نظام آخر قريب منها ومتوافق معها وليس مع الولايات المتحدة.

وإذا اعتُرف بدولة مارقة مثل كوريا الشمالية التي تنتهك العديد من قرارات الأمم المتحدة بوصفها قوة نووية، فإنه سيكون ذلك رسالة مثيرة للقلق في البلدان التي يشتبه في أنها تسعى إلى الحصول على أسلحة نووية مثل إيران.