يناقش العدد 38 من دورية الملف المصري أكتوبر 2017، "مستقبل الأزمة الليبية: الحلول والتحديات"، حيث يناقش الأستاذ عبد اللطيف حجازي، الباحث المتخصص في الشئون الإقليمية، التشابكات والتفاعلات القبلية والسياسية في ليبيا، حيث يرى أن القبلية لعبت دورا أساسياً في الصراع الليبي في أعقاب سقوط نظام القذافي والذي أدى لضعف في بنية الدولة المركزية مما سمح لتنامي نفوذ القبيلة وتصاعد أدوارها الأمنية والسياسية والاجتماعية في محاولة لملء الفراغ السياسي والأمني الذي خلفه سقوط نظام القذافي وانهيار مؤسسات الدولة الليبية، وهو ما جعل من الصراع السياسي والعسكري بين معسكر الكرامة الممثل للتيار المدني في ليبيا وتحالف فجر ليبيا الممثل للتيار الإسلامي ما هو إلا واجهات سياسية وعسكرية للقبائل الليبية التي ينخرط أبناءها بالأساس في القتال الدائر في ليبيا. ومن ثم، فإن أي حديث عن تسوية سياسية للصراع الليبي يتوقف في جزء كبير منها على تسوية الخلافات بين القبائل الليبية التي تصل لأكثر من 140 قبيلة تنقسم كل منها إلى عدة فروع وعشائر، للوصول لإيجاد صيغة مناسبة لتوزيع المناصب السياسية والأمنية فيما بينها، وهو ما يمكن اعتباره نقطة انطلاق نحو حل سياسي للأزمة.
فيما تناول الأستاذ محمد جمعة، الباحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، مستقبل التشكيلات المسلحة في ليبيا، حيث أشار إلى أن عدد التنظيمات المسلحة في ليبيا وصل في عام 2015، إلى ما يقرب من 1700 تنظيما مسلحا، وفق تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية. كما يرى أن هذه المليشيات بدأت تتشكل عقب سقوط نظام القذافي عام 2011، وساعد على انتشارها وزيادة عددها عدم وجود أجهزة أمنية متماسكة تعمل بكفاءات متباينة، فضلا عن انتشار التشكيلات القبلية المسلحة، مما حول ليبيا إلى نموذج لدولة ميليشيات تسيطر كل منها على مساحة من الأراضي، الأمر الذي أدى إلى فشل جميع محاولات التوصل إلى اتفاق سياسي يُنهي حالة الانقسام، والصراع في ليبيا وهو ما يجعل من تماسك الجيش الوطني الليبي المدخل الحقيقي لإعادة الاستقرار بالداخل الليبي على المستوى الأمني، من ناحية، ومكافحة الإرهاب والتنظيمات المسلحة، من جهة أخرى.
فيما ناقش د. زياد عقل، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، التحرك المصري في ليبيا حيث يعتبر الملف الليبي من أكثر الملفات التي تستحوذ على أولويات السياسة الخارجية للدولة المصرية نتيجة العديد من المصالح المصرية في ليبيا والتي يمكن تلخيصها في ثلاثة أنواع. النوع الأول، هو المصالح الحدودية/ الأمنية، وهي نوعية المصالح التي تتقاطع مباشرة مع واقع التوتر السياسي في الداخل الليبي، ومع قضايا وملفات مكافحة الإرهاب والتطرف. النوع الثاني، هو المصالح الاقتصادية، وهي المصالح التي تتعلق بالعلاقة التجارية بين البلدين كون ليبيا إحدى الدول التي تعتمد على المنتجات المصرية لتغذية سوقها المحلي في عدد من القطاعات، كما أن ليبيا أحد أهم أسواق العمالة المصرية في المنطقة. ويأتي النوع الثالث من المصالح المصرية في ليبيا في سياق التفاعل الإقليمي والدولي في منطقة شمال أفريقيا، وهي التفاعلات التي تحرص مصر أن تكون جزءا منها، تلك المصالح وغيرها جعل من الأزمة الليبية بالنسبة لمصر واحدة من أهم الأزمات اهتماما من جانب الدولة المصري سواء على المستوى السياسي والاقتصادي أو الأمني والعسكري. ومن ثم، جاء التحرك المصري في ليبيا كجزء حيوي ومحوري من استراتيجية الأمن القومي المصري.
فيما رصدت الأستاذة رانيا زادة، الباحثة في العلوم السياسية، ركائز التحرك الأوروبي خاصة الفرني تجاه الأزمة الليبية، حيث أشارت إلى أن الدولة الفرنسية تقدمت بمبادرة سياسية لحل الخلاف السياسي بين طرفي الصراع الليبي. تضمنت المبادرة عشرة بنود، كان أهمها التأكيد على تفعيل اتفاق الصخيرات الموقع في 17 ديسمبر 2015، وعلى مواصلة الحوار السياسي، والدعوة إلى نزع السلاح وإدماج المسلحين الراغبين في الانضمام إلى الجيش الوطني الليبي، والعمل على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أقرب وقت ممكن. كما ترى أن التحرك الفرنسي يأتي لحل الأزمة الليبية كنتيجة لسياسة الرئيس الفرنسي ماكرون والذي أعلن خلال الحملة الانتخابية الرئاسية أن الأمن في أفريقيا أولوية في سياسته الخارجية وفي صدارته الملف الليبي. كما أوضحت أهمية توقيت هذه المبادرة وأسبابها ودلالتها، مع إلقاء الضوء على التحديات التي تواجهها ومدى اختلافها أو تشابهها مع المبادرات والتحركات العربية، خاصة فيما يتعلق بالدور الفرنسي.
كما تناول الأستاذ أحمد عليبة، الباحث المتخصص في الشئون الأمنية، القواسم المشتركة والتناقضات لدول الجوار تجاه الأزمة الليبية، حيث يرى أن ليبيا مازالت مرشحة للبقاء كدولة غير مستقلة نظرا لأنها أصبحت هدفا من قبل المقاتلين العائدين من العراق وسوريا، لذلك خلقت التداعيات الأمنية لعودة هؤلاء العديد من المخاطر والتهديدات الأمنية على دول الجوار، الأمر الذي يجعل أدوار هذه الدول عاملا مهما وحاسما في طبيعة الصراع الليبي، ولذلك اعتمدت دول الجوار على محددات غلب عليها الطابع الأمني في التعامل مع الأزمة الليبية والتي تمثلت في التركيز على ضبط الحدود، واستحداث قطاعات عسكرية متخصصة مثل قوات الانتشار السريع. ورغم ذلك واجهت تلك الدول العديد من التحديات في التعامل الأمني، منها عائق التضاريس، ورخوة المناطق الحدودية مع ليبيا، واتساع مساحات انتشار الإرهاب فيها، وضعف قدرة الجيش الليبي على السيطرة على الداخل. كما برزت العديد من التناقضات السياسية بين دول الجوار تجاه ليبيا استغلتها التنظيمات الإرهابية، لذا فإن الأمر يتطلب من دول الجوار اعتماد آليات مشتركة لمحاصرة بيئة الفوضى الأمنية في ليبيا.
فيما تناول الأستاذ كامل عبدالله، الباحث في الشأن الليبي، مستقبل الصراع في ضوء تدخلات القوى الإقليمية حيث يعتبر الأزمة الليبية نموذجا لصراع إقليمي ودولي بين أطراف متعددة، فمنذ سقوط القذافي 2011، تنامت الأدوار الإقليمية والدولية بداية من التدخل العسكري عبر حلف شمال الأطلسي بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي وتأييد عربي، ما دفع كل طرف سياسي ليبي أن يستند لدعم خارجي وفر له قوة سياسية وأمنية في مواجهة منافسيها المحليين. هذا المشهد المستمر منذ أربع سنوات دفع المبعوث الأممي غسان سلامة إلى العمل بخطته الجديدة، والتي تضمنت أربعة مسارات في آن واحد. الأولى دولية مع القوى الرئيسية فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، والثانية مع مصر والإمارات والجزائر، والثالثة استئناف الحوار السياسي الليبي لتعديل الاتفاق، والرابعة ضرورة إطلاق الحوار الأمني بين المؤسسات الأمنية الرسمية والمجموعات المسلحة حتى يمكن احتوائها وتحييدها عن الصراع السياسي مع العمل على فك ارتباطاتها الخارجية وفصلها عن الظهيرين السياسي والاجتماعي الذي يوفر لها دعما يجعلها في مركز متقدم عن مؤسسات الأمن الرسمية.
كما تناولت الأستاذة أسماء الخولي لاباحثة في مجال الطاقة والاقتصاد الدولي، قطاع الطاقة الليبي في ضوء الأزمة الحالية، حيث اعتبرت قطاع النفط في ليبيا واحدا من عوامل الصراع السياسي والأمني بين الفصائل السياسية والتنظيمات المسلحة. كما ترى أنه بالرغم من تمكن قوات الأمن الوطني وحراس النفط من السيطرة على حقول النفط تحت إمرة الدولة الليبية إلا أن التطورات العسكرية والأمنية الأخيرة تضع مستقبل صناعة النفط على حد الخطر. ومن ثم، هناك العديد من التساؤلات التي تطرح حول التحديات التي تواجه الدولة الليبية لتطوير صناعة النفط، بجانب المتطلبات التي يجب على الحكومة الليبية انتهاجها لتطوير صناعة النفط، والتطورات التي يمكن أن تطرأ على أوضاع صناعة النفط الليبي في ضوء إمكانية نجاح المساعي الغربية الليبية لزيادة الإنتاج للعودة إلى مستويات ما قبل انتفاضة فبراير من العام 2011.