كان أهم ما أسفر عنه التحول التكنولوجي ظهورما أطلق عليه عالم الاجتماع الأمريكي مانويل كاستلز "العقلية الشبكية"، ويقصد به نمط جديد من التفكير يستهدف بناء المعنى ونمط جديد من الحياة لممارسة السلطة، يستند إلى الإطار السياسي والاجتماعي المفتوح التشاركي الذي ولدته المعلوماتية. ويستند ثانيا إلى التعبير عن الذات بكل حرية بعيدا عن كل رقابة سواء للدولة أم الأسرة أم الجامع والكنيسة، أم لشركات تنظيم وتبادل المعلومات.
وفي إطار هذه التغييرات الحادة غير المسبوقة يتضح أن تأثير ثورة التكنولوجيا الرقمية قد امتد بشكل واضح إلى الوظيفة الدبوماسية، باعتبار أن السياسة الخارجية لأي دولة ما هي إلا امتداد لسياستها الداخلية، مما يتطلب التأكيد على مقولة كلاوزفيتش في مؤلفه الضخم عن الحرب، بأن الحرب هي امتداد وتكملة لسياسة الدولة ولكن بأساليب أخرى. بمعنى آخر، فإن الحرب ليست عملا سياسيا بحتا ولكن لها مجالها الخاص، وعلومها المستقلة، ولها رجالها المستقلين عن رجال السياسة. ولكن من ناحية أخرى هي وسيلة سياسية في يد الدولة وامتداد للعلاقات السياسية وموازينها وقواعدها وتحالفاتها. فالحرب أداة من الأدوات السياسية مثل الأداة الاقتصادية والأداة النفسية والأداة الثقافية ولا يمكن أن تكون إلا أسلوبا من الأساليب السياسية، ومن ثم فإنها ليست أمرا مستقلا.
وبناء على هاتين الحقيقتين: أي التحولات الشبكية للدولة والمجتمع في ظل العولمة والإنترنت، ثم العلاقة الوثيقة بين السياسة والحرب، يمكن صياغة فرضية هذه الدراسة بأن "التحولات الشبكية لم تغير الدولة والمجتمع فقط، ولكنها غيرت أيضا النظام العالمي، مما أدى لظهور أنماط جديدة من الأداء الدبلوماسي ذات أهداف مختلفة، نتيجة تغيير مفهوم القوة والحرب والصراع على السواء". هذه الفرضية تطرح عددا من التساؤلات المختلفة مثل: ما هو شكل النظام العالمي الجديد، وما هي التغييرات التي أصابت الدولة ولها تأثير مباشر على سياستها الخارجية؟ وما هي التغييرات المترتبة على مفهوم القوة والصراع والحرب؟ وما هي الأنماط الحديثة للدبلوماسية المترتبة على هذه التغييرات في مجملها؟ وما هو الإسلوب الأمثل لاستفادة الدبلوماسية المصرية من هذه التحولات؟