قضايا وتحليلات - قضايا وتفاعلات دولية 2017-9-17
كرم سعيد

باحث متخصص في الشأن التركي- مجلة الديمقراطية، مؤسسة الأهرام

قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بزيارة إلى عدد من دول أمريكا اللاتينية، خلال الفترة من 11 سبتمبر  وحتى 14 سبتمبر 2017، شملت الأرجنتين، وكولومبيا، والمكسيك. وبينما زار رؤساء إسرائيليين القارة في الماضي – كان آخرها زيارة شمعون بيرس عام 2009- تعد جولة نتنياهو هي الأولى من نوعها  لرئيس وزراء إسرائيلي لأمريكا اللاتينية.ولذا وصف رئيس حكومة إسرائيل جولته اللاتينية بـ"التاريخية". وفي إشارة إلى حرص نتانياهو على مد جسور التواصل مع القارة اللاتينية، قال عشية الاحتفال برأس السنة العبرية: "إننا نقوم حاليا بتطوير العلاقات مع قارة أمريكا اللاتينية، التي تشكل كتلة كبيرة تضم دولًا ذات أهمية بالغة، إننا ندخل ساحة جديدة".

أولا: علاقة قديمة ومثيرة

الأرجح أن علاقة إسرائيل مع القارة اللاتينية قديمة ومثيرة، وتعود إلى أربعينيات القرن الماضي عقب تأسيس إسرائيل في عام 1948، حيث قامت إسرائيل ببناء تحالفات مع الأنظمة اليمينية والعسكرية التي كانت باستمرار مناهضة لليسار. ولعبت دول أمريكا اللاتينية آنذاك دورًا فاعلًا في تمرير قرار الجمعية العامة رقم 181، الذي قضى بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين والسماح بإنشاء "دولة يهودية"، وهو ما أسهمفي ترسيخ الكيان "الإسرائيلي" داخل الأمم المتحدة؛ حيث كان تأييد هذه الدول لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المعروف باسم قرار تقسيم فلسطين والصادر في 29 نوفمبر 1947، حاسما في قبول عضوية "إسرائيل" في المنظمة الأممية، خاصة أن دول أمريكا اللاتينية كانت تشكل أكثر من ثلث عضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر عام 1947. فقد صوّتت 13 دولة لاتينية لصالح قرار التقسيم. وعشية حرب 67، دعمت الدول اللاتينية إسرائيل، عبر تبني مشروع القرار المقدم للأمم المتحدة في العام ذاته، الذي وضع قبول العرب بـ"إسرائيل"شرطًا رئيسًا لانسحاب الأخيرة من الأراضي المحتلة؛ واعترافًا بحقها في الوجود الآمن، والتفاوض المباشر مع العرب.

غير أن تحولًا هيكليًا في توجهات السياسية الخارجية اللاتينية تجاه إسرائيل بدأ منذ العام 1973 مع انتهاج بعض دول القارة،  مثل شيلي، والأرجنتين، وبيرو، والإكوادور، سياسة عدم الانحياز، ما أدى إلى اتخاذها مواقف إيجابية من القضية الفلسطينية. ناهيك عن صعود حكومات ذات توجهات يسارية في بعض الدول اللاتينية، كان رفض السلوك الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط جزء من توجهها العام.

ثانيًا: دلالات الزيارة

انطلاقًا من الأبعاد التاريخية السابقة، يمكن القول إن زيارة نتانياهو للدول اللاتينية الثلاث تحمل عددًا من الدلالات المهمة، منها أن رئيس الوزراء نتانياهو الساعي إلى استعادة دور إسرائيل في أفريقيا، أراد تعويض الحرج الذي تعرض له  بعد طلب توجو إلغاء القمة الأفريقية- الإسرائيلية التي كان مقررًا لها أكتوبر المقبل (2017). كما سعى نتانياهو عبر هذه الجولة إلى إحداث توازن مع القوى الفاعلة في القارة اللاتينية من خارج القارة، خاصة إيران وتركيا، ومحاولة إقناع المجتمعات اللاتينية بأن إسرائيل ليست كيانًا إمبرياليًا استيطانيًا.

في هذا السياق، تتسارع استراتيجية الاستدارة الإسرائيلية إلى أمريكا اللاتينية التي يرفع لواءها نتانياهو. وأمريكا اللاتينية هي ساحة معركة دبلوماسية كبيرة لإسرائيل في مواجهة كل من السلطة الوطنية الفلسطينية، وإيران، وذلك على خلفية الدعم الكبير الذي تحظى به القضية الفلسطينية داخل دول القارة، وأيضا بعد أن نجحت طهران في اختراق القارة التي تمثل حديقة خلفية لواشنطن، وطبعت علاقاتها مع كثير من دولها. ناهيك عن إحراز إيران اختراقات جذرية لبعض المجتمعات اللاتينية، وذلك عبر مشاريع استثمارية فى مجالات النفط والطاقة والزراعة بجانب قروض ومعونات بفوائد مخفضة أو بدون فوائد.

ثالثا: أهداف الزيارة

يسعى نتانياهو من هذه الزيارة إلى تحقيق عدد من الأهداف، يمكن تحديدها فيما يلي:

1- تحريك المياه الراكدة

يسعى نتانياهو إلى إحداث نقلة نوعية مع القارة اللاتينية بعد سنوات من القطيعة والفتور، إذ شهدت العلاقة بين إسرائيل وقطاع واسع من الدول اللاتينية توترًا قبل عدة أعوام بعد اعتراف الأخيرة بالدولة الفلسطينية الموحدة داخل حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وجاء فى مقدمة هذه الدول البرازيل والأرجنتين وبوليفيا والأكوادور وأوروجواي وشيلي والمكسيك، والتي اعترفت بفلسطين دولة حرة مستقلة.

واقع الأمر، إن القضية الفلسطينية، لم تغب يوما عن اهتمام دول أمريكا اللاتينية، بل إنها حظيت بتأييد قوى من دول القارة باستثناء المكسيك، وكولومبيا وبنما، التي تربطها علاقات اقتصادية وعسكرية قوية بالولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على حد سواء.كما قامت أكثر من دولة فى القارة عشية عملية "الجرف الصامد" التي نفذتها إسرائيل ضد قطاع غزة في يوليو 2014، بإغلاق سفارة إسرائيل لديها، فضلا عن تأكيد القمم العربية- اللاتينية الدورية "أسبا" على دعم الموقف الفلسطيني ورفض عملية الاستيطان.

وبمعنى آخر، يمكن القول إن زيارة نتانياهو تهدف إلى إحداث اختراق في الدول اللاتينية الداعمة للقضية الفلسطينية، وكسب تأييدها لمصلحة الطرح الإسرائيلي داخل المنظمات الدولية. لذا حرص نتانياهو في محطة الأرجنتين التي استقبلته بحملة احتجاج واسعة عشية وصوله، على إحياء ذكرى تفجير السفارة الإسرائيلية عام 1992 والمركز اليهودي في بيونس أيرس عام 1994.

2- تطوير العلاقات الاقتصادية

يتعلق الهدف الثاني لهذه الزيارة بسعي نتانياهو إلى تطوير العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية بأمريكا اللاتينية. بدا ذلك واضحًا في توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية. وتجدر الإشارة هنا أن إسرائيل هي الشريك التجاري الأكبر للمكسيك داخل إقليم الشرق الأوسط، وثاني أكبر مستثمر أجنبي بها بعد الولايات المتحدة. غير أن معدل التبادل التجاري بين البلدين يتحرك ببطء شديد، فقد تطلب الأمر ست سنوات، حتى يرتفع حجم التبادل التجاري بينهما من 600 مليون دولار في عام 2010 إلى نحو 700 مليون دولار في عام 2016. كذلك بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية إلى البرازيل في العام 2014 نحو 464 مليون دولار، إضافة إلى تطور علاقات التعاون في مجالات عديدة، خاصة الزراعة والتجارة.

ورغم أن الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية تعد هدفًا مهمًا لاقتصادات أمريكا اللاتينية، خاصة في مجالات تكنولوجيا المياه والزراعة، إلا أن حجم التجارة بين إسرائيل ودول أمريكا اللاتينية لازال محدودًا، بحكم تصاعد الخلافات السياسية بين إسرائيل وعدد من دول أمريكا اللاتينية. من ذلك، على سبيل المثال، رفض البرازيل في أغسطس 2015 تعيين داني ديان- الأرجنتيني المولد- سفيرًا لإسرائيل لدى البرازيل، استنادًا إلى تورطه في بناء المستوطنات غير القانونية على الأراضي الفلسطينية.

 

جدول رقم (1): التجارة الإسرائيلية مع أمريكا اللاتينية في عام 2016 بالمليون دولار

                                                

الصادرات  الإسرائيلية

 

الواردات الإسرائيلية

 

1,793,993

إلى دول أمريكا اللاتينية والكاريبي

1,032,812

من دول أمريكا اللاتينية والكاريبي

 

المصدر: مرصد أمريكا اللاتينية. متاح على الرابط التالي:

http://marsadamericalatina.com/index.php/etudes/1838-2016

 

جدول رقم (2): التجارة الإسرائيلية مع أهم الشركاء التجاريين في القارة اللاتينية في عام 2016 بالألف دولار

747,230

البرازيل

253,533

البرازيل

الشركاء التجاريين بالترتيب

380,541

المكسيك

168,806

المكسيك

137,255

الشيلي

165,059

الأوروغواي

 

المصدر: مرصد أمريكا اللاتينية. متاح على الرابط التالي:

http://marsadamericalatina.com/index.php/etudes/1838-2016

3- تطوير العلاقات العسكرية

تمثل السوق اللاتينية سوقًا واعدة لصادرات السلاح الإسرائيلي. لكن حتى الآن لم تحدث نقلات كبيرة في حجم العلاقات صادرات السلاح الإسرائيلي إلى دول القارة. فقد تراجع حجم صادرات السلاح الإسرائيلي إلى القارة من 604 مليون دولار في سنة 2012 إلى 550 مليون دولار في سنة 2016. وربما أسهم في هذا التراجع دخول كولومبيا، المستورد الأول للسلاح الإسرائيلي، في مفاوضات سلام مباشرة مع حركة "فارك"، والتي انتهت بتفكيك الحركة، وتحولها إلى حزب سياسي منذ العام 2016. ناهيك عن تراجع حجم المواجهات العسكرية بين المكسيك وعصابات المخدرات بعد نجاح المكسيك في العام 2016 في اعتقال خواكين جوزمان لويرا، زعيم أكبر مافيا مخدرات في المكسيك، وواحدة من كبرى العصابات العاملة في هذه التجارةغير المشروعة.

 

جدول رقم (3): تطور حجم صادرات السلاح الإسرائيلية إلى أمريكا اللاتينية خلال الفترة (2012- 2016)

السنة

قيمة صادرات السلاح الإسرائيل إلى القارة اللاتينية/ بالميلون دولار

2012

604

2013

645

2014

716

2015

577

2016

550

المصدر: تقرير صادر عن شعبة الصادرات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية 2016، ومترجم أجزاء منه على مواقع إلكترونية مختلفة.

 

4- تطوير صورة إسرائيل في القارة اللاتينية

خلال الأشهر الأخيرة قادت حكومة نتانياهو حراكًا مهمًا لتطبيع علاقاتها مع القارة اللاتينية، مستندة في ذلك إلى صعود تيار اليمين إلى سدة الحكم في عدد من دول القارة، خاصة في البرازيل والأرجنتين، وهو ما مثل نقطة تحول رئيسة في الموقف اللاتيني من العلاقة مع إسرائيل. فقد أسهم صعود اليمين في تزايد انخراط دول القارة في علاقاتها مع واشنطن، وهو ما تبعه اتجاه حكومات المنطقة إلى إعادة تقييم علاقتها مع إسرائيل، حليف الولايات المتحدة. وتملك تل أبيب في هذا السياق عددًا من الأوراق المهمة منها الجالية اليهودية، خاصة في الأرجنتين، حيث تعيشأكبر جالية يهودية (حوالي 300 ألف شخص)، إضافة إلى اعتماد إسرائيل فكرة "المظلومية" في كسب تعاطف الشعوب اللاتينية. وكان ملفتا توقيت زيارة نتانياهو لمحطته الأولى الأرجنتين والتي تزامنت مع ذكرى مرور 25 عاما على الاعتداء على سفارة إسرائيل في "بوينوس آيرس" عاصمة الأرجنتين، واتهمت إيران وحزب الله بالتورط فيها.

5- موازنة النفوذ الإيراني والتركي

وتأتي أهمية هذا الهدف على خلفية الدور المتنامي لكل من إيران وتركيا داخل أمريكا اللاتينية، خاصة أنهما من أكثر الدول استثمارًا في القارة. وتتوزع الاستثمارات التركية على مجالات مختلفة، لكنها تولي اهتمامًا خاصًا بقطاع النفط، حيث تقوم شركة البترول التركية العالميةTPIC بالاستكشاف والتنقيب في كل من كولومبيا والإكوادور وفنزويلا، ناهيك عن توسيع الفرص الاستثمارية في قطاعَي الزراعة والتعدين. أضف إلى ذلك تحظى تركيا بصورة إيجابية داخل دول القارة، على خلفية العلاقة التاريخية، والتراث العثماني في أمريكا اللاتينية، حيث تعود جذور العلاقات بين تركيا وبلدان القارة إلى القرن التاسع عشر، حينما بدأت موجات الهجرة المتعددة من الإمبراطورية العثمانية في اتجاه القارة.

6- تحسين صورة نتانياهو

بالإضافة إلى الأهداف السابقة، يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي من وراء هذه الزيارة التي وصفها بالتاريخية إلى تحسين صورته الذهنية في الوعي الجمعي الإسرائيلي، والقفز على أزماته في الداخل، خاصة ارتباط اسمه بقضايا فساد ورشوة في ملف الغواصات الألمانية وهدايا رجال الأعمال، وهي التهم التي لم ينجح في حملته طوال الأشهر الماضية في إبعادها أو تبييض ساحته أو ساحة زوجته فيها. وبينما يرى نحو 62% من الإسرائيليين -وفقا لاستطلاع رأي إسرائيلي- أن إسرائيل "دولة فاسدة". وهكذا، يمكن القول إن نتانياهو يسعى عبر جولته اللاتينية وجولات في مناطق أخرى إلى تصدير صورة مغايرة لأدائه السياسي على المستوى الخارجي.

رابعا: تحديات صعبة

إذا كانت  زيارة نتانياهو يمكن أن تمثل بداية لتدشين عودة إسرائيل إلى القارة اللاتينية، واختراق دول القارة عبر الدول الحليفة لها، فليس متوقعا أن تسفر الجولة التي يصفها نتانياهو بالتاريخية عن تحقيق نجاحات لحظية بشأن تحويل مواقف دول القارة إلى دعم تل أبيب داخل المنظمات الدولية، فثمة تيار سياسي ممانع لإسرائيل، خاصة التيارات اليسارية التي برغم تراجعها وأزماتها ما زالت تمثل محركًا مهمًا للتوجهات الخارجية لدول القارة، وترى في سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين قهرًا وعدوانًا. وفي الصدارة من هذه الدول كوبا وفنزويلا والأكوادور وبوليفيا.

في المقابل، يمثل تزايد الحضور العربي في القارة اللاتينية، وتفعيل القمم الدورية "أسبا"، تحديًا آخر أمام تصاعد وزن إسرائيل في القارة. فقد انتقل حجم التبادل التجاري العربي مع أمريكا اللاتينية من خمسة بلايين دولار عام 2005 إلى نحو 30 بليون دولار في عام 2014. هذه الأرقام على ضآلتها تبدو مهمة في كسب أرضية سياسية لمصلحة القضايا العربية في تلك المنطقة.

 

جدول رقم (4): تطور حجم التبادل التجاري بين العالم العربي وأمريكا اللاتينية خلال الفترة (2005- 2015) - بليون دولار

العام

حجم التجارة بين العالم العربي وأمريكا اللاتينية

2005

5

2009

10

2012

21

2014

30

2015

34.7

 
المصدر: مرصد أمريكا اللاتينية. متاح على الرابط التالي:

http://www.marsadamericalatina.com/index.php/etudes/1417-2016-02-02-12-54-17

 

من ناحية أخرى، ثمة تجمعات عربية كبيرة داخل دول أمريكا اللاتينية يصل قوامها إلى حوالى 25 مليون نسمة وتعود أصولهم إلى لبنان والمشرق العربي. يمكن لهذه التجمعات أن تُحد من النفوذ الإسرائيلي من ناحية، وتكون في الوقت ذاته جسرًا مهمًا لبناء علاقات عربية قوية مع دول القارة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، تستند إلى إرث سياسي مشترك. وبمعنى آخر، فإنه إذا كان نتانياهو قد نجح في كسر جمود العلاقات الإسرائيلية- اللاتينية، فإن القوى العربية لازالت تمتلك من الأطر والأوراق التي يمكن من خلالها الحفاظ على قوة العلاقات العربية- اللاتينية، وتطويرها بشكل قد يحجم كثيرًا من فرص تطور العلاقات الإسرائيلية- اللاتينية.