د. إيمان رجب

رئيس وحدة الدراسات العسكرية والأمنية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

عادة ما تواجه الدول معضلة متعلقة بكيفية التعامل مع المناطق الحدودية، خاصة الدول ذات المساحات الشاسعة، والتي تعطي الأولوية لتحقيق التنمية في المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة والتي تقع في المركز، مما يجعل المناطق الحدودية باعتبارها تقع في الأطراف ذات أولوية متأخرة في تحقيق التنمية.
 وبالتالي، المسألة مرتبطة بكيف تخطط الدول لتحقيق التنمية المستدامة؟، وهل تسعى لاستثمار كافة الموارد الموجودة لديها بما في ذلك تلك التي توجد في المناطق الحدودية على نحو تتحول معه تلك المناطق من كونها عبء أمني إلى ثروة اقتصادية.  

وتعد مصر من الدول التي تواجه هذه المعضلة، ليس لكبر مساحتها فقط، وإنما أيضًا بسبب عدم وجود دول متماسكة على الجانب الآخر من المناطق الحدودية كما في حالة ليبيا، أو غياب الحكومة الشرعية كما في حالة المناطق الحدودية مع قطاع غزة، وهو ما يجعل مصر الطرف الرئيسي الذي يتحمل عبء تأمين هذه المناطق وتنميتها اقتصاديًا دون أن يكون هناك شريك لها في الجانب الآخر من الحدود.

ومنذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة في يونيو 2014، يلاحظ تزايد اهتمام مؤسسات الدولة المصرية بالمناطق الحدودية في إطار رؤية التنمية المستدامة 2030، سواء من الناحية الأمنية كما تكشف عن ذلك عمليات مكافحة الإرهاب التي تنفذها قوات انفاذ القانون في شمال سيناء،  أو من الناحية الثقافية كما تشير إلى ذلك برامج تثقيف شباب المناطق الحدودية الذي تنفذه وزارة الشباب والرياضة، أو من الناحية الاقتصادية كما تشير لذلك المشاريع القومية التي أعلنت الحكومة عن البدء في تنفيذها خلال السنوات القادمة. ولكن تظل قضية تنمية هذه المناطق من الناحية الاقتصادية من الإشكاليات التي يسهل التخطيط لحلها ولكن يصعب تنفيذ مشاريع حقيقية فيها ترفع معدلات التنمية بها. وهي إشكالية استعصت على الحل منذ عقود، ولعل مشروع توشكى الذي أطلقه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك في يناير 1997 مثالًا مهمًا في هذا السياق، وكان هدف هذا المشروع استصلاح واستزراع 540 ألف فدان حول منخفضات توشكى.    
وفي هذا السياق، تم تخصيص هذا العدد من دورية «بدائل» لمناقشة مداخل تحقيق التنمية الاقتصادية في المناطق الحدودية في مصر بالاستفادة من الخبرات الدولية ذات الصلة. ويحدد الأستاذ شريف رأفت الخبير الاقتصادي عدد ست مناطق/محافظات حدودية بحاجة لمزيد من الجهود الإنمائية في المجال الاقتصادي تحديدًا وهي محافظات البحر الأحمر والوادي الجديد وشمال سيناء وجنوب سيناء وأسوان ومطروح.
وتنطلق الدراسة من فكرة رئيسية مفادها أن المناطق الحدودية تعد مصدر لعدد كبير من التهديدات للأمن القومي المصري مثل الإرهاب والجريمة المنظمة وغيرها، وأن التعامل مع هذه التهديدات لايتطلب الاعتماد على الأدوات الأمنية والعسكرية فقط وإنما أيضًا رفع المستوى الاقتصادي لهذه المناطق، حيث تعد الأوضاع الاقتصادية في هذه المناطق سببًا في تحولها من كونها ثروة إلى عبء على الدولة نتيجة ما تطرحه من تهديدات.

ومن خلال تحليل الدراسة بعض الخبرات الدولية التي تقدم نماذج مهمة في مجال التنمية الاقتصادية للمناطق الحدودية، فإنها تقدم عدد من التوصيات التي من شأنها أن تحقق التنمية في هذه المناطق، ومنها تشكيل مجلس أعلى لتنمية المناطق الحدودية على غرار الجهاز الوطنى لتنمية سيناء ويختص المجلس ببحث ودراسة احتياجات المناطق الحدودية والتنسيق مع الجهات المعنية لوضع الخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لتحقيق التنمية الشاملة بها، ومتابعة تنفيذ المشروعات التنموية في تلك المناطق وتقديم تقارير دورية للسلطة التنفيذية عن معدلات التنفيذ والمعوقات التى تعترض إنجاز المشروعات ومقترحات تذليل تلك المعوقات.

كما تقدم الدراسة توصيات أكثر تحديًدا من أجل تنمية المناطق الحدودية مع السودان في الجنوب، ومع ليبيا في الغرب ، ومع قطاع غزة في الشمال الشرقي.