د. أميرة محمد عبد الحليم

خبيرة الشئون الأفريقية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

قام الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو في 22 من شهر أغسطس الجاري (2017) بزيارة مهمة للقاهرة هي الأولى منذ انتخابه في فبراير الماضي. التقى خلال الزيارة بالرئيس عبدالفتاح السيسي وعدد من كبار المسئولين والشخصيات في البلاد، من بينهم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. وقد حملت هذه الزيارة العديد من الدلالات حول تطور العلاقات المصرية- الصومالية خلال السنوات الأخيرة، وما يرتبط بها من أدوار تنتظرها الصومال من مصر لتسوية مشكلاتها الداخلية، ودعم استقرارها ووجودها في إطار إقليم شرق أفريقيا.

فقد عانت الدولة الصومالية منذ انهيار الحكومة المركزية فيها في عام 1991، من ارتباط الصراع الداخلي بالتنافس الإقليمي بين عدد من دول شرق أفريقيا، انعكس في شكل تدخلات خارجية في الأراضي الصومالية. كما استغلت العديد من القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، حالة الفوضى التي انتشرت في أرجاء الصومال، لتحقيق مصالحها وزيادة نفوذها في إقليم شرق أفريقيا. وقد ازدادت الأوضاع الداخلية تعقيدًا مع صعود ظاهرة الإرهاب، حيث مثلت الصومال إحدى ساحات المواجهة الدولية ضد الإرهاب، مما زاد من فرص التدخلات الخارجية؛ فتحولت حركة شباب المجاهدين من حركة مقاومة للغزو الإثيوبي للصومال خلال الأعوام من (2006-2009)، وجماعة معارضة لحكم الشيخ شريف أحمد، إلى جماعة إرهابية مع نهاية عام 2009. وهكذا، تحول الصراع الداخلي في الصومال من مواجهة بين النظام الحاكم وأجنحة المعارضة، إلى مواجهة بين النظام الحاكم، الذي تدعمه عدد من القوى الإقليمية، وجماعة إرهابية. في هذا السياق، تدخلت كينيا عسكريا في الصومال في أكتوبر 2011، وتبعتها إثيوبيا في نوفمبر 2011، وتحولت مناطق كثيرة داخل الصومال إلى ساحات للمواجهة بين قوات الاتحاد الأفريقي التي تساند القوات الوطنية وتحمي مؤسسات الحكم الصومالية، وعناصر حركة الشباب، أو بين الأخيرة والقوات الإثيوبية ونظيرتها الكينية التي انضمت للقوات الأفريقية عام 2014.

وقد تمكنت الصومال من إرساء مؤسسات الحكم الدائمة خلال عام 2012، إلا أن هذه المؤسسات ظلت تعاني من الضعف والهشاشة في ظل افتقادها للدعم الحقيقي، واستمرار التهديدات الأمنية والتنافس الاقليمي على الصومال.

وأمام هذه التحولات التي شهدتها الأزمة الصومالية، وفي ظل التجاهل العربي للأزمة، وترك الأزمة لتديرها قوى إقليمية غير عربية، ومع إدراك الصوماليين أن مصر هي الدولة الوحيدة القادرة علي جمع الفرقاء، والحفاظ على وحدة الصومال وإرساء دعائم الاستقرار في الدولة، والحد من الأطماع الخارجية التي عملت لسنوات على  تمزيق أوصال الدولة، بما تتحمله مصر من مسئولية إزاء أشقائها وجيرانها من الدول العربية والأفريقية، ومحاولاتها خلال السنوات القليلة الماضية استعادة دورها التاريخي في نشر السلام والأمن بين ربوع القارة، خاصة في إقليم شرق أفريقيا الذي يمثل امتدادا للأمن القومي المصري. هذا إلى جانب ما تمتلكه مصر من خبرات واسعة في منع وإدارة وتسوية الصراعات، يضاف إليها الإمكانيات الاقتصادية والبشرية التي يمكن أن تسهم في إعادة إعمار الصومال، ودعم الشعب الصومالي الذي يعاني من الفقر والجوع والأمية. 

وفي هذا الإطار، تأتي زيارة الرئيس الصومالي لمصر؛ فالحكومة والشعب الصومالي يدركان جيدًا قدرة مصر على دعم الصومال في عدد من المجالات التي تتميز بها عن غيرها من القوى الإقليمية. ونشير فيما يلي إلى عدد من المجالات المهمة التي تتوقع فيها الصومال دعمًا من جانب الدولة المصرية.

1- بناء الجيش الوطني

إن القضية الحاسمة بالنسبة للصومال اليوم ترتبط ببناء جيش وطني قادر على مواجهة التهديدات الأمنية؛ فقد شهدت الشهور الأخيرة تصاعدًا كبيرًا في عمليات حركة الشباب، وذلك في الوقت الذي ستبدأ فيه قوات الاتحاد الأفريقي - التي تتألف من 22 ألف جندي وحققت نجاحات مهمة - في الانسحاب من الصومال خلال شهر أكتوبر  2018 على أن تستكمل هذا الانسحاب حتى ديسمبر 2020، ليتولى الجيش الوطني - الذي يعاني من قصور القدرات والتمويل ونقص الكفاءة - مهمة حماية الأمن والحفاظ على الاستقرار في الصومال. وكان الرئيس الصومالي فرماجو قد طالب المجتمع الدولي برفع حظر السلاح المفروض علي الصومال حتى يستطيع الجيش الوطني تحمل مسئولياته في مواجهة الإرهاب. وعلى الجانب الآخر، تستعد تركيا لبناء معسكر خلال الشهور القادمة لتدريب الجيش الصومالي.

وكان الرئيس الصومالي قد بحث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي سبل بناء وتطوير قدرات الجيش الوطني، حيث تم تدريب 15من ضباط الجيش الوطني في القاهرة، كما ستتولي تدريب قوات أخرى.

2- تسوية الأزمة السياسية

بجانب التهديدات الأمنية السابقة، لم يتخلص الصومال بعد من أزمته السياسية الممتدة، التي تطورت خلال أكثر من عقدين من الزمن، وأسفرت عن مشكلات متنوعة كان أبرزها نمو الجماعات الإرهابية في الصومال، بل وتهديدها لإقليم شرق أفريقيا بأثره. الأمر الذي جعل الصومال اليوم في أمس الحاجة للوصول إلى تسوية سياسية تشمل الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية، وجميع فصائل المعارضة، ويتم الاتفاق خلالها على كيفية حكم الصومال، وتحديد دور قوات الأمن في البلاد، وتشمل إدماج الجماعات المسلحة المنتشرة في البلاد.

وتأتي في هذا الإطار أهمية الدعم المصري للصومال، في ضوء ما تمتلكه الدولة المصرية من خبرات سياسية واسعة، خاصة بعد الخبرة المصرية المهمة في ليبيا. هذا إلى جانب قدرة مصر على دعم الاستقرار في الصومال بعيدًا عن التجاذبات الإقليمية، خاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وكذلك بعيدًا عن التنافس بين دول المنطقة حول قيادة الإقليم، وتحقيق المصالح الأمريكية. فقد اندفعت دول إقليمية عدة، في سبيل تدعيم دورها، في اتجاه قيادة التسوية السياسية للأزمة الصومالية، مما فاقم من هذه الأزمة وأدى إلى نتائج كارثية على الشعب الصومالي؛ إذ إن أيًّا من هذه القوى لم تبحث إلا عن مصالحها دون الاهتمام بمعاناة هذا الشعب. 

3- معالجة الفكر المتطرف

ينظر الصوماليون إلى مؤسسة الأزهر الشريف بإجلال واحترام شديدين، حيث تتلمذ الكثيرون من النخبة الصومالية على أيدي أساتذة وعلماء الأزهر. كما يتميز الشعب الصومالي الذي ينتمي 99% منه للدين الإسلامي بالتدين، لذلك يمثل الأزهر مرجعية رئيسية بالنسبة لهم. ويتطلع الصوماليون أن يقوم علماء الأزهر بدور مهم في معالجة الأفكار المتطرفة التي تدعو لاستخدام العنف في مواجهة المجتمع، ونشر مبادئ الدين الاسلامي الصحيحة وتخليص المجتمع من البدع والخرافات.

وخلال زيارته الأخيرة بحث الرئيس فرماجو مع الرئيس السيسي سبل محاربة الفكر المتطرف، والعمل على تبادل العلماء والدعاة بين البلدين من أجل إرشاد الناس وتوجيههم نحو الأفكار السليمة التي دعت إليها الشريعة الإسلامية.

4- دعم الاقتصاد الصومالي

إن تحقيق الاستقرار في الصومال لا يتوقف فقط على معالجة المشكلات الأمنية والسياسية، ولكنه يتضمن أبعادًا أخرى، يأتي على رأسها تحقيق التنمية الاقتصادية؛ فالصومال واحدة من أفقر دول العالم، ويعتمد اقتصادها على الثروة الحيوانية والزراعية، إلا أنها تتعرض لنقص الأمطار، وشح المياه الناجم عن التغيرات المناخية، الأمر الذي نتج عنه موجات من الجفاف والمجاعة المتكررة. وفي هذا الإطار، يتطلع الصوماليون لدعم مصر للاقتصاد الصومالي. وقد قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي تقديم 200 منحة تعليمية للصومال، فضلا عن تفعيل التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية وصيد الأسماك. كما تم توقيع اتفاقيات ثنائية في مجالات التجارة والصناعة بين البلدين. كذلك قام وفد من رجال الأعمال المصريين بزيارة إلى الصومال في أغسطس الجاري.

وأخيرًا يمكن القول إن زيارة الرئيس الصومالي محمد فرماجو للقاهرة تمثل خطوة مهمة في تدعيم العلاقات المصرية - الصومالية، وتعبر عن حاجة الصومال لاستعادة مصر لدورها الإقليمي، ومحاولاتها للحد من التدخلات الخارجية "غير المرغوبة" في الأزمة الصومالية، بهدف الحفاظ على وحدة الصومال، لما تمثله هذه الدولة من أهمية خاصة للأمن القومي المصري، بل وللأمن القومي العربي. لكن الدور المصري المنتظر في الصومال يواجه العديد من التحديات، أهمها استمرار وجود العديد من الدول الإقليمية والدولية التي تتنازع النفوذ داخل الصومال، والتي يشارك بعضها في الحرب ضد الإرهاب، ويرعى بعضها الآخر المصالح الأمريكية في إقليم شرق أفريقيا، مما يصعب إبعادها عن المشهد الصومالي.