شروق صابر

باحثة مشاركة - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

بدأ التدخل العسكري الأمريكي في الصراع السوري ميدانيًا منذ مطلع مارس 2017 حتى الآن، وذلك بعد أن قررت الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن تكون أكثر انخراطًا في الأزمة السورية على العكس من الإدارة السابقة. وكان لذلك تأثير لم يقف عند الأبعاد والتداعيات العسكرية فقط، فقد كان له أبعاده وتداعياته السياسية المهمة، أبرزها صياغة "خرائط نفوذ سياسية جديدة". ومن هنا تكمن أهمية هذه الدراسة التي أعدتها الأستاذة صافيناز محمد أحمد، الباحثة بوحدة الدراسات العربية والإقليمية بالمركز.

تؤكد الدراسة بداية أن التدخل العسكري الأمريكي في الصراع السوري، من باب محاربة تنظيم الدولة "داعش"، فتح المجال أمام مسار جديد من العلاقات بين الولايات المتحدة والقوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الصراع السوري. فقد شكل اتجاه واشنطن لدعم الأكراد السوريين في مواجهة داعش بمدينة منبج استعدادًا للرقة نقطة الخلاف الرئيسية مع أنقرة، حيث ترى الأخيرة أن ميليشيات الأكراد السورية على صلة وثيقة بميليشيات حزب العمال الكردستاني التركي المعارض الذي تصنفه تركيا باعتباره منظمة إرهابية. فضلًا عن رفض تركيا جملة وتفصيلا فكرة وجود قوات عسكرية كردية، بهذا العدد وبهذه القدرات العسكرية والتسليحية العالية، على حدودها الجنوبية باعتباره يهدد أمنها القومي. هذا بخلاف التطلعات الكردية السورية بشأن إقامة كيان كردي يتمتع باستقلالية في الشمال السوري، وإشكاليات مستقبل قوات سوريا الديمقراطية، حال الانتهاء من محاربة "داعش".

وكانت الضربة الأمريكية ضد قاعدة الشعيرات بمثابة إعادة تقييم واشنطن لحساباتها السياسية والأمنية في سوريا. ولذلك كانت مدفوعة بجملة من الأهداف. كما أنها حملت العديد من الدلالات، أهمها رغبة ترامب توجيه رسائل لإيران التي اعتبرها الراعي الرسمي للإرهاب في المنطقة، ووضع ميليشياتها العاملة في سوريا على قدم المساواة مع تنظيمات المعارضة السورية المسلحة المصنفة إرهابيا. هذا بخلاف  موقفه الرافض للاتفاق النووي الذي يرى أنه منح إيران نفوذًا متناميًا في المنطقة. وكشف مدى الضرر الذي لحق بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي السابق نتيجة انسحابها من المنطقة لصالح روسيا وإيران.

أما الضربة الثانية بعد قاعدة الشعيرات، والتي كانت ضد تحركات ميليشيات تابعة للنظام السوري في منطقة التنف الحدودية، فقد أوضحت أن الولايات المتحدة لن يقتصر دورها في منطقة شرق سوريا على محاربة تنظيم الدولة "داعش" في الرقة ودير الزور فقط، وإنما يمتد ليشمل عرقلة تحركات إيران وتقويض نفوذها في المنطقة المذكورة نفسها. واعتبار تلك التحركات أهدافًا مهمة بالنسبة للاستراتيجيات العسكرية الأمريكية هناك. وهو ما أدركته روسيا التي حاولت كبح جماح الضربات العسكرية الأمريكية المتكررة ضد حلفاء النظام السوري لرفض موسكو ترك منطقة الشرق السوري مجالا مفتوحًا أمام التحركات العسكرية الأمريكية سواء كانت تحركات برية للقوات السورية الموالية لها، أو ضربات جوية متتالية، مما يشير إلىأنه في حالة عدم التوصل إلى صيغة للتفاهم بين الولايات المتحدة وروسيا، ومن ورائهما النظام السوري وإيران لتحديد أماكن النفوذ والسيطرة بين تلك القوى، فقد تشهد المنطقة العديد من السيناريوهات.

وكانت المباحثات التي تمت بين الولايات المتحدة وروسيا في الأردن المعنية بمنطقة الجنوب الغربي السورية، والتي انتهت بتدشين هدنة في المنطقة المذكورة بدأ سريانها في التاسع من يوليو 2017،هي الأولى من نوعها التي تشارك فيها الإدارة الأمريكية الجديدة بمباحثات مباشرة مع الجانب الروسي بشأن اتفاقات للهدنة. كما أن المعارضة السورية أبدت تخوفها بشأن الاتفاق، لأسباب عديدة، أهمها أنه استخدم وللمرة الأولى مصطلح "جنوب غرب سوريا"، ما اعتبرته المعارضة بداية لتقسيم سوريا إلى أقاليم للنفوذ والسيطرة بين الولايات المتحدة وروسيا.

كما أن الترتيبات الإقليمية والدولية التي رعت اتفاق هدنة الجنوب حملت العديد من الدلالات؛ فدخول المتغير الأردني على معادلة الصراع السوري، حتى وإن كان من باب تدشين الهدنات، يعني أن الأردن أصبح طرفًا مباشرًا ومهمًا في الترتيبات الإقليمية العسكرية لمنطقة الجنوب السورية.

وأوضحت الدراسة أنه من خلال جملة تعاطيات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع تطورات الصراع السوري، يتضح عدة خيارات أمريكية في سوريا خلال المرحلة القادمة أصبحت محل اختلاف بين المهتمين في الشأن السوري. فالاتجاه الأول: يرى أن السياسة الأمريكية في سوريا لا تزال غامضة، بالرغم من استهدافها لقوات النظام وقوات حلفائه عبر ضربات عسكرية متعددة. الاتجاه الثاني، يرى أن سياسة تبادل الأدوار التي تجيد كل من روسيا وإيران تطبيقها في الأزمة السورية من شأنها أن تضع الاستراتيجية الأمريكية، المنخرطة حديثًا في الصراع السوري، في مأزق إقليمي حاد إذا لم تقم بإجراءات فعالة للحفاظ على حالة الزخم التي أحاطت بهذا الانخراط. الاتجاه الثالث يرى أن واشنطن ستنحو إلى تفعيل التعاون مع موسكو في الشأن السوري، بهدف وضع آليات مشتركة لإدارة الأزمة بين الطرفين بما يضمن توزيعًا معينًا للحصص والنفوذ بينهما. في حين يشير الاتجاه الرابع إلى صياغة واشنطن لاستراتيجية تقوم على ثلاثة مراحل: الأولى، القضاء على تنظيم الدولة أو "تحييد" خطره. الثانية، تحقيق الاستقرار بأبعاده العسكرية (أمن الحدود وتقويض النفوذ الإيراني)، والسياسة (تقاسم النفوذ مع روسيا). الثالثة، انتقال هادئ لبشار الأسد ونظامه خارج المشهد السياسي السوري، وفقًا لعدد من الخيارات المختلفة.

وناقشت الدراسة الموقف التركي من التدخل الأمريكي العسكري في سوريا، فهناك بعض المتغيرات المهمة التي يمكن من خلالها الوقوف على تفاصيل الموقف التركي من التدخل العسكري الأمريكي في سوريا، أولها الموقف التركي من عملية تحرير الرقة. وثانيها، موقع المتغير الكردي كمحدد مهم في السياسة الخارجية التركية بشكل عام، وتطورات الملف السوري بشكل خاص. وثالثها، تأثير إنهاء تركيا في مارس الماضي (2017) عملية درع الفرات العسكرية التي كانت قد بدأتها في شمال سوريا. وأخيرًا الموقف من الضربة الأمريكية على مطار الشعيرات، ومستقبل العلاقات بين الدولتين إزاء ذلك.

كما تناولت الدراسة الموقف الإيراني من التدخل العسكري الأمريكي، والذي يمكن الوقوف عليه من خلال مناقشة التحديات الاستراتيجية التي تواجهها إيران في المنطقة، خاصة عقب وصول إدارة ترامب، والموقف الإيراني من الضربة العسكرية الأمريكية على مطار الشعيرات، وأخيرًا موقف إيران من اتفاق هدنة الجنوب.

أيضًا بينت الدراسة الموقف الروسي من التدخل الأمريكي، من خلال مناقشة التعاطيات الروسية في منبج والرقة، ثم الموقف الروسي من الاستهداف الأمريكي لقاعدة الشعيرات، ثم الموقف الروسي من مبادرة تخفيف الصراع، وأخيرا الدور الروسي في اتفاق الهدنة في الجنوب.

وانتهت الدراسة إلى أن التدخل العسكري الأمريكي في الصراع السوري، لم يسهم في حلحلة الموقف الأمريكي تجاه مجمل الصراع لاسيما العلاقة بين النظام السوري والمعارضة، ومستقبل الأزمة وطبيعة التسوية المأمولة، لأنه لا يزال يفتقد لرؤية استراتيجية متكاملة حول كيفية إدارة الصراع السوري، وأن خيارات هذا التدخل الاستراتيجية، السياسية منها والعسكرية، لا تزال غامضة. لكنها تشير في الوقت ذاته إلى الأسباب التي قد تدفع واشنطن إلى رفع مستوى تواجدها العسكري على الأرض السورية كمعطى ضروري ستفرضه تطورات وتداعيات مرحلة المواجهة مع داعش وما بعدها، وما يرتبط بها من صياغة جديدة للتنسيق والتعاون الأمني والسياسي مع غيرها من القوى وعلى رأسها روسيا.