مثّل التدخل العسكري الأمريكي فى الصراع السورى في مارس 2017، تحولا مهما في مسار هذا الصراع. وقد استهدف هذا التدخل محاربة تنظيم "داعش" فى منبج والرقة ودير الزور وتقويض انتشاره. لكن تأثير هذا التدخل لم يقف عند الأبعاد والتداعيات العسكرية، فقد كان له أبعاده وتداعياته السياسية المهمة، أبرزها صياغة "خرائط نفوذ سياسية جديدة"، تداخلت وتشابكت فيها المصالح الإقليمية والدولية مما نتج عنه دخول الصراع السورى فى مستوياته الإقليمية والدولية مرحلة جديدة من تقاطعات المصالح. وترصد هذه الدراسة مسار التعاطى الأمريكى العسكرى والسياسى مع متغيرات الصراع السورى فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب، كاختيار الأكراد السوريين لتولى مهمة مواجهة داعش ودعمهم تسليحا وتدريبا عبر قوات سوريا الديمقراطية، وما نتج عن ذلك من تحديات سواء على مستوى خرائط الانتشار الميدانية، أو على مستوى العلاقات مع الحليف التقليدى تركيا التى رأت فى الدعم الأمريكى للأكراد تجاوزا لثوابت العلاقات التركية الأمريكية، وفى تحركات الأكراد تهديدا لأمنها القومى.

وتتناول الدراسة أيضا أسباب انتقال التدخل الأمريكى من نطاق مواجهة داعش إلى نطاق الفعل العسكرى المباشر ضد قوات النظام السورى والميليشيات المتحالفة معه، وتحديدا الضربات العسكرية الأمريكية على قاعدة الشعيرات الجوية التابعة للنظام، وضرب ميليشياته الحليفه فى منطقة التنف الحدودية مع العراق. هذا فضلا عن رصد التعاطيات الدولية والإقليمية للقوى المعنية بالأزمة السورية من هذا التدخل العسكرى الأمريكى المباشر، وتحديدا روسيا وتركيا وإيران، وهى التعاطيات التى رسمت خريطة اتفاق الهدنة فى الجنوب السورى خاصة الأجزاء الغربية منه. وتنتهي الدراسة إلى أن توافق تلك القوى على اتفاقات الهدنة لا ينفى استمرار حالة التناقض بين مشاريع النفوذ والسيطرة بينها بقوة فى سوريا، ما يؤشر على إطالة أمد الصراع الدولى والإقليمى في سوريا حتى بعد الانتهاء من محاربة "داعش".  

وتنتهي الدراسة إلى أن التدخل العسكرى الأمريكى فى الصراع السورى من باب محاربة تنظيم "داعش"، لم يساهم فى حلحلة الموقف الأمريكى تجاه مجمل الصراع لاسيما العلاقة بين النظام السورى والمعارضة، ومستقبل الأزمة وطبيعة التسوية المأمولة، لأنه لايزال يفتقد لرؤية استراتيجية متكاملة حول كيفية إدارة الصراع السورى، وأن خيارات هذا التدخل الاستراتيجية، السياسية منها والعسكرية، لاتزال غامضة. لكن الدراسة فى الوقت ذاته تشير إلى الأسباب التى "قد" تدفع واشنطن إلى رفع مستوى تواجدها العسكرى على الأرض السورية كمعطى ضرورى ستفرضه تطورات وتداعيات مرحلة المواجهة مع "داعش" وما بعدها، وما يرتبط بها من صياغة جديدة للتنسيق والتعاون الأمنى والسياسى مع غيرها من القوى وعلى رأسها روسيا. كذلك، فإن إحجام الولايات المتحدة عن عقد صفقات دولية وإقليمية، تمهد لصياغة خرائط نفوذ جديدة فى سوريا فى الوقت الراهن، لا يعنى استبعادها لفكرة صفقات التسوية والنفوذ بصورة نهائية مستقبلا، والتى سيدخل فيها المتغير الإيرانى والتركى واللبنانى والإسرائيلى، وهى صفقات لم تنضج الظروف الدولية والإقليمية بشأنها حتى الآن.