يذهب بعض المتابعين للأزمة الخليجية- المصرية مع قطر إلى أن الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب (مصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات والبحرين)، في إدارتها للأزمة، تبدو وكأنها تدفع بشروطها الـ 13 ومبادئها الستة إلى المجهول؛ حيث أتى الرد القطري سريعًا في تقارير وحملات الجزيرة المستمرة على هذه الدول. بل يرى البعض أن دول المقاطعة تتراجع دبلوماسيا، ومن علامات ذلك إعلانها في اجتماع المنامة استعدادها للحوار مع الدوحة. ولا يهمنا هنا اختبار مدى صحة اتجاه الدول الأربع إلى التراجع من عدمه، فالوقت لازال مبكرًا للحكم بذلك، وبحسابات المصالح السياسية فإنها أمور تختلف تقديراتها من يوم لآخر. ولكن هذا المقال سيسعى لتسليط الضوء على جوانب ينبغي الانتباه إليها بخصوص طبيعة المواجهة الإعلامية الحالية مع قطر وقناة الجزيرة. فلربما كان الإعلام القطري أحد العوامل المهمة التي تلعب دورًا في تسريب قناعة لدى البعض بتراجع الدول الأربع أو ضعف موقفها، وهو ما يعطي أهمية متزايدة لدراسة البعد الإعلامي في إدارة هذه الأزمة.
فلماذا تتغلب دعاية الجزيرة وتقاريرها رغم الموقف السياسي القوي للدول الأربع؟ وكيف يمكن تصحيح الخطاب الإعلامي لدول المقاطعة في مواجهة ماكينة الجزيرة؟هذا المقال يسعى إلى تقديم بعض الإجابات على هذين السؤالين المهمين.
أولا: لماذا تتغلب دعاية الجزيرة وتقاريرها؟
نطرح هنا ستة عوامل أساسية تفسر من وجهة نظرنا تغلب دعاية قناة الجزيرة وتقاريرها، وتمتعها بدرجة كبيرة من الجاذبية والصدى، وذلك رغم الموقف السياسي القوي للدول العربية الأربع: مصر، والممكلة العربية السعودية، والإمارات، والبحرين. وهي أسباب لا علاقة لها بالمعايير والقواعد المهنية في العمل الإعلامي، بقدر اعتياد "الجزيرة" تجاوز "المحرمات السياسية"، وتوظيف اللغة الوعظية، وحالة الاندماج القائمة بين المشروعين القطري والإخواني، وغيرها من العوامل نناقشها فيما يلي.
1- تناول"المحرمات السياسية" في منطقة الخليج
فقد بلغت قناة الجزيرة في تعاطيها الإعلامي مع أوضاع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات خلال الأزمة حدًا تجاوز "محرمات" كثيرة في الواقع الخليجي؛ فتناولت قضايا، ووظفت لغة وأسلوبًا لم يكن مسموحًا بهما في علاقات دول الخليج ببعضها البعض، خاصة فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، حيث تسود النظرة إلى المملكة في دول مجلس التعاون الخمس الأخرى على أنها الشقيق الأكبر، وتعتبر شئون الأسر الحاكمة من أخص الشئون التي ابتعدت عنها كل الدول الخليجية إعلاميا على الأقل، وهذا بمثابة عرف ودستور خليجي بيني. وبالتأكيد فإن تناول وعرض تقارير عن الأسرة الحاكمة السعودية، و"تسييس"شئون الحج والعمرة، مرفقة بفيديوهات من الأماكن المقدسة وصور وكلمات للملك سلمان في فترات زمنية سابقة، مصحوبة بلغة مغلفة بسحر الكلمة وتتناول الدهاليز السياسية والدينية المصحوبة بالإيماءات الخاصة، هو أمر يرفع حواس التنصت و"النميمة السياسية"، ويحظى بنسب مشاهدة عالية.
2- الجاذبية السياسية لهجوم الدول الصغيرة على الكبيرة
فعلى الرغم من أن إعلام الدول الأربع يواصل هو الآخر الهجوم السياسي على قطر، إلا أن الهجوم الإعلامي لقناة الجزيرة يلقى اهتماما أكبر وتسليطا للضوء أكثر. وقد يسبب تقريرًا واحدًا للقناة عن الشئون الداخلية بالمملكة والإمارات تأثيرًا أكثر بكثير من عشرات، وربما مئات، التقارير والمقالات التي تكتب في الصحف في هذه الدول. والسبب في ذلك ليس مرجعه تأثير الجزيرة، وإنما بالأساس لأن هذه اللغة غير معتادة في الخطاب السياسي والإعلامي القطري مع السعودية والإمارات. ومن ثم، فإن جاذبية تقارير الجزيرة لا تعود لمضمونها ذاته –رغم استمرارها كقناة مؤثرة- وإنما إلى الدول والأسر والشخصيات الكبيرة التي توجه سهامها إليها، ومن زوايا وأوجه غير معتادة داخل "البيت" الخليجي. وبالمقابل، فمهما تناول إعلام الدول الأربع لقضايا تخص قطر وأسرة آل ثاني فإنه قد لا يحدث نفس الصدى، ذلك أن قطر دولة صغيرة واعتادت الأسرة الحاكمة بها هذا النمط من التناول الإعلامي منذ سنوات.مع ذلك فعلى الرغم من أن التناول الإعلامي الراهن للجزيرة لشئون السعودية والإمارات قد يبدو مؤثرًا، إلا أنه سيتراجع تاليا،على غرار ما حدث مع مصر، والتي تقلصت فيها نسب المشاهدة للقناة كثيرًا قبل الأزمة الراهنة.
3- دكتاتورية الكلمة وتوظيف اللغة الوعظية و"المساجدية"
ليس ثمة أكثر ما يميز الحالة الراهنة في إعلام الجزيرة والموقف القطري سوى توظيف سلطان ودكتاتورية الكلمة "المساجدية" التي يجيدها الإسلاميون، فمن اللغة التي توظفها الجزيرة حاليا يتضح أن كاتبي التقارير يجيدون لغة البيان وينسجون من قصص القرآن محتويات يسقطونها على الواقع الداخلي بالدول الأربع، وهو أمر يوظف سلطان الدين، ويعطي لقارئ التقرير -ذي اللغة والنطق واللهجة المميزة-سحرًا وسلطانًا على آذان السامع وأعين المشاهد. ومع تكرار هذه الأنماط وتشابهها مع تقارير الجزيرة خلال فترة الثورات العربية، يتضح أن لغة الدعاية السياسية لخطباء المساجد، الذين يشكلون ذخيرة المشروع القطري والإخواني، يجري توظيفها جيدًا على نحو تحريضي، وهو أمر غير موجود في الإعلام المهني، لينتج في النهاية لغة يصعب مباراتها كلغة إعلام وبيان، خصوصًا على جمهور عربي له خصائص ثقافية واجتماعية محددة.
وينعكس ذلك فيحجم ومضمون المكون الديني في بعض التقارير، والتي يجري مزجها وغزلها على منوال آيات القرآن الكريم، مع عرض صور وفيديوهات تشخصن هذه الآية القرآنية أو تلك على الزعيم أو المسئول أو الواقع المستهدف. وكان لافتا أنه في سياق الأزمة أن أحد تقارير القناة صور الأمير تميم في صورة النبي يوسف الذي عاد إخوته بقميصه لوالده وادعو كذبا أن الذئب قد أكله، وهو ما صور قادة الدول الأربع على أنهم إخوة يوسف، والرئيس الأمريكي ترامب في مقام أبيه يعقوب، وكل ذلك توظيف مخل وفتاك بمعاني القرآن وغير متناسب مع الآيات الكريمة والقصة العظيمة.
ويساعد على استحواذ الجزيرة بالتأثير أن كل ذلك يتم في ظل تخاذل وامتناع قوى الإسلام السياسي (شيوخ تيارالصحوة مثلا في السعودية)، وفي دول المواجهة، عن خوض المعركة انتصارا لبلادهم، إما خوفًا على قواعدهم الدينية أو تعاطفا مع قطر والإخوان. ففي السعودية ليس هناك أثر لمشايخ تيار الصحوة ممن يستطيعون اجتذاب الرأي العام والانتصار لبلدهم في المواجهة الراهنة، وبينما تضرب الجزيرة أركان الدولة السعودية بتقاريرها اللاذعة، فإنها تتندر على أحد مشايخ المؤسسة الدينية في المملكة لمجرد أنه دعا في صلاته على رعاة الإرهاب.
4- الكتائب الإلكترونية التي تُخدم على المشروع القطري
فمن الغريب أنه في سياق الأزمة الراهنة جرى توظيف الكتائب الإلكترونية والإخوانية الداعمة لقطر بأسوأ الأشكال؛ فما أن يصدر تقرير أو تحليل، أو تنشر حلقة حوارية من حلقات قناة الجزيرة،والقنوات الأخرى المساندة لقطر في تركيا، إلا ويظهر بعدها بدقائق على اليوتيوب عشرات من التركيبات والتقطيعات المجتزأة للحوار أو التقرير في استخدامات وتوظيفات متعددة، وفي سياقات مختلفة، وبعناوين بعضها مكذوب ومغلوط، وبعضها يميل للإثارة، وبعضها يصل إلى حد الشتائم والتطاول على أكبر الرموز في السعودية والإمارات ومصر والبحرين، وذلك فضلا عن فيض المواقع والفيديوهات الخاصة لبعض المشاهير من أنصار التيار الإسلامي والإخوان الذين يمعنون في تجريح وتشويه القيادات في الدول الأربع وتأليه قادة قطر وتركيا.وعلى الرغم من أن جزءا من ذلك يجري في سياق معركة الإخوان في اصطفافهم مع قطر، إلا أن جزءا آخر يتم في سياق حملة المشروع القطري فيما يعتبره المنازلة الكبرى في الانتصار على ما يسميه "قوى الحصار". كل ذلك يجعل المواجهة مع قطر مواجهة مع مشروع شبكي لولبي يصعب الإحاطة بخيوطه وأطرافه وأبعاده ورؤوسه وأهدافه. ولكن لغته وأساليبه وسلوكياته تشير جميعها إلى أساليب قوى الإسلام السياسي التي تتجه إلى توظيف كل شيء في معاركها مع ما تعتقد بأنه "عدو".
5- الإندماج الكلي والوظيفي بين المشروعين القطري والإخواني
تبدو قطر والإخوان حاليا مثل كيان واحد بأذرع متعددة. الآن يقف المشروعان في أقصى مرحلة للاندماج فيما يشبه الاصطفاف لخوض "حرب مقدسة". وعلى الرغم من أن لغة تقارير الجزيرة في مواجهاتها الراهنة ليست جديدة، على الأقل بالنسبة لمصر، إلا أن الجديد في الأزمة الراهنة هو اتجاه القناة إلى منحى عقائدي أيديولوجي تام. وفي هذا السابق، برز تأثير المكون والكادر الإخواني في القناة على نحو جزئي وفي حدود "الغمز" و"اللمز"، حين كان يجري الحديث عن توجهات المدير العام السابق للقناة، أو بعض المراسلين ومديري المكاتب، وبعض المحررين والإعلاميين، لكن الآن طغى المكون الإخواني وسيطر تماما على تحرير القناة من أعلى الكوادر إلى أدناها، واستبد طغيان تأثير المحرر والمذيع على المضمون والخبر.
فليس فيما تقدمه الجزيرة في أخبارها من جديد مختلف عن كل القنوات الفضائية، ولكن الاختلاف الأساسي في التقارير والحوارات، وطريقة التقديم الخبري والإعلامي، وانحيازات المذيع وطريقة قراءته للنشرة، وحواره مع الضيوف، ونبرات ومستويات صوته التي تعلو وتتراجع بحسب المضمر في النفس والرسالة التي يريد توجيهها لمشاهديه، وإطلالته على الشاشة، ونظرات عينيه، ومخارج ألفاظه، وحركات فمه، التي تشير جميعها إلى حالة إنكار واستعلاء وانحيازات مسكونة، ولغة كراهية شديدة تجاه الدول الأربع، وهي أمور مفهومة وموحية تماما للعقلية والنفس الإخوانية. ويبدو أن الخدمات التي قدمتها قطر للإخوان خلال الثورات تعود عليها حاليا بخدمات مرتدة من الإخوان. فخلال هذه المواجهة يجري توظيف كل الجسد والتنظيم الإخواني في أكثر من 60 دولة ضد الدول الأربع. وبهذه التركيبة الإعلامية القطرية الإخوانية الخاصة يجد من لا يقف مع قطر نفسه في منزلة من خان الله ورسوله!
6- انعكاس التشوهات التي ضربت تيار الإسلام السياسي على الأزمة
انعكست كل أوجه القصور والتشوهات التي انتهى إليها مشروع الإسلام السياسي في التناول الإعلامي الإخواني وإعلام الجزيرة في الأزمة الراهنة؛ حيث ينطلق هذا التيار من يقين يصل لحد العقيدة والإيمان بأنه على الحق وأن الآخر على الباطل. هذا التيار ليس على استعداد مطلقا لرؤية الواقع كما هو، وحتى خسائره الواضحة في مؤشرات ظاهرة تؤكد شذوذ أفكاره هي بالنسبة له مؤشرات على قرب النصر، وكل "عسر" بالنسبة له هو امتحان وابتلاء سيعقبه "يسر"، وذلك يجعله لا يحلل أسباب انتكاساته وهزائمه مطلقا لأنه ليس لديه وقت مع قفزاته المستمرة للأمام هربا من السلطات أو الواقع، وهو لا يستفيد من أي خطأ لأن نزاهته عن الخطأ ترتبط بنزاهة وقدسية الدين. وعلى الرغم من أن إحدى المقولات الراسخة لهذا التيار هي أن "دولة الكفر ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة"، وهو يسعى بلا هودة لبناء دولة الحق منذ 80 عاما دون كلل، فإنه غير قادر على إدراك أسباب استمرار ما يعتقد بأنها "دولة الظلم". وداخل هذا التيار لو جاءت الكلمة ممن يعتقد أنه "ليبرالي" تعد خطيئة، وإن جاءت الكلمة نفسها من "إسلامي" فهي عين الصواب. ولقد برز تأثير ذلك في ثنايا الأزمة الراهنة بشكل جلي، فمجرد إيراد الأمير تميم في خطابه الأخير كلمة عن المسجد الأقصى –ودون عمل أي شيء- كانت محل إشادة من كل القنوات والكتائب القطرية والإخوانية، بينما تعرض الملك سلمان لهجوم شديد من الجزيرة والإخوان يستنكر دوره في فك الحصار عن الأقصى، رغم جهوده الظاهرة.
ثانيا: كيف يمكن تحسين الإدارة الإعلامية للأزمة مع قطر؟
إن النقطة الأساسية التي كشفت عنها الأزمة، هو أنه على الرغم من تشوهات وأخطاء مشروع التحالف القطري- الإخواني، واستغلاله أوضاع الواقع العربي كأرضية يوظفها في نشر أفكاره ودعايته، إلا أن استمرار هذا التحالف يعني استمرار انقسام عقلي ووجداني في الشخصية العربية، وهو ما يعني أيضا استمرار احتضان قطر لمشروع لن يهدأ له بال إلا إذا أكمل الانقضاض على الدول والمجتمعات، وهو مشروع يوظف الوضع العربي ويستغله لأجل استمرار الوجود. ولا يمكن مواجهة هذا المشروع إلا بأفكار جديدة وعلى خطوط متوازية تخرج إعلام الدول الأربع من إسار السراديب والحواري الإعلامية التي تفرضها أفكار الجزيرة وقطر.
وهنا من المهم لدول المقاطعة الأربع ألا تحصر نفسها في الرد على مشروع قطر والجزيرة، وإنما أن تطلق تفكيرها بشأن سبل مواجهة "غول" الإعلام الأيديولوجي ومقولاته المعززة للكراهية والتحريض من خلال خوض مواجهة لا متماثلة، لأن هذا النمط من الإعلام سوف يستمر طويلا، وربما بشكل أبدي. فحتى لو افترضنا أن الأمير تميم قرر إنهاء تحالفه مع الإخوان والرضوخ للشروط الـ 13 وإغلاق القناة، فإن هذا الإعلام نفسه سينقلب عليه، وقد يواجهه بأضعاف المرات مما يواجه به قيادات مصر والسعودية والإمارات والبحرين الآن، لأن هذا الإعلام أصبح يدور في شبكة مفاهيم مغلقة لا تسمح بدخول أفكار جديدة داخل الجيتيو العقائدي الخاطئ.
لذلك فإن ما يمكن طرحه من أفكار لمواجهة وتجفيف هذا النمط من الإعلام هي أفكار لا تتعلق بجوانب فنية ومهنية (رغم أنه يمكن إيراد العشرات منها)، فأمام ماكينة الجزيرة وقنوات التحريض، تسقط كل الرهانات على تصحيح الاختلالات المهنية، لأن المسألة تتجاوز المهنية، ذلك أن ما يخدم إعلام الجزيرة أنه يدور في فلك مشروع سياسي وديني أكبر، تعمل عليه منذ عقود قوى وشبكات وحواضن دينية وسياسية متعددة الأشكال والأوجه في مختلف الدول، وهو أمر لا يجعل خوض المعركة مع هذا النمط من الإعلام منحصرا في نطاق المهنية.
كل ذلك يجعل كسب المعركة مع الجزيرة ونسخها وطبعاتها التركية يرتكن بالأساس على خوض المعركة الأكبر لأجل استنهاض الوضع العربي العام، وهو ما يمكن أن يقوم على ما يلي:بدي
1- تعزيز وضع التنمية الداخلي
أكثر ما يمكن أن يشكل ضربة قوية في المواجهة الراهنة مع الإرهاب والمشروع الإعلامي للجزيرة، هو إقرار الدول الأربع الكف عن الاستمرار في خوض حرب لا متماثلة تفرضها عليها الجزيرة، بعدم تبديد الطاقات والانشغال بالمواجهة الإعلامية والتركيز على تعزيز جهودها نحو التنمية الاقتصادية والبشرية. إن أكثر ما ترغب به الجزيرة وقطر هو خوض معركة متماثلة بنفس أدواتها الإعلامية، لأن نتيجة هذه المعركة ستكون لغير مصلحة دول المواجهة، نظرًا للاعتبارات السابق عرضها. فإذا تراجعت أوضاع قطر الاقتصادية والتنموية خلال العام المقبل، وارتقت دول المواجهة على مراتب التنمية والاقتصاد، فإن ذلك سيزيد الضغط على الجزيرة وقنوات الإخوان وصانع القرار القطري، ويؤكد خسارة إعلام الجزيرة للمواجهة. هذه الخبرة، نتائجها واضحة على الأرض، حيث يزداد الهجوم الإعلامي من قنوات الإخوان وتزداد ابتذالا في لغة الحوار كلما أُعلن عن افتتاح مشروع وطني أو مشروع اقتصادي في مصر، وهو ما يفسر شطط مذيعيها في الإساءة في الأشهر الأخيرة.
2- التحصين الداخلي والتصحيح في الحاضنة الدينية
لا يمكن مواجهة إعلام الجزيرة وكتائب الإخوان من دون السعي لتصحيح الرؤى والقراءات داخل قواعد وأوساط الإسلاميين، وسوف يكون من قبيل الكذب على الذات إنكار أن هناك قواعد وتكوينات مجتمعية متعاطفة مع الإخوان وقطر في الدول الأربع، ومصر والسعودية تحديدا، لاعتبارات بعضها يتعلق بالأوضاع المعيشية والاقتصادية والقراءات الدينية، وليس تأييدا للموقف السياسي، وهؤلاء هم بمثابة حواضن جاهزة لا تبذل قطر والإخوان أي جهد لاجتذابها، يساعد على ذلك أن من ليس في موقع السلطة والقرار يمكنه أن يرفع سقف انتقاده كما يشاء، وأن يجعل نفسه حكما على خطط الدول والشعوب وصناع القرار. ولا يمكن إنكار أن الفكر الديني به الكثير من القراءات المغلوطة التي تتعلق بالتواكل والرضا بحياة الفقر والبؤس وإدمان حالة الزهد، وهنا من المهم التأسيس لخطاب ديني دنيوي يسعى لتكريس ثقافة وحب الحياة، وتفضيل العلم على الجهل، ويؤكد أن الغنى أفضل من الفقر، وأن صلاح الآخرة من صلاح الدنيا، وأن البؤس والشقاء والحزن والبكاء ليست هي الطرق الأصح للقرب من الله.
3- السيطرة على الفضاء الداخلي بخطاب إعلامي مغاير
مع استمرار المعارك والاشتباكات الإعلامية المتماثلة مع إعلام الجزيرة تكسب قطر والإخوان أرضيات جديدة كل يوم، لأن كسب هذه النوعية من المعارك يحتاج لتغيير الواقع أولا. وطالما لم يتغير الواقع سيستمر سلطان الأكذوبة التي تشكل ساحة خواء للعقل للاستنامة لخطاب المظلومية والقمع والقهر الذي ترسخه الجزيرة عن سلطات سياسية -قد تكون معذورة فعليا- ولكنها تظهرها كسلطات باطشة وجبارة بتأثير عوامل الفساد الداخلي الفعلي أو محدودية القدرات.هنا فإن إدارة المواجهة على نفس الأرضية، وبنفس قواعد قناة الجزيرة،تنتهي بالهزيمة. فالأساس لكسب هذه المعركة يتمثل في تجاهل الفلك الذي تدور فيه الجزيرة وقنوات الإخوان كله من المعارك، الذي يفرض ستارًا دكتاتوريا على العقل ويؤسس للهوس الإعلامي المشحون بالكراهية والتحريض في عقول الناشئة، والتحرك في فلك وفضاء إعلامي جديد خصب وذي خيال مفتوح، يحرر العقل من سلطان خطاب الجزيرة وإعلام الإخوان، وهوما يتطلب التوافق مع خطط حكومية تستهدف تغيير المزاج العام وفرض نوعية جديدة من قضايا الجدل الداخلي، لتتجه المجتمعات إلى ثقافة الحياة والاقتدار والعيش بدلا من الثقافة العدمية والمزاج الاستشهادي البائس والحزين.