نــورا فخـري أنور

باحث مساعد - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

فور إقرار الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2018/2017، فُضت الدورة البرلمانية الثانية للبرلمان، وقبلها بعدة أسابيع أقر البرلمان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي أعقبة إقرار عدة أمور على رأسها قانون الاستثمار الجديد الذي تعرضنا له في العدد السابق من "قضايا برلمانية".

في هذا العدد من المجلة نتطرق إلى مشروع الموازنة العامة للدولة وأثر اتفاق الصندوق عليها، وما تضمنته الموازنة من أمور ورغبة في زيادة معدلات النمو، وكذلك تفعيل النسبة الدستورية لموازنة كل من التعليم والبحث العلمي والصحة من الناتج القومي الإجمالي، حيث أوضحت الدكتورة إيمان الشيوى، المحلل الاقتصادى بوزارة الاتصلات وتكنولوجيا المعلومات، أن الموازنة العامة أهم وثيقة اقتصادية لكونها توفر معلومات تتعلق بأثر السياسات الحكومية فى استخدام وتوزيع الموارد القومية. وقد يستهدف مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2018/2017، ولأول مرة منذ سنوات طويلة تحقيق فائض أولى (أى العجز الكلى للموازنة العامة للدولـة مطروحا منه مدفوعات الفوائد)، وهو ما يسمح بسداد جزء من مدفوعات الفوائد إلى جانب خفض نسب العجز الكلى والدين العام تدريجيا. كما أن تحسين أوضاع الماليـة العامة سيمكن الحكومة من إعادة توجيه موارد إضـافية لـصالح بـرامج التنميـة الاقتصادية والبشرية والاجتماعية.

كما يتعرض العدد لمشروع قانون العمل باعتباره واحدا من القوانين المرتبطة بالقرض فيما يتصل بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لسوق العمل وفئة رجال الأعمال، حيث أشارت د. هويدا عدلى، أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، إلى أنه على الرغم من وجود ارتباك فى السياق وتعدد أطرافه وتصارع الضغوطات الممارسة من كل طرف، فإن هذا السياق بارتباكه وضغوطاته كان سببا أساسيا فى محاولة المشروع الموازنة بين مصالح طرفى العملية الإنتاجية، وإن كان التزام المشروع الفلسفة ذاتها التى حكمت القانون 12 لعام 2003 جعل هذا التوازن أمرا صعبا فى كثير من مناطق القانون. وعلى ذلك، فإن العبرة فى الحقيقة ليست بالنصوص ولكنها بالإرادة السياسية الراغبة فى إحداث هذا التوازن، والتى مازالت رهينة فكرة راسخة وهى أن تشجيع الاستثمار لا يأتى إلا على حساب العمال.

كذلك أشار الأستاذ حسانى شحاتة، الباحث الاقتصاي، إلى قرار رفع الفائدة – للمرة الثانية- على الودائع وحسابات التوفير في البنوك وأثاره المحتملة على الاستثمار المصري والأجنبي، حيث أوضح أن البنك المركزى اتخذ قراره برفع سعر الفائدة فى 21 مايو 2017 بواقع 200 نقطة أساس على الإقراض والاقتراض. وقد عانى الاقتصاد المصرى من إشكالية ثنائية تتمثل فى ارتفاع التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة فى البنوك. وتجدر الإشارة إلى أن التضخم فى مصر هو تضخم غير ناتج عن جذب الطلب، أى ارتفاع الطلب على السلع والخدمات، بل نتيجة لصدمات فى المعروض من السلع والخدمات. فبعد تعويم الجنية المصرى ظهر ما يعرف بالتضخم المستورد، أي أنه تضخم قائم بسبب زيادة تكلفة الاستيراد من الخارج، وزيادة سعر الدولار مقابل الجنية. علاوة على اتباع الحكومة توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين لإجراء إصلاح اقتصادي، تبعه تحرير العملة، فضلا عن رفع الحكومة أسعار المنتجات البترولية.

إضافة لما سبق تتطرق "قضايا برلمانية" إلى إقرار البرلمان الاتفاقية الأفريقية لمنع ومكافحة الفساد التي أسسها الاتحاد الأفريقي منذ عدة سنوات، ولم تنضم لها مصر حتى الآن، حيث ناقشت د. غادة موسى، الأستاذ المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، تأخر مصر فى اتخاذ قرار الانضمام لاتفاقية الاتحاد الأفريقى لمنع ومكافحة الفساد، حيث أوضحت أن هذه الخطوة ستسهم في تغيير رؤية الدول الأفريقية لإرادة مصر فى محاربة الفساد. لا سيما وقد تحدثت الاتفاقية عن أثر تقويض الشفافية والمساءلة فى إدارة الشئون العامة على زيادة الفساد. كما أكدت على دعم المؤسسات وبناء ثقافة ديمقراطية. جدير بالذكر أن الاتحاد الأفريقى رأى فى إقراره للاتفاقية تعزيز للترابط والتنسيق بين الدول الأفريقية فى منع الفساد باعتباره عقبة من عقبات التنمية الشاملة.

كما يناقش الأستاذ أحمد عبدالحفيظ، المحامى بالنقض ونائب رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، المستجدات المتصلة بسن قانون الهيئة الوطنية للانتخابات استعدادا للانتخابات الرئاسية والمحلية القادمة، لا سيما فيما يتعلق بمعضلة الإشراف القضائي المؤقت أو الدائم على عمليتي الترشيح والاقتراع والفرز، حيث يوضح أن تعديل الدستور عام 2007، قام بإلغاء الإشراف القضائى فى لجان الاقتراع، وكان ذلك أحد أسباب انفجار أحداث يناير 2011 الجماهيرية. وبعد حراك 25 يناير، وبمناسبة وضع دستور جديد، أجمع الخبراء والمتخصصين على ضرورة استحداث هذه الهيئة فى مصر، وهو ما نص عليه الدستور الصادر عام 2012، والذى جرى تعديله- بما يشبه التغيير الكامل- بالدستور الحالى الصادر عام 2014.

من ناحية أخرى، تناقش المجلة مسألة إدارة النائب للأوضاع في دائرته من خلال علاقته بالناخبين، حيث توضح الأستاذة ميج مان، الخبيرة بمؤسسة الشركاء الدوليين والنائبة السابقة بمجلس العموم البريطانى، أن النظام التمثيلى يرتبط بالأساس بانخراط النائب فى ظروف دائرته الانتخابية ومعرفة احتياجات الناس لكى يمثل ناخبيه بفاعلية. فلابد أن يتسم النواب بالعدل فى تقديم المساعدة للناخبين. ومن أفضل طرق تلاقى النائب بالناخبين فى المناطق الريفية فى البلدان النامية تأسيس أكشاك بالشوارع. وعلى ذلك من المرجح أن يدعم الناخبون النائب فى الانتخابات المقبلة إن عرفوا أنه يعمل جاهدًا ويمثل دائرتهم بشكل جيد.

كما يناقش الأستاذ لورد أرشى كيركوود، المحامى فى أسكتلندا وعضو مجلس العموم ومجلس اللوردات الأسبق فى المملكة المتحدة، عمل اللجان البرلمانية وآليات إدارتها للتشريع والرقابة. ويرى كيركوود أة أن اللجان البرلمانية هي أفضل من يعيد النظر فى التشريع بعد سنه وتجربته، بمراجعة مواءمته المستمرة، وتقديم توصيات لتحديث أو تعديل بنوده. وقد يتمثل دور اللجان البرلمانية فى مراقبة تفاصيل السياسات العامة التى تقترحها الحكومة وتحديد الثغرات وإيجاد تحسينات مناسبة. وفى جميع الأحوال تحتاج اللجان إلى إمكانيات إدارية فى مجال الإجراءات واللوجستيات والبحث الفنى والإعلام والدعاية الخارجية لأداء مهامها بحسب الاختصاص المعطى لها.

وختامًا، يتطرق د. عمرو هاشم ربيع، رئيس تحرير الدورية، ونائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إلى مسألة أوضاع الأحزاب السياسية المصرية والقيود المفروض عليها من داخلها ومن خارجها، مشيرا إلى بعض المقترحات لإحياء الحياة الحزبية من جديد. ويوضح أنالأحزاب السياسية اتسمت ببنية تنظيمية هشة، إذ إنها افتقرت إلى بنية معلومات سليمة، كما أن غالبيتها كان أقرب فى تعاملاته الداخلية إلى النمط العائلي. إذ أن الكثير من مؤسساتها تشكل بالتعيين، أو بانتخابات يطعن فى نزاهتها آخرون من داخل الحزب، كما أن الكثير من دماء تلك التنظيمات قد أصابها التكلس والتجلط، بحيث لم يعد هناك تصعيد وحراك نخبوى أو تجديد للدماء. ومن ثم، يرتبط  ذلك بغياب التجنيد السياسي، وهو ما يؤدي آليا إلى الشللية. ويعالج الموضوع سبل الخروج من كافة تلك السلبيات، وعودة الأحزاب لممارسة دورها المتعارف عليه في النظم المتمدينة.