مصطفى كمال

باحث مساعد - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

تمر المنطقة العربية بمرحلة فارقة، على خلفية ما تتعرض له دولها من خطر التقسيم والتفكيك، في ظل انتشار الصراعات الطائفية والمذهبية والمناطقية والعرقية. ويكتسب الوضع في اليمن خصوصية تجعل من تمادي الصراع فيه خطرًا حقيقيًا على أمن دول الخليج العربية ومصر، حيث تطل اليمن على مضيق باب المندب الذي له تأثير مباشر على أمن الملاحة في البحر الأحمر ومن ثمة قناة السويس، لذلك فإن استمرار الفوضى وعدم الاستقرار في اليمن، سيكون تأثيره كبيرا على المنطقة.

وفي هذا السياق، يناقش عدد يوليو 2017 من دورية "بدائل" التي تصدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، "الفرص المتاحة: مدخل لتنشيط السياسة الخارجية المصرية تجاه الصراع في اليمن"، حيث تقدم الدراسة ثلاث توصيات لتحليل السياسة الخارجية المصرية تجاه الصراع في اليمن، وتقديم رؤية لتنشيطها في ضوء الثوابت التي حكمت المواقف المصرية تجاه اليمن.

وتشير د. إيمان رجب، الخبيرة في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ورئيس تحرير الدورية، في مقدمة العدد التي تحمل عنوان "الصراع اليمني في السياسة المصرية"، إلى أن الهدف من انخراط مصر في التحالف العربي منذ اشتعال الصراع في اليمن هو تأمين المجرى الملاحي في باب المندب وتأمين وصول السفن إلى قناة السويس، كما أن مصر تتمسك بالحل السلمي للأزمة اليمنية من خلال تسوية سلمية للصراع تضمن مشاركة كل الأطراف. وتطرح د. إيمان تساؤلا حول إمكانية تبني مصر سياسات خارجية أكثر نشاطا وتأثيرا تجاه الصراع في اليمن خلال الفترة المقبلة لاسيما في ضوء التحولات التي تشهدها المنطقة.

وقد قام الأستاذ أبو بكر باذيب، زميل كلية الدفاع الوطنيبأكاديمية ناصر العسكرية، بإعداد الدراسة الرئيسية لهذا العدد والتي تحمل عنوان "الفرص المتاحة: مدخل لتنشيط السياسة الخارجية المصرية تجاه الصراع في اليمن". وتنقسم الدراسة إلى ثلاثة أقسام رئيسية على النحو التالي.

أولا: السياسات المصرية تجاه الصراع في اليمن

يشير الأستاذ أبو بكر  إلى أن العلاقات المصرية- اليمنية تتسم بالثبات، وتنبع من قناعة بأن أمن اليمن جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، والذي يعتبر الدائرة الرئيسية من دوائر الأمن القومي المصري. من هنا كان الدافع وراء المشاركة المصرية ضمن قوات التحالف العربي للحفاظ على الأمن القومي العربي والأمن القومي المصري، من خلال مراقبة ومتابعة المشهد غير المستقر للبحر الأحمر ومضيق باب المندب، كما تحرص مصر دائما على دعم جهود استقرار الدولة اليمنية ووحدتها وسلامة أراضيها من خلال مواصلة المشاورات السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، للتوصل إلى حل سياسي للصراع وفقا للمرجعيات الأساسية للتسوية السياسية ومقررات الشرعية الدولية، والتي تُجنب دخول اليمن في صراع مُسلح طويل الأمد.

1- الموقف المصري من التدخلات الإقليمية والدولية في اليمن

تتناول الدراسة التحديات والتهديدات الدولية والإقليمية والمحلية التي باتت تواجه الأمن القومي اليمني، والتي فرضت على مصر العمل في عدة دوائر أمنية متشابكة، من أهمها الدائرة العربية والتي تشمل اليمن ودول الخليج. كما ترى الدراسة أن استمرار غياب دور الدولة اليمينة عن الإشراف والتأمين على مضيق باب المندب سوف يؤدي إلى عدم تأمين طرق الإمدادات النفطية والملاحة الدولية، حيث تعد اليمن أحد أهم ممرات خطوط نقل النفط للعالم عبر باب المندب وقناة السويس.

كما ترى الدراسة أن استيلاء جماعة الحوثي على السواحل اليمنية المطلة على البحر الأحمر وباب المندب سيكون له التأثير الأكبر على الأمن القومي المصري، وينظر له باعتباره تهديدا استراتيجيا على الأمن القومي المصري، وهو ما يحتم أن يكون لمصر دورا متواصلا ودائما في اليمن، ولذا تكشف الدراسة على أن مصر ترى مسألة تأمين وحماية الممرات المائية هي الأهم استراتيجيا، بالإضافة إلى التنسيق الأمني والمرتبط بالإرهاب.

2- أنماط التهديد

حددت الدراسة أنماط تأثير الصراع في اليمن على الأمن القومي المصري نمطين رئيسين. أولهما، التهديد البحري والملاحي، حيثتؤكد الدراسة على أن سعي جماعة الحوثي للسيطرة على المناطق اليمنية الحيوية، ومنها الساحل الغربي المطل على مضيق باب المندب، سيكون له تأثيرا سلبيا على الأمن القومي المصري، حيث يؤدي زيادة الاضطرابات في هذه المنطقة وزيادة القدرات العسكرية لجماعة الحوثي إلى تهديد الملاحة في البحر الأحمر ومن ثمة قناة السويس، في الوقت الذي تعاني مصر فيه من أزمة اقتصادية تدفعها لعدم التفريط في ثوابت دخلها الاقتصادي ومنها الملاحة في قناة السويس.  

ثانيهما، تصاعد الإرهاب وتمدد علاقاته في المنطقة. وتشير الدراسة هنا إلى أن سقوط الدولة اليمنية بكل مؤسساتها في يد جماعة الحوثي أسهم في تزايد نشاط تنظيم القاعدة في اليمن، وهو ما شكل تهديدا مباشرا للأمن القومي العربي. كما أن استمرار العمليات ضد جماعة الحوثي وصالح دون استهداف مباشر لتنظيم القاعدة سوف يمنحهم فرصة لتوسيع نطاق انتشارهم. ويضاف لتهديدات تنظيم القاعدة تهديدات الإرهاب وتنظيم داعش الذي يسود الغموض حضوره في اليمن، حيث لم تتخط عملياته كونها أوراق ضغط من بعض القوى السياسية بهدف إرباك المشهد اليمني. كذلك، فإن التنظيم لم يجد الحاضنة الشعبية التي تشجعه على إعلان نفسه، وهذا ما دفع مصر إلى إنشاء الأسطول الحربي البحري الجنوبي الذى وفر أولى خطوات الردع تجاه مناطق الصراع المتاخمة في مجال مصر الحيوي.

ثانيا: "تقييم" السياسات المصرية تجاه الصراع في اليمن

تتناول الدراسة الحضور العام للدبلوماسية المصرية في دعم الحكومة الشرعية في اليمن كونه مراقب خارجي للأوضاع في اليمن، بسبب عدد من المحددات بعضها رئيسي مثل أولويات الأجندة المصرية التي تعتبر محاربة الإرهاب القضية الأولى فيها، وكذا الأثر التاريخي لتجربة التدخل المباشر في اليمن، وبعضها ثانوي مثل تقاطع وتعارض بعض المصالح والرؤى والعلاقات الدولية والإقليمية حول الصراع في اليمن. لذا يخلق الحضور المصري حالة من التوازن السياسي والدبلوماسي في دعم شرعية الدولة والجيش الوطني في اليمن؛ ففي الوقت الذي تعارض مصر فيه أي وجود إيراني في المنطقة، فإنها تعارض أيضا أي وجود لحزب الإصلاح الإسلامي التابع للإخوان المسلمين على قائمة قوى الشرعية اليمنية. كذلك تحرص مصر على أن تكون حاضرة في ضوء التطورات والمستجدات في اليمن، عبر أطر مختلفة إما عبر اللقاءات السياسية والدبلوماسية أو من خلال المشاركة السياسية ضمن دول الثماني عشرة الراعية والمشرفة على المشاورات السياسية في اليمن، أو من خلال الحضور العسكري المحدود في ضوء حساباتها الاستراتيجية التي ترى ضرورة عدم تورطها في عملية عسكرية ممتدة في بيئة معقدة بحجم التعقيدات في اليمن.

 ثالثا: مقترحات لتنشيط التعامل المصري مع الصراع في اليمن

ترى الدراسة أن التفاعل المصري مع الصراع في اليمن يمكن أن يستثمر بشكل أكبر، حيث تستطيع مصر أن تلعب دورا مختلفا أكثر تأثيرا ونشاطا في هذا الصراع، باعتبارها طرفا مقبولا من كل الأطراف والقوى اليمنية، إلا أن السؤال الأهم هنا "ما مدى استعداد هذه القوى لمنح مصر مساحة ودورا حقيقيّا للعب دور سياسي دون أي دولة أخرى، كما يجب أن تكون مصر مستعدة بالعديد من البدائل لمواجهة أي سيناريوهات قد يفضي إليها الصراع في اليمن، سواء في إطار التسويات السياسية أو في إطار استمرار الحرب والفوضى وغياب الدولة".

وفي هذا الصدد تقترح الدراسة عددا من التوصيات لتنشيط السياسة المصرية تجاه الصراع في اليمن، تشمل:

1- سياسا، لابد من استمرار الدعم السياسي للشرعية اليمنية وتنشيط دور مصر كعضو في مجلس الأمن الدولي في إثارة القضية اليمنية، إضافة إلى لعب دور إيجابي لتقريب وجهات النظر حول الصراع اليمني، وإبداء حسن النوايا بين الأطراف اليمنية.

2-عسكريا وأمنيا، لابد من استمرار الدور المصري بفاعلية ضمن التحالف العربي والإسهام والمشاركة في تولي مهام بناء وتدريب وتأهيل قوات الجيش والأمن اليمنية.

3- على المستوى الاقتصادي والإنساني، يقترح أن تقوم مصر بالدعوة لعقد مؤتمر دولي للإغاثة ومشاريع الإعمار، وتقديم التسهيلات الخاصة للرعايا اليمنيين، وفتح قنصلية مصرية في العاصمة المؤقتة عدن.